الآشوريون
ينتسب الآشوريون لآشور الابن الثاني لسام بن نوح، وهم من القبائل السامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى شمال بلاد ما بين النهرين وكانت عاصمتها الأولى مدينة آشور ثم صارت نينوى، واندمجت ثقافياً مع البابليين ثم توسعت لتصبح امبراطورية خلال السنوات 1950 ـ 1750 ق.م.، لكنها انحدرت بعد ذلك حتى كان عام 1500 ق.م حين انتعشت ثانية لتبدأ مرحلة الجديدة من التوسع والفتوحات، فاحتلت مدينة بابل سنة 300 ق.م.، ثم تركزت هذه الفتوحات خلال السنوات 1116 ـ 1078 ق.م إبَّان عهد الملك تغلات فلاصر الأول الذي أوجد دولة بيروقراطية ذات قوانين صارمة، وأيضاً إبَّان عهود شلمنصر الثالث 858 ـ 824 ق.م. وتفلات فلاصر الثالث 746 ـ 728 ق.م. وفي عهد هذا الأخير شهدت آشور أوسع غزواتها عندما وصلت إلى أرمينيا سواحل المتوسط بما في ذلك سورية ومصر. وفي عهد صرغون الثاني (721 ـ 705 ق.م. وآشور بانيبال (68 ـ 633 ق.م.) وصل الفن والعمارة الآشوريين إلى ذروتهما، وبعد موت هذا الأخير سقطت الإمبراطورية الآشورية بأيدي الفرس الميديين.
==
تاريخ الآشوريون:
ظهرت حضارة جديدة إلى شمال بابل وعلى بعد ثلاثمائة ميل منها. وأجبرت أهل البلاد التي نشأت فيها هذه الحضارة أن يحيوا حياة عسكرية شاقة أرغمتهم عليها القبائل الجبلية التي كانت لا تنفك تهددهم من جميع الجهات. وما لبثوا أن غلبوا هؤلاء المهاجمين واستولوا على المدن التي كانت مهدهم الأول في عيلام وسومر وأكاد وبابل؛ وتغلبوا على فينيقيا ومصر، وظلوا مائتي عام كاملة يسيطرون بقوتهم الوحشية على بلاد الشرق الأدنى. وكان موقف سومر من بابل وموقف بابل من آشور كموقف كريت من بلاد اليونان وموقف بلاد اليونان من روما. فقد أنشأت المدينة الأولى حضارة، وتعهدتها الثانية وأتمتها حتى بلغت ذروتها، وورثتها الثالثة، وأضافت إليها من عندها، وحمتها، وأسلمتها وهي تحتضر هدية منها إلى البرابرة الظافرين الذين كانوا يحيطون بها. ذلك أن البربرية تحيط على الدوام بالحضارة، وتستقر في وسطها ومن تحتها، متحفزة لأن تهاجمها بقوة السلاح، أو بالهجرة الجماعية، أو بالتوالد غير المحدود. وما أشبه البربرية بالغابة المتلبدة في البلاد الاستوائية تحاول أشجارها على الدوام أن تقضي على معالم الإنسان المتحضر وتقاوم جهوده، ولا تعترف قط بهزيمتها، بل تظل قروناً طوالاً صابرة تترقب حتى تتاح لها الفرصة لاستعادة ما فقدته من أرضين بفعل الإنسان المتحضر.
