اختتام رسمي لمؤتمر العرب والأتراك في مكتبة الأسد الوطنية
03 آب 2010
محاور متنوعة موسعة شملها المؤتمر بحاجة لمزيد من البحث والعمل
اختتمت مساء أمس الاثنين 2 آب 2010 فعاليات مؤتمر «العرب والأتراك» الذي انعقد على مدى يومين في مكتبة الأسد الوطنية، وحضر حفل الاختتام عدد كبير من الشخصيات الرسمية والسياسية والفكرية والإعلامية، في الوقت الذي تأخذ فيه العلاقات السورية-التركية منحى متصاعداً في تطورها يدفع بمختلف القطاعات – الثقافية منها على الأخص – إلى أخذ زمام المبادرة في البحث والدراسة عن والثقافة والحضارة والتاريخ المشترك بين الشعبين والبلدين الجارين.
وكان مؤتمر العرب والأتراك قد انطلق يوم الأحد 1 آب 2010 بعد افتتاح رسمي وشعبي وسط حضور كبير، وتابع المؤتمر أعماله على مدى يومي الأحد والاثنين 1-2 آب 2010، وعلى عدة محاور تناولت جوانب العلاقات السورية- التركية بدءاً من التاريخ السياسي والعسكري المشترك، وصولاً إلى الآداب واللغة والعمارة والفنون.
المحور الأول: أواصر العلاقات العربية- التركية
اشتمل المحور الأول على عدد من المحاضرات التي استمرت على مدى جلستين يوم الأحد 1 آب 2010، وانعقد بعنوان «أواصر العلاقات العربية – التركية»، وتناول هذا المحور العلاقات بين العرب والأتراك من جانبها التاريخي – السياسي، وخصوصاً في الحقبة العثمانية، وإن كان لم يخلُ من استشراف آفاق العلاقات السياسية بين العرب وتركيا في الوقت الحاضر.
الجلسة الأولى التي انعقدت تحت رئاسة الدكتور عفيف البهنسي تناولت جوانب العلاقة القديمة بين العرب والأتراك والتي تمتد إلى ما قبل الفتح الإسلامي، فتحدث الدكتور وليد رضوان عن «العرب والسلاجقة والدفاع عن الغزو الأجنبي» متناولاً مرحلة تاريخية مهمة امتدت منذ نهاية القرن الحادي عشر الميلادي مع قدوم جيوش الفرنجة لغزو الشرق العربي الإسلامي، متناولاً دور الأمراء السلاجقة في التصدي لهذه الحملات ثم في محاولة ثانية احتوائها وبعