إيمار
يقع موقع إيمار Emar الأثري شمال سورية بجوار بلدة مسكنة الحالية، على الجانب الغربي لنهر الفرات عند منعطفه الكبير نحو الشرق، وتقع على مسافة نحو 90 كم إلى الجنوب الشرقي من حلب.
وقد ورد ذكر إيمار في النصوص القديمة التي تعود إلى الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، وفي العصر البيزنطي حملت اسم "بارباليسوس" ثم اختصر الاسم في العصور الإسلامية ليصير "بالس".
كانت إيمار مملكة صغيرة تضم ميناءً تجارياً مهماً يعد عقدة مواصلات تربط بلاد الرافدين بالممالك التي تقع إلى الغرب منها على طريق الفرات أو ما يعرف بالطريق البري، وكانت السفن تفرغ حمولتها في هذا الميناء، ويتم نقل البضائع براً على ظهور الحيوانات إلى حلبا (حلب) عاصمة مملكة يمحاض أو إلى قطنة على الطريق الصحراوي، وبالعكس كانت البضائع تنقل من حلب وقطنة إلى إيمار بالأسلوب نفسه. تمتعت إيمار بعلاقات طيبة مع إبلا في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، وعلى ما يبدو فإن ماري كانت تنافس إبلا على تمتين العلاقات الطيبة مع إيمار. تبعت إيمار مملكة يمحاض في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وأصبحت الميناء الرئيسي لها على نهر الفرات. ثم استولى عليها الحثيون عندما احتلوا حلب وقضوا على مملكة يمحاض وذلك في مطلع النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد. وبقيت المدينة ذات موقع تجاري مهم على نهر الفرات حتى داهمتها شعوب البحر عام 1187 ق.م، وقامت بتدميرها تدميراً شاملاً، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك إلا في العصر الروماني-البيزنطي حيث تم بناء مدينة بارباليسوس فوق أنقاض المدينة القديمة، والتي استمرت حتى العصر الإسلامي وعرفت باسم مدينة بالس.
لقد ورد اسم إيمار في العديد من النصوص والوثائق الكتابية المكتشفة في بلاد ما بين النهرين وشمال سورية، كما ورد اسمها في قائمة المدن التي نجدها مكتوبة على جدران معبد الكرنك من عهد تحوتمس الثالث. وتشير نصوص إبلا إلى أن إيمار كانت مملكة سورية صغيرة، وأمكن التعرف على بعض أسماء ملوكها، وتتحدث رُقم إبلا عن هدايا من الأثواب والأحزمة منحت إلى شيوخ مدينة إيمار، وأقواس خشبية وجعة وثوم وملابس أرسلت هدايا إلى ملوك إبلا، وتشير إلى اتصالات دينية وثيقة بين الأسرتين الحاكمتين في إبلا وإيمار. يرد ذكر إيمار أيضاً في نصوص ماري التي تعود إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، كما تذكرها نصوص الطبقة السابعة والرابعة في ألالاخ (تل عطشانة)، حيث اكتشف تمثال لملكها إدريمي منقوش عليه قصة مغادرته إيمار وعودته إلى عرش آبائه في ألالاخ. أما في نصوص أوغاريت فنجد نصاً عن توسط ملك كركميش في نزاع بين رجل من إيمار وآخر من سيانو (الواقعة على الساحل السوري). إلا أن الوثائق الأكثر أهمية هي التي اكتشفت في إيمار نفسها، إذ قدمت صورة عن حياة هذه المدينة. وقد ترجمها دانييل أرنو D.Arnaud فوجد أنها ذات طابع حقوقي وإداري، وهي عبارة عن عقود ومراسلات وقوائم بالأسماء، مكتوبة بأسلوب معروف بالأسلوب الحثي، وعليها طبعات أختام اسطوانية مسطحة ذات عبارات لكتابات هيروغليفية حثية و بابلية متأثرة بالسامية الغربية.
بدأ الاهتمام بالموقع في مطلع العشرينات من القرن العشرين حيث قام الباحثان أرنست هرتزفيلد Ernst Herzfeld وفريدريك سار Fredrick Sarre بإجراء سبر في موقع مسكنة للتعرف إلى طبيعته. وفي عام 1929 نقبت بعثة أثرية برئاسة جورج سال George Salle وأوستاش دو لوري Eustache de Lorey في المنطقة الإسلامية من موقع بالس. إلا أن أول من ربط بين إيمار القديمة وموقع مسكنة الحالي هو العالم الفرنسي جورج دوسان G.Dossin سنة 1938. وبين عامي 1972-1976 قامت بعثة فرنسية بالتنقيب الأثري في مسكنة الإسلامية وعثرت مصادفة على رقيم مسماري في الجهة الغربية منها، وأدى ذلك إلى مجيء بعثة فرنسية متخصصة بالعصور القديمة بإدارة جان كلود مارغرون J.C.Marguron إلى الموقع، وقامت البعثة المذكورة باكتشاف كثير من المعالم المعمارية التي تعود إلى مساكن وقصور ومعابد تعود إلى إيمار القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كما عثر على عدد من الوثائق المسمارية المهمة، إلا أن نتيجة الحفريات لم تظهر شيئاً أقدم من العصر البرونزي الحديث، وتبين أن المدينة بنيت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد فوق مصاطب ومدرجات مشرفة على الفرات. وأظهرت التنقيبات معابد مستطيلة ذات مدخل محوري، وبيوت ذات ثلاث غرف منتظمة البناء على المصاطب، كما عثر على كثير من الأواني الفخارية والمذابح والأختام الاسطوانية وغيرها مما يجده الزائر في متحف حلب.
إلا أن التنقيبات التي أجرتها المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1991، ثم في عام 1996 بالتعاون مع جامعة توبنغن الألمانية، كشفت عن فخار من العصور البرونزية القديمة ومع توسيع التنقيب وتقدمه تم العثور على بقايا معمارية وبقايا فخارية كاملة وكسر مختلفة، كافية لتأكيد الاقتناع بأن الموقع تم استيطانه في العصر البرونزي القديم في الدور الرابع منه.