تيسير بركات و سليمان منصور يقدمان الفن والألم والأمل في غاليري رفيا

18 كانون الثاني 2010

إنه حقاً من المعارض القليلة التي استطاعت أن تهز وجداننا بعنف، وتنبش في ذاكرتنا المثقلة، وتعيد لها كل مشاهد مأساة قضية شعب بحرفية وتقنية فنية مميزة، امتزجتا مع صدق وعفوية المقدِرة الفنية التي يتمتع بها الفنانان الفلسطينيان تيسير بركات وسليمان منصور. لقد استطاعا أن يجعلا المتلقي السوري يقف باحترام ووجل أمام أعمال فنية ولدت من صميم الواقع، مضرَّجة ومعجونة بشحنات درامية أحاطت الوجدان العربي منذ عشرات السنين، مما جعل هذين الفنانين يحققان معرضاً نوعياً جدير بالمشاهدة والتأمل.

في هذا المعرض صغير المساحة والكبير كبر الوطن العربي من حيث المحتوى، أتى صارخاً بألوانه الباهتة، صامداً بخشبه المحروق، متحدياً عنف المحتل وطغيانه من خلال بعض رسائل معروضة من أَسرى في سجون الاحتلال إلى عائلاتهم يعلنون فيها أن موعد انتقالهم إلى جنات الخلد قد تحدد، ويتمنون علينا «على أهلهم» أن يزغردوا ساعة الدفن.

يقص علينا سليمان منصور القادم من رام الله، كيف اعتُقل عدة مرات، وكيف كان سير التحقيق معه، وكيف كان يحاول سجانه «المحقق» أن يقنعه بأن يكون موضوع أعماله الزهور والورود. وبعد خروجه من ذلك التحقيق، لم يرسم أية زهرة إلى الآن.

أعمال الفنان سليمان منصور والتي اعتمد في إنجازها الألوان الزيتية على القماش، تمَّ شُغل معظمها من حيث الموضوع بتصوير قضية الحواجز العسكرية الإسرائيلية، ونقاط التفتيش إضافةً إلى جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل، فاستطاع أن يدرك الحساسية الإنسانية لحظة ترتهن بالمرور اليومي عبر جدران الفصل أو نقاط تسعى إلى تفتيش أدق التفاصيل من حقيبة الطفل المدرسية إلى ثياب العجائز.


من أعمال التشكيلي سليمان منصور
في صالة رفيا

وفي حديثه عن موضوعات أعماله إلى «اكتشف سورية»، يقول منصور: «بالتأكيد لكل مرحلة من مراحل هذا الصراع همومها الكبرى، وربما غدت قضية الحواجز العسكرية تشكل ألماً يومياً لكل مواطن فلسطيني داخل الأرض المحتلة، أنا شخصياً أضطر لاجتياز الحاجز بشكل يومي كي أذهب من منزلي إلى مرسمي وهذا بحد ذاته كفيل ليدفعني إلى إنجاز أعمال تحاكي هذه المعاناة الإنسانية واليومية».

ويؤكد سليمان على خصوصية استخدامه من توظيفات في الأعمال: «في بعض الأعمال هناك توظيفات مقصودة متداخلة مع الرمزية الأساسية لشكل القطع الإسمنتية التي يبنى منها جدار الفصل العنصري والتي غدت معروفة للجميع، فحاولتُ على هذه القطع أن أنقل تفاصيل أخرى، لذا أدخلتُ في إحدى اللوحات الخطَّ العربي مع الأيقونة المعروفة في تاريخ كنائس مدينة القدس، كما عملتُ على تصوير اليوميات التي تتشابه بين الفلسطينيين على الحواجز، فوجدتُ نفسي أرسم أطفالي أو أمي المسنّة أو حتى أرسم أشخاصاً يشبهونني في ملامحهم لأنقل هذا الواقع بحساسية أكثر إنسانية».

تفرض القضية الفلسطينية التي تبلغ أحداثها حدود المأساة اليومية على منصور ألوانها. وهنا يشير إلى أن «الموضوع الكئيب الذي يحاكي مأساة هذا الشعب والتي لا توازيها أية مأساة في العالم يفرض عليّ اختيار هذه الرماديات والألوان المطفأة بشكل عام، كما أني عندما أعالج موضوعاً يتعلق بأرضٍ مسلوبة من أهلها أجد نفسي لا شعورياً ألجأ لهذا اللون البني في أعمالي».

ويتطرق منصور في حديثه إلى أوضاع الفنانين التشكيليين في فلسطين المحتلة مؤكداً أن «وجود الاحتلال ترك أثره في الفن التشكيلي الفلسطيني، فهو بشكل أو بآخر يدور في فلك هذه القضية، حتى أن وجود الاحتلال أثّر في حجم اللوحة الفلسطينية، فنحن ننجز لوحات صغيرة الحجم نوعاً ما حرصاً على نقلها بسياراتنا الخاصة إذا تعذر نقلها بوسائط نقل أخرى، كما أننا نحرم من التواصل مع الفنانين الفلسطينيين داخل أو خارج البلاد، ونحرم من نقل أعمالنا لإقامة أي معرض، والجميع يعلم هنا في سورية كم مرة تأجلَّ موعد معرضنا هذا بسبب ظروف الاحتلال».


من أعمال التشكيلي تيسير بركات
في صالة رفيا

أما الفنان تيسير بركات فيتقاطع مع زميله وشريكه في المعرض في الحديث عن ظروف الفنانين التشكيليين في فلسطين، معتبراً أنهم يعيشون في «واقع مجنون»، ويؤكد محاولتهم الدائمة وبكل الوسائل ليتغلبوا على هذا الواقع المأساوي كي نوصل رسالتنا وصوتنا إلى كل مكان».

لذا ومن خلال فكرة إيصال صوت الفلسطينيين إلى كل مكان في العالم، انطلق بركات في مقاربة موضوع الأسرى الفلسطينيين في السجون الفلسطينية، وعالج موضوعه بأعمالٍ هي أقرب إلى الفنون التطبيقية، مرتكزاً إلى خامة الخشب المعالج بالنار، وهنا قصدية واضحة في مقاربة المتناقضات «خشب ونار» «فلسطين وإسرائيل» ليعالج هذه الخامة أيضاً ببرادة الحديد في أعمال عدة.

وهو يرى أن «المادة أياً كانت هي وسيط حتى يوصل الفنان الفكرة التي يريدها لذا عليه البحث دائماً عن المادة الأنسب». وعن اختياره للخشب، يقول بركات: «لقد اخترت الخشب والنار كي أخلق حالة جديدة من هذين المتناقضين، وأبدل حالة الإفناء التي يمارسها أحدهما على الآخر، ومنهما حاولت إطلاق رسالة حول قضية شعب ومعاناة يومية نعيشها في الأراضي المحتلة».

قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية هي الموضوع الأساسي الذي يرتكز عليه عمل بركات. وعن هذا يقول: «إن هذه القضية قضية كبيرة وتعني لنا الكثير، فلا يخلو بيت فلسطيني من أسير في سجون الاحتلال أو من تجربة مريرة مع المعتقلات الإسرائيلية، وهذه التجارب بحد ذاتها تحمل الكثير من الألم ومن البعد الإنساني. فأنا قد قرأت أكثر من 14 ألف رسالة لأسرى ومعتقلين في سجون الاحتلال من مختلف فترات هذا الصراع، منذ 1948 وحتى 2005، وقد حاولت استخلاص ما في هذه التجربة لإنجاز مشروعي الفني هذا والذي استمر العمل عليه مدة قاربت ثلاث سنوات».

الفنانان في سطور:
الفنان سليمان منصور من مواليد بلدة بير زيت الفلسطينية عام 1947، درس فنون التصوير في كلية خاصة بالفنون بمدينة القدس ما بين 1967 و1970.

الفنان تيسير بركات مواليد غزة مخيم جباليا 1959، حاصل على بكالوريوس في الفنون الجميلة من الإسكندرية 1983.



.


عمر الأسعد|تصوير: عبد الله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من أعمال التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور

من أعمال التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور

من أعمال التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

هيام مصطفى قبلان:

تحية للمبدعين تيسير بركات وسليمان منصور ،على التقنية والمقدرة في الابداع ، على المواضيع التي تلامس كل فلسطيني ، قضية المعابر ، والسجون ، المعاناة ، والهم الجماعي ، الأسرى ، والتشرّد .
كان لي الشرف التعرّف شخصيا على الفنان المبدع تيسير بركات في رام الله ، وقد لعبت الصدفة دورها من خلال عمل مشترك باهدائه لي لوحة من لوحاته لغلاف روايتي الجديدة ( رائحة الزمن العاري) والتي تتكلّم أيضا عن الوضع الفلسطيني والمجتمع العربي ككل ، والتي تصدر بعد أيام معدودة في القاهرة ، أحيي الرسامين تيسير بركات وسليمان منصور ومن ابداع الى ابداع بصوت هادر لموج بحر ثائر ، يجسّدان من خلاله معاناة وصمود شعب ..الى الأمام .

مودتي / هيام مصطفى قبلان
شاعرة ، ناقدة ، وروائية

فلسطين

احمد عســـــاف:

اعمال رائعه جدا وتستحق كل التقدير والاحترام

فلسطين المحتله