ندوة الفكر والفن التشكيلي في غاليري رفيا
20 كانون الثاني 2010
«الفكر والفن التشكيلي» هو عنوان الندوة التي أقامتها غاليري رفيا للفنون التشكيلية بمناسبة افتتاحها معرض الفنانين التشكيليين الفلسطينيين تيسير بركات وسليمان منصور.
الندوة التي خلت من أوراق العمل فتحت باب النقاش مع الفنانين الفلسطينيين، إضافة إلى كل من الفنانين السوريين يوسف عبدلكي وغياث الأخرس.
مدير الندوة الأستاذ أنور بدر أشار إلى التجربة الهامة لكلا الفنانين الفلسطينيين والتي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا زالت مستمرة حتى اليوم حاملةً القضية الفلسطينية كمحورٍ أساسي في عملها.
بدايةً أشار الفنان سليمان منصور إلى أن «عنوان الندوة كبير جداً» واعتبر أنه «ليس بالإمكان الإحاطة بمثل هذا العنوان إنما يمكن إصابة أطرافه»، وهنا استذكر قصة جرت أحداثها معه في بدايات عمله الفني عندما أقام معرضاً في مدينة رام الله استمر 6 ساعات فقط، وأغلقته سلطات الاحتلال قائلاً: «سألني المحقق لماذا أرسم مواضيع لها توجه سياسي ولا أرسم أشياء كالزهور أو النساء؟»، ويؤكد منصور أن هذا السؤال «لفت نظري إلى ضرورة استناد العمل إلى الفكرة الأساسية التي تدعم وجوده» منوهاً بدور «السوق الذي جعل اللوحة الفنية العربية تزيينية في الغالب»، ومعتبراً أن هذا الأمر لم يكن موجوداً في الأراضي المحتلة لأن «السوق غير موجود نظراً للظروف الخاصة بالوضع الفلسطيني والتي يفرضها وجود الاحتلال».
أما الفنان تيسير بركات فأشار إلى أن «الفكر في الفن موجود منذ 10 آلاف عام عندما بدأت الحضارات الإنسانية بالظهور في المنطقة، فرافقت الإنسان رسالة دائمة أراد أن يوصلها، وفي المنطقة العربية اليوم ومنذ حضارة البابليين والآشوريين والفراعنة كان الدافع العقائدي أساسياً في العمل الفني، وحتى في الفترة الإسلامية ساهمت العقيدة في تنمية مجالات في الفن التشكيلي ومنها الأرابيسك والموزاييك».
واندفع بركات في مقارنة بين هذا الفن في الشرق وبين ما هو قائم عليه في الغرب مؤكداً أن «أوروبا اشتغلت منذ الفترة الرومانية وحتى عصر النهضة على مواضيع الطبيعة، وعلى ما تراه العين، بينما عمل الشرق دائما على الفكرة، وكان الدافع العقائدي يقف وراء التوجهات الفنية غالباً».
لينتقل إلى الحديث عن أثر الغرب في مسيرة الفن التشكيلي في المنطقة العربية معتبراً أن «بدايات القرن العشرين ونهايات القرن التاسع عشر هي بدايات التأثير الغربي على اللوحة العربية، بعد ما نقل عدد ممن درسوا في أوروبا ما شاهدوه هناك وتعلموه إلى الفن التشكيلي العربي، ودخلت تأثيرات التجريدية والانطباعية والتكعيبية وغيرها من المدارس الغربية إلى اللوحة في المنطقة العربية، فغدا لدينا محاكاة لما شاهدناه، ولكن لم يكن لدينا نفس الأرضية الموجودة في أوروبا لتحتضن العمل الفني المنجز، فلا يوجد لدينا متاحف تقتني هذه الأعمال وهذا يؤثر بدوره على التنافس بين الفنانين ويجعل بعضهم يركز اهتمامه نحو السوق والموضوع الربحي».
وانتقل الأستاذ بدر ليطرح محوراً آخر في الجلسة وهو موضوع التلقي الشعبي للمنتج الثقافي والإبداعي الفلسطيني على أنه يجب أن يحمل البعد السياسي أو «النضالي»، وهذا ما يشكل ظلماً للفنان الفلسطيني أو المبدع الفلسطيني أياً كان مجال عمله الإبداعي.
بينما اعتبر الفنان غياث الأخرس أن الفنان «جزء من المجتمع والفنانون الفلسطينيون أصحاب قضية واستطاعوا اختراق العصر أفضل بكثير من غيرهم من الفنانين العرب».
معتبراً أن «الفن بحد ذاته هو فكر لذا أؤكد على الحوار وأهمية أن يفضي إلى نتائج تدعم التجارب الفنية والفكرية».
من جهته، أشاد الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي بـ «الالتحام الذي يعرفه الوسط الفني الفلسطيني، منوهاً بأهمية تجربة كل من منصور وبركات» ومؤكداً على «أهمية متابعة عمل الفنانين وعدم الحكم عليهما من خلال ما يعرض اليوم فقط».
كما اعتبر عبد لكي أن «الفن ليس فقط مجرد مهارات إنما هو بالأساس يستند إلى الفكر وربما تكون المهارات في الآخر».
وأضاف في جانب الفن التشكيلي الفلسطيني أن «جزءاً كبيراً من هذا الفن تخلص من الخطاب الأيديولوجي المباشر والأسلوب السياسي الدعائي سريع الهضم رغم أنهم كفنانين في موقع لا يحسدون عليه من حيث وضع فنهم دائماً في خانة النضال».
وقبل فتح باب النقاش للحضور نوه الأستاذ أنور بدر بأعمال الفنانين قائلاً: «لفت انتباهي لدى تيسير بركات مستويان من العمل، الأول هو تطويع المادة الخام، والثاني هو الاشتغال على بث روح الوجدانيات الإنسانية ضمن العمل الفني من خلال الرسائل الموجودة مع الأعمال، أما في تجربة سليمان منصور فلفتتني هذه القدرة على تحويل الجدار من مجرد جدار إلى قطعة فنية وقد حمّلها لكل امرأة ورجل وطفل فلسطيني».
تركزت مداخلات الحضور بدوره على ثلاثة محاور، المحور الأول هو مسألة الهوية في اللوحة الفنية العربية ومدى أثر الغرب فيها وهنا تحدث الفنان السوري يوسف عبد لكي قائلاً: «منذ تأسيس أول معهد عربي مختص بتدريس الفنون الجميلة في القاهرة عام 1908 كان هناك توجهات فنية تحمل طابع الخصوصية في كل بلد عربي على اختلاف عمق وتاريخ التجارب التشكيلية فيه، ونحن في النهاية شعوب لها إبداعها البصري المختلف عن ما عرفناه في لوحة الحامل الأوروبية، وهو ما انبهر به الفنانون الأوائل عندما اطلعوا على ما حققه الغرب في الفن التشكيلي أو غيره من الميادين، وبعد امتلاك الفنانين العرب لتقنيات اللوحة العربية بدأت قضية الهوية تظهر وأصبحت مطروحة، فعمل عدد من الفنانين على استلهام هذه الهوية من عدة مصادر، منهم من ذهب إلى الفلكلور أو الفنون الشعبية، ومنهم من قصد الموروث الحضاري للمنطقة من بابلي وآشوري وفرعوني، وهذه التوجهات كان لها علاقة بتجربة كل فنان الشخصية».
أما المحور الثاني فكان حول توجهات الجيل الشاب من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين وهنا تحدث الفنان سليمان منصور أن «جزءاً من الفنانين التشكيليين الشباب تأثروا بالتوجهات الفنية الحديثة، فعلى سبيل المثال هناك من توجه إلى فنون الفيديو آرت والتقنيات الجديدة وبالتأكيد هذا ينعكس على الاهتمام باللوحة الفنية بشكل سلبي، لكن هذا لا يعني أنه إذا كان هذا التوجه صادقاً في منجزه الفني أننا نقف ضده بل ندعمه ونشجعه، لكن المشكلة الأكبر في فلسطين ليست التوجه نحو الأساليب أو الحقول الفنية الجديدة إنما التوجه نحو تبني قضايا بعيدة عن معاناة الشعب الفلسطيني الإنسانية وخاصة من قبل بعض الشباب الذين يدعمهم تمويل خارجي».
المحور الثالث طرح فيه بعض الحضور توجهات الفن التشكيلي السوري وأثر السوق التجاري عليه، ليؤكد الفنان غياث الأخرس أن «المياه عندما تجري تفتح طريقها لوحدها» شارحاً «إن السوق والفرز الاجتماعي والمالي لعب أدواراً سلبية في مسيرة الفن التشكيلي السورية ولكن هذا لم يمنع من وجود فنانين من كافة الأجيال سواء الجيل الشاب أو من تجاوز سن الشباب أثبت حضوره وأثبت تميز التجربة التشكيلية في سورية بعيداً عن هواجس السوق إنما بتفكيرهم في الفن فقط».
وفي نفس السياق أكد الفنان تيسير بركات أن «بعض الفنانين العرب لا زالوا مشغولين بالجماليات وهذه الجماليات يحددها من يريد اقتناء اللوحة، فمن وجهة نظر هؤلاء يجب أن تتناسب اللوحة مع ديكور المنزل وأثاثه حتى ترتفع قيمتها الفنية وهذا بحد ذاته أثر سلباً على مسيرة الفن التشكيلي بشكل عام».
انتهت الندوة، ولكن أثرها الجميل مستمر في أرجاء ساحة التشكيل الدمشقي، الذي طالما غاب عن مشهده لقاءات وحوارات مفتوحة. إنها حقاً لتجربة مميزة، تصدت لها غاليري رفيا، التي ومن خلال نشاطاتها النوعية الأخيرة تدير مشروعاً ثقافياً بامتياز إلى جانب كونها صالةً لعرض وبيع الأعمال الفنية. لا بد أنها خطوة تحسب لصالح هذه الغاليري، والطريق الطويل يبدأ بخطوة.
عمر الأسعد
اكتشف سورية
مواضيع ذات صلة:
صالح الهديفي:
اخباري كل ما هو جديد عن غاليري
وما اتستطيع المشاركه اذا امكن
سلطنه عمان