تدمر
المحتويات
- الموقع الجغرافي
- اسم المدينة
- تدمر عبر العصور
- استكشاف تدمر
- الأوابد الأثرية في تدمر
- معبد بل
- معبد نبو
- معبد بعلشمين
- معبد اللات
- معبد يلحمون ومناة
- الحمامات
- المسرح
- الشارع الطويل
- مجلس الشيوخ
- الآغورا
- المصلّبة «التترابيل»
- معسكر ديوقلسيان
- الأسوار
- الأعمدة التذكارية
- نبع أفقا «الحمام الكبريتي»
- الكنائس
- هيكل الموتى
- قلعة فخر الدين
- أنواع من المدافن في تدمر
- الاقتصاد التدمري
- شعب تدمر، اللغة والكتابة
- الديانة في تدمر
- الفن والعمارة في تدمر
- العمارة التدمرية
الموقع الجغرافي
تتوسط تدمر بادية الشام وتقع على بعد 243 كيلومتر من دمشق و 150 كيلومتر من حمص شرقاً، عند معبر جبلي اضطراري على سفح جبل المنطار من سلسلة الجبال التدمرية، في حوضة نبع غزير الماء. وقد خلق هذا النبع واحة خضراء أصبحت مكان استراحة بين العراق والشام، ومحطة للقوافل بين الخليج العربي وبلاد فارس والبحر الأبيض المتوسط.
اسم المدينة
يعود أقدم ذكر لتدمر باسمها الحالي إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، ولا يعرف لهذا الاسم معنى مؤكد. على أنه من المنطقي والمقبول أن يكون اسمها قد اشتق من «دَمَر»، التي تعني "حَمَى"، في اللهجات العربية من لغات الجزيرة العربية القديمة، وقد تمت تسميتها باللغات الإغريقية واللاتينية واللغات التي تطورت عنهما اسم "بالميرا" Palmyra المشتق من اسم النخيل.
تدمر عبر العصور
تدمر في عصور ما قبل التاريخ
كان المنخفض القائم إلى الجنوب الشرقي من موقع تدمر، والمعروف باسم الملاّحة، بحيرة واسعة عذبة في العصر الحجري القديم، ترتادها الطرائد التي كان يقتات منها الإنسان القديم، والذي كان يأوي إلى الجبال المجاورة. وقد ترك لنا أدواته الحجرية في جرف العجلة والثنية البيضا والدوّارة، ولاسيما من النموذج الموستيري، الذي يرقى إلى قرابة 75 ألف عام.
وقد وجد الباحثون شواهد من العصر الحجري الحديث في الأكمات المجاورة للنبع والواحة، وهي ترقى للألف السابع قبل الميلاد. وثمة شواهد من أزمنة أكثر حداثة في التل الأثري الذي يقوم عليه معبد بل.
أدت أعمال التنقيب في التل المذكور إلى اكتشاف فخار سوري من أواخر العصر المعروف باسم البرونز القديم في حدود 2200 إلى 2100 ق.م. لكن أقدم نصوص تذكر تدمر باسمها الحالي وجدت في مستعمرة كانيش الآشورية (كولتبة) بمقاطعة كبادوكية في الأناضول. وهي من مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وتليها نصوص عثر عليها في مدينة ماري (تل الحريري على الفرات) تعود للقرن التاسع عشر قبل الميلاد، وأخرى من إيمار (مسكنة على الفرات) من القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كما ذكرت تدمر باسمها الحالي أيضاً في حوليات الملك الآشوري تغلات بيلاصّر الذي عاش في القرن الحادي عشر قبل الميلاد (1112-1074 ق.م).
تدمر أيام السلوقيين والرومان
لا يوجد الكثير مما نعرفه عن تدمر في زمن الدولة البابلية الحديثة (الكلدانية 612 - 539 ق.م) أو في أيام الدولة الأخمينية (الفارسية 538 – 333 ق.م) لكن من المؤكد أنها كانت مدينة مهمة في العصر السلوقي (312 – 64 ق.م.).
ظلت تدمر إمارة عربية ذات حكم ذاتي طوال عصر الدولة السلوقية في بلاد الشام، شأنها في ذلك شأن إمارة حمص ومملكة الأنباط في بترا والإيتوريين في لبنان وغيرهم. ويذكر المؤرخ بوليبيوس اشتراك أمي يحمل اسماً تدمرياً هو «زبديبل» مع عشرة آلاف عربي بنصرة السلوقيين على البطالمة في معركة رفح (217 ق.م).
احتفظت تدمر باستقلالها بعد احتلال الرومان لسورية عام 64 ق.م، وفقاً لكتابات المؤرخين بلينيوس الأكبر وأبيانوس، اللذين يذكران أهمية دورها التجاري بين الفرس والرومان. وتم إلحاق تدمر بالإمبراطورية الرومانية في أواسط القرن الأول الميلادي، ثم اشتركت اشتراكاً فعالاً في مشروعات الدولة الرومانية، وقام رماتها ومختلف قواتها بحماية حدودها من الصحارى العربية حتى حوض الدانوب وشمال إنكلترة، وانتقل لها دور البتراء التجاري بعد سقوط دولة الأنباط عام 106م.
منح الإمبراطور هادريان (117-138م) تدمر وضع المدينة الحرة، الذي يؤهلها لسن قوانينها وتحديد رسومها. ونشطت نشاطاً واسعاً في كل النواحي، ولاسيما في ميدان اقتصاد القوافل والتوسع التجاري والمعماري والفني، وأعطاها الإمبراطور كركلا من السلالة السيفيرية صفة المستعمرة الرومانية في عام 212م، عندما منح المواطنية الرومانية لجميع السكان الأحرار في الإمبراطورية.
كان من نتائج صعود السلالة الساسانية في فارس ووصولها إلى الفرات عام 228م، فقدان تدمر لسيطرتها على الطرق التجارية المارة في شط العرب والخليج العربي مما أدى لتعرضها إلى مصاعب مالية كبيرة، لم تستطع حتى روما أن تساعدها في التخلص منها، إلى أن قام حاكم الولاية السورية الملك العربي أذينة الذي بدأ حكمه عام 258م بقهر الفرس، ورد قواتهم مرتين إلى عاصمتهم المدائن (طيسفون) في عامي 262م و 267م، وقد تمتع أذينة بكل الألقاب الرفيعة اللائقة، حيث أصبح الحاكم العام في عهد الإمبراطور فاليريان، وحصل على لقب «مصلح الشرق كله» ولقب «ملك الملوك».
بعد مقتل أذينة وولي عهده هيروديان في ظروف غامضة عام 267 أو 268م، قامت زوجته زنوبيا بالوصاية على ابنهما وهب اللات واتخذت معه ألقاب الأباطرة، واحتلت مصر والأناضول إضافة إلى بلاد الشام، إلا أن ذلك وضعها في حالة صدام مع الإمبراطور الروماني أورليان، الذي سقطت تدمر بيده عام 272م، وتم أسر الملكة العربية. وقد ظل مصيرها موضع خلاف بين المؤرخين ولكنها تركت قصة حياة رائعة دخلت ميدان الأسطورة.
تدمر بعد زنوبيا
كانت المسيحية قد رسخت في تدمر في القرن الرابع الميلادي، ولمّا أغلقت المعابد الوثنية زمن الإمبراطور تيودوسيوس في نهاية ذلك القرن، تم تحويل الهياكل الرئيسية في معبد بل ومعبد بعلشمين وغيرهما إلى كنائس. وفي أواخر القرن الخامس والقرن السادس الميلادي كانت تدمر إحدى مراكز الغسانيين حلفاء دولة الروم. وقد روى المؤرخ بروكوبيوس أن الإمبراطور البيزنطي جستينيان (527-565م) سعى لتدعيم أسوار تدمر بإضافة أبراج مستديرة لها، كما تم في عهده إصلاح شبكة المياه.
وفي العام 634م فتح خالد بن الوليد (قائد الجيوش الإسلامية) تدمر سلماً، واستعادت تدمر في ظل الأمويين قدراً من أهيمتها السابقة، ثم أهملت زمن الخلافة العباسية.
في بداية القرن الحادي عشر أصابها زلزل عظيم هدم أبنيتها ومات تحت الأنقاض قسم من سكانها. ثم نهضت المدينة من جديد أيام البوريين، أتابكة دمشق في القرن الثاني عشر الميلادي والأيوبيين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي حتى أيام المماليك في القرن الثالث عشر الميلادي واستمر ذلك إلى القرن الخامس عشر الميلادي. وفي تلك الأيام صار معبد بل الحصن الذي يضم معظم البلدة وغدا هيكله المركزي مسجداً جامعاً، حيث يشيد ابن فضل الله العمري في القرن الرابع عشر الميلادي ببيوت تدمر وبساتينها وتجارتها.
وتسارع سوء حال تدمر أيام العثمانيين (1516-1919م)، وآل أمرها إلى قرية تعاني غزوات البدو. أما القلعة التي تشرف على تدمر، وتسمى باسم القلعة العربية فيعتقد أن بانيها هو فخر الدين المعني (1595-1634م) مع خلاف حول ذلك.
وقد نهضت تدمر بعد استقلال سورية ونشأت مدينة جديدة صممت على شكل مخطط شطرنجي شمال شرق المدينة الأثرية، حيث عادت هذه المدينة من جديد لتكون سيدة البادية وعقدة أساسية في مواصلاتها.
استكشاف تدمر
غدت تدمر وملكتها النبيلة الشجاعة قصة أسطورية تخلب الألباب في العالم الغربي بعد عصر النهضة. وأوحت تدمر وزنوبيا لأدباء فرنسيين، مثل دوبينياك ولابرويير وموليير عدة مسرحيات، كما تم تمثيلهما بالرسم والسجاد. وقد دفعت هذه الشهرة الكبيرة الكثيرين من الرحالة الأوربيين للمخاطرة بزيارتها، منهم الإيطالي دلاّفالي (عامي 1616 و1625م) والفرنسي تافرنييه (1638م)، وتلاهما تجار إنكليز وآخرون من مختلف البلدان الأوربية، وقام الإنكليزيان وود و دوكنس عام 1751م بزيارة تدمر، ومسحها أثرياً، وكان كتابهما "أطلال تدمر" الذي نشر بالفرنسية والإنكليزية عام 1753 فاتحة الدراسات المنهجية عن تدمر، وعلى أثره قام الفرنسي بارتلمي والإنكليزي سوينتون بتفسير الكتابات التدمرية، وتلا هذه الزيارة زيارة العشرات من الباحثين والرسامين.
وفي عام 1881م اكتشف الأرمني الروسي أباماليك لازاريف نص القانون المالي التدمري الذي نقل فيما بعد إلى متحف الأرميتاج في سان بطرسبرغ الروسية، وهو أطول النصوص المالية من ذلك الزمن وأكثرها أهمية. ثم نشر الألماني فيغاند مؤلفاً ضخماً عن تدمر بعد أعمال أثرية فيها خلال 1902 و 1917. وأرسلت الأكاديمية الفرنسية بعثة لنسخ الكتابات التدمرية في عام 1914م، وآل المشروع في النهاية لنشر مؤلف "جامع الكتابات السامية" والجزء الثاني منه مخصص لتدمر. واعتباراً من عام 1924 بدأ الدنماركي هرالد إنغولت أعمال تنقيب في تدمر، وفي عام 1929 نقلت بلدة تدمر من داخل المعبد إلى مكانها الحالي بمساع من العالم الفرنسي هنري سيريغ، وبعد الاستقلال قامت السلطات الأثرية السورية بالتنقيب في تدمر وترميم آثارها، ومازالت هذه الأعمال مستمرة حتى الآن.
الأوابد الأثرية في تدمر
كان من نتائج الحفريات الأثرية وأعمال الترميم اكتشاف روعة الأوابد الأثرية التي تحفل بها تدمر من معابد وساحات وشوارع وأعمدة وحمامات ومباني عامة ويمكن تلخيص أهم هذه الأوابد كما يلي:
معبد بل
يعود بناؤه للقرن الأول الميلادي واكتماله إلى القرن الثاني الميلادى. وكان مكرسا للرب بل بصورة أساسية. يتألف المعبد من ساحة رحيبة مربعة مغلقة أبعادها 210×205م، ويتوسطها الحرم (السيلا)،وهو مأوى صنم الرب الرئيسي. يحيط بالساحة رواق محمول على أعمدة ذات تيجان كورنثية، تتوضع في الرواق الغربي على صف واحد في زاويته الشمالية بقايا درج لولبي كان يؤدي إلى سطح الرواق، أما الأروقة الثلاثة الأخرى فهي ذات صفين من الأعمدة، في منتصفها حوامل لرفع تماثيل كبار الرجال تخليداً لهم. وفي الحرم نشاهد إلى اليسار بقايا أساس غرفة المائدة والمذبح، وإلى اليمين بقايا البركة المقدسة. يحيط بالحرم رواق أعمدة وتيجان بزخارفها الكورنثية من البرونز المذهب، وتم حمل سقف الرواق على جسور ضخمة من الحجر المنحوت نقشت عليها مشاهد دينية وأسطورية وزخارف حيوانية ونباتية وهندسية.
معبد نبو
يقع معبد نبو غربي قوس الشارع الطويل المعروفة باسم "قوس النصر"، والرب نبو هو ابن الرب بل-مردوخ، وأمين سر مجمع الأرباب. بني هذا المعبد في القرن الأول الميلادي على شكل شبه منحرف(85×78×44×60م). وللمعبد سور خارجي داخله باحة وفي منتصفه حرم.
معبد بعلشمين
يقع في الحي الشمالي من المدينة، ويعود للقرن الثاني الميلادي، يتألف المعبد من حرم(سيلا) وباحتين شمالية وجنوبية بهما أروقة. عتبة الحرم تحمل ستة أعمدة بجبهة مثلثة، ويوجد على حامل العمود الثاني كتابة تدمرية مؤرخة عام130/131م.
معبد اللات
يقع في الحي الغربي من المدينة، ويعود إلى القرن الثاني الميلادي، يتألف من باحة مستطيلة يتوسطها حرم يتقدمه رواق من ستة أعمدة، اكتُشف فيه تمثال مرمري للربة اللات/أثينا، وتمثال أسد اللات.
معبد يلحمون ومناة
يقع في قمة الجبل الغربي (المنطار)، بني عام 88م، والجدير بالذكر أن يلحمون رب كنعاني، ومناة ربة عربية.
وفي المدينة العديد من المعابد منها معبد أرصو، معبد عشتار … وغيرها.
الحمامات
لها مدخل تتقدمه أربعة أعمدة غرانيتية، أقسامه (البارد والدافىء والحار) إضافة إلى قاعة مثمّنة الشكل تتوسطها فسقية مثمنة لترطيب الجو، ويلحق بها باحة للرياضة والاجتماعات أبعادها 22×20م ذات أروقة، تبلغ مساحة الحمامات 85×51م.
المسرح
بني المسرح على شكل نصف دائرة قطرها 20م، تحفّ به مدرّجات الباقي منها (13) درجة. أمام الأوركسترا تقع منصة التمثيل ذات الأبعاد (48×5/10)م.
الشارع الطويل
يمتد من المدخل الرئيسي لمعبد بل إلى بوابة دمشق، ويتألف من أربعة أقسام، يمتد الأول منها من بوابة المعبد حتى القوس، وهو ذو طابع ديني لقربه من المعبد الكبير. والثاني يمتد بين القوس والمصلّبة "التترابيل". والثالث يمتد بين المصلبة وهيكل الموتى. والرابع ممتد حتى بوابة دمشق.
مجلس الشيوخ
بناء مستطيل بداخله إيوان كالحنية له مدرّج على شكل نعل حصان. قد يكون هذا المجلس للتجار أو مركزاً لشيخ السوق.
الآغورا
يتألف من باحة مربعة مغلقة لها أحد عشر مدخلاً لتسهيل حركة الدخول والخروج، وبقايا منصة تستخدم للخطابة.
المصلّبة «التترابيل»
وهي مفترق الطريقين الرئيسيين في المدينة، تتألف من مصطبة تحمل أربعة قواعد يعلوها أعمدة من الغرانيت بينها تمثال فوق قاعدة، وفوق الأعمدة تيجان كورنثية وسقوف وأفاريز مزخرفة.
معسكر ديوقلسيان
يقوم المعسكر فوق الحي الغربي بكامله بما فيه القصر الملكي. أقيم المعسكر من قبل الإمبراطورين ديوقلسيان ومكسيميان والقيصرين قسطنطين ومكسيمنان في عهد هيروقليس.
الأسوار
إن التجارة الدولية الواسعة واحتمالات المستقبل هي التي جعلت تدمر تقيم سوراً دفاعياً متيناً، طول محيطه (6 كم)، وعرضه (280-3000)، بني بأحجار منحوتة، ويشبه شكل السلحفاة، وهو مدعَّم بأبراج مربعة.
الأعمدة التذكارية
في المدينة عدة أعمدة تذكارية منفردة، أقيمت في أماكن بارزة لتكون حافزاً للأجيال، وذلك بأمر من مجلس الشيوخ والشعب، للأشخاص المبرزين الذين ساهموا في ازدهار المدينة، وأنعشوا اقتصادها.
نبع أفقا «الحمام الكبريتي»
هذا النبع هو سبب نشوء مدينة تدمر ولا يزال شريانها الحامل للخير في قلب الواحة، يتدفق الماء من كهفٍ في جوف جبل المنطار ويمتد أكثر من 350م، مياهه معدنية كبريتية، حرارتها ثابتة في كل الفصول (33 درجة سنتغراد)، ويصب (60 ليتراً) في الثانية.
الكنائس
في تدمر كنائس من القرن الخامس، إحداها قرب معبد بعلشمين يتقدمها رواق من ستة أعمدة، والثانية إلى الجنوب، كما توجد بقايا كنيسة ثالثة في الزاوية الشمالية لحمامات زنوبيا بين معبدي بل وبعلشمين.
هيكل الموتى
مدفن يعود لبداية القرن الثالث الميلادي، تتقدم المدفن عتبة يُصعد إليها بدرج يفضي إلى رواق معمد، فوقه جبهة مثلثة، عضاداته منقوشة بزخارف نباتية.
قلعة فخر الدين
وهي الأثر العربي الأبرز في تدمر، تُنسب هذه القلعة إلى الأمير فخر الدين المعني الثاني في بداية القرن السابع عشر الميلادي. وقد يعود أصل هذه القلعة إلى زمن الحروب الصليبية، إذ بنيت في عهد صلاح الدين. يوجد في القلعة بقايا الجسر المتحرك الذي أقيم فوق الخندق المحيط بالقلعة (وقد استفاد بناتها من حجارة الخندق)، ويبلغ ارتفاع القلعة 150م عن سطح المدينة.
أنواع من المدافن في تدمر
المدافن البرجية
هي أقدم أنواع المدافن وتعود للقرن الأول قبل الميلاد، وهي مربعة الشكل ويقوم كل منها فوق مصطبة مدرّجة، ويتألف المدفن من عدة طوابق بينها درج حجري. وأجمل نماذج المدافن البرجية مدافن إيلابل ، ويمليكو، وكيتوت.
المدافن الأرضية
تعود للقرن الأول قبل الميلاد، وللمدفن مخطط ذو جناح رئيسي وأجنحة فرعية، كسيت من الداخل بطبقة من الجص، وعلى الجص نفذت بالألوان مشاهد من الحياة والأساطير وصور الموتى والزخارف الهندسية والنباتية والكتابات. وأجمل هذه المدافن مدفن الأخوة الثلاث ومدفن نصر اللات، ومدفن يرحاي وغيرها الكثير.
المدافن البيتية
تعود لنهاية القرن الأول الميلادي، يتألف المدفن من طابق واحد يتقدمه مدخل جميل وباب من الحجر المنحوت، في داخله باحة مكشوفة تحيط بها أروقة تحمل سقوفا، وحولها من الداخل مصاطب بنيت فيها المعازب، من أجمل هذه المدافن، مدفن عيلمي بن زبيدا، ومدفن القصر الأبيض، ومدفن قصر الحية.
الاقتصاد التدمري
جعل الاقتصاد المزدهر من تدمر واحدة من أمهات المدن في العالم القديم، وكانت في وقت ما قلب التجارة الدولية بين الشرق والغرب. وقد ولّدت تجارة القوافل طبقة ثرية من أصحاب القوافل تتباهى برفع عمائر ومدافن رائعة باذخة الزخرف، وخلقت في المدينة كل أسباب الحياة الراقية من مسرح وحمامات وقاعات ولائم. سمى العالم روستوفتسيف تدمر بـ "مدينة القوافل"، فكل تدمري حر ميسور كان تاجراً وبصورة أخص صاحب قافلة أو مشاركاً في نشاطها. كانت القافلة لب الاقتصاد التدمري، وقد أثرت القوافل على شكل تنظيم المدينة وعلى إنتاجها وعلى قوانينها المالية وعلى صورة حياتها اليومية.
شعب تدمر، اللغة والكتابة
تشكل أسماء العلم التدمرية والطقوس والشعائر الدينية، وعدد كبير من الأرباب، برهاناً قاطعاً على أن الكثرة الساحقة من سكان تدمر وإقليمها هم من العرب، وقد احتفظوا بتقاليدهم العربية، وظل نظامهم الاجتماعي الأساسي نظام قوافل وتجارة قوافل. وكان التدمريون يستخدمون في كتاباتهم اللغة الآرامية التي كانت لغة الكتابة والمراسلات في آسيا الغربية منذ أيام الأخمينيين، وإن كانت آرامية تدمر تستخدم بعض المصطلحات والصيغ العربية.
وتعتبر النصوص التدمرية المنتشرة من بادية الشام إلى شمال إنكلترة أهم مصدر عن تدمر، أما في مدينة تدمر نفسها فقد عثر حتى اليوم على ثلاثة آلاف نص تدمري، بينها مئات النصوص المحررة بالتدمرية والإغريقية التي كانت اللغة الرسمية للحكم الروماني في سورية. أما النصوص اللاتينية في تدمر، فهي تعد على أصابع اليدين، وأقدم نص تدمري معروف يعود لعام 44 ق.م، وأحدثه يعود لعام 272م، وهو عام سقوط تدمر بيد الإمبراطور الروماني أورليان. والتاريخ السلوقي (تشرين الأول 312 ق.م) هو المنطلق في تأريخ النصوص التدمرية.
الديانة في تدمر
تتصف الديانة التدمرية بالاصطفائية والتوفيقية، وفي مجمع الأرباب التدمريين نحو ستين معبوداً، على رأسها الرب البابلي الأصل بل (مردوخ)، وقد وحّد في أيام اليونان والرومان بالرب زفس/جوبيتر، ومع بل يكون عادة الربان يرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر). وكان للرب نبو ابن بل شعبية كبيرة في تدمر، أما الرب الكنعاني بعلشمين (رب السموات) فكان على رأس مجموعة أخرى من الأرباب. وكان التدمريون يتعبدون اللات والعزى ومنوه ورضو وشمس وغير ذلك من المعبودات العربية. وكان أهم مظهر من مظاهر الشعائر الدينية التدمرية الطواف حول الهيكل المركزي للمعبد، وحمل صنم المعبود على جمل تحميه قبة حمراء من أدم، كما هي العادة لدى بعض القبائل العربية أيام الوثنية، وكانت الكهنوتية منظمة، ولها درجات واختصاصات منها الحجبة، كما يستنتج من النصوص.
الفن والعمارة في تدمر
حافظ الفن التدمري، خلال القرون الثلاثة الأولى والتي تركت لنا أجمل المنجزات الفنية والعمائر التدمرية، على سماته الشرقية السورية المتأثرة بالتقاليد الهلنستية والآسيوية عموماً، وازداد التأثر بالتقاليد الإغريقية الرومانية منذ القرن الثاني الميلادي.
ظهرت في تدمر إثر ازدهارها طبقة من التجار وشيوخ القبائل والقوافل وكبار كهان المعابد وسدنتها، وكانت تلك الطبقة تدير المدينة التي استطاعت تأمين استقلالها الذاتي وإدارتها السياسية والمالية، وغدت حليفة لرومة في صراعها المرير مع الفرس. وامتازت هذه الطبقة بترفها وولعها بالبذخ وتشييد المعابد والقصور وقاعات الولائم، ولاسيما المدافن الحافلة بجميل الزخرفة ولطائف النحت. وصار لتدمر فن وعمارة لا تلتبس هويتهما على الناظر.
السمات العامة للفن التدمري
اتبع الفن التدمري تقاليد الفن السوري – الرافدي المعروفة في أقدم عصوره. وقد تأثر تأثراً واضحاً بالفنون الهندية والفرثية (الفارسية القديمة). إضافة إلى تأثيرات كلاسيكية إغريقية ورومانية. وكانت تدمر من الناحية العمرانية متأثرة بالتخطيط اليوناني الروماني إلى حد كبير، وكذلك في شكل الأعمدة والتيجان، لكن الآثار النحتية، كالتماثيل والصور الجدارية، بقيت خاضعة أساساً لقواعد شرقية كالتوجه للأمام والاعتماد على الخطوط الواضحة والمحددة للأشخاص والمعالم.
يمتاز النحت، أبرز آثار الفن التدمري، بقوة التعبير، وتوحي نماذجه الكثيرة برجولة الرجال وتقشفهم ونبلهم، وجمال النساء وترفهن. وللمنحوتات التدمرية طور عتيق منفذ على الحجر الكلسي الأصفر الطري الذي يسهل تطويعه، وتتسم بسمات مشتركة: ثياب بسيطة مثنّاة على الأذرع كالأساور، ومحورة على الثوب بشكل شعاعي غير خاضع لحركة الجسم. المتجه إلى الأمام وإلى الجانب، فالرأس وحده يحدد اتجاه الحركة، والوجوه حليقة، والأنف متصل بخط واحد مع الجبهة، والعينان جفناهما محددان بوضوح، والشعر مصفف بشكل متوازيات، وتجاعيد الرقبة ممثلة بقوسين متوازيين. وفي هذه المنحوتات لا يرتدي الرجال الزي الحربي، كما في بعض المنحوتات الأحداث عهداً.
النحت الرسمي
لم تصل من آثار النحت الرسمي نماذج كثيرة، فأكثرها كان قائماً على حاملات التماثيل في الشوارع والساحات وقد تحطم بعد سقوط تدمر أو رمي في النار لاستصناع الكلس والجبس. ولكن القليل مما بقي منها يدل على أن تماثيل الأشخاص الرسميين والمكرّمين إجمالاً تتبع أسلوباً تقليدياً، فهم يمثلون بهيئة وقار، وقامة كل منهم مائلة قليلاً إلى الوراء، وثيابهم الطويلة تصل حتى القدمين، وهي كثيرة الثنيات أو تكون على النسق الفرثي(الفارسي القديم): قميص فوق سراويل مزركشة، أو بالزي المحلي، وهو ثوب طويل فوق عباءة. وتكون اليد اليمنى على الصدر ملقاة على طرف العباءة الملتف، والأخرى مسدلة تمسك بغصن من النبات أو برقّ ملفوف. وتكون رؤوس التماثيل منحوتة مع الجسم أو مركّبة تركيباً بهيئة الشخص المكرّم. وتميز هوية صاحب التمثال بلباس الرأس أو مما يحمل في اليد، ونادراً ما يحمل التمثال اسم صاحبه.
النحت الديني
يمكننا تصنيف مبدعات النحت الديني الكثيرة إلى الفئات الرئيسية التالية: مشاهد أرباب، وتقدمات دينية، وأرباب ومتعبدين بأوضاع مختلفة منقوشة على ألواح، أو مذابح نذرية تهدى للمعابد. وقد بذل الفنان التدمري جهداً في تمييز معبوداته وجعلها تسوق العربات الحربية، وتلبس الدروع، وتمتطي صهوات الجياد وظهور الإبل، وتشرع الرماح وتتمنطق بالسيوف، وتسير أحياناً في مواكب أو تقف صفاً واحداً. ولكل من الأرباب رمز، وقد يضاف أحياناً اسم واحد من الأرباب حتى تسهل معرفته على البسطاء من الناس، إذ لم يكن من السهل في أحيان كثيرة تفريق بعض الأرباب عن الناس العاديين، ذلك أن شعر الشبان التدمريين والجنود في المنحوتات المختلفة كثيف كشعر الأرباب، كما أن الألبسة التي يرتديها الأرباب يرتديها الناس العاديون، وفي ذلك صعوبة جدية للعاملين في الآثار وتاريخ الفن.
النحت الجنائزي
إن الكثرة الساحقة من المنحوتات التدمرية تدخل في فئة المنحوتات الجنائزية، ومصدرها الوحيد المدافن، وتتوزع في ثلاث فئات: التماثيل النصفية، وهي بين التمثال النصفي والنقش البارز على لوح مثبت في واجهة القبور، وألواح مستطيلة عليها شخصان أو أكثر، وتحمل كل واحدة اسم المتوفى وسنه وعبارة وا أسفاه، أما الشيء الأكثر أهمية في النحت التدمري فهو السرير الجنائزي وعليه مشاهد من الوليمة الجنائزية، وكل سرير يتصدر المدفن أو جناحاً منه.
أطوار النحت التدمري
يمكن تقسيم التطور الزمني للنحت التدمري إلى ثلاث أطوار: يمتد الطور الأول من القرن الأول الميلادي إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وفيه تبدو حدقة العين ممثلة بدائرتين، والحاجب غير مرسوم، والذكور حليقين، وشعور النساء تتدلى على أكتافهن، ويحملن المغازل، وتزين آذانهن بأقراط على شكل عناقيد العنب.
وفي الطور الثاني الممتد مبدئياً على النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، تكون حدقة العين دائرة داخلها نقطة، والحاجبان ظاهرين، والرجال ملتحين، ما عدا الكهّان. والنساء يمسكن بأطراف أوشحتهن، وحليهن سداسية الشكل.
وفي الطور الثالث المقابل للنصف الأول من القرن الثالث صار الأشخاص ينظرون إلى أحد الجانبين، والنساء يزحن أوشحتهن بأيديهن، ويكثرن من التزين بالحلي، وقد تتزين إحداهن بخمسة عقود أو أكثر.
وظهرت إبان أعمال التنقيب في تدمر منحوتات من الطور العتيق (بين القرن الأول قبل الميلاد والنصف الأول من القرن الأول الميلادي) نفّذت على حجر أصفر طري، وفيها خصائص قريبة من خصائص الطور الأول.
الرسوم الجدارية (الفريسك)
برع التدمريون في فن اللوحات الجدارية، ومن بين أشهر الرسوم الجدارية القليلة المكتشفة هي تلك الموجودة في معبد رب الأرباب التدمريين في دورا أوربوس (صالحية الفرات). وهذه الرسوم التدمرية تتبع التقاليد الشرقية القديمة بإحاطة عناصر اللوحة بخطوط غامقة رغبة في تحديد كل منها وإبرازه، وذلك معروف في رسوم ماري (تل الحريري)، وفي تل برسيب (تل أحمر)، وغيرهما. وفيها يتوجه الأشخاص جميعاً نحو المشاهد بنظرتهم الثابتة، ولا تتبع أوضاع الأيدي والأقدام وثنيات الثياب الحركة، ويحتفظ كل ما في المشهد بفرديته مع قيامهم بعمل ديني مشترك، وتنفذ الرسوم على طبقة جافة ملساء من الجير يرسم فوقها بألوان مركبة من أكاسيد معدنية محلولة في الماء.
وأغنى المدافن المعروفة في تدمر بالرسوم الجدارية هو مدفن الإخوان الثلاثة، (مطلع القرن الثالث الميلادي)، وجناح الصدر في هذا المدفن مكسو كله بالرسوم الجدارية.
وللرسم الجداري التدمري شكل كبير في دراسة تاريخ الفن، إذ أنه من أسلاف الفن البيزنطي المقبل، فالعلاقة بينه وبين الفسيفساء والفريسك والأيقونات المسيحية في ذلك الزمن لا يمكن نكرانها.
العمارة التدمرية
لم يكن لتدمر في القرنين الأول والثاني الميلاديين المخطط المعماري الذي نعرفه اليوم، بل كانت مجمعة بين نبع "أفقا" الكبريتي، ومعبد "بل" ونبع المياه الحلوة والطريق الموصلة إلى وادي القبور، وقد شق التدمريون، وعلى مراحل ثلاث، في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، شارعاً برواقين عن يمينه ويساره، يؤمن سير المشاة والقوافل، ويسهّل الاتصال بين أحياء تدمر ومعابدها. وهو ينطلق من معبد "بل" إلى الموضع الذي بنيت فيه البوابة المسمّاة خطأ باسم "قوس النصر"، ثم يمتد ليشكل ساحة في موضع "التترابيل" (البناء ذو القواعد الأربع)، ويصل بعدها إلى نهايته بساحة أخرى تحت الأكمة التي يقوم عليها البناء المسمى "معسكر ديوكلسيان" وبقربه معبد الربة "اللات". وقد سهل هذا الشارع الاتصال بين معالم المدينة، من معبد "بل" إلى معبد "نبو" وإلى الحمامات والمسرح والآغورا "الميدان" ومجلس الشيوخ ومعبد "بعلشمين" وهيكل حوريات الماء. ويحف بهذا الشارع معالم أخرى لم تكتشف حتى يومنا هذا. كان هذا المشروع، من الناحية العمرانية الجمالية والوظيفة، أعظم ما حققته تدمر، وكان التدمريون يبنون مبانيهم العامة بالحجر الكلسي الناصع الوافر في مقالع الجبال المحيطة بمدينتهم.
إن معظم المنازل التدمرية التي اكتشفت، أو ظهرت بعض آثارها فوق الأرض تكوّنت أساساتها من مداميك من الحجر وتكمل الجدران بالآجر أو اللبن. وتسقف الحجرات على حوامل عرضانية من جذوع الشجر وتطلى من الداخل بالكلس، وتزخرف أقسام الجدران العليا وأطر الأبواب والنوافذ بأشكال مقولبة من الجبس وملصقة بالمونة. والبيوت عموماً ذات طابق واحد، أما البيوت الكبيرة الهامة، كالنموذج الفخم القائم خلف معبد بل، فإن فيها أكثر من باحة مزوّقة وقد فرشت بعض غرفها بالفسيفساء. وفي المنازل حول مسرح تدمر يكون متجر صاحب البيت جزءاً من المنزل المطل على الشارع.
العمارة الدينية «المعابد»
تتجلى في عمارة المعابد التدمرية التقاليد السورية القديمة. وإذا أغفلنا أنماط التيجان وبعض التقاليد الكلاسيكية السطحية، نجد أن المخطط العام للمعبد التدمري يختلف عن مخطط المعابد الإغريقية الرومانية، إذ يتوسط الهيكل المركزي باحة فسيحة معدّة للطواف، ومحاطة بأروقة لمتابعة الطقوس والمواكب الدينية ومجاورة المتعبدين بيت الرب. وفي الباحة حوض للتطهر ومذبح وغرفة للولائم الدينية. وفي صدر الهيكل المركزي، الذي يتوسط الباحة حجرة للمعبود، وذلك شيء غير مألوف في المعابد الإغريقية الرومانية، إضافة إلى أن للهيكل المركزي نوافذ وسقفاً مستوياً مع واجهته المثلثة.
المدافن التدمرية
تعتبر المدافن التدمرية مجالاً حلّق فيه الفن التدمري بعامة وفن العمارة خاصة. وقد اشتهرت المدافن التدمرية بحلولها المعمارية التي حققت الغاية من تشييدها. وأسبغت عليها جمالية لا تنكر، إذ صار المدفن أشبه بدارة أنيقة، سكانها من منحوتات الحجر الناصع مجتمعون ومتجاورون، وعلى الأرائك متكئون في لقاء أبدي وفوقهم الأقواس المزهرة والأفاريز الأنيقة.
أما أقدم نماذج المدافن التدمرية فهو المدفن البرج، ومظهره الخارجي كالبرج المربع تماماً. وفي سورية أبراج دفنية في بعض المواقع الأثرية، ولكن الأبراج التدمرية الدفنية هي الأكثر استيعاباً وإبداعاً. والنماذج الأولى من هذه المدافن العائدة إلى ما قبل الميلاد كانت أكثر بساطة، كما كانت معازب الدفن فيها مفتوحة نحو الخارج. ثم في أواخر القرن الأول الميلادي ازدادت تلك الأبراج إتقاناً وسعة وجمالاً، وأشهرها مدفن إيلابل، وهو بطوابق أربعة وبارتفاع يصل إلى عشرين متراً ويتسع لمئات من القبور.
وهناك النموذج المسمى المدفن البيت الذي ظهر في القرن الثاني الميلادي ومنه نماذج في وادي القبور، وفي نهاية الشارع الطويل. ومن أوضح نماذجه مدفن مارونا (المعروف باسم قصر الحية) في المقبرة الشمالية. ويكون المدفن البيت عادة فوق الأرض يطابق واحد فيه باحة متوسطة وحولها معازب الدفن.
والنموذج الأكثر انتشاراً في تدمر هو المدفن الأرضي ويعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، ومئات منه توجد في المقابر حول تدمر، نقّب منها ورمّم قرابة عشرة مدافن من أشهرها مدفن الإخوان الثلاثة، ومدفن يرحاي الذي أعيد بناؤه في متحف دمشق الوطني. والمدفن الأرضي محفور في الطبقة الصخرية: جناح في الصدر وجناحان جانبيّان. وثمة مدافن مؤلفة من أربعة أو خمسة أجنحة، ومنها ما هو بجناح واحد. وتحفر في الجدران الأربعة صفوف متوازية من المعازب العميقة، وفي كل معزبة نحو ستة قبور بعضها فوق بعض، وكل قب يسد بتمثال نصفي جنازي، وبين المعازب عضادات أو أنصاف أعمدة متوّجة بتيجان كورنثية أو أيونية. ويدور فوق المعازب عند بدء انحناء السقف طنف بارز من الجص أو الحجر مزين بالزخارف. وفي صدر الجناح الرئيس، وأحياناً في الأجنحة الفرعية تابوت أو اثنان أو ثلاثة فوقها مشاهد جنازية منحوتة. وفي المتحف الوطني بدمشق يتأمل الزائر في مدفن يرحاي المعاد بناؤه تحت الأرض نموذجاً مثالياً للعمارة المتقنة الفاخرة التي وصل إليها المعماريون التدمريون في القرن الثالث الميلادي.
مواضيع ذات صلة: