بصرى الشام

14 كانون الثاني 2012

-

تعكس الصورة القديمة لمدينة بصرى الشام شرق درعا 40 كيلومتراً عمق الحضارات التي تعاقبت عليها وتمازجها على مر العصور فحيثما حط الزائر قدمه تستوقفه حكاية وأينما نظرت عيناه يرى حجراً يخبئ رواية من روايات ماضيها العريق.

تذخر المدينة المسجلة على لائحة التراث العالمي منذ العام 1982 بالعديد من الأساطير والمآثر التي تأخذ الزائر إلى أبعد من حدود الرحلة المكانية فما تزال سراديبها وأقبيتها وقلعتها الشهيرة مثار فضول لا ينتهي فضلاً عن تنوع زخارفها الإسلامية علما أنها مدينة رومانية عرفت تعدداً دينياً وعرقياً.

ويستقطب مدرج قلعة بصرى الأثري المزيد من الفعاليات الثقافية والسياحية بقصد التعرف على تاريخها حتى غدت قبلة لمحبي الفن والثقافة بالمعنى الإنساني الأوسع وفرصة حقيقية لحوار الحضارات ولقاء المجتمعات والتنمية الثقافية الأمر الذي دفع القائمين عليها الى الترويج لقلعتها ومدرجها كنموذج أثري يتفرد في المشهد العالمي بانتظار إدراجه ضمن قوائم عجائب الدنيا السبع لكونه يصنف من أرقى مظاهر الإنشاء المعماري في الشرق إذ يعود بناؤه الى القرن الثاني الميلادي وهو من أهم المسارح على مستوى العالم.

رئيسة دائرة آثار بصرى المهندسة وفاء العودة ترى أن شوارع القلعة الأثرية المرصوفة بالحجر البازلتي القديم تعكس رؤية فنية وهندسية اذ يمتد أحد شوارعها من باب الهوى شرقا وصولا الى تقاطع وسط المدينة القديمة ليلتقي مع الشارع القادم من محيط قلعتها ليشكلا رافداً جديداً بمقام المسجد العمري ومبرك الناقة فيما يستمر الجدول الثاني شرقاً ليصل إلى سرير بنت الملك مكملاً مساره الى نهايات اسوار المدينة من الجهة الشرقية مبينة ان هذه المسافات ليست احجارا مرصوفة وانما مسارات هندسية طالما وجدت على جانبيها بقايا لأسواق وأماكن اثرية وأعمدة بتيجانها وزركشاتها أحاطت بالشوارع المستقيمة.

وتتابع المهندسة العودة ان طول بعض الأعمدة الأثرية يتجاوز 14 مترا سواء على منصة مدرج بصرى أو الشارع المستقيم الأمر الذي يثير فضول الباحثين واهتمامهم بتعدد أشكال الأعمدة وتعدد طرزها وعهودها التاريخية والتي توثق للثقافات والديانات والمعتقدات طالما بقيت مخلصة للتأثيرات المحاكية للأشكال الطبيعية.

وتشير العودة إلى توفر العديد من طرز الأعمدة المستخدمة في بناء الصروح النبطية والمباني فضلاً عن أعمال التزيين بالمدينة اذ باتت تشكل عنصر جذب سياحياً للمئات من السياح إضافةً إلى أهميتها التاريخية لمعرفة الفترة الزمنية التي تنتمي إليها مبينة أن العمود النبطي الواقع إلى الشرق مباشرة من الباب النبطي والذي يشكل جزءاً من معبد ويتميز تاجه بالقرون وهو مشابه للأعمدة النبطية في مدينة البتراء الأردنية فيما أعمدة الشارع المستقيم والشوارع الفرعية مستوحاة من الطرز الأيوبية وهي من الحجر البازلتي والكلسي كالأعمدة التي تزين الطريق المار من قوس النصر الى المسرح.

وتضيف رئيسة دائرة آثار بصرى: «أن أعمدة السقاية معبد حوريات الماء تتألف من أربعة أعمدة من الطراز الكورنيثي بارتفاع 14 متراً وهي من بقايا معبد روماني خصص للسقايا حيث تعتبر نموذجاً فريداً من نوعه في مدينة بصرى نظراً لضخامتها اولا وشكل القاعدة المثمنة ثانيا مشيرة إلى أن الطراز الكورنثي المعماري نشأ في مدينه أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد لكن تسميته اشتقت من مدينة كورنث اليونانية ثم طوره الرومان في حقب لاحقة واستعملوه في عمارتهم اضافة لاستخدامهم طرز الأعمدة الإغريقية الدوري والايوني والكورنثي مع ادخال بعض التعديلات عليها».

ويمكن للزائر أن يتعرف على نمط حياة الأجداد والأدوات والوسائل التي استخدموها في حياتهم انذاك عبر زيارة لمتحف القلعة والذي يؤرخ لفترات قريبة العهد إضافة لاحتوائه لوحات فسيفسائية وسرجا و جرارا واباريق واواني منزلية ومدامع وقوارير وقنابل يدوية أيوبية ولوح دراسة المحصول والمذراة والكواير المصنوعة من القش.

الآثاري خلدون الدوس أحد العاملين في دائرة آثار بصرى يقول.. ان متحف التقاليد الشعبية فى مدينة بصرى الأثرية والذي أسس في عام 1962 يوثق بمحتوياته من المجسمات والاعمال والمصنوعات اليدوية حقبة طويلة من تاريخ الانسان الذي سكن هذه المنطقة.

ويضيف الآثاري الدوس ان المتحف يقع في احد أبراج قلعة بصرى الاثرية وقد اختير هذا البرج بسبب تصميمه المعماري الذي يأخذ شكل البناء العربي المتأثر بالطراز الفارسي حيث ينقسم الى ثلاثة أواوين مع غرف جانبية وفسحة متوسطة وممر متدرج كما ان جدران المبنى سميكة ومزودة بنوافذ متسعة تسمح بإنارة المبنى بشكل طبيعي.

ووفقا للآثاري الدوس فإن المتحف يضم عدة قاعات منها قاعة الفلاح وقاعة المطبخ والمضافة وقاعة الطيور وقاعة العروس وأخرى للألبسة اذ تحتوى كل قاعة مجموعة من الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية مشيرا الى ان المتحف يقسم الى قسمين الاول يقع في البرج السابع من القلعة على مساحة 480 مترا مربعا والاخر هو المتحف المكشوف في الساحة الواقعة في الجهة الشمالية بين البرج العاشر والتاسع على مساحة 350 مترا مربعا وان عدد القطع المسجلة في المتحف يصل حاليا الى 1117 قطعة متنوعة ما بين فخار ومعادن وقطع زجاجية.

ويبين ان المتحف يعرض الان 242 قطعة زجاجية تتنوع بين جرار واباريق واوان منزلية تعود معظمها الى الفترة الرومانية والبيزنطية في حين ان قاعاته تعرض 273 قطعة معدنية من حلي وادوات طبية ونقود تعود الى الفترات الهلنستية والرومانية والبيزنطية لافتا الى وجود 150 قطعة حجرية تتنوع بين تماثيل وتوابيت واعمدة وقطع اكساء تعود للفترات الرومانية و البيزنطية والنبطية.

ان تنامي زيارات السياح والفعاليات الاخرى الى المدينة من اجل رؤية مفاتنها التاريخية وتسجيل العديد من الصور والاستماع الى اسرارها وحكاياها يؤدي الى تنامي المشهد السياحي برمته في المدينة وافتتاح المزيد من جبهات العمل لإظهارها بأبهى صورها اذ ظهرت مدينة جديدة ملتصقة بالقديمة تعمل ليل نهار على تقديم الخدمات والخطط لتحويل المدينة الى سيرة لا تعرف النهاية .

وفي هذا الخصوص يشير رئيس مجلس المدينة المهندس وائل المفلح الى ان مدينة بصرى تشهد حركة متنامية في كافة الاتجاهات سياحيا واقتصاديا وبشريا ما يتطلب المزيد من جبهات العمل لتلبية متطلبات السياحة لافتا الى توقيع عدة اتفاقيات شراكة مع مشروع شمس بمشاركة بلديات روما وبروكسل والمهدية بتونس من اجل تقديم دراسات تراتيجية لواقع المدينة واحتياجياتها المتنامية اضافة الى العمل على مشروع ترميم المنازل القديمة وتدريب العناصر الفنية في مجلس المدينة مع استمرار عمل لجنة حماية وتطوير المواقع الاثرية في المدينة القديمة.

ويوضح المفلح أن مدرج القلعة في مدينة بصرى معروض للاستثمار خلال المواسم السياحية القادمة بما يسهم في استقطاب اعداد كبيرة من الفعاليات السياحية والتجارية بهدف التعريف بالمدينة اكثر مشيرا الى ان ابناء المدينة يعملون على تقديم كل ما من شأنه اظهار مدينتهم بأفضل الصور فالشباب بما يمتلكونه من ادوات المعرفة يعملون على جانب التوثيق الالكتروني من خلال انشاء موقع خاص بالمدينة ليكون بمثابة ذاكرة حية ليوميات المدينة وزوارها واثارها.

ويلفت رئيس مجلس المدينة الى ان الشباب أنشؤوا ايضا صفحات تراسل وعقدوا صداقات عديدة فضلا عن توجيههم دعوات زيارة للعديدين في اطار الترويج الالكتروني للمدينة فبعض ابناء المدينة في المغترب اسسوا جمعية تحت مسمى أصدقاء بصرى تعنى بكل ما يمت للمدينة بصلة كما تسعى الى زيادة عدد القادمين اليها مؤكدا ان المدينة لا تعرف الهدوء بحثا عما هو جديد أو قديم بغية تمجيد ماضيها واظهار حاضرها بشتى الصور.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق