الفاطميون

في عام 359هـ/969م احتل القائد الفاطمي جوهر الصقلي مدينة دمشق مؤقتاً حيث واجه مقاومة شديدة، وفي عام 360هـ/971م كان النفوذ الفاطمي منتشراً في غالبية الأراضي السورية فخطب للخليفة المعز لدين الله الفاطمي في منابر حلب وحمص، وكذلك خطب للخليفة أبي منصور نزار العزيز في منابر دمشق سنة 365هـ/975م، ثم بدأ هذا النفوذ بالتراجع بعد سنة 435هـ/1043م واستمر حتى ظهور صلاح الدين الأيوبي الذي خلع الخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين في مصر سنة 567هـ/1171م.
امتدت سيطرة الفاطميين في سورية خلال السنوات 359هـ/969م ـ 468هـ/1075م، ولم يتركوا من آثارهم العمرانية في مدينة دمشق إلا نزراً يسيراً كمحراب في زاوية الرفاعي وصخرة في الربوة نقشت فوقها كتابة كوفية تحمل اسم الخليفة الفاطمي المستنصر سنة 444هـ/1052م وهي الصخرة المعروفة شعبياً باسم صخرة اذكريني دائماً نسبة لما كتبه أحد الظرفاء فوقها، وكذلك ضريح للسيدة فاطمة بنت أحمد السبطي المتوفاة سنة 439هـ/1047م. أما خارج مدينة دمشق فعدد قليل من المشيدات العمرانية في بصرى وصلخد والسلمية وغيرها.
بلاد الشام في ظل الحكم الفاطمي:
ظهرت على مسرح الأحداث قوة جديدة كان أول ظهورها في المغرب، ثم ضمت إليها مصر وهي الدولة الفاطمية، وقد نجحت بانتزاع بلاد الشام من يد الإخشيديين ودخلت قواتها دمشق عام 359هـ/969م وخطب للخليفة الفاطمي على منابرها. وقد استفاد الفاطميون من أوضاع بلاد الشام المتردية؛ فهناك صراع على النفوذ بين الحمدانيين والإخشيديين، وصراع بين الحمدانيين أنفسهم بعد وفاة سيف الدولة الحمداني، وهاجم القرامطة البلاد، محاولين السيطرة عليها والحصول على أكبر مكسب مادي منها، وحاول البيزنطيون استغلال هذه الأوضاع فأغاروا على بلاد الشام ونجحوا باقتطاع أجزاء منها.
واجه الفاطميون مقاومة في فتحهم لبلاد الشام. ففي دمشق تزعم الأحداث (ميليشيا بمفهوم العصر الحالي) مقاومة جعفر بن فلاح قائد الفاطميين، ونجح الفاطميون بدخول المدينة وتكرر خروج الأهالي عليهم. أما حلب وبقية مناطق شمال بلاد الشام؛ فقد استعصت على الفاطميين لوقوف الحمدانيين ومن انضم إليهم من الإخشيديين في وجه الفاطميين. وكان يؤيدهم البيزنطيون بعد أن عقد قرعويه الحمداني معهم اتفاقية عام 355هـ/969م. ومما زاد الأحوال اضطراباً استمرار غارات القرامطة، حيث وصلوا في بعض غاراتهم إلى أبواب القاهرة، كذلك كانت ثورات الأهالي ضد الفاطميين، تؤدي إلى عدم الاستقرار واضطراب الأحوال.
كانت اتفاقية البيزنطيين مع الحمدانيين قد فرضت النفوذ البيزنطي في شمال بلاد الشام وهي جزء من السياسة البيزنطية، التي استهدفت أن يكون على رأس الحكم في مدن الشام المجاورة لحدودهم، حكام من المسلمين الموالين لهم والخاضعين لنفوذهم ليضمنوا ما يشبه السيطرة على هذه المناطق دون حاجة لاحتلالها. وهكذا نستطيع القول بأن حكم الفاطميين لبلاد الشام كان قلقاً ومضطرباً وتتنازع النفوذ خلاله قوى متعددة من قرامطة، وحمدانيين، وبيزنطيين، ومن ثم الأتراك السلاجقة، كما حاولت القبائل العربية في وسط بلاد الشام وجنوبها تدعيم قوتها وبسط سيادتها على مناطق نفوذها، فضلاَ عن ثورات أبناء دمشق ضد الحكم الفاطمي أكثر من مرة.
عاشت بلاد الشام هذه الفترة في ظل إدارة سيئة، فقد فرض فيها نظام الضمان، حيث كانت تضمن بعض مناطقها ضماناً لمن يدفع أكثر، فقد عقدت فلسطين لنواب كافور بخمسمائة ألف دينار، وكذلك جند دمشق، وكثيراً ما كان كافور يطلب من عماله المال على سبيل القرض، أو مقدماً، قبل أن يحين موعد الدفع، ويترك عماله مقابل ذلك يجبون ما يشاؤون من المال، إرضاء لهم. وكثيراً ما كانت خيرات بلاد الشام وأموالها تنهب إلى خارجها وتحمل مع الثائرين أو مع الروم البيزنطيين في غزوهم للبلاد، مما أنهك بلاد الشام اقتصادياً. وقد حاول بعض الخلفاء العباسيين اتخاذ بعض الإجراءات لإنقاذ البلاد وتحسين اقتصادها، من هؤلاء الخليفة المأمون الذي أقام في دمشق شتاء عام 214هـ/829م محاولاًَ تنظيم الخراج على أراضي بلاد الشام، أملاً في زيادة الدخل الوارد منها.

مواضيع ذات صلة: