العرب الغساسنة

ينتسب العرب الغساسنة إلى قبائل الأزد، التي هاجرت من اليمن إلى بلاد الشام بعد خراب سد مأرب وذكرهم حسان بن ثابت في شعره قائلاً:

إمّــــــا ســـــــــألت فإنا معشـــــــــــر نجــــــب
الأزد نســـــــــــــبتنا والمــــــــــاء غســـــــــان

وعندما وصل الغساسنة إلى جنوب بلاد الشام، أقاموا عند قوم من عرب قضاعة عرفوا باسم بني سليخ. وقيل أن قسماً منهم أقام عند ماء يدعى غسان، فعرفوا منذئذٍ باسم الغساسنة. ويذكر المؤرخون والرواة العرب أن أول ملك غساني كان عمر بن جفنة، الذي اشتهر بانتصاراته، وبلغ عدد الملوك الغساسنة ثلاثين ملكاَ، كان آخرهم جبلة بن الأيهم.

امتد نفوذ الغساسنة حتى الرصافة قرب الرقة، التي كانت بمثابة عاصمتهم الشمالية. وتورطوا في الصراع القائم بين البيزنطيين والفرس، مما جعلهم يخوضون معارك ضد خصومهم المناذرة حلفاء الفرس.


جوستينيان
إمبراطور بيزنطة

أدرك البيزنطيون أهمية قوة العرب الغساسنة، وأنعم الإمبراطور البيزنطي جوستنيان على الحارث بألقاب عظيمة مثل «فيلارك أبطريق» ودعاء إلى قصره في القسطنطينية، فاستقبله فيها استقبالاً لائقاً بالملوك بحضور زوجه المنبجية الأصل «تيودورا»، فتركت هذه الزيارة أثرها الكبير في أوساط القصر البيزنطي.

وكان تزايد نفوذ الغساسنة، وحمايتهم أتباع عقيدة «الطبيعة الواحدة»، قد أدى إلى نزاعهم ضد البيزنطيين وهذا يفسر محاولات البيزنطيين إعطاء السلطات الكافية لحاكم سورية البيزنطي للقضاء على نفوذ الغساسنة.

وكان العرب الغساسنة يحاربون إلى جانب البيزنطيين ضد الفرس في الحرب، التي انتهت عام 531م بهزيمة الروم وأسر أحد قادة العرب (عمرو) قرب قنسرين شمال بلاد الشام. وبعد معركة قنسرين بمدة قصيرة، تجددت الحرب بين ملك الغساسنة الحارث بن جبلة وملك المناذرة «المنذر بن ماء السماء» بسبب التنافس على سيادة قبائل بادية تدمر، مما أشعل من جديد الحرب بين بيزنطة وفارس.

كان الحارث بن جبلة عام 541م، يحارب في العراق إلى جانب الروم البيزنطيين بقيادة بليساريوس. وفي عام 544م تجددت الحرب بين المنذر، ملك الحيرة والحارث بن جبلة، ملك الغساسنة. وقد أسر أحد أولاد الحارث، وقدم قرباناً للربة «العزى/أفروديت» وكانت الهدنة بين البيزنطيين والساسانيين، قائمة وقتئذٍ. وفي عام 544م حدثت معركة كبرى بين الخصمين، عُرفت باسم يوم حليمة.

كان الغساسنة قد تأثروا بالديانة المسيحية، واشترك ملوكهم في الخلافات الكنسية حول طبيعة السيد المسيح. وكانوا من أتباع عقيدة الطبيعة الواحدة (المنوفيزيين)، ويعود إلى الغساسنة فضل تعيين يعقوب البرادعي وغيره، أسقفاً في ولاية الشام، مما دعم موقف القائلين بالطبيعة الواحدة.

نال الحارث بن جبلة شهرة كبيرة، ونسب إليه الرواة كل عمل عظيم، وقد امتد حكمه حتى وفاته عام 569م أو 570م نحو أربعين عاماً، فخلفه ابنه المنذر بن الحارث، الذي بدأ حكمه بصدّ غارات المناذرة عن بلاده، فهزم المناذرة وملكهم قابوس في معركتين عام 570م، إحداهما قرب الحرية عاصمة المناذرة وذلك في فترة جفاء بين الغساسنة والروم البيزنطين، مما جعل البيزنطيين يعقدون صلحاً مع المنذر في مدينة الرصافة. وفي عام 580م، قام المنذر بزيارة رسمية إلى القسطنطينية استُقبل فيها استقبالاً لائقاً وقد أنعم الإمبراطور عليه بتاج ملكي.

ولكن العلاقات بين الغساسنة والبيزنطيين ساءت من جديد، وتمكن البيزنطيون من خداع المنذر واعتقاله في قرية حوارين قرب حمص، ونفيه مع زوجته وبعض أفراد أسرته إلى العاصمة القسطنطينية، ثم إلى صقلية عام 582م، بعدما حكم مدة ثلاثة عشر عاماً، مما جعل أولاد المنذر الأربعة يثورون في بصرى. ولكن الحاكم البيزنطي تمكن من الانتصار عليهم، ونفي النعمان بن المنذر إلى القسطنطينية، وانتهت حياته في ظروف غامضة.

بعدما ضعفت مملكة الغساسنة، وقضي على أواخر ملوكها، انقسم عرب الشام إلى خمسة عشر قبيلة، متنازعة فيما بينها، يعمل بعضها في خدمة الروم البيزنطيين وبعضها الآخر لمصلحة الفرس. وقد توطن قسم كبير من العرب في مدن بلاد الشام وقراها، وكان لهم في دمشق نفسها قصور هامة، تغنى الشعراء بأحدها (قصر البريص). وإذا كانت المصادر السريانية والبيزنطية قد أهملت ذكر ملوك الغساسنة، فإن الشعراء ـ مثل النابغة الذبياني وحسان بن ثابت ـ تحدثوا عن أولئك الملوك منهم: الحارث الأصغر وابنه النعمان.

امتد نفوذ الغساسنة إلى مناطق جبل الشيخ، بل وحتى مناطق وادي عربة. وكانت أهم مراكزهم في الجولان وفي حوران وجلق (دمشق)، وبقي نفوذهم في مناطق البادية ولاسيما حول تدمر والرصافة. والجدير بالذكر أن هرقل بعدما تمكن من استرداد بلاد الشام من الفرس، حاول تنظيم إمارة الغساسنة. وفي كتب السيرة النبوية أن ن النبي محمد (ص) راسل ملك غسان، شرحبيل بن عمرو الغساني. وفي عهد الخلفاء الراشدين، كان ملك الغساسنة، جبلة بن الأيهم يدعم الروم في حروبهم ضد العرب المسلمين، ثم دخل الإسلام، ولكنه ارتد بعدئذٍ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وهرب إلى الإمبراطورية البيزنطية، حيث توفي فيها.

وانتهت إمارة غسان بالفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام.

مواضيع ذات صلة: