حمامات تيلانيسوس بالقرب من قلعة سمعان

05 11

بالانيا تيرم وحمامات يتابع فعالياته لليوم الثالث على التوالي

لا تزال ندوة «بالانيا تيرم وحمامات» مستمرة في نشاطاتها لليوم الثالث على التوالي، واتسمت محاضرات يوم الأربعاء 4 تشرين الثاني بتناول الموضوعات المرتبطة بالمقاربة الزمنية للحمامات من حيث انتماؤها لحقب تاريخية معينة. وهكذا تدرج المحاضرون في موضوعاتها انطلاقاً من العصر الذهبي للحمامات وصولاً إلى حمامات القرون الوسطى.

فمنذ ترسخ مفهوم الحمام العام وتحوله إلى تقليد، وصولاً إلى العصر الذهبي للحمامات في الفترة اليونانية-الرومانية، قدم المحاضرون أمثلة من حمامات بعلبك وتل الشعري وقبرص، ودراسات عن الحمامات القديمة في آسيا الصغرى وليبيا، عبر دراسات معمارية موثقة.

ثم انتقل المحاضرون إلى دراسة وضعية الحمامات في فترة الانتقال بين العصرين البيزنطي والأموي، والتداخل الحاصل بين النماذج البيزنطية التي ظلت سائدة وما طرأ عليها من تعديلات وتطويرات توافق الحاجات الجديدة للمجتمع المتكون حديثاً وفق قواعد دينية واجتماعية أخرى. كما قدموا أمثلة هامة على حمامات من الفترة البيزنطية في كل من تركيا وصور وقلعة سمعان، وأمثلة من الفترة الإسلامية الأولى كما في حمام جبل السايس وأمثلة من حمامات بيزنطية-رومانية كما في حمام القيليبية التدمري. كما تضمنت اليوم الثالث محاضرات غاية في الأهمية عن حماات القرون الوسطى ذات الطابع البيزنطي والإسلامي على حد سواء.

حمامات تيلانيسوس بجوار قلعة سمعان:
ضمن هذا السياق ألقى الباحث بلوكبيرن-ماري بلان محاضرة هامة حول أحدث المكتشفات التي ظهرت على يدي البعثة الفرنسية إلى قلعة سمعان، والحمام الذي تم اكتشافه على مقربة من الأبنية الأساسية في تلك البقعة الهامة المليئة بالمفاجآت الآثارية، ومما جاء في محاضرته:

«سمحت لنا الدراسة الطبوغرافية التي جرت منذ عام 2000 لليوم بتوسيع النظرة الآثارية للمنطقة المحيطة بجبل سمعان وخصوصاً لقرية تيلانيسوس. حيث أظهرت تلك الدراسة وجود تجمع كبير من الحجارة التي تقاطعت مع وجود آثار تدعيمية، كما أن وجود الحجارة في الأعلى والرماد في الأسفل دعم نظرية وجود حمام في ذلك المكان.

وبالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية وفريق البحث الفرنسي وجدنا قرية تيلانيسوس القريبة من قلعة سمعان، ويمكن الوصول للحمامات التي بنيت بجانب القرية بعد المرور بقوس النصر الخاص بالمدينة والسير في طريق خاص كان الحجاج يستخدمونه كطريق مقدس. هذا الطريق محفور في الصخر، وهناك مجموعات من الحجارة تنبثق من بين النباتات في الجانب الجنوبي من التجمع الحمامي يعتقد أنها تعود لخزانات كانت تستخدم لتجميع المياه في تلك الفترة.

إذاً يمكن القول أن هناك طريقاً يصل إلى المعبد في قلعة سمعان وإلى جنوبه سلسلة من الخزانات (يبعد عددها الإجمالي أربعة) والأقنية مهمتها إيصال المياه للمبنى المعد للتطهر، أما الخزان الرابع فقد كان خزاناً واسعاً جداً بقي منه حائط ربما كانت الغاية منه رفع الماء إلى أمكنة أخرى. ما كانت قنوات مبنية من الحجارة الكلسية كانت تصل إلى ما يسمى البريجيه وهو نوع من السدادات المستخدمة للتحكم بجريان المياه.

نجد في الحمام المستكشف بهواً كبيراً ذا أبواب مزينة بالموزاييك، وإلى الجنوب من الحمام توجد عدة قاعات ذات قبب توصل إلى ما يمكن اعتباره دوشاً مرتبطاً بالقاعات الساخنة إلى الغرب، وتحتوي القاعات على تزيينات بالموزاييك والديكورات المختلفة، وهي موجودة كذلك في القسم المركزي. وفي الزاوية الجنوبية الغربية (المكان الأكثر انخفاضاً) كانت هناك قناة تستخدم لنقل الماء. أما في الجهة الشرقية فنجد حوضاً صغيراً فوقه ما يشبه أنابيب من الرصاص لرش المكان بالماء.

نجد كذلك حوضين دائريي الشكل تم اكتشافهما هذا العام، ثم نصل إلى كتل من الحجارة مرتبة على شكل اسطواني على ارتفاع 80 سم ربما كانت تستخدم للتسخين وحرق الوقود الخشبي حيث كان امتدادها يصل إلى القاعات الساخنة في الحمام.

من أجمل ما عثر عليه اكتشاف جزء من أحد الأوعية الكبيرة المستخدمة في التسخين بارتفاع 20 سم ويتصل بقسم برونزي يبلغ طوله من 90 إلى 110 سم. كما وجدت أجزاء من الزجاج كانت مستخدمة للطبخ، بالإضافة إلى بقايا الآجر الذي عرفت به قلعة سمعان.

لقد بني هذا المبنى بغالبيته في القرن الخامس أو بداية القرن السادس الميلادي، حيث نجد الجوانب الشمالية التي تم بناؤها اعتماداً على القسم الأساسي، ووجدنا درجاً قديماً كان يقود إلى مكان للراحة في الجنوب الشرقي.

التعديل الأخير الذي طرأ على المبنى هو وجود جوانب بنيت للجلوس عليها وهي متداخلة مع الجدران بالقرب من قناة التفريغ التي تقود للجهة الغربية من الحمام.

دمرت هذه الحمامات حتماً فيما بعد، حيث نجد مستويين أحدهما يعود إلى نهاية القرن التاسع وهي آخر فترة شغل فيها هذا الموقع.

وفي النهاية يمكن القول، أن هذا الحمام لم يكن مرتبطاً بالقرية بقدر ما هو للحجاج الذين يحجون إلى قلعة سمعان، ولم يكن من الممنوع على سكان القرية القدوم إليها على الأرجح، ويعتقد أن الحمام كان يعج بالزوار طوال السنة، والسؤال الحقيقي الذي يجب التفكير في جوابه، هو كيف كان يمكن تنظيم هذه الأعداد الكبيرة لاستخدام الحمام، هل كانوا يصفون بالدور مثلاً؟ هذا ما نتركه للبحوث المستقبلية عن هذا المكان».

.


محمد رفيق خضور

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق