نذير نبعة
03 نيسان 2017
1938 - 2016
المحتويات
- النشأة
- قصته مع أول لوحة شاهدها في حياته
- أصدقاؤه
- المرحلة الإعدادية والثانوية
- في محترف ناظم الجعفري
- أول مشاركة له في معرض جماعي
- مرحلة الخمسينات
- الشهادة الثانوية.. ومنحة للدراسة في مصر
- زواجه من التشكيلية شلبية إبراهيم
- تخرجه.. والعودة إلى سورية
- مدرساً لمادة الرسم في دير الزور
- معرضه الفردي الأول 1965
- عبد الرحمن منيف يكتب عن المعرض الفردي الأول
- نذير نبعة يصف مرحلة دير الزور
- العدوان الإسرائيلي في حزيران 1967 وأثره على نذير نبعة
- نذير نبعة والقضية الفلسطينية
- معرض من الأرض المتحلة
- معرضه الفردي الثاني
- معرضه الفردي الثالث
- رساماً في مجلة الطليعة
- بعثة دراسية إلى باريس
- رساماً في مجلة أسامة للأطفال
- مدرسا في كلية الفنون الجميلة بدمشق
- عبد الرحمن منيف يكتب عن مرحلة باريس
- جماعة العشرة
- مرحلة الدمشقيات
- أعمال نذير نبعة على اللوحات الإعلانية في مدينة دمشق
- التجليات
- الرئيس الأسد يمنح نذير نبعة وسام الاستحقاق السوري
- آخر لوحة لنذير نبعة حملت اسم «سورية»
- وفاته وتأبينه
- احتفالية «الإنسان.. والفنان والمعلم» في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق
- كلمة التشكيلي الياس الزيات
- كلمات في وداع النبعة
- معرض تكريمي في ذكرى رحيل النبعة الأول
المراحل المتعددة التي عرفتها السيرة الإبداعية لنذير نبعة تترجم في واقع الحال توقه الدائم للبحث والتجديد، وحيويته الإبداعية المواكبة لحيويته الثقافية. وفي تنقل أساليبه بين الواقعية والتعبيرية والتجريد، وتجدد مواضيعه بين مرحلة وتاليتها، بدت «المراحل» وكأن لا شيء يربط بينها، سوى البراعة والإبداع، الملازمين لصاحبها منذ خطواته الأولى في درب الإبداع التشكيلي.
ولد نذير نبعة في دمشق عام 1938، وتلمس باكراً رغبته في التعبير عن مشاعره بلغة إبداعية. بدايةً، اتجه تفكيره للكلمة، وللشعر، حيث كانت له محاولات في كتاباته استمرت أربع سنوات أنهاها في العشرين من عمره، حين قام بحرق كل كتاباته الشعرية، بعد أن قاده إحساسه الفطري نحو ما هو بصري، بتأثير مشاهد الطبيعة المتحولة ألوانها في بستان جدته «أم محمود» الكائن يومذاك في قرية "المزة"، وما صارت اليوم واحدة من مناطق دمشق السكنية الحديثة الأنيقة، حيث بدأت مغامرته الأولى مع الخطوط والألوان. ففي ذلك البستان كان يمضي أوقاتاً طويلة يتأمل النباتات، وانعكاس صورها على صفحة الماء في الساقية التي تروي البستان، ويراقب تفتح أزهار الجلنار «زهر الرمان» والتفاح، ويتسلق أشجار الجوز لقطف بعض ثمارها، فتحفظ ذاكرة كفيه ملمس الشجرة الخشن – كما قال يوماً في لقاء تلفزيوني -. وإلى ما سبق، كانت تثير اهتمامه الزخارف الجميلة الملونة التي كانت تطرزها أمه على الأثواب النسائية. ولم يمض وقت طويل حتى صار نذير الطفل يرسم وروداً وعصافير على تلك الأثواب، تقوم نساء وفتيات القرية بتطريزها على أثوابهن، فيجد سعادة بالغة عندما يرى رسومه ملونة بخيوط من حرير على صدر فتاة.
قصته مع أول لوحة شاهدها في حياته
كان لمشاهدات الطفولة تلك حضورها الواضح في تكوين ذاكرة نذير نبعة البصرية، وذائقته الفنية، فتجلت الصور الأولى بأشكال مختلفة على امتداد السنوات التالية. منها يوم قام بتصوير أشجار «الغَرب» على ضفاف الفرات، ومنها يوم استعاد «في فترة الدراسة الباريسية» مشاهد النباتات المنعكسة صورتها على الماء، ومنها يوم سعى لينقل ملمس الصخور الطبيعية في جبال الساحل السوري، في استعادة – ربما – لأحاسيسه القديمة عن ملمس شجر الجوز، لكن مجموعة «الدمشقيات» كان لها الحصة الأكبر من ذكريات الطفولة، فحفلت بالورود والرمان والتفاح والقواقع البحرية والمرايا ذات الإطار الخشبي المطّعم بالصّدف، والأثواب النسائية المترفة، والستائر الملونة، وكثير من المشغولات الخشبية والنحاسية والزجاجية التي تحرص المرأة الدمشقية على الاحتفاظ بها في بيتها.
قادته موهبته الفنية ليراقب بشغف «مروان قصاب باشي» الشاب الأكبر منه عمراً الذي زامله في الدراسة الإعدادية والثانوية، والذي أثار اهتمامه حين رآه مصطحباً لوحاته وألوانه إلى منطقة «الربوة» المجاورة، ليرسم عن الطبيعة مباشرة. فكان يحضر له الماء والفاكهة مقابل أن يتأمله وهو يرسم. وكانت لحظة الدهشة الثانية حين شاهد لأول مرة صورة عن لوحة زيتية انطباعية في بيت «ثابت قباني» أستاذ الرسم بمدرسة «حافظ إبراهيم». كان «ثابت قباني» متقدماً في العمر، أنيقاً طيباً، يحمل روح الجد، أكثر من كونه أستاذاً «وفق وصف تلميذه»، وقد لفتت موهبة نذير انتباهه فخصه برعايته.
في بيته تعرف على كثير من الفنانين، منهم «صلاح الناشف» الذي أصبح أستاذاً له في المرحلة الإعدادية، كما تعرف على جاره الفنان الكبير «محمود جلال»، الذي ربطته صداقة بابنه «خالد» ليشهد برفقته لحظة الدهشة الأكبر في طفولته يوم ذهب معه إلى منزل أبيه الفنان الرائد وشاهد هناك لوحته الشهيرة «الراعي»، وكانت أول لوحة زيتية حقيقية يشاهدها. يصف نذير نبعة تلك اللحظة بعد أربعين سنة فيقول: "مازلت أذكر الغرفة الواسعة والضوء الخافت الذي يتسلل من ستائر النوافذ السميكة، كانت هناك عدة لوحات موزعة على جدران الغرفة، ولكن لوحة «الراعي» سحرتني في مكاني شاخصاً إليها، وفي ذلك البيت شاهدت أنابيب الألوان الزيتية، والفرش، والقماش الخاص بالرسم، وعلبة الألوان المائية، كنت كمن اكتشف كنزاً من الكنوز المخبأة في قصص ألف ليلة وليلة".
المرحلة الإعدادية والثانوية
صداقته مع «خالد جلال»، وقد كان نحاتاً واعداً، أتاحت له أن يتعرف على عالم النحت من خلال المنحوتات التي كان يصنعها، ومن خلال منحوتات أبيه «محمود جلال» التي لم تكن تقل أهمية عن لوحاته الزيتية، وكذلك من خلال تعرفه على صديقه النحات الحلبي الرائد «فتحي محمد» إثر عودته من الدراسة في «روما». ومع أن نذير نبعة لم يعمل في مجال النحت، إلا أن تأثير هذا الفن قد ظهر بعد ذلك في لوحاته، وخاصة بعد سفره إلى مصر. وقد أتيح له بعد أن انتقل من مدرسة «حافظ إبراهيم» إلى الدراسة الإعدادية والثانوية في ثانوية «التجهيز الأولى» «جودت الهاشمي – حالياً» أن يتعرف على عدد من الفنانين الكبار الذين كانوا يقومون بتدريس الرسم أمثال «صلاح الناشف» و«رشاد قصيباتي»، إلا أن الفنان الأكثر أثراً في مسيرته كان الفنان «ناظم الجعفري» الذي كان قد أقام في الثانوية مرسماً لتعليم التلاميذ مبادئ العمل الفني، وفر له كل ما يجعل منه مكاناً استثنائياً لتعلم تقنيات الرسم بأقلام الرصاص والفحم والتصوير بأصابع الفحم، والألوان المائية والزيتية.
في محترف ناظم الجعفري
كان ناظم الجعفري المنحاز للفن الواقعي إلى حد التعصب، جدياً وصارماً إلى أبعد الحدود فيما يتعلق بأصول العمل الفني التي يؤمن بها. وكان بالمقابل كريماً للغاية مع تلاميذه فربطت بينه وبين نذير علاقة احترام جلية كالتي يفترض أن تقوم بين معلم قدير ومحترم، وتلميذ خلوق حريص على التعلم، وفي وقت لاحق صار بإمكان الطالب الشاب زيارة مرسم أستاذه في «شارع بغداد» مصطحباً رسومه ليستمع إلى ملاحظاته وكانت أوضح تجليات هذه العلاقة أن نذير نبعة لم يسافر في منحته الدراسية الجامعية إلى مصر إلا بعد استئذان أستاذه «ناظم الجعفري» والحصول على موافقته.
هذا السلوك الراقي المشبع تهذيباً واحتراماً ظل السمة الملازمة لنذير نبعة طيلة حياته، وقد تكرر ما يشبه حكايته مع «ناظم الجعفري» بعد سنوات كثيرة، وفي عام 1975 تحديداً، يوم تخرج من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس «البوزار». فأرسل برقية للفنان «عبد العزيز درويش» أستاذه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة يقول فيها: "تخرجت اليوم من البوزار، ونلت أعلى معدل، ولازلت أنت أستاذي".
ساهمت الخبرات التي اطلع عليها نذير نبعة، والتي اكتسبها خلال انتسابه لـ «مرسم ناظم الجعفري» في «التجهيز الأولى» في بلورة موهبته سريعاً. تلك الموهبة التي كانت قد حصدت تقديرها الأول في مدرسة «حافظ إبراهيم» حين نال الجائزة الثانية في المعرض السنوي للمدرسة، وكانت الجائزة رواية من أدب «شكسبير» صاغها مع مجموعة من الأدب الكلاسيكي العالمي بلغة تصلح مفرداتها لقراءة الأطفال "طيب الذكر المصري كامل الكيلاني". وفق تعبير نذير، وقد فتحت هذه الرواية باكراً اهتمام الطالب الفتى على عالم الثقافة والأدب، الذي ظل شغوفاً به حتى آخر حياته، بالتوازي مع تطوير تجربته التشكيلية.
ما أن جاء عام 1952 حتى كانت موهبته الفنية قد أعلنت عن نفسها بوضوح من خلال مشاركته بلوحة مائية صغيرة «السكّير» في المعرض السنوي، وهو لما يزل في الرابعة عشرة من عمره. ومن المؤكد أنه كان لهذا النجاح المبكر دورٌ كبير في تحديد خياره المستقبلي، وهو يذكر أن قبول لجنة المعرض عرض لوحته كان فرحة لا توصف، وأنها أعطته القناعة بأنه من الممكن أن يصبح رساماً في هذا الوقت المبكر من العمر.
وقد يصبح الأمر قابلاً للفهم أكثر إذا أخذنا في الاعتبار الأهمية التي كان يمثلها المعرض السنوي، حديث العهد حينذاك. فقد أقيم "المعرض السنوي" لأول مرة عام 1950 وهو ما يجعله أحد أقدم المعارض الدورية العربية، وقامت بتنظيمه وزارة المعارف «حل محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي» والمديرية العامة للآثار والمتاحف. وفي عام 1959 قسم المعرض إلى اثنين: "معرض الربيع" في حلب، و"معرض الخريف" في دمشق. ومع تأسيس وزارة الثقافة في عهد الوحدة السورية – المصرية «أواخر عام 1958» انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى «مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية» فيها التي أعادت بعد بضع سنوات دمج المعرضين في معرض واحد، استمر - كما بدأ – بتقديم صورة متكاملة وشاملة عن المشهد التشكيلي السوري بسبب حرص الفنانين باختلاف اتجاهاتهم الفنية ومدارسهم وأجيالهم على المشاركة، ما أدى إلى استمرار نمو أهمية المعرض التي بلغت ذروتها في الثمانينات. والأرجح أن مشاركة نذير نبعة كانت في معرض عام 1953 «وليس معرض 1952 كما ورد غير مرة في سيرته الشخصية» وفق ما تشير وثائق المعرض. التي تشير أيضاً إلى أنه شارك بعد ذلك في معارض 1954 و1956 و1957 ثم عام 1959. وهو العام الذي نال فيه الشهادة الثانية. علماً أن المعرض لم يُقم عام 1958. وبصرف النظر عن سنة المشاركة فإن عدد الفنانين الذين قبلت لوحاتهم في معرض عام 1952 كان فقط 38 فناناً. ومن بينهم أساتذة الفنان الشاب. والفنان الحلبي الأرمني «نوبار صباغيان». الذي لفتت لوحته انتباه نذير.
مرحلة الخمسينات
كانت تلك المرحلة «الخمسينات» زمن الصراع الفكري والسياسي، وكانت أيضاً زمناً خصباً لازدهار الحركة التشكيلية السورية، ووضوح معالمها، تزامن ذلك مع نمو الإحساس الوطني بعد الاستقلال، ومع النهوض القومي بتحرر كثير من الأقطار العربية من الاستعمار، فلم يعد النشاط الفني يقتصر على معارض الجمعيات الخاصة، رغم أهمية الدور الذي قامت به، ولا على «المعرض السنوي». كما أن الحركة التشكيلية لم تعد أسيرة ثقافة «المدرسة الانطباعية» التي سادت المرحلة السابقة للاستقلال، بل تبلورت وكشفت عن غناها بمدارسها وفنانيها بإبداعاتهم المتميزة والمبتكرة. يقول نبعة: "بدأت أرى أعمال «محمود حماد» المستوحاة من الحرف العربي، ولوحات «أدهم إسماعيل» التي تعتمد في بنائها على الخط اللانهائي للرقش الإسلامي، ولوحات أخيه الأصغر «نعيم إسماعيل» الذي استلهم المواضيع والزخارف الفولكلورية السورية في تكويناته. وفي لوحات هؤلاء ابتدأ أفق الفن يبدو لي أوسع وأرحب. ثم ابتدأت الحداثة تأخذ مكانها وترسخ بأسماء مهمة مثل «فاتح المدرس» و«مروان قصاب باشي» و«برهان كركوتلي»، بل بدأت أعمالهم تستحوذ على إعجاب النقاد ولجان التحكيم، وتنال الجوائز والتقدير. كانت هذه الفترة بالنسبة لي هي مرحلة التأسيس، فيها تعلقت بالفن. وفيها تكونت لدي القناعة بدراسة الفن واختياره كطريق في الحياة".
الشهادة الثانوية.. ومنحة للدراسة في مصر
إثر نيله الشهادة الثانوية عام 1959 تقدم إلى مسابقة للحصول على منحة مقدمة من وزارة التربية للدراسة في كلية الفنون الجميلة في الإقليم الجنوبي «كما كانت تسمى مصر في إطار دولة الجمهورية العربية المتحدة» ونجح فيها، فتوجه أواخر عام 1959 إلى القاهرة برفقة عدد من الموفدين كان منهم «نشأت الزعبي» و«خالد المز» و«أدهم قوطرش» و«زياد الرومي»، حيث كانت في انتظاره خمس سنوات حافلة باكتساب الخبرة والتطور الشخصي واتساع الأفق المعرفي.
كانت القاهرة في تلك الفترة تزدهر بالحياة الفكرية والثقافية والفنية، وقد أتاحت له دراسته فيها بناء صداقات واسعة ومديدة مع عدد كبير من المثقفين المصريين، ومتابعة الأنشطة الفنية، والحوارات الفكرية والثقافية والإبداعية، ومنها ما يتعلق بروح اختصاصه، وبالأسئلة التي كانت تدور في ذهنه بإلحاح حول هوية الفن الذي سيصنعه، ومهمته، وغايته. ودوره في التعبير عن أفكاره، والثقافة التي ينتمي إليها، وهي أسئلة كانت تتقاطع مع المناخ الفكري – الثقافي السائد في مصر آنذاك. وقد ساهم أساتذة كلية الفنون الجميلة في القاهرة في جعل هذا المناخ دافعاً للبحث والتجريب. فقد كانوا يأخذون بأيدي طلابهم نحو الجديد في الفن والثقافة. وكان من حسن حظ «نبعة» كما يقول أنه تتلمذ على ايادي فنانين أساتذة كبار أمثال «حسين بيكار» و«عبد العزيز درويش» و«عبد الهادي الجزار» و«حامد ندا): "كانت آفاق الفن ودنياه تتسع أمامي، فمن انطباعية «حسن البناني» الغارقة في عرس من الألوان والضوء ورشاقة اللمسة، إلى بنائية التكعيبيين في تعاليم «عبد العزيز درويش» العاشق للعم "سيزان" أبي التكعيبية، كما كان يدعوه. ولم أشعر بالغربة أمام الأجواء السريالية التي كان يبدعها أساتذة مثل «عبد الهادي الجزار»، و«حامد ندا»، وعندما رأيت أعمال الفنان السكندري «محمود سعيد» في مبنى البلدية في "الإسكندرية"، وفي مرسمه، أحسست بالهوية المصرية أكثر من كل ما رأيته منقبل من الأعمال، إن أشكاله تتنفس مصريتها من الروح البسيطة والصادقة التي تبدعها بعيداً عن النظريات والشعارات. كانت فترة الستينات في "القاهرة" تحفل بتلك الروح التجريبية الخصبة، التي كانت تربة صالحة للإبداع، وكان من حسن حظي أني عشت ذلك الثراء الثقافي الذي عمّ كل الفنون والآداب".
كانت تجمعه مع أساتذته ملتقيات ثقافية وفنية لشعراء من الطلاب أو من خارج الكلية صاروا فيما بعد من أعز أصدقائه من مثال: «عبد الرحمن الأبنودي» و«سيد حجاب» و«أحمد فؤاد نجم» و«محمود أمين العالم» و«آدم حنين». وفيما بعد التقى ب «نجيب محفوظ» و«محي الدين اللباد» و«أحمد حجازي» ومجموعة من الفنانين المصريين في مجال الغناء، وهم يبحثون عن جذور أعمق لفنهم. فيذهبون إلى الأماكن القصية في ريف مصر، بحثاً عن لغة جديدة ومختلفة، أكثر صدقاً وصفاء. وقد سار نذير نبعة على دربهم حين اختار أن يذهب إلى تلك الأماكن القصية ليمضي شهراً في "برقاش" – قرية صديقه «سيد خميس» – حيث صور عن الواقع عمال مقالع الحجارة فيها، كمشروع لتخرجه من كلية الفنون الجميلة عام 1964، نال عليه درجة امتياز.
كان هذا الخيار، وأعمال أخرى زامنته، ترجمة لتوجه فكري عبر عنه نذير نبعة بقوله: "القاهرة هي الأم التي علمتني أن مسألة الفن والثقافة هي موقف وطريق قبل أن تكون مهنة"، هي طريق للإنسان ورؤية له، وموقف تجاه العلاقات السائدة. كما أن هذا الخيار إعلان عن أسلوب فني يحدد المساحات والألوان في نسيج متماسك، ليرسل من خلاله موقفاً وطريقة في التعامل مع الموضوع، وشكلاً في التناول. وبعد خمس وأربعين سنة من مشروع «المقالع» يعود نذير نبعة في لقاء مع الزميل «عمار حسن» للحديث عن رؤيته لهذا المشروع، فيقول:
"... «المقالع» كانت بداية مسيرتي التشكيلية في ذاك التاريخ، والمشاريع كانت ذات مواضيع بسيطة وكان ينظر إليها نظرة تبسيطية سياحية، سادت فيها المواضيع الاجتماعية والسياسية «فترة الستينات»، وكان أغلب الفنانين العرب في تلك الفترة في حالة بحث عن الذات، بمعنى أن كل المناهج التي كنا ندرسها كانت مترجمة عن الأكاديميات الغربية، وكان علينا أن نرى جمالياتنا بعيوننا نحن، ونتجه إلى تراثنا القديم، الفينيقي، السومري، الآشوري، الفرعوني، وذلك من الستينات، ونلاحظ أن التشخيص الموجود في اللوحات من تلك المرحلة، مأخوذ من الروليفات «المنحوتات الجدارية البارزة» السومرية والتدمرية، باعتبار أن مرجعياتنا بالرسم تعود إلى تلك الفترات من تاريخ الأجداد، وهذه من جهة تعتبر واحدة من جمالياتنا، قبل ذلك، كنا نستلهم جماليات لوحات عصر النهضة والرومانتيكية والواقعية، ونستوحي من تلك التراكمات الثقافية الغربية".
زواجه من التشكيلية شلبية إبراهيم
لم يغادر "القاهرة" نذير نبعة بعد ذلك مطلقاً، فأعمق صداقاته على مدى العمر ولدت في أحضان "القاهرة" الحميمة، وهذا ما شده للعودة إلى هذه المدينة باستمرار، والأهم ما سبق أنه في سنوات دراسته في "القاهرة" تعرف على الفنانة التشكيلية شلبية إبراهيم، التي صارت شريكة حياته وإبداعه، وكما قال مرة أنهما لا يملكان منزلاً يرسمان فيه، وإنما يسكنان في مرسم.
تخرجه.. والعودة إلى سورية
عاد نذير نبعة إلى سورية إثر تخرجه من مصر.
مدرساً لمادة الرسم في دير الزور
وبحكم أنه كان موفداً للدراسة من وزارة التربية، فقد كان عليه أن يعمل بداية كمدرّس في منطقة «نائية»، وهذا ما حصل فقد عين أستاذاً للرسم في دير الزور حيث تابع شغفه القديم بتأمل المشهد الطبيعي لمحيط، والتعبير عن خصوصيته، وداعبت هواه أشجار «الغَرَب» التي تنتشر على ضفاف الفرات، فأبدع تصويرها في سلسلة من اللوحات التي تفوح بنكهة أسلوبه المميز، بالتزامن مع سلسلة لوحات غيرها مستوحاة من أساطير حضارات المنطقة.
معرضه الفردي الأول 1965
جمع أعماله بموضوع شجر «الغَرَب» وأعمال مستوحاة من حضارات المنطقة في معرضه الفردي الأول الذي استضافته عام 1965 «صالة الفن الحديث» بدمشق بإدارة الفنان «محمود دعدوش» وسط حفاوة ثقافية وفنية واسعة.
كتب الناقد الراحل الدكتور «عبد العزيز علون» في تقديم المعرض: "فأولا نرى أن هذا العالم الذي يسرح في ضوء القمر ليس خالياً تماماً من الزخم الفكري إذا نحن أطلنا النظر، وليس تسجيلاً للعالم الخارجي، أي أن سطحية الطبوغرافية في القرن الثامن عشر لا أثر لها أو أن أشخاص فنان كـ"فرانس هالز" لا علاقة لها البتة هنا. وكل ما في الأمر أن هناك بعض الاستفادة من مظاهر الطبيعة الجميلة وشيئا من اللعب الحزين بالرموز الجنسية. فهو يربط جوانب اللوحة بإيقاع تشكيلي «لوحة ثلاث نساء» و«ثلاث أشجار وقمر» أو «ثلاث أشجار وامرأتان والليل». إن ليونة هذه اللوحات إذ تنهل من ذات الجو الذي كنا بصدده. ولانشك أنها تنتسب إلى المصور بعينه. وخفتها أتتنا بمثابة استراحة المحارب قبل بدء المعركة. فهذا النوع من اللوحات و«السكيتشات» قد سبق بقية لوحات المعرض من الناحية الزمنية. وهذه اللوحات برأينا جانب ضروري للمحافظة على الاتزان في التموج الإبداعي".
عبد الرحمن منيف يكتب عن المعرض الفردي الأول
وبعد ذلك بسنوات طويلة، وتحديداً عام 1998، كتب الروائي «عبد الرحمن منيف» عن المعرض، وعن المرحلة التي أنتجته، فقال:
"مرحلة دير الزور هامة جداً في تطور نذير نبعة، ليس فقط لأنها كانت الفترة التي حضر خلالها معرضه الأول، والذي أقيم عام 1965، وإنما لأنه عبر عن نفسه بمفردات أساسية: لقد برزت الموضوعات الكبيرة من حيث الإيحاء والدلالة، إذ انبثقت فجأة في الفن التشكيلي السوري حزمة من الأضواء يمكن أن تقود إلى الجذور، ترافقت مع قراءة جديدة للتاريخ، أو لموضوعات التاريخ، ضمن منظور عصري، ارتبط كل ذلك بفيض من الأساطير التي يمكن أن تكون موضوعات ذات دلالة راهنة، كما أن لها أبعاداً كثيرة في العمل الفني من حيث المعالجة. ومن المفردات أيضاً، وفي إطار الجوهر، فقد تم تجاوز الموضوعات السائدة والمعالجات المسيطرة، وهكذا كانت فترة دير الزور فرصة للبحث والتقصي، قادت إلى اكتشاف منجم هائل من حيث الموضوعات أو طريقة التناول، فالحكايات والأساطير، بالإضافة إلى كونها مادة، فإنها طريقة. وهكذا تجاوز الموجة السائدة في الفن خلال تلك الفترة، وقدم اقتراحات لموضوعات ولمعالجات كان من الممكن، ومن الضروري، أن تتطور، كما حصل في العراق، من خلال فنانين أساسيين ك «جواد سليم» و«فائق حسن» و«شاكر حسن آل سعيد»، إلا أن رد الفعل، الذي كان إيجابياً في الأوساط الفنية، لم يقابله استيعاب مماثل من قبل الجمهور الواسع، وبالتالي لم يتوفر لهذه الموجة المناخ الذي يحتضنها ويساعدها كي تكبر وتتواصل. ولأن نذير نبعة فنان طموح ومتطلب، ومتأثر بالجو السياسي، فإن أحد همومه أن يكون الجمهور موجوداً ومتفاعلاً، وأن يكون هو قريباً من الجمهور، لكي يبنى جسراً بين طرفي العلاقة، ويصبح الفن جزءاً من حياة الناس اليومية."
رؤية نذير نبعة لـ«مرحلة دير الزور» تتفق إلى حد التطابق مع ما رآه «عبد الرحمن منيف»، ففي مقالة له عن سيرته الإبداعية نشرتها مجلة "العربي" الكويتية في تموز «يوليو» 1999، تحت عنوان "يوم تفجر العالم بالألوان". كتب «نذير» عن تلك المرحلة:
"أحببت المكان وأخذتني إيحاءاته الجديدة بالنسبة لي، فبساطة مدينة الدير المختلفة عن تركيب مدينة دمشق تجعلها أقرب إلى المدينة الصحراوية في ذلك الوقت، وبعد مدة وجيزة، وجدت نفسي غارقاً في الأجواء التراثية القديمة في مدينة "ماري" و"تدمر" و"الرصافة"، كانت المنطقة تحتوي في جنباتها على عبق الماضي العريق وجلال الطبيعة المليء بالأسرار والخيال، وهناك في فضاءات السهول الشاسعة لبادية الجزيرة وبادية الشام، كنت أجد نفسي وحيداً بين السماء والأرض، عرفت التوحد مع الكون، وبدأت علاقتي بالاسطورة، ذلك بأن وادي الفرات غني بأساطيره الآتية من «الميثولوجيا» القديمة، كما هو غني بالملاحم والحكايات القادمة من أعماق الصحراء، مناخ غني وخصب دفعني للخوض في تجربة استلهام الأساطير والملاحم الفراتية، أبحث فيها وفي أجوائها عن طريقة التصور والتصوير كيف ترسم صورة الشخصية ومعانيها بالكلمات والجمل، كيف تعبق المشاهد والأجواء بمضمونها الفكري والجمالي. رسمت "ننليل" و"عشتار" و"كاهنة مردوخ" ورسمت «خسوف القمر»، إن هذه الشخصيات والمشاهد الأسطورية لم يكن يعنيني من رسمها صنع صورة الحكاية أو صورة توضيحية للنص الأسطوري أو الملحمي بقدر ما كانت غايتي ابتداع شكل بصري لرموزها ومعانيها، وعلاقة ذلك بالحاضر المعيش، هذه الأعمال عرضت في المعرض الأول عام 1965 في صالة الفن الحديث بدمشق، كان يشغلني في ذلك الوقت البحث في توافق التقنية والمضمون والتآلف بين الأداء والمعنى، ثم اتجهت نحو جماليات النحت السومري. والتدمري، وجداريات ما بين النهرين، ورسوم الفخار والخزف، في هذه الفنون، كنت استلهم الينابيع الأولى للجماليات الخاصة بالأمة التي أنتمي إليها، وكان هذا الهاجس خلق «فن محلي» أو «فن عربي»، قد امتد ليشمل كل الحركة التشكيلية على مساحة الوطن العربي، فكانت إبداعات الفنانين المصريين أمثال «محمود سعيد» و«عبد الهادي الجزار» و«سيد عبد الرسول»، والعراقيين «جواد سليم» و«فائق حسن»، و«أدهم إسماعيل»، و«نعيم إسماعيل» وغيرهم من الفنانين العرب، كانت إبداعاتهم تصب في ملتقى واحد هو خلق هوية عربية للثقافة والفن".
العدوان الإسرائيلي في حزيران 1967 وأثره على نذير نبعة
هذه التجربة دفعتها بعض الظروف قدماً، لكن أخرى أحبطتها، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران 1967، وما خلفه من إحباط عند مفكري وفناني الأمة، فانتقلت لوحات نذير نبعة إلى عالم آخر، وكانت البداية مع عدد من اللوحات عن "النابالم"، تلك القنابل الوحشية التي ألقتها "إسرائيل" على الجبهة السورية، فجعلت أجسام ضحاياها مساحات متفحمة مفزعة، وحولت الزمن الفاصل بين التصاق المواد القاتلة بأجسامهم، وموتهم، مساحة مرعبة من الألم الذي لا يحتمل.
وفي وقت لاحق رسم لوحة ثانية تدين الإجرام الصهيوني بعنوان "مدرسة بحر البقر" إثر الجريمة المروّعة التي ارتكبتها الطائرات الإسرائيلية حين قصفت في الثامن من نيسان «أبريل» 1970، مدرسة أطفال في مصر مما أدرى إلى استشهاد ثلاثين طفلاً وجرح خمسين آخرين، وتدمير مبنى المدرسة بأكمله.
نذير نبعة والقضية الفلسطينية
لم يقف نذير نبعة عند مشاعر الإحباط، والتأسي على ضحايا الإجرام الإسرائيلي، وسرعان ما وجد في تنامي العمل الفدائي الفلسطيني رداً على الصلف الصهيوني، وعدوانه المستمر منذ زُرع كيانه الغريب في منطقتنا، فأنجز عدداً كبيراً من الرسوم عن الفدائيين، والكفاح المسلح، وأقام صلة وثيقة مع الفصائل الفلسطينية عامة، ومنها شعار حركة "فتح"، وفق ما جاء في بيان نعي أصدرته الحركة إثر رحيل نذير نبعة.
وحين كُلف من "منظمة التحرير الفلسطينية" بتصميم ملصقات لترافق وفد المنظمة إلى مهرجان الشباب العالمي في صوفيا، صارت هذه الملصقات جزءاً هاماً من الذاكرة البصرية الفلسطينية، وأصبحت بدورها ملهماً للرسوم والملصقات المتعلقة بقضية فلسطين.
وفي وقت لاحق أنجز كثيراً من الرسوم المرافقة لنصوص شعراء الأرض المحتلة «توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وراشد حسين» وقد طبعت هذه الرسوم ووزعت ونشرت على نطاق واسع في الصحف والمجلات العربية، كما صمم «ماكيت» العدد الأول من مجلة "فلسطين الثورة" التي كانت تصدر من "دمشق"، وأنجز رسومها الأولى. هذا الاهتمام الواسع بالقضية الفلسطينية أشاع فكرة أن نذير نبعة فنان فلسطيني، وهو ما أشار إليه يوماً بالقول: "كثيرون كانوا يظنون أني فلسطيني، كون رسوماتي كانت بمثابة الناطق الرسمي بلسان الحراك الفلسطيني، فهزمة حزيران كانت صفعة على وجوهنا جميعاً، جعلتنا جميعاً في حالة إحباط، لكن شخصية الفدائي هي من أنقذتنا من هذا الاكتئاب، فكنا نشعر أن هذه الشخصية هي الوحيدة التي يمكن لها أن تدافع عن وجودنا وعن مفهوم الوطن، ولذلك احتلت صورة الفدائي الجزء الكبير من لوحاتي في تلك الفترة، وكان معظمها على هيئة «بوستر» أو ملصقات، حيث نشأت صداقات وأخوّة بيني وبين الفدائيين".
في آذار «مارس» 1968 نشبت «معركة الكرامة» التي أخذت اسمها من قرية صغيرة في «غور الأردن» اجتاحتها مجموعة كبيرة من المدرعات وقوات المشاة الإسرائيلية بعد عبور نهر الأردن، فواجهتها ببسالة منقطعة النظير مجموعة صغيرة من الفدائيين الفلسطينيين، انضم إليهم عدد من الجنود الأردنيين الذين لم يقبلوا أن يقفوا على الحياد، ما أدى إلى تكبيد اإسرائيليين خسائر غير مألوفة، مما اضطرهم إلى الانسحاب تاركين في أرض المعركة عدداً من آلياتهم المصابة. وكان من نتيجة تلك المعركة أن حظي العمل الفدائي الفلسطيني بمدٍ شعبي واسع، وتنامى الإيمان بالكفاح المسلح لدى عامة الناس، كما لدى النخب المثقفة. وفي هذه الأجواء الحماسية، التي كانت بشكل من الأشكال رفضاً لنتائج عدوان حزيران «يونيو»، قام نذير نبعة مع عدد من أصدقائه الفنانين المصريين «اللباد، بهجت، البهجوري، حجازي» بزيارة امتدت خمسة عشر يوماً لمعسكرات الفدائيين في «الأغوار»، كان من نتيجتها إقامة معرض مشترك جال المحافظات السورية، إضافة إلى "القاهرة" و"عمّان". وإلى جانب ذلك المعرض أقام نذير نبعة معرضاً فردياً تحت عنوان "من الأرض المحتلة" ضم رسوماً منفذة بالحبر الأسود، طاف عدداً من الدول العربية والأوربية الشرقية.
بالتوازي مع عمله على «الموضوع الفلسطيني» استمر نذير في مشروعه الفني الذي بدأه بعد عودته من "القاهرة" وأعلنه في معرضه الأول، ففي عام 1968 أيضاً أقام معرضه الفردي الثاني في صالة "الصيوان" بإدارة الفنان «غياث الأخرس»، وكان معرضاً هاماً، تلى معرض الفنان «ميشيل كرشة».
معرضه الفردي الثالث
وبعد ذلك بوقت قصير أقام معرضه الفردي الثالث في "غاليري واحد" ببيروت بإدارة الشاعر «يوسف الخال». لم يكن نذير في تلك المعارض واقعياً بالمعنى السائد للواقعية، وإنما صاغ واقعيته الخاصة بمنظوره، فربطها بالتعبيرية والرمزية، وبدت في بنائها متأثرة إلى حد بعيد بفن النحت. وفي المقابل ارتبط اللون عنده بالدور الذي يؤديه، فمال إلى التقشف فيه، والاعتماد على مجموعة لونية واحدة، غالباً ما كانت درجات الأهرة «الأوكر»، لقناعته أن كثرة الألوان قد تشوش وقار وقدسية بناء لوحته.
رساماً في مجلة الطليعة
كان عام 1968 عاماً مفصلياً في المسيرة الإبداعية لنذير نبعة، فإضافة لما سبق، انتقل في ذلك العام من التدريس إلى مديرية الكتب المدرسية، حيث كلف بإنجاز رسوم عدد من الكتب، فكان عمله هذا مناسبة للكشف عن موهبته كغرافيكي، وفرصة للمساهمة في بناء الذائقة البصرية للتلاميذ الصغار. وفي ذلك العام أيضاً عمل رساماً في مجلة "الطليعة"، المجلة السورية الوحيدة التي كانت تصدر حينذاك عن "دار البعث"، وتستقطب نخبة من الأسماء الثقافية السورية، فكانت فرصة لمنح الذاكرة البصرية السورية مجموعة هامة من الرسوم الصحفية و«الموتيفات» التي وجدت، بحفاوة استثنائية، طريقها إلى الصحافة، لتصبح مرشداً ودليلاً لكثير من الفنانين الشباب الذين عملوا في مجال الرسم الصحفي. كان نذير نبعة يقوم بإنجاز الرسوم الداخلية، وصفحة خاصة به كرسام للمجلة، إضافة لتصميم الغلاف. وقد استعاد الروائي والشاعر «عادل محمود» تلك الأيام في نص رثى به نذير نبعة فقال: "سافر رئيس التحرير. وكلفني بإدارة المجلة في غيابه. كانت المجلة الأسبوعية الوحيدة في سورية، واسمها مجلة "الطليعة". وكنت أنا أصغر أنواع الكوادر وأصغر محرر. كان رئيس التحرير من النوع الذي يجرّب كل ما يخطر في باله، صارفاً النظر أحياناً عن أصول المهنة. ولكن ظلت المجلة تتقدم وتصبح منبراً مهماً للمثقفين والمبدعين السوريين في تلك الأيام 1967، 1975. قلت لهذا الرئيس: ولكنني لا أعرف كيف سأتصرف، كلّف سواي. نبر وقال: "أنت رئيس التحرير لمدة أسبوع. نقطة... انتهى". مضى الأسبوع، ووصلنا إلى أصعب العمليات، وهي اختيار الغلاف وعناوين الغلاف الرئيسية، وفيما كنت أجرب العنوان الرئيسي والفرعي، المهم والأهم. الأبرز والمختبئ بين الكلمات... دخل الفنان التشكيلي نذير نبعة، بقبعته السوداء الأليفة، وابتسامته الودودة، سلّم وجلس. سألني باحترام إن كنت اخترت العناوين، فهو مصمم أغلفة المجلة أسبوعياً، قال: "أنا أريد منك أن تقول لي ما هو توجه الغلاف؟ قلت في هدوء وخجل: أستاذ نذير أنا لن أقول لك ماذا تفعل. الغلاف لك. وهذه عناوينه. بصراحة أنا لا أسمح لنفسي بالطلب إليك وتوجيه الأفكار تصميماً وتنفيذاً". صمت ثم قال: "أنت تعرف أن الأستاذ محي الدين «رئيس التحرير الغائب» يتدخل في التصميم والتنفيذ". قلت متشجعاً ومازحاً: "أنا الآن رئيس التحرير، وسيتبدل رؤساء تحرير كثر، وتبقى أنت... نذير نبعة". أتذكر فرحه الطفولي، في اليوم التالي، وهو يعرض الغلاف، ونتأمل ألوانه التي لم تجف بعد. لقد تعلمت من تلك الحادثة، التي مضى عليها 45 سنة، كيف أحرر نفسي. وكيف يلون الفنان حريته".
لم تنقطع علاقة نذير نبعة مع مجلة "الطليعة" حتى بعد سفره في بعثة دراسية إلى "باريس" عام 1971، فمن هناك صار يرسل للمجلة مقالات عن الحياة التشكيلية في العاصمة الفرنسية، كشفت عن جانب آخر من الجوانب المعرفية لشخصيته، وبعد توقف مجلة "الطليعة" عام 1975، وكان قد أنجز دراسته في "باريس"، استقطبت مجلة "الموقف الأدبي" موهبة نذير نبعة، ورسومه التي صارت أكثر ثراء. وعن هذه الرسوم كتب الفنان «أحمد معلا» في مقالة نشرها في مجلة "الموقف العربي" ببيروت نهاية السبعينيات:
في مجلة "الموقف الأدبي"، ببعض الأعداد التي نشرت بين عامي 1975-1976 ظهرت أعمال نذير نبعة المرسومة بالحبر الصيني إلى جانب قصائد أو قصص قصيرة فحملت المجلة في طياتها أدباً متميزاً هو رسوم نذير. قد يتساءل البعض، إلى أي حد تصح هذه المقولة "أشعار نذير نبعة المرسومة"، فإنهم يرون أن الرسوم كانت من أجل تقريب القصيدة للقارئ. ورغم أن انتقاء هذه الرسوم كان يتم من خلال قراءة القصيدة ومن ثم العودة إلى مصنف نذير المليء بالرسوم، وانتقاء واحدة قريبة من طقس القصيدة أو همها وتطلعها – لكن أي قرب هذا...؟ إن القرب الذي نسجته نراه من خلال التأثير الذي مارسته القصيدة أو العمل الأدبي على نذير، أية صورة تطابقت مع الصورة التي يحملها في مخليته؟ أي هم أو هاجس هذا الذي جمع العمل الأدبي بالعمل التشكيلي حتى اختار نذير هذا الرسم أو ذاك."
وعن تلك الرسوم أيضاً كتب الشاعر والناقد العراقي «فاروق يوسف»:
"صحيح أن نشر رسومه في المجلات الأدبية السورية وبالأخص مجلة «الموقف الأدبي» قد أكسبه شهرة على المستوى العربي بسبب رقي المجلات التي كان ينشر فيها، غير أن تلك الرسوم قدمت إلى القراء متعة بصرية تكاد تنافس المتعة التي كانت النصوص الرائعة تقدمها، بل وتتفوق عليها أحياناً. كان بعض من القراء يحتفظ بالمجلة من أجل أن يعود إلى تأمل رسوم نبعة، وهي رسوم تنطوي على الكثير من عناصر الشد الخيالي. كانت تلك الرسوم تضفي على النصوص الشيء الكثير من الخيال. في حقيقته لم يكن نبعة رساماً توضيحياً. كان يقيم معرضاً في كل عدد من المجلة التي يرسم فيها. أتذكّر حمائمه في أحد أعداد مجلة «الموقف الأدبي» وكنت يومها أفكر بحمامة بيكاسو. لقد اجتاحت حمامة نذير نبعة خيالي بما يشبه النداء الشرقي الغامض القادم من الليالي العربية. كل خط يرسمه لا يخلو من زفرة الأمير الأندلسي الأخير وهو يلتفت إلى غرناطة. شيء عميق من دمشق بأزقتها الضيقة المشبعة بالظل يفلت من حيزه الجغرافي ليجد له مكانا في النزهة اللونية التي يقوم بها نبعة كلما رسم لوحة جديدة".
وكان لنذير نبعة في العام التالي تجربة هامة مع الرسوم الصحفية، حين صدرت مجلة "أسامة" كأول مجلة للأطفال في سورية، فعمل رساماً فيها لعدة سنوات إلى جانب «ممتاز بحره» و«لجينة الأصيل» و«طه الخالدي»، ونفذ غلاف العدد الأول منها، وكان لهذه التجربة دور كبير في تعرف الأطفال الصغار على نذير نبعة. وقد سئلت أثناء لقاء تلفزيوني حديث عن السر في أن عدد الذين يعرفون نذير نبعة من رسومه في مجلة "أسامة" هو أكبر من عدد الذين يعرفونه من خلال لوحاته، فأجبت أن ذلك يكمن في التباين بين العدد المحدود لحضور المعارض، والعدد الكبير لقراء مجلة الأطفال. ولعل هذا ما شجع نبعة على العمل في أكثر من مجلة للأطفال، خاصة وأنه قال يوماً: "كنت أحلم بلوحة تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض".
مدرسا في كلية الفنون الجميلة بدمشق
وفي عام 1968 أيضاً تقدم نذير نبعة إلى مسابقة للمعيدين في كلية الفنون الجميلة، ليصبح بعد نجاحه فيها واحداً من أهم أساتذتها، وأكثرهم تأثيراً في الطلاب، وقام بالتدريس في أقسام الكلية جميعاً، وكان أحد مؤسسي قسم الدراسات العليا في الكلية عام 1980 مع «الياس زيات» و«محمود حماد» و«فاتح المدرس». وقد استمر في التدريس حتى وقت قريب جداً باستثناء الفترة الممتدة ما بين عام 1971 و1974 حين سافر في بعثة للدراسة في المدرسة الوطنية العليا للفنون في "باريس" «البوزار»، فساهمت سنوات الدراسة تلك في تطوير خبراته التقنية ومعارفه النظرية وثقافته التشكيلية، دون أن تخرجه عن المسار الأساسي لتوجهه الفني. وختم فترة الدراسة الفرنسية بمشروع تخرج عن النباتات نال جائزة المدرسة. وكان بشكل ما امتداداً لتجاربه الأولى في بستان جدته «أم محمود»، ولرسوم أشجار «الغَرب» على ضفاف "الفرات".
عبد الرحمن منيف يكتب عن مرحلة باريس
رأى الروائي «عبد الرحمن منيف» أن نبعة "ذهب إلى باريس" وهو يمتلك حصيلة فنية ورؤية، وهذا ما جعله «محصناً»، إذا صح التعبير، في مواجهة التيارات الفنية الكثيرة التي يمكن أن تقتلع من لا جذور له أكثر مما تفيده، والتي كثيراً ما عصفت بعدد من الفنانين الشباب، فلا أصبحوا هم أنفسهم وما قدروا أن يصلوا إلى الآخر. ذهب نبعة إلى هناك لكي يرى بعيون مدربة وبعقل مفتوح، ولذلك اكتسب خبرات إضافية هامة، دفعته إلى البحث والتجريب، ولأن يصل، في بعض المراحل، إلى تجريده الخاص، إذ بعد أن امتحن الاحتمالات التي يمكن أن تعطيها التكعيبية والسريالية والتعبيرية. واستفاد من نتائج بحثه، وصل إلى أسلوبه الخاص، إلى لغته الخاصة".
أما نذير نبعة فيقول عن تلك المرحلة: "في الواقع كانت هذه التجربة بحثا مدرسيا بحتا. فقد حاولت في هذه الفترة أن أقدم بحثا عمليا مدرسيا حول موضوع التصوير. وقدمت مجموعة أعمال تطرق موضوعاً واحداً من الواقع هو «التفصيل النباتي» ومن هذه الأشكال النباتية ابني هذه الأعمال حول تأليف تقديم موضوع المنظر دون اللجوء إلى العيون، الفم... حاولت أن أعطي تجريدا للموضوع من خلال إحساسي بالمنظر، بالوجه، أو الشخص. إحساسي بالطبيعة الصامتة، وهي المواضيع التي ينحصر فيها موضوع التصوير. أعتبر هذه الفترة نوعا من البحث المدرسي وسعت أفقي في عملي ونلت عليها شهادة تخرجي من المدرسة الوطنية للفنون في باريس".
ما سبق يفسر الحديث منذ البداية عن ثلاث مراحل في تجربة نذير نبعة، واعتبار فترة الدراسة الباريسية حدثاً تخلل تلك المراحل، لا مرحلة مستقلة بذاتها.
جماعة العشرة
سبق سفر نذير نبعة إلى "باريس" الإعلان عام 1970 عن تشكيل "جماعة العشرة"، التي كانت تضم إلى جانبه تسعة فنانين متميزين هم «نعيم إسماعيل» و«عبد القادر أرناؤوط» و«غياث الأخرس» و«نشأت الزعبي» و«الياس زيات» و«أحمد دراق سباعي» و«أسعد عرابي» و«خزيمة علواني» و«غسان السباعي»، وكان تشكيل تلك الجماعة – التي انضم إليها في معرضها الثاني عام 1972 «هند زلفة»، و«منذر كم نقش» و«عبد الله مراد» – تعبيراً عن توجه ظهر في أكثر من بلد عربي، وخاصة في العراق ومصر، لتجميع طاقات الفنانين التشكيليين، مع احترام الاختلاف في توجهاتهم الفكرية والثقافية، والتباين في أساليبهم الفنية. ومع أن «الجماعة» لقيت ترحيباً واسعاً من الوسط الثقافي، والتشكيلي خاصة – بسبب السوية الرفيعة لأفرادها – إلا أنها لم تتمكن من الاستمرار، كحال معظم الجماعات الفنية. وقد تعددت تفسيرات انتهاء هذه التجربة، ومن جهة نذير نبعة رد الأمر إلى عدم الاعتياد على العمل الجماعي: "التأمت هذه المجموعة من مشارب واتجاهات مختلفة لكن ما كان يجمعهم هو جديتهم بالتعاطي مع القضايا الفنية، لكن يبدو أن العمل الجماعي كممارسة أمر لم نتقنه بعد، الصلة بالآخر حتى لو كان زميلاً لا تكون ثمينة، يبدو أن الشخصية الفردية غالبة حتى اليوم، أي أن كل شخص يعمل بمفرده، وهذا برأيي على مستوى الوطن والأمة! لأنه حتى اليوم لم نستطع أن نشكل وحدة! كنا نحلم أن يكون لنا تجمع يُصلح حال الحركة الفنية في سورية، رداً على المساواة بين الصالح والطالح من قبل المؤسسة الفنية آنذاك. فأي شخص يمتلك صوتاً عالياً وبإمكانه أن يقول أنا فنان عشر مرات كان يصير فناناً! حاولنا أن نُحدث حالة تعتمد التقييم الجدي والشجاع والانتقاء السليم للفنانين وللأعمال الفنية، للمعارض والمشاركات، وحتى على مستوى عدالة توزيع الجوائز، لكننا لم ننجح!..".
مرحلة الدمشقيات
في عام 1975 بدأت المرحلة الأطول زمنياً، وربما الأغزر إنتاجاً، في تجربة نذير نبعة، وهي مرحلة «الدمشقيات» التي استمرت ست عشرة سنة، كرست هوية أعمال الفنان لجهات الموضوع والأسلوب والتقنيات، فمن جهة صارت المرأة الدمشقية بثيابها و«أكسسواراتها» التقليدية، الموضوع الأساس للوحاته، إن لم يكن الوحيد، ومن جهة ثانية نُفذت لوحات هذه المرحلة جميعاً بأسلوب واقعي، محلي في مناخه اللوني، ومفرداته التشكيلية، وغياب أي فراغ في اللوحة. ومن جهة ثالثة اتجه نذير نبعة نحو ألوان «الأكليريك» يصوغ بواسطتها أشكاله المحببة، معتمداً على براعة فرشاته، ومستعيناً ب «طبعات» القماش التي كانت تصبح أكثر إتقاناً مرة تلو مرة.
كانت هذه المرحلة – على وفرة حضورها الزمني، والفني، وقدرتها على الإمتاع والإدهاش – غريبة، إلى حد ما، عن المسار الذي اتخذته تجربة نذير نبعة حتى ذلك الحين، والذي كان يتجه نحو مفاهيم الحداثة. ويرى الناقد «صلاح الدين محمد» أنه لا يصح قراءة هذه المرحلة بعين ناقد أوربي، لأنه سينظر إليها على أنها من مرحلة تاريخية سابقة، لكن بالنسبة لنا لو أن نذير نبعة لم ينجز هذه المرحلة، لكانت هناك فجوة في سلم ارتقاء الفن السوري ومعطياته.
في لقائه الصحفي مع الزميل «وحيد تاجا»، يقدم نذير نبعة تفسيره لانشغال لوحته بكامل مساحتها بالتفاصيل: "أعتقد أن اللوحة هي نوع من الاتصال بالآخر. فأنا رسام وعلاقتي بالآخر هو إنتاجي الفني. وعندما تكون لدي رغبة في عرض أعمالي فيجب أن يرافق هذه الرغبة عن كل بقعة في اللوحة مهما صغرت هو تعبير عن فهمي لهذا الاحترام. وربما شاهدت ذلك في التصميمات الشرقية: السجاد والتصميمات الخشبية المصّدفة، والتكوينات الهندسية في الرخام أو في تلك المؤلفات الزخرفية البنائية. تلك الأشياء الحميمة إلى نفسي، والتي تجد فيها لفنان الشرقي وقد لمس كل جزء من تصميماته ومؤلفاته بنفس الاحترام. كما اعتقد بأن هذا انتقل إلى التصميمات كتعبير عن تلك النظرة الموجودة في الفلسفة الإسلامية عن الكون. الكل موجود في الجزء. إن الحياة كلها موجودة في حبة قمح ضعها في باطن الأرض تراها تتجلى أمامك. وتعطي ما يطعم جميع البشر.". وعن اتهامه بأنه أكثر انحيازاً للرسم، منه للون قال نبعة: "يمكن أن يكون هذا صحيحاً. ربما أوحى بذلك أني أهتم فعلاً بالخط أو الرسم في اللوحة إلى جانب اللون، وهذا ما يجعل هذين العنصرين يقومان بدور متواز لا يتقدم أحدهما على الآخر. وفي المهمات الإسلامية تجد ذلك الاندماج المتصوف بين هذين العنصرين بحيث نجد إن كلا منهما يظهر الآخر. ولكن عندما يرسم الفنان، أو يعمل في لوحته فأنا لا أعتقد أنه يفكر في منهج أو إبراز دور الرسم أو اللون في اللوحة وإنما يكون في حالة من التعبير عن نفسه. ثم يأتي بعد ذلك النقاد أو الكتاب فيجدونه أقرب آلي هذا أو ذلك".
وفي وقت آخر يفسر نذير نبعة حضور «الرمان» في لوحات تلك المرحلة بالقول: "أعتبر الرمان رمزاً للشرق. فهو فقير من الخارج، غني من الداخل. وهو كالبيت الشامي من الخارج طين وتبن لكنك ما أن تدخل إلى الداخل حتى تجده جنة. فأنا عشت في بستان وكنت أرى الرمانة عبر مراحلها. من الزهرة حتى النضوج بما في ذلك تلونها من الخارج والداخل، وحتى الحروق البنية التي تصيبها بها الشمس، أو التشققات اللاحقة أو حتى تذوق طعمها، وهي ليست الرمانة التي رأيناها في المراسم باعتبارها طبيعة صامتة، فهي ليست مجرد طبيعة صامتة، بل تذكّرني بالأغاني الزجلية وبالغزل الذي حظي به الرمان".
يستغرب «عبد الرحمن منيف» من سرعة مغادرة نذير نبعة للمرحلة "الغنية والشديدة الإيحاء" السابقة لمرحلة «الدمشقيات»، ثم يستدرك مفسراً: إن هذه الأسئلة، وما شابهها، تحتاج إلى تقص دقيق، بما في ذلك معرفة المناخ والهموم التي سيطرت على تلك المرحلة، ولكن من الإجابات التي تفرض نفسها، والتي تفسر بعضاً من هذه الجوانب: هزيمة حزيران 1967. فهذه الهزيمة التي لم تترك أحداً بعد وقوعها كما كان من قبل، غيرت كل شيء: النظرة، الموقف، المزاج، الأولويات، وطرحت كماً هائلاً من الأسئلة والتساؤلات، بحيث يمكن التأريخ: قبل حزيران أو بعده، كتاريخ حاسم ونقطة علاّم... ونذير نبعة رغم عدم التزامه بتنظيم سياسي، إلا أنه واحد من جيل غارق حتى الثمالة في السياسة، ولأنه يمتلك أداة تعبير شديدة الحساسية والاستجابة، فقد جاءت الهزيمة لكي تضعه في مواجهة أسئلة جديدة: ما هي مهمة الفن في هذه المرحلة؟ ما هي الصيغة التي يمكن من خلالها وقف الانهيار ومنع الأسوأ؟ كيف يستطيع الإنسان – الفنان أن يشد من عزائم الناس ويقف، مع الآخرين، ليشعر بإنسانيته وضرورته وأهميته؟ التقط نذير نبعة، كما لؤي كيالي، الرموز المضيئة في وطن خيم عليه السواد والظلمة، وكرس كل جهده، كل فنه، لكي يقدم هذه الرموز، التقط روح المقاومة، وحاول التعبير عن هذه الروح بصيغ شتى، بما في ذلك أن يقف إلى جانب المقاومين، أن يكون واحداً منهم، وهذه إحدى الالتباسات الرائعة حيث يظن من لا يعرف نذيراً أنه فلسطيني قبل أن تكون له أية هوية أخرى!.. صحيح أن هزيمة حزيران ك انت هزيمة عربية قبل أن تكون فلسطينية، أو منسوبة لقطر بذاته، لكن روح المقاومة والتضحية تمثلت، بالدرجة الأولى، في العمل الفدائي. وهكذا كرس نذير نبعة اهتمامه وطاقته، من خلال الملصق، واللوحة للتعبير عن هذه الروح.. ولذلك، وبعد أن برد جرح الهزيمة، وأصبح التعامل معها متجاوزاً الانفعال والصدمة المباشرة، ما لبث نبعة أن تعامل مع الموضوع برؤية جديدة: إبراز النقاء والعذوبة، وبطريقة لا تخلو من غنائية، في الإنسان، في الأشياء، في المواقف، عبر عن ذلك بالمرأة التي تتجاوز الأنثى، وأضاف إليها المزمار والسراج، وهما رمزان شديدا الدلالة، كما لجأ إلى استحضار الذاكرة الشعبية الجمعية من خلال المناخ الذي خلقه في لوحاته، هذا عدا عن الألوان التي يمكن أن تولد الأمل وتحكي احتمالات المستقبل. فعل ذلك في لوحة مبنية بإتقان ومتانة، ومشغولة بصبر في كل تفاصيلها. لقد كان ذلك ضرورياً في مواجهة المصاعب والتحديثات السياسية والنفسية، ولم يغفل عن استلهام الحضارة، لكن هذه المرة التدمرية والعربية، إذ استوحى منها المناخ والوجوه، خاصة النسائية، والأزياء والحلي، في محاولة لأن تكون طريقاً للتجاوز، ومقاومة للفوضى التي سادت في كل المجالات، حتى في القلوب والعقول. وهكذا توصل، مرة أخرى، إلى حلول من نمط جديد، وهذه الحلول بمقدار ما تؤكد الجذور، فإنها تحاول البحث عن آفاق جديدة، ولذلك يعود البناء المعماري المحكم للوحة، مستفيداً أيضاً من منطق النحت لا من أسلوبه، ومستفيداً من اللون الذي يتبدى في هذه المرحلة متعدداً،، شفافاً، غنائياً. لكن هذا التعدد لا يخفي الشجن، خاصة إذا ترافق هذا اللون مع أسى العيون المليئة بالعذاب والانتظار والتساؤل".
أعمال نذير نبعة على اللوحات الإعلانية في مدينة دمشق
في منتصف شهر أيار 1999، أطلق الفنان التشكيلي «سعد الله مقصود» مشروع «الفن للجميع» الهادف لتعريف أوسع قطاعات من الناس بالفن التشكيلي السوري المعاصر بواسطة المعاجم، والتقاويم السنوية، والكتب والمعارض، ومعارض الشارع التي كانت تتم عبر اللوحات الإعلانية المضاءة المنتشرة في شوارع المدن، وفي الخطوة الأولى من هذا المشروع تم عرض ملصقات كبيرة «بوسترات» لأعمال فنانين رواد ومحدثين على اللوحات الإعلانية في مدينة "دمشق"، كان لنذير نبعة حصة كبيرة فيها، بحكم أهميته الإبداعية، وبفعل إدراك القائمين على المشروع لقدرة لوحات نبعة على لفت انتباه المارة، وإثارة إعجابهم، وهو أحد الأهداف التي كان يطمح إليها المشروع، وهو ما حققته مشاركة لوحات نذير نبعة فيه.
التجليات
مع مطالع القرن الجديد، وتحديداً في بداية العام الثالث منه، عرض نذير نبعة عبر معرض فردي في صالة "أتاسي" النتائج الأولى للمرحلة الثالثة من تجربته التي أطلق عليه عنوان "التجليات"، والتي كان قد بدأ العمل عليها منذ نحو عشر سنوات. بدت "التجليات" وكأنها منفصلة تماماً عن كامل الفترة السابقة لتجربة نذير نبعة، كما بدت مغايرة لتوجهه الفني كما تحدث عنه عبر مجلة "العربي" في صيف 1999. حين كتب: "كان التشخيص هاجسي منذ البداية، ولكن منذ البداية أيضاً لم يستهوني تشخيص «الموديل»، وأعتقد أن الفنون القديمة «ما بين النهرين، تدمر، الساحل السوري، الفن الفرعوني، الفن الإسلامي» لم تحفل بفن الصورة، بل بفن التصور، إن أمكن إطلاق هذه التسمية عليها". إلا أنه بقليل من التأمل يمكن اكتشاف جذور للمرحلة الجديدة في ذكريات كفيه عن ملمس شجر الجوز، وفي رسومه عن شجر «الغَرب»، وفي حديثه عن مفهوم الفن في حضارات أجداده. وهو ما يمكن استشفافه من تعليق النحات والناقد «غازي عانا» رئيس تحرير مجلة "الفنون الجميلة" على معرض "التجليات" في افتتاحية عدد شهر شباط 2003: "عين على اللون، والثانية بقيت مبهورة بتوهج الضوء، في غياب الشكل، أو تماهيه، وعودة ظهوره تدريجياً بعد قليل، وربما أكثر واقعية من قبل!!.. والتأمل في أي مشهد بروية، يجعلنا نتأكد بأن ما قدمه نذير نبعة «الفنان الواقعي»، في معرضه «تجليات» ليس تجريداً، أكثر منه تجسيد واقعي لمشهد تجريدي، أو تخيلي. والذي تغير هنا، برأيي، ليس الأسلوب، بل الموضوع الذي اعتدنا مشاهدته في لوحاته «وهو الإنسان كقيمة جمالية وفلسفية وميثيولوجيه» هو الذي تغير اليوم، إذ لابد للصياغة أن تختلف باختلاف الموضوع، وطبيعته، الذي يتناوله الفنان في كل مرة، وهذا ما جعل المعرض يثير جدلاً واسعاً، إن بالسر أو بالعلن. باختلافه عن ما قدمه سابقاً الفنان نذير نبعة «المعلم» الذي يحق له بعد ثلاثين عاماً، أو أقل، أن يختار الموضوع والأسلوب الذي يرغب في تقديمه من خلاله، ولابد أنه سيكون مختلفاً ومميزاً، ودائماً مثيراً حتى في نصه الذي قدم فيه للمعرض، كان متجلياً ومحلقاً أيضاً".
وحقيقة أن النص الذي قدم به نذير نبعة لمعرضه، كان متجلياً ومحلقاً، فهو أشبه ما يكون ببيان فني يسرد مفاهيم الفنان، مصاغ بلغة شعرية مرهفة:
يتّخذ سطح اللوحة.. مسرحاً للوجود
ملعباً لسيولة المادة تحت سطح سكين الرسم
أرضاً خصبة للأشكال تنمو وتتوالد،
تحت ضغط الحدّ، وحنان الأصابع،
ورحمة العاطفة،
يولد من نزق الانفعال، وحماقة الغضب
وفعل الغرائز، ورقص الفرح
وشطحات البصيرة.
.......
الأحلام هي جرأة الروح وحريّة البوح.
في الزمن الرديء،
محال أن نعبّر عن البربرية الحديثة
بنفس الريشة التي رسمت جمال عشتروت
امتدت مرحلة "التجليات" حتى آخر عمر نذير نبعة، وبأسلوبها صاغ مجموعة "المدن المحروقة" التي انبعثت فكرتها بعد القصف الإسرائيلي الوحشي لبلدة "قانا" في الجنوب اللبناني، وتجسدت بعد القصف الأميركي، الوحشي أيضاً، لمدينة "بغداد". يقول نذير نبعة بعد ذلك مفسراً اختياره: "لو رسمت حريق بغداد كمشهد واقعي «أبنية مدمرة ومحترقة» سيكون عاجزاً عن التعبير، والأفضل هنا الصورة الفوتوغرافية فهي أكثر وثائقية، أنا رسمت الحرقة الداخلية التي حصلت عندي وأنا أرى الحريق وأعجز عن إطفائه، تلك المرارة التي أحسستها في فمي وأنا أرى مئات القتلى في الشوارع دون أن أستطيع فعل شيء، أعتقد – لشدة وقع الحدث – أن الواقعي الكلاسيكي كما كنا نعبر من خلاله سابقاً، لم يعد يصور المشهد، ملحمية المشهد تحتاج أدوات تعبيرية أخرى أو أسلوباً آخر أو شكلاً مختلفاً من التعبير..".
الرئيس الأسد يمنح نذير نبعة وسام الاستحقاق السوري
في أواخر عام 2005 مُنح نذير نبعة وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة من قبل الرئيس بشار الأسد، في وقت لاحت فيه الأخطار التي تحدق بسورية إثر سقوط "بغداد"، وما تبع ذلك من مواقف عدائية معلنة. وفي حفل تقليده الوسام اختار نذير نبعة أن يبدأ حديثه بالإشارة هذه الأخطار، ينهيه بالتعهد بألا يجبرنا الخوف على أن ننكس راية النور والجمال:
"يتعرض الوطن في هذا الزمن الرديء إلى عاصفة عاتية تحاول هدم كل الملامح الحضارية التي تميزت بها هذه الأرض عن سائر الأوطان.. اليوم أحمل هذا الوسام بالإنابة عن كل المبدعين التشكيليين في سورية الحبيبة.. والذين أعتقد أن بعضهم يستحق هذا التقدير أكثر مني، كما أعاهد باسمهم الوطن ألا يجبرنا الخوف على أن ننكس راية النور والجمال. وأن تظل مرفوعة في وجه الظلام. وستظل جذورنا مغروسة بأرض الوطن. في زمن العسر كما في زمن اليسر. وفي زمن القحط كما في زمن الخير".
بقي الجانب الوطني، والإنساني العام، حاضراً بقوة في حياة نذير نبعة الشخصية، والإبداعية. فإلى جانب إنجازه الكثير من الأعمال المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والعمل الفدائي خاصة «وبعضها صارت من رموز النضال الوطني الفلسطيني». كانت مرحلة "الدمشقيات" التي امتدت منذ عام 1975 وحتى 1991 وجاءت "كأغنية وقصيدة طويلة في حب دمشق"، كما قال في سياق لقاء صحفي طويل «وأخير» أجراه معه الزميل «سامر إسماعيل» ونشرته صحيفة "السفير" في التاسع عشر من شهر شباط 2016، أي قبل رحيله بأربعة أيام. وفي اللقاء ذاته تحدث المعلم نبعة عن أثر الأحداث الكبرى التي شهدتها منطقتنا منذ مطلع تسعينات القرن الماضي على موقفه كفنان: "الحقيقة أن فكرة «المدن المحروقة» كمعرض بدأت مع مجزرة "قانا" وتعرض مركز الأمم المتحدة للقصف الإسرائيلي، هذه الحادثة أثرت بي كما أثر بي القصف الأميركي ل "بغداد" مدينة الفن، مدينة جواد سليم والشعراء، فأنجزت مجموعة لوحات أطلقتُ عليها عنوان "المدن المحروقة"، وشعرت أن هذه المدينة المحروقة ستتكرر في مدنٍ عربية أخرى، وللأسف هذا ما وصلنا إليه اليوم". وقد ختم الزميل «سامر إسماعيل» اللقاء بالإشارة إلى رسمومات عن «داعش» بالحبر الصيني "أطلعنا عليها «نبعة» في مرسمه الحنون، هو ما يشتغل عليه مؤخراً". قال نبعة: "في فترة حكم «محمد مرسي» لمصر وظّفت الفضائيات فترات بأكملها لتعطي كل يوم فتوى للجمهور، مما حفزني لتحقيق «بورتريهات» عن ذلك أسميتها "المفاتي".
آخر لوحة لنذير نبعة حملت اسم «سورية»
حملت آخر لوحة أنجزها نذير نبعة اسم "سورية". وفيها استعاد خطوطه القوية التي أبدع فيها رسوماته الصحفية، ومواضيعه الفلسطينية، ولون الأهرة «الأوكر» الذي استخدمه في مرحلة أساطير "الفرات". وصورة المرأة التي لازمت الفترة الأطول من تجربته وقد رسمها عارية وفق ما يوحي العري لديه بالخصب والجمال والحياة، وهي تواجه بالصمود والدعاء عواصف تهز حضورها.
مع تعدد أطياف إبداعه بين التصوير والرسم والملصق ورسوم الأطفال والتدريس، بقي هناك خيط سري يجمع بينها جميعاً قوامه البحث الجاد العارف والخبير، وهو ما أهله للتكريم في "القاهرة"، و"الكويت" بمعارض احتفالية خاصة، ولنيل العديد من الجوائز وشهادات التقدير والأوسمة، وعلى رأسها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
رغم أن المرض صار شريك حياته منذ سنوات كثيرة، فإن التماسك الذي أبداه خلالها جعل فكرة الموت تنأى عن محبيه الكثر، فقد استمر حتى أيامه الأخيرة أميناً لنشاطه الإبداعي، وحضوره المفعم صدقاً ومحبة ومعرفة وعطاء. لم يكن نذير نبعة مجرد فنان كبير، وإنما علماً في الثقافة الوطنية والعربية، ومعلماً لأجيال من الفنانين، و«نبضاً بصرياً» لسورية:
"كل المواضيع التي تناولتها في لوحاتي مواضيع سوريّة، وفي المستقبل سأتناول مواضيع سورية، أنا لا تعنيني إلا المواضيع السورية، الموضوع الفلسطيني أليس سورياً؟ الموضوع الإنساني أليس سورياً؟ بمعنى أني أتناول مجموع مواضيعي من خلال الإنسان السوري، وأعبر عن هذا بلغتي السورية، أنا متأثر بالفرعوني والآشوري العراقي والمنجزات الفنية العالمية، ولكني أعبر عنها بلغتي السورية، أنا أتعلم من مجموع هذا، ولست مقلداً له".
نعى اتحاد التشكيليين السوريين مساء يوم الإثنين 22 شباط 2016 التشكيلي الكبير نذير نبعة الذي وافته المنية في دمشق عن عمر يناهز ثمانية وسبعين عاما بعد مسيرة طويلة قضاها في تطوير الفن التشكيلي السوري وقد وُورِيَ الثرى في مقبرة الشيخ سعد في المزة عقب صلاة الظهر اليوم الثلاثاء 23 شباط 2016.
احتفالية «الإنسان.. والفنان والمعلم» في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق
تكريماً لذكرى الإنسان والفنان المعلم الراحل نذير نبعة أحد رواد الحركة التشكيلية في سورية وبرعاية وزير الثقافة، وبحضور الدكتورة بثينة شعبان المستشارة في رئاسة الجمهورية، أقامت مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين مساء يوم الإثنين 12 كانون الأول، احتفالية «الإنسان.. والفنان والمعلم» في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق.
وقالت الدكتورة بثينة شعبان في تصريح صحفي: «إن من واجبنا جميعاً تذكر هذه القامة الوطنية والفنية التي لها فضل على الهوية الفنية السورية وعلى الهوية الوطنية العربية» معربة عن سعادتها بوجود رفيقة درب الفنان الراحل في الفعالية ومشاركة زملائه وكبار الفنانين في هذا المعرض.
وأكدت شعبان أنه رغم كل الصعاب والمحن والاستهداف تبقى سورية منتجة ومبدعة على يد نخبة وكوكبة من الفنانين وتجعلنا نؤمن أنه لا يمكن قهر سورية أبداً لأنها ولادة ومنتجة لأفضل الطاقات والابداعات.
ألقى الفنان الكبير الأستاذ الياس الزيات كلمة مؤثرة باسم آل الفقيد وأصدقائه في الاحتفالية قال فيها: «أنت يا نذير حيٌ فيما بيننا، تعيش في ذاكرة من عرفك: عائلتك ومعارفك.. وسيبقى انتاجك.. لوحاتك ورسوماتك في ذاكرة أجيال الشباب من طلابك الذين تتلمذوا على يديك، ونهلوا من معرفتك وعلمك في فنيّ الرسم والتصوير وتاريخ الفن وتاريخ الحركة التشكيلية في سورية، فقد كان لك نظرة ثاقبة في كل ذلك، واستطعت أن تنقلها إلى زملائك وتلاميذك. وكان الحديث معك طيباً وكذلك النقاش في أمور الفن والحياة والسياسة.. فإبداعك كان في الحديث، والريشة، وظرف المعشر..
وعن بصمة نذير بالفن قال: «وفي الفن تركت بصمة متميزة نابعة من موهبة وتجذر في الفن السوري والعربي، فأحبك هواة الفن والمتابعون، وغدوت ركناً يشار إليه من كل دارس».
ومذكراً بلوحته الشهيرة «الشهيد» حيث قال: «وفي الفن تركت بصمة متميزة نابعة من موهبة وتجذر في الفن السوري والعربي، فأحبك هواة الفن والمتابعون، وغدوت ركناً يشار إليه من كل دارس».
السيدة شلبية إبراهيم عقيلة الراحل
التشكيلية شلبية إبراهيم عقيلة التشكيلي الكبير الراحل نذير نبعة قالت في حديث لـ «اكتشف سورية»: «ملتقى اليوم لذكرى الفنان نذير نبعة بمشاركة كل هؤلاء الفنانين بأعمالهم عرفاناً منهم لفنه ولشخصه الغائب الحاضر بيننا.. فيه العزاء لي ولأسرتي.. وجميل يصعب رده، لطالما تمنى نذير خلاص سورية من محنتها وآلامها وهذا ما جسده في آخر عمل له حمل اسم "سورية" ويشي عن نبوءة قادمة».
إحسان العر
وفي كلمة للدكتور إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عبّر فيها عن مدى الألم الذي تركه الفنان نذير في قلب محبيه.. وأضاف: برحيله «إنطفأ قنديل النبل الإنساني» موضحاً الأثر العظيم الذي خلفه وراءه على المشهد التشكيلي السوري مع باقي زملاء دربه ممن كان لهم دوراً مهما في الحركة التشكيلية.
عماد كسحوت
أما التشكيلي عماد كسحوت مدير مديرية الفنون الجميلة فقد أسهب في كلمته عن حياة الفنان نذير ومراحل تطور مهاراته الفنية حيث كان دائم البحث عن فن محلي أصيل متجذر في البيئة المحيطة به لا يستلهم مفرداته من رموز هجينة.
توفيق الإمام معاون وزير الثقافة
وقال توفيق الإمام معاون وزير الثقافة في تصريح صحفي: «نذير نبعة من رواد الفنانين التشكيليين على مستوى سورية والوطن العربي، قدم هذا الرجل العظيم إبداعات متنوعة في الفن وشارك في العديد من المهرجانات الفنية والثقافية التشكيلية وحصل على العديد من الجوائز الدولية وكُرم من قبل سيادة رئيس الجمهورية بشار الأسد عام 2005 بوسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، ونحن اليوم في وزارة الثقافة نرعى هذه الاحتفالية كواجب منها اتجاه المفكرين والمبدعين سواء على المستوى الفني أو الأدبي أو الفكري».
سعد القاسم
الناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم في حديث لـ «اكتشف سورية» قال: «إن فكرة تكريم الفنان الراحل نذير نبعة اليوم على المستوى الرسمي ونزولاً عند رغبة محبي فنه وأصدقائه الفنانين كانت قائمة منذ ايام رحيله الأولى وعليه تم تكليفي مع الفنان طلال معلا في إصدار كتاب بعنوان «نذير نبعة الإنسان.. والفنان المعلم» حاولنا أن نجمع فيه كل ما كُتب عن الفنان الراحل خاصة في المرحلة التي قضاها في باريس لما تحمله من سياق مستقل من فترات حياته حيث اعتبرها "نذير" مرحلة التجريب التقني وليس جزء من رؤيته الفكرية، طوّر خلالها مهاراته التقنية بشكل كبير».
ويضيف القاسم: «لدى رجوع نذير من باريس تابع في أعماله خطه المعتاد ولكن بنقلة جديدة اسماها "الدمشقيات" أي إنه لم يتغرّب عن محيطه وبيئته وهذا ما أكده في الفيلم التسجيلي حين قال: "ذهبت لباريس مناقشاً ومحاوراً وليس بصفتي متلقياً"».
وتابع: «هناك إجماع رأي عام أو لنقل اتفاق في الشواهد التي قدمناها لتأييد وجهة نظرنا في كتابنا حول تجربة نذير الفنية وحول شخصه وما تحمل من قيم أخلاقية عالية كانت سببا في محبة الناس له».
نزار صابور
الفنان التشكيلي نزار صابور قال لـ «اكتشف سورية»: «الفنان الراحل نذير نبعة شخصية سورية اعتقد انها لن تتكرر، كالفنان الراحل الكبير فاتح المدرس، نذير من الجيل الذي رسم هوية للفن التشكيلي السوري وساهم في خلق ذاكرة عظيمة تليق به، كما أضفى على كلية الفنون الجميلة ابعاد وآفاق لم تكن لتتواجد لولا حضوره، الأهم من كل ذلك هو محبة الطلبة الذين تهافتوا على وضع مشاريعهم تحت إشرافه، لقد كان إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ.. رجل معطاء لم يبخل بعلمه ومعارفه على الآخرين، فنان على مستوى عالٍ سوف يبقى في ذاكرتنا لأجيال».
وليد الآغا
الفنان التشكيلي وليد الآغا شارك اكتشف سورية بعض من ذكرياته مع المعلم نذير: «أعود بذاكرتي لعلاقتي بالراحل المعلم نذير الذي كان يصر على معاملة طلابه خارج أطار التابوهات المعهودة بين التلميذ وأستاذه، كثيراً ما أحاطنا بعلاقة تسودها المودة والإنسانية على كافة الصعد وحتى على المستوى الشخصي فقد كان بالنسبة لي المعلم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، توسعت معه آفاقي الثقافية ومفاهيمي للفن والجمال من خلال أعماله التي كانت محفزاً ومحرضاً لشحذ مهاراتي التقنية.. تكريمنا المتواضع له اليوم هو أقل ما يمكن عمله لإيفاء هذه القامة حقها، وتأتي مشاركة كل هؤلاء الفنانين بهذا المعرض تعبيراً عن بعض محبتهم وعرفاناً للأستاذ المعلم نذير نبعة الفنان والإنسان».
بسام كوسا
«اكتشف سورية» التقى الفنان بسام كوسا خلال حضور فعاليات الإحتفالية وقال: «دائماً ما كان الراحل نذير يقدم مقترحات تشكيلية عالية المستوى عبر المدارس الإبداعية التي عمل عليها خلال سنين من العطاء الفني الجديرة بالبحث والدراسة».
وأضاف: «في آخر أيامه انتج عملاً اطلق عليه اسم دمشق رغم الألم الذي اشتد عليه في أيامه الأخيرة والذي لم يقف حائلاً بينه وبين ريشته، لقد كان نذير في مواجهة دائمة مع هذا الشر القادم إلينا من كل اتجاه لإيمانه بأن جذورنا عميقة ومتأصلة على هذه الأرض ولكونه نَبَت من تربتها فقد جاءت أعماله حصيلة طبيعية لهذا التجذر القوي الذي دائماً ما منحه زهوة التفاؤل وقوة الانتصار ليس في فنهِ وحسب بل في كل مواقفه تجاه مجتمعه ووطنه، إن كل ما يمكن أن يقال عن نذير قد لا يفي الرجل حقه ليس فقط فيما قدمه من فن بل اتحدث عن الجانب الإنساني المتمثل في نبلهِ وعلاقته بالطبيعة والشجر والأرض .. هذا هو نذير».
بدوره شكر الفنان بسام كوسا القائمين على احتفالية التكريم للفنان الراحل نذير نبعة رغم فوات أوان توقيتها إلا أنه شدّد على ضرورة تكريم الفنانين الأوائل ممن أسسوا لأهم حركة تشكيلية ليس على المستوى المحلي فقط بل في كل الوطن العربي، وختم قائلاً: «إن الفن التشكيلي في سورية يأتي في المرتبة الأولى من حيث أهميته عن باقي الفنون الأخرى وذلك باعتراف الجميع، من هنا وجب الاهتمام والاعتناء به باعتباره قيمة أخلاقية وإبداعية عالية».
مصطفى علي
النحات مصطفى علي قال: «الفنان نذير يستحق كل التقدير والمحبة.. وقد عكسته هذه الاحتفالية من خلال حضور مُحبيه وأصدقائه.. والتي لم تتاح للبعض منهم المشاركة فيها لأسباب غير واضحة.. تحية لعائلة نذير الكريمة وتحية لكل الفنانين المشاركين في إحتفالية ذكرى فنان غالية على قلوبنا جميعاً».
على هامش تكريم الفنان الراحل نذير نبعة عُرض فيلم قصير من إعداد الناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم تناول مسيرة «نبعة» على مدى نصف قرن من العطاء والإبداع الفني، كما افتتح معرض فني ضم أكثر من 50 لوحة تحت عنوان «تحية إلى نذير نبعة» شارك فيه أصدقاء الفنان الراحل على اختلاف مدارسهم الفنية وفاءً لمسيرة «نذير» المعطاءه وإحياء لذكراه، وتم توقيع كتاب بعنوان «نذير نبعة الإنسان .. والفنان المعلم» من إعداد الفنانين التشكيليين طلال معلا وسعد القاسم، لخص تجربته الفنية وعمقها وتنوع تجلياتها واحتوى بعض من أشهر أعماله بالإضافة إلى أعمال فنانين الهمت مخيلة نذير نبعة في شبابه.
معرض تكريمي في ذكرى رحيل النبعة الأول
شارك بالمعرض كل من التشكيليين:
نذير نبعة، شلبية إبراهيم، الياس الزيات، نشأت الزعبي، أسماء فيومي، ليلى نصير، طلال معلا، نزار صابور، إدوار شهدا، غسان النعنع، عبدالله مراد، لبيب رسلان، خليل عكاري، محمد غنوم، ياسر حمود، ريما سلمون، أحمد معلا، جبران هدايا، أنور رحبي، حسان أبو عياش، أحمد أبو زينة، باسم دحدوح، سوسن الزعبي، نعيم شلش، إحسان عنتابي، فؤاد دحدوح، وليد الآغا، عناية بخاري، لينا ديب، محمود جوابرة، موفق مخول، علي السرميني، جورج عشي.
- - - -
المصادر
- الفنون التشكيلية في الإقليم السوري – عفيف بهنسي – وزارة الثقافة – دمشق 1960
-عشرون فناناً من سورية – طارق الشريف – وزارة الثقافة – دمشق 1972
- منعطف الستينات في تاريخ الفنون الجميلة المعاصرة في سورية – د. عبد العزيز علون – الدار الثقافي لمجموعة دعدوش – دمشق 2004
- نذير نبعة.. عين على العالم.. عين على الروح – يوسف عبدلكي – صالة تجليات – دمشق 2004
- نذير نبعة.. فنان الواقعية – طارق الشريف – وزارة الثقافة – دمشق 2015
- مقالة للفنان أحمد معلا في مجلة «الموقف العربي» - بيروت – نهاية السبعينيات
- مجلة «الحياة التشكيلية» – وزارة الثقافة – دمشق – نيسان «ابريل» 1982
- مجلة «العربي» وزارة الإعلام – الكويت تموز «يوليو» 1999
- مجلة «الفنون الجميلة» – نقابة الفنون الجميلة – دمشق – شباط «فبراير» 2003
- مجلة «فنون» – الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون – دمشق – كانون الثاني «يناير» 2006
- موقع «اكتشف سورية» الالكتروني « «discover-syria.com
- أدلة المعارض الفردية
- أحاديث شخصية مع الفنان
- لقاءات تلفزيونية وصحفية
- - - -
السيرة الذاتية للتشكيلي نذير نبعة
1938 - ولد في دمشق ، سورية.
1965 - تخرج من كلية الفنون الجميلة في القاهرة بمصر / قسم التصوير.
1972 - دراسات إضافية في المدرسة الوطنية العليا للفنون ـ باريس.
درّس الرسم في مدارس دير الزور ودمشق.
أستاذ الدراسات العليا في قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق.
عمل في الصحافة السورية ورفع سوية الرسوم التوضيحية والغرافيك فيها.
أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية / المتحف الوطني بدمشق / القصر الجمهوري / متحف دمّر / ضمن مجموعات خاصة.
له تجارب ومشاركات في مجال الرسم الصحفي ورسوم كتب الأطفال، والكتابة في مجال الفنون التشكيلية.
- معارض خاصة
1965 معرض فردي في صالة الفن الحديث بدمشق.
1968 صالة الصيوان، دمشق.
1969 غاليري واحد، بيروت.
1979 المركز الثقافي العربي، دمشق.
1997 غاليري بوزار، دبي.
1998 معرض استعادي في المركز المجمع الثقافي، أبو ظبي.
2003 معرض التجليات، غاليري أتاسي. دمشق.
- معارض مشتركة
شارك في معارض ما بين 1964 - 2006 في كل من حلب، القاهرة، باريس، مدريد، بوليانا (إيطاليا) سان باولو، موسكو، طوكيو، لايبزغ، براتسلافيا.
مشارك في الحركة التشكيلية السورية والعربية منذ عام 1952.
2004 ضيف شرف على بينالي القاهرة الدولي في صالة الأوبرا، القاهرة.
- الجوائز
1967- معرض غرافن آ.
1968-جائزة تقديرية في بينالي الاسكندرية الدولي.
1974 جائزة المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة.
1978 دبلوم من معرض لايبزغ الدولي في مجال الغرافيك.
1979 دبلوم من معرض براتسلافا الدولي في مجال رسوم الأطفال.
1989 الجائزة الفضية في المعرض الدولي السادس لرسوم كتب الأطفال مؤسسة نوما اليونسكو.، اليابان.
1995 جائزة لجنة التحكيم في بينالي القاهرة الدولي.
2004 دبلوم شرف بينالي القاهرة الدولي.
2005 وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
اكتشف سورية
صالح عزاوي:
الاستاذ نير نبعة كان في ديرالزور استاذي في الثانوية النجاح وهوا كان سبب ذهابي الى المانيا لدراسة الفن الغرافيك ومن بعد تخرجي وحزت على الدبلوم غرافيك وعملت في المانيا سنتين ومنها عدت الى الوطن ولاكن لم اجد عمل وعدت الى المانيا برلين واسست دار نشر ومن 10 اعوام حررت مجلة باسم المنتدى العربي مجلة تعطي صوره للوطن العربي بالغة الالمانيه ..
اذا ممكن ان اكون من المشاركين في معارض دمشق .
انا لا اريد ان امدح في عملي الفني لاكن اريد ان المشاهد العربي السوري ان يقرر عن العمل
من اصدقائي الفنانين الكبار في برلين المرحوم مروان قصاب باشي و الفنان الكبير كركوتلي
استاذ براهيم هزيمه ووو
ياريت الاطلاع على الرسمات
www.azzawi.de
المانيا برلين