بصرى


بصرى

بصرى الشام مدينة صغيرة في جنوبي سورية، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً، وهي مركز للناحية المسماة باسمها. وتقع هذه المدينة المشهورة بأطلالها وآثارها في سهل النقرة الخصيب على أطراف اللجاة الجنوبية، قرب وادي الزيدي شمالاً ووادي البطم جنوباً، وكانت يوماً عاصمة للأنباط العرب، وقد اغتنم الرومان فرصة وفاة الملك النبطي أرعبال الثامن ليضموا المدينة والمقاطعة إلى الإمبراطورية الرومانية عام 106م ولتصبح مدينة بصرى عاصمة للولاية العربية التابعة للإمبراطورية الرومانية، ثم غدت المدينة مركزاً للكرسي الأسقفي بعد تبني الإمبراطورية الرومانية الشرقية المسيحية رسمياً. وتعني كلمة «بصرى» في الكتابات السامية القديمة «الحصن»، ولكان لموقعها المميز أثره الكبير في مكانتها المرموقة بين مدن الشرق القديم. حيث لعبت دوراً حضارياً وتجارياً مهماً.

تُنَقِب في المدينة بعثة أثرية سورية – فرنسية، ويمكن تصور ماضي المدينة المجيد من مشاهدة تلك المجموعة الضخمة من المباني القديمة، التي لا تقل أهمية من الناحية الأثرية عن المدن الكلاسيكية القديمة في سورية، وتعد إلى جانب تدمر أروع المدن القديمة في سورية.

وتعتبر المدينة بحد ذاتها أثراً حياً إذ أن أغلب بيوتها قديم ويغلب عليه الطابع التاريخي: وقد بنيت بيوت المدينة القديمة من الحجر البازلتي، أما سقوفها فهي على شكل عقود من الحجر. ويتألف المسكن من أقسام عديدة، منه لسكن العائلة، ومنه عنابر للحبوب وأدوات الزراعة، وملحقات تضاف للبيت للمواشي وتخزين العلف. وتتعرض هذه البيوت اليوم لعمليات الكشف عن الآثار.

أهم آثار بصرى



مدرج بصرى

مسرح بصرى


ويعد المعلم الأكثر أهمية في بلدة بصرى، من حيث الحجم والاكتمال والسلامة، وهو أيضاً من المسارح الرومانية القليلة التي بقيت سليمة تماماً على مستوى العالم، وبدأ إنشاء هذا المعلم العظيم حين اتخذ الإمبراطور الروماني «تراجان» بصرى عاصمة للولاية العربية في إمبراطوريته.

تم تصميم المسرح بأسلوب المسارح الرومانية، فهو قائم على أرض مستوية واستدارته نصف دائرة، وكذلك المدرج وباحة الجوقة الموسيقية ، ويصل الباحة بالخارج ممران معقودان من اليمين واليسار بالأعمدة الدورية ومنصة التمثيل عريضة وقليلة الارتفاع نسبياً. وتم تشييد المسرح بالحجر البازلتي المحلي، ويبلغ قطره 102 متراً، وطول منصة التمثيل 45.5 متر ، وعمقها 8.5 متر، ويبلغ ارتفاع المسرح 22 متراً، وتخترق المنصة أبواب تؤدي إلى الكواليس، وفي الجدارين الجانبيين حول المنصة شرفات كان يجلس عليها حاكم الولاية وكبار الرسميين والزوار. ووراء الجدار الغربي للمنصة باحة مكشوفة للاستراحة. وفي المدرج 37 صفاً من المقاعد المتصلة منها ما هو مخصص للشيوخ وآخر للفرسان والطبقة الوسطى ثم ممر تليه 5 صفوف للعامة متوجة برواق تحمل سقفه أعمدة تدور بالمدرج كله وتتصل بصف الأعمدة حول باحة الجوقة. وتوصل إلى المستويات الثلاثة أدراج صاعدة تحت ممرات معقودة تسمح بالدخول والخروج بدقائق. وذكر أن هذا المسرح كان يتسع بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف مشاهد. وكان المشاهدون يرون ويسمعون بوضوح كل ما يجري في باحة العرض.

آثار قلعة بصرى

وقد تحول هذا المسرح إلى قلعة (قلعة بصرى) بدءاً من العصر الأموي حيث سدت جميع أبوابه الخارجية وتركت له منافذ صغيرة فأصبح بمثابة حصن كان معروفاً في زمن العباسيين باسم ملعب الروم. وفي العصر الفاطمي بنيت ثلاثة أبراج ملاصقة للجدار الخارجي الشرقي والغربي والشمالي. وفي زمن الحروب الصليبية بنى الملك العادل الأيوبي وأولاده في القرن الثالث عشر الميلادي تسعة أبراج محيطية ومستودعات ضخمة وخزان مياه، ليصبح المكان قلعة تامة. وأحيطت هذه القلعة بخندق وتم حصر الدخول إليها بمدخل واحد. يتم الوصول إليه عبر جسر خشبي متحرك بالسلاسل.

قامت أعمال الترميم والتنقيب بين عامي 1946 و 1970 بإزالة المنشآت الضخمة فوق المدرج والمنصة وإزالة الأنقاض والأتربة وأعادت للمسرح جدته ورونقه القديم حيث يستخدم اليوم للاحتفالات والمناسبات الفنية والثقافية، كما تقام فيه فعاليات «مهرجان بصرى السنوي».

باب المدينة (باب الهوى)


ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني بعد الميلاد، ويتألف من عقدين متداخلين ويستندان إلى ركائز مزينة بمحاريب. ويبلغ عرض المدخل 5 أمتار، وعرض الواجهة 10 أمتار.

القوس المركزي


ويعود تاريخه إلى القرن الثالث الميلادي، ويتألف من ثلاثة أقواس أعلاها القوس الوسطى ويبلغ ارتفاعها ثلاثة عشر متراً، وقد أقيم البناء لذكرى انتصار يوليوس يوليانوس، قائد الفرقة البارثية الأولى المنسوبة إلى فيليب العربي، وأمام هذا القوس كانت تقدم الأضاحي المخصصة للطقوس الدينية.

المعسكر


بني في بداية القرن الثاني الميلادي، وعثر على بوابته الرئيسية وتتألف من برجين مدخل محصن ويبلغ طول سوره الشرقي 400 متر والسور الشمالي 440 متر، وأقمت فيه التشكيلات العسكرية الرومانية، مثل الفرقة الرومانية الثالثة

السوق تحت الأرض


تعود إلى القرن الثاني بعد الميلاد ويبلغ طول القسم المكتشف 106 متر، وقد استخدم البناء مخزناً للبضائع.

معبد الحوريات


ويعود إلى القرن الثاني الميلادي ويتألف من أربعة أعمدة منحوتة على الطراز الكورنثي وترتفع إلى علو أربعة عشر متراً وقطر متر وعشرين سنتمتراً.

الكليبة (سرير بنت الملك)


وهو معبد وثني أقيم لحفظ نذور الضباط وأوسمتهم، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث الميلادي رقم وجود عناصر معمارية تعود إلى بناء أقدم.

السوق الرئيسية


وهي سوق المدينة القديمة وتعرض فيها صناعات المنطقة ومحصولاتها ويبلغ طولها سبعين متراً وعرضها عشرين، وواجهتها الحالية مزينة بمحاريب وتبرز على جوانبها حجارة أعدت لحمل التماثيل.

الباب النبطي


ويتألف أساساً من قوس رئيسية مزينة بممرات وأعمدة نصفية تعلوها تيجان منحوتة على الطراز النبطي، وإلى الشرق منه عمود نصفي يعلوه تاج نبطي وهو الوحيد من نوعه.

الحمامات الرومانية


ويعود تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي، ويوجد في بصرى ثلاثة حمامات كبيرة، الأول يقع جنوبي المدينة بين المسرح والشارع المستقيم، وتمتد بقايا الحمامات المركزية إلى الجانب الغربي من السور، ويدخل إلى الحمام من بابين رئيسيين إلى صالة واسعة معدة لخلع الملابس وحفظها، وتبلغ أطوالها (150) متر، وينفذ من هذه الصالة إلى داخل الحمام عبر غرفة الماء البارد، وهي قاعة واسعة تؤدي إلى صالة المياه الدافئة أكبر صالات الحمام، ومن ثم إلى صالة المياه الحارة. وكان الماء يندفع من خلال قساطل من الفخار تدخل في أقنية معدة في الجدران. وفي عام 1993 تم الكشف عن استراحة الحمام الشرقية، وتم تركيب 14 عمود على الطراز الإيوني، وهناك دراسة وعمليات رفع لتأريخ الحالة النهائية للحمامات.

البركة الشرقية


وهي خزان للمياه مربع الشكل تقريباً بعمق 6 أمتار وضلع جنوبي 114 متر وشرقي 112 متراً ويستدل من الأحرف المحفورة عليها أن تاريخها يعود إلى عهد الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد.

الميدان


يقع جنوب المدرج، ويعود إلى العصر الروماني، وهو بناء مستطيل مغلق من الجنوب ومفتوح من الشمال يبلغ طوله 680 متراً وعرضه 100 متر، ويبدو أنه كان معداً لسباق الخيل.

بركة الحاج


وهي أكبر من البركة الشرقية، ويبلغ طول ضلعيها 155 متراً، و 122 متراً واستخدمت في العهد الأيوبي لسقاية قوافل الحجاج وتزويد الخندق والقلعة بالمياه اللازمة.

أسوار المدينة


وتعود إلى العهد النبطي، وهي ما تزال قائمة في بعض أطراف المدينة في الجهة الشمالية الغربية والشرقية، وبعض أقسام الناحية الجنوبية، مما يسمح بتعيين حدود المدينة.

دير الراهب بحيرا


يعد أقدم كنيسة في المدينة، ويعود إلى القرن الرابع الميلادي وهي ذات أسلوب بناء مختلف عن بقية الكنائس، وأجمل ما فيها المذبح وقوسه الشاهقة بيضوية الشكل.

الكاتدرائية


يعود تاريخها إلى عام 512-513م وموقوفة للقديسين سرجيوس وباخوس وتيونتوس، وهي أول كنيسة بنيت على شكل مربع تقريباً تعلوه قبة. ومقاييس جدرانها 49 متراً طولاً و27 متراً عرضاً، ومزينة من الداخل والخارج بمحاريب. ويتألف هيكلها من ثلاث حنيات، وعلى جدرانها صور ملونة تمثل رسوماً للعذراء وثلاثة قديسين يحيطون بها.

الكنيسة الكبرى


أظهرت الأعمال أن هذه الكنيسة بنيت على أنقاض معبد نبطي استخدم قسم من حجارته في بنائها. وتم الكشف عن أجزاء مهمة منها وعن مجموعة لبناء ضخم تتألف من عدة تيجان وركائز أعيد استخدامها في البناء. وظهرت الحنية الكبرى للكنيسة في الشرق وهناك حنيات أصغر منها، وأرضيتها من البلاط البازلتي وعلى عمق متر واحد أرضية من الفسيفساء.

ومن أهم الجوامع الأثرية الموجودة في المدينة


الجامع العمري


بني الجامع العمري في زمن الخليفة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ / 644م.

مسجد الخضر


بناه عز الدين كمشتكين عام 528هـ/1134م ويتبع طراز العمارة المحلي في حوران.

مسجد المَبْرَك


ويعود تاريخ بنائه إلى بداية العهد الإسلامي. وتشير الروايات إلى أنه بني في المكان الذي بركت فيه الناقة التي حملت أول نسخة من القرآن الكريم إلى بلاد الشام. ويقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة. وبنيت إلى جانبه المدرسة الدينية لتدريس المذهب الحنفي عام 530هـ/1136م. ويعد أقدم مبنى أثري قائم في سورية أنشئ ليكون مدرسة دينية.

مسجد فاطمة


عمارته تعود إلى العصر الأيوبي، في النصف الأول من القرن الثالث عشر.

مدرسة الدباغة


يعود تاريخها إلى 626هـ/ 1225م وشيدت بأمر الملك الأيوبي الصالح إسماعيل صاحب بصرى.

مسجد ياقوت


يعود تاريخه إلى 655هـ/ 1257م وبانيه هو شهاب الدين يوسف بن ياقوت والي قلعة بصرى.

أما آخر أثر إسلامي بني في بصرى فهو حمام منجك، وهو يعطي الدليل الواضح على استمرار أهمية المدينة حتى العصور الوسطى المتأخرة وعلى استمرار تطور المرافق العامة فيها، ويعود تاريخه إلى مؤسسه منجك اليوسفي نائب السلطان المملوكي الأشرف شعبان.

إن هذه الإطلالة على الآثار المتنوعة التي تحتوي عليها مدينة بصرى يعطي فكرة واضحة عن أهمية المدينة التاريخي والأدوار العظيمة التي لعبتها في تاريخ الشرق. القديم منه أو في العصور الوسطى والمتأخرة.