نشأت الدولة الجديدة حول أربع مدائن ترويها مياه نهر دجلة وروافده، وهي آشور ومحلها الآن قلعة شرغات، وأربلا وهي أربيل الحالية، والكلخ وهي الآن نمرود، ونينوى وهي قوير نجك، على الضفة المقابلة لمدينة الموصل مينة الزيت. وقد عثر المنقبون في أطلال آشورعلى شظايا من السبج ـالحجر الزجاجي الأسودـ وعلى سكاكين وقطع من الفخار الأسود عليها رسوم هندسية توحي بأنها من أصل آسيوي، وكل هذه من مخلفات عصر ما قبل التاريخ. وكشفت بعثة أثرية حديثة في تبي جورا، بالقرب من موقع نينوى عن بلدة يرد كاشفوها الفخورون تاريخها إلى عام 3700ق.م رغم ما فيها من هياكل وقبور كثيرة، وأختام أسطوانية متقنة النقش، وأمشاط وحلي، ورغم ما عثروا عليه فيها من نرد وهو أقدم نرد عرف في التاريخ. وتلك مسألة جديرة بتفكير المصلحين في هذه الأيام. وخلع الإله آشوراسمه على مدينة من مدنها «ثم على القطر كله آخر الأمر»؛ وفي هذه المدينة كان يسكن أقدم ملوك هذه الأمة، وظلوا يقيمون بها حتى اضطروا بسبب تعرضها لحر الصحراء اللافح ولهجمات جيرانهم البابليين إلى إنشاء عاصمة ثانية لهم في مكان أقل من العاصمة الأولى حرارة. وكانت هذه العاصمة الثانية هي نينوى؛ واسمها هي أيضاً مأخوذ من اسم إله من آلهتهم هو الإله نينا إشتار الأشورييّن. وكان ثلاثمائة ألف نسمة يسكنون فى نينوى أيام مجدها في عهد آشوربانيبال كما كان ملوكها ـملوك الأرض عادةـ يتلقون الجزية من جميع بلاد الشرق القريبة.
وكان سكان المنطقة عبارة عن خليط من من الساميين الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضرة «أمثال بابل وأكاد»، ومن قبائل غير سامية جاءت من الغرب «ولعلهم من الحثيين أو من قبائل تمت بصلة إلى قبائل ميتاني»، ومن الكرد سكان الجبال الآتين من القفقاس، وأخذ هؤلاء كلهم لغتهم المشتركة وفنونهم من سومر، ولكنهم صاغوها فيما بعد صياغة جديدة جعلتها لا تكاد تفترق في شيء عن لغة أرض بابل وفنونها. بيد أن ظروفهم الخاصة باعدت بينهم وبين النعيم المخنث الذي انحدر إليه البابليون؛ ولذلك ظلوا طوال عهدهم شعباً محارباً مفتول العضلات، ثابت الجنان، غزير الشعر، كث اللحى، معتدل القامة، يبدو رجاله في آثارهم عابسين، ثقيلي الظل، يطئون بأقدامهم الضخمة عالم البحر المتوسط الشرقي. وتاريخهم هو تاريخ الملوك والرقيق، والحروب والفتوح، والانتصارات الدموية والهزائم المفاجئة. واغتنم ملوكهم -الكهنة الأوائل- وكانوا أقيالاً خاضعين لأهل الجنوب سيطرة الكاشيين على بابل فاستقلوا عنها، ولم يمض إلا القليل حتى ازدان أحدهم باللقب الذي ظل ملوك آشور يتباهون به طوال عهدهم وهو «الملك صاحب الحكم الشامل». ويبرز أمامنا من بين هؤلاء الأقيال أفراداً تهدينا أعمالهم إلى معرفة السبيل التي سلكتها بلادهم في نمائها وتطورها.
فبينما كانت بلاد بابل تتخبط في ظلمات حكم الكاشيين ضم -سلما نصر الأول- دويلات المدن الشمالية تحت حكمه، واتخذ الكلخ عاصمة له. على أن أول الأسماء العظيمة في تاريخ آشورهو اسم -تغلت فلاصر الأول-. كان هذا الملك صياداً ماهراً، وإذا كان من الحكمة أن نصدق أقوال الملوك فإنه قد قتل وهو راجل مائة وعشرين أسداً، وقتل وهو في عربته ثمانمائة، وجاء في نقش خطه كاتب أكثر ملكية من الملك نفسه -أنه كان يصيد الأمم والحيوانات على السواء-: «وسرت في بأسي الشديد على شعب قموة، وفتحت مدائنهم، وسقت منها الغنائم، واستولت على ما لا حصر له من بضائعهم وأملاكهم، وحرقت مدنهم بالنار، ودمرتها وخربتها... وخرج أهل ادنش من جبالهم واحتضنوا قذمى، وفرضت عليهم الجزية». وقد ساق هذا الملك جيوشه في كل اتجاه، فأخضع الحثيين والأرمن وأربعين أمة غيرهما، واستولى على بابل، وأرهب مصر فأرسلت له الهدايا وهي قلقة وجلة، «وكان منها تمساح ألانه كثيراً وخفف من غضبه». وبنى من الخراج الذي دخل خزائنه هياكل لآلهة الأشوريين وآلهاتهم، ولم تسأله هذه الآلهة عن مصدر هذه الثروة كلها كأنما كان همها كله أن تكون لها هياكل تقرب فيها القرابين. ثم خرجت بابل عليه، وهزمت جيوشه، ونهبت هياكله، وعادت إلى بابل تحمل معها آلهته أسرى. ومات تغلت فلاصر خزياً وغماً.
وكان حكمه رمزاً للتاريخ الآشوري كله وصورة مصغرة منه: حرب وجزية فرضهما على جيران آشورثم فرضا على آشورنفسها. واستولى آشورناصر بال على اثنتي عشرة دولة صغيرة، وعاد من حروبه بمغانم كثيرة، وسمل بيده عيون خمسين من الأسرى، واستمتع بنسائه، ومات ميتة شريفة. ومد سلما نصر الثالث هذه الفتوح حتى دمشق، وحارب عدة وقائع تكبد فيها خسائر فادحة، وقَتَل في واقعة واحدة ستة عشر ألفاً من السوريين، وشيد الهياكل، وفرض الجزية على المغلوبين. ثم ثار عليه ابنه ثورة عنيفة وخلعه. وحكمت سمورامات أم الملك ثلاث سنين، وكان حكمها هو الأساس التاريخي الراهن لأسطورة سميراميس اليونانية، التي تجعل منها نصف إلهة ونصف ملكة، وقائدة باسلة، ومهندسة بارعة، وحاكمة محنكة مدبرة. وتلك الأسطورة هي كل ما نعرفه عن هذه الملكة. وقد وصفها تيودور الصقلي وصفاً مفصلاً بديعاً. وجيَّش تغلث فلاصر الثالث جيوشاً جديدة، واستعاد أرمينية، واجتاح سورية وبابل، وأخضع لحكمه دمشق والسامرة، وبابل. ومد ملك آشورمن جبال القفقاس إلى مصر. ولما مل الحرب وجه همه إلى شؤون الحكم، فأثبت أنه إداري عظيم، وشاد كثيراً من الهياكل والقصور، وساس إمبراطوريته الواسعة سياسة قوية حازمة، وأسلم روحه وهو في فراشه. وجلس على العرش سرجون الثاني، وهو ضابط من ضباط الجيش، على أثر «انقلاب سياسي نابليوني»، وقاد جيوشه بنفسه، وكان في كل واقعة يتخذ لنفسه أشد المواقف خطورة، وهزم عيلام ومصر، واسترد بابل. وخضع له اليهود والفلسطينيون بل واليونان سكان قبرص، وحكم دولته حكماً صالحاً، وناصر الفنون والآداب، والصناعة والتجارة، ومات في واقعة نال فيها النصر على أعدائه، ورد فيها عن آشورغارات الجحافل الكمرية المتوحشة التي كانت تتهددها بالغزو.
وقضى ابنه سنحريب على الفتن التي ثار عجاجها في الولايات المجاورة للخليج الفارسي، وهاجم أورشليم ومصر دون أن يلقى نجاحاً، ونهب تسعاً وثمانين مدينة، وثمانمائة وعشرين قرية، وغنم سبعة آلاف ومائتي جواد، وأحد عشر ألف حمار وثمانين ألف ثور، وثمانمائة ألف رأس من الغنم، ومائتين وثمانية آلاف من الأسرى وهي أرقام لم يستخف بها الكاتب الرسمي الذي كتب سيرته ثم غضب على بابل لنزعتها إلى الحرية فحاصرها، واستولى عليها، وأشعل فهيا النار فدمرها تدميراً، ولم يكد يبقى على أحد من أهلها رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، بل قتلهم عن آخرهم تقريباً، حتى سدَّت جثثهم مسالك المدينة، ونُهبت المعابد حتى لم يبق لديها شاقل واحد، وحُطِمت آلهة بابل صاحبة السلطان الأعظم القديم، وسيقت أسيرة ذليلة إلى نينوى. وأصبح مردوخ الإله الأكبر خادماً ذليلاً للرب آشور. ولم ير من بقي حياً من البابليين أنهم كانوا مبالغين في تقدير قوة مردك وعظمته؛ بل قالوا لأنفسهم ما قاله الأسرى اليهود بعد مائة عام من ذلك الوقت، قالوا إن إلههم قد شاء له تواضعه أن ينهزم ليعاقب بذلك شعبه. واستخدم سنحريب غنائم نصره وما نهبه من البلاد المفتوحة في إعادة بناء نينوى، وحول مجرى النهرين لحمايتها من الاعتداء، وبذل في إصلاح الأرض البور من القوة والنشاط ما تبذله الدول التي تشكو عدم وجود فائض لديها من غلاتها الزراعية، ثم قتله أبناؤه وهو يتلو الصلوات.
وقام ابن له من غير القتلة وهو عسر هدن وانتزع العرش من إخوته السفاحين، وغزا مصر ليعاقبها على ما قدمته من المعونة للثوار السوريين، وضمها إلى أملاكه، وأدهش غربي آسية بسيره المظفر من منف إلى نينوى ومن خلفه ما لا يحصى من الغنائم؛ وجعل آشورسيدة بلاد الشرق الأدنى بأجمعها، وأفاء عليها من الرخاء ما لم يكن لها به عهد من قبل، واسترضى البابليين بإطلاق آلهتهم الأسيرة وتكريمها وإعادة بناء عاصمتهم المخربة، كما استرضى عيلام بتقديم الطعام إلى أهلها الجياع. وكان ما قدمه من الإغاثة على هذا النحو عملاً لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ القديم كله. ومات عسر هدن وهو سائر إلى مصر ليخمد فيها ثورة بعد أن حكم إمبراطوريته حكماً لم تر له في تاريخها شبه الهمجي مثيلاً في عدله ورحمته.
وجنى خلفه آشور بانيبال -وهو الذي يسميه اليونان سردنا بالوس- ثمرة هذه الأعمال، فوصلت آشور في خلال حكمه الطويل إلى ذروة مجدها وثروتها. ولكن بلاده بعد وفاته فقدت هذا العز، فوهنت قوتها وفسدت أمورها لطول عهدها بالحروب المنقطعة التي خاضت غمارها أربعين عاماً، وأدركها الفناء، ولما يمض على موت آشور بانيبال عشر سنين. وقد احتفظ لنا أحد الكتاب بسجل سنوي لأعماله، وهو سجل ممل ينتقل فيه من حرب إلى حرب، ومن حصار إلى حصار، ثم إلى مدن جائعة وأسرى تُسلخ جلودهم وهم أحياء. وينطق هذا الكاتب نفسه آشور بانيبال فيحدثنا عما خربه من بلاد عيلام ويقول: «لقد خربت من بلاد عيلام ما طوله مسير شهر وخمسة وعشرين يوماً. ونشرت هناك الملح والحسك «لأجدب الأرض» وسقت من المغانم إلى آشور أبناء الملوك، وأخوات الملوك، وأعضاء الأسرة المالكة في عيلام صغيرهم وكبيرهم، كما سقت منها كل من كان فيها من الولاة والحكام، والأشراف والصناع، وجميع أهلها الذكور والإناث كباراً كانوا أو صغاراً، وما كان فيها من خيل وبغال وحمير وضأن وماشية تفوق في كثرتها أسراب الجراد، ونقلت إلى آشور تراب السوس، ومدكتو، وهلتماش وغيرها من مدائنهم. وأخضعت في مدة شهر من الأيام بلاد عيلام بأجمعها؛ وأخمدت في حقولها صوت الآدميين، ووقع أقدام الضأن والماشية، وصراخ الفرح المنبعث من الأهلين. وتركت هذه الحقول مرتعاً للحمير والغزلان والحيوانات البرية على اختلاف أنواعها».
وجيء برأس ملك عيلام القتيل إلى آشور بانيبال وهو في وليمة مع زوجته في حديقة القصر، فأمر بأن يرفع الرأس على عمود بين الضيوف، وظل المرح يجري في مجراه، وعلق الرأس فيما بعد على باب نينوى، وظل معلقاً عليه حتى تعفن وتفتتَ. أما دنانو القائد العيلامي فقد سلخ جلده حياً، ثم ذُبح كما يُذبح الجمل، وضرب عنق أخيه، وقطع جسمه إرباً، ووزعه هدايا على أهل البلاد تذكاراً لهذا النصر المجيد.
ولم يخطر قط ببال آشور بانيبال أنه ورجاله وحوش كاسرة أو أشد قسوة من الوحوش، بل كانت جرائم التقتيل والتعذيب هذه في نظرهم عمليات جراحية لابد منها لمنع الثورات وتثبيت دعائم الأمن والنظام بين الشعوب المختلفة المشاكسة المنتشرة من حدود الحبشة إلى أرمينية، ومن سورية إلى ميديا، والتي أخضعها أسلافه لحكم آشور. لقد كانت هذه الوحشية في رأيه واجباً يفرضه عليه حرصه على أن يبقى التراث سليماً. وكان يتباهى بما وطده في ربوع إمبراطوريته من أمن وسلام، وبما ساد مدنها من نظام. والحق أن هذا التباهي لم يكن على غير أساس. على أن هذا الملك لم يكن مجرد ملك فاتح أسكره سفك الدماء، وشاهِدَ ذلك ما شاده من المباني وما بذله في تشجيع الفنون والآداب. فقد بعث الملك إلى جميع أنحاء دولته يدعو المثالين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ويزينوها كما فعل بعض الحكام الرومان بعد أن استولت روما على بلاد اليونان. وأمر عدداً كبيراً من الكتبة أن يجمعوا وينسخوا كل ما خلفه السومريون والبابليون من آداب، ووضع ما نسخوه وما جمعوه كله في مكتبته العظيمة في نينوى، وهناك وجدها علماء هذه الأيام سليمة أو تكاد بعد أن مرت عليها خمسة وعشرون قرناً من الزمان.
وكان مثل فردرك الأكبر يفخر بملكاته الأدبية كما يفخر بانتصاراته في الحرب والصيد. ويصفه تيودور الصقلي بأنه طاغية فاسق خنثى، ولكنا لا نجد في جميع الوثائق التي وصلت إلينا على كثرتها ما يؤيد هذا القول. وكان آشور بانيبال إذا فرغ من تأليف ألواحه الأدبية خرج إلى الصيد في اطمئنان الملوك وثقتهم بأنفسهم وليس معه من السلاح إلا سكين وحربة، فقابل الأسود وجهاً لوجه. وإذا جاز لنا أن نصدق ما كتبه عنه معاصروه فإنه لم يكن يتردد قط في أن يتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه، وكثيراً ما سدد الضربة القاضية بيده. فلا عجب والحالة هذه إذا افتتن به الشاعر بيرن ونسج حول اسمه مسرحية نصفها أسطوري والنصف تاريخي، صوَّرَ فيها ما بلغته آشور في أيامه من الثروة والمجد، وما داهمها بعدئذ من خراب شامل، وما حل بملكها من قنوط.
==
المصدر: قصة الحضارة
المجلد الأول ج1 وج2، ول وايريل دورانت، دار الجيل بيروت ـ تونس، 1988
مواضيع ذات صلة: