فيلم هيه لا تنسي الكمون لهالة العبد الله صورة تجرب توثيق المأساة

13 07

«اشتغلتُ على صناعة فيلمي بحرية دون التقيّد بقواعد سينمائية». هكذا تلخّص المخرجة السينمائية السوريّة هالة العبد الله طريقة عملها في فيلمها الثاني «هيه، لا تنسي الكَمون» بعد تجربتها الأولى والتي أنجزتها مع المصور والمخرج عمار البيك وحملت عنوان «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها». يأتي فيلم العبد الله الثاني بنفس اللغة والنفس التجريبي، إلا أنّها في هذا العمل نجحت في الانتقال إلى حياة الآخرين وتفاصيلها، بعدما عرضت في عملها الأول مجموعة قصص من محيطها.

ربما كان التمرد على الواقع الاجتماعي، ورفض ما فيه، إضافةً إلى الغربة، سواء كانت غربة عن الوطن أو عن المجتمع، هي القاسم المشترك الكبر الذي يجمع شخصيات الفيلم.

تبدأ المخرجة فيلمها بالحديث الموجه إلى صديقها القاص والصحفي السوري جميل حتمل، مؤكدةً له أنّ عنوان الفيلم مأخوذ من آخر جملة نطقها قبل أن يدخل في غيبوبة الموت حين أوصاها بتحضير صحن حمص له ثمّ أكمل «هيه، لا تنسي الكمون»، كان جميل حتمل يحلم بالعودة إلى الوطن الذي خرج منه إلى باريس، ويعاني غربته بكمد أوضحه الفيلم من خلال مشاهده، ثمّ في العبارة التي قالتها العبد الله: «كان جميل يحلم بالعودة إلى الوطن ولو في تابوت». غربة حتمل عن الوطن التي عاشها في باريس تعيشها الشخصية الثانية في الفيلم، غربةً عن محيطها وهي صديقة المخرجة الفنانة اللبنانية دارينا الجندي التي احتلت قصتها الجزء الأكبر من الفيلم الممتد على ساعة وخمس دقائق من الزمن.


المخرجة هالة العبد الله

تظهر الجندي في بداية الفيلم وهي تتلمس بعض الياسمين في أحد شوارع باريس والذي يذكرها بطفولتها التي عاشتها في دمشق، تنقسم مشاهد الجندي في الفيلم على قسمين جزء في باريس والثاني في بيمارستان حلب تتحدث فيهما عن تجربتها الشخصية كفتاة عاشت تفاصيل الحرب الأهلية اللبنانية، وعايشت خطوط التماس التي قسمت بيروت فترة قاربت الستة عشر عاماً، ثمّ تنتقل الجندي للحديث عن معاناتها مع عائلتها التي اتهمتها بالجنون وأرسلتها إلى مشفى الأمراض العقلية بلغة ملؤها الحزن والأسى لتلخص تلك المرحلة بقولها: «لينظفوا، حطوا كل وسخن علي». هكذا تلخص الجندي قصتها في الفيلم بلغة غير وثائقية، إنّما اعتمدت المخرجة فيها لغة درامية بمشاهد طويلة في أحيان كثيرة، وفي نفس قصة دارينا يكمل الفيلم سيره ليظهرها تدرب على مسرحيتها التي ستنجزها في باريس بعنوان «يوم توقفت نينا سيمون عن الغناء» تظهر الجندي وهي تدرب عليها بكثير من الحزن وكثير من البكاء وتكرار الألم أو أنّه نفس الألم الذي عاشته الشخصية في الحياة تحاول إعادة صياغته على المسرح.

بين حتمل والجندي تمشي مشاهد الفيلم لتتخللها قصة شخصية ثالثة انتهت نهاية مأساوية، وهي الكاتبة والمسرحية البريطانية سارة كين التي ملت الحياة وبؤسها فدفعها اليأس إلى الانتحار وهي في قمة عطائها الأدبي وريعان شبابها «في العشرين من شباط عام 1999 عندما كان عمرها 28 عاماً انتحرت سارة كين» هكذا يقول الفيلم، الذي اختارت مخرجته منطقة سهل لغاب لتصوير المشاهد الخاصة بشخصية سارة كين، ما يدفعنا للتساؤل عن سبب اختيار هذا المكان البسيط في تركيبته للحديث عن قصة غامضة ومركبة كقصة سارة كين؟ وهنا تقول المخرجة أن هذا المكان الذي علق في بالها لتصوير مشاهد هذه الشخصية منذ بداية التحضير، لأنّه على بساطته يحوي الكثير من التساؤلات حسب اعتقادها.

في فيلم «هيه، لا تنسي الكمون» تظهر لغة تجريبيّة عالية المستوى اعتمدت عليها هالة العبد الله في انجاز عملها وتقديمه للجمهور، وابتعاد عن لغة التوثيق التي ربما شابت بعض المشاهد دون قصد، إنّما لأنّ الفيلم يتحدث عن حياة أشخاص بكلّ ما فيها، والعبد الله في فيلمها اعتمدت اللعب على عنصر الإضاءة في الصورة السينمائية ربما لتخفف بعض الضجر الذي يصيب الجمهور من المشاهد الطويلة التي تخللها الفيلم، كما اعتمدت على مقاطع غنائية أدتها يولا خليفة زوجة الفنان اللبناني مارسيل خليفة.

هذا وكان الفيلم قد عرض ضمن برنامج نشاطات المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، وتلته جلسة نقاش اشتركت فيها العبد الله شخصياً.

والجدير بالذكر أنّ هالة العبد الله من مواليد سورية عام 1965.
درست العلوم وعلم الاجتماع في دمشق وباريس.
امتهنت السينما عام 1985.
شاركت في إنتاج وتأليف وإخراج الأفلام الروائية والوثائقية في سورية ولبنان وفرنسا، وهي متزوجة من الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي، ولديها ابنة واحدة اسمها ليلى.


عمر الأسعد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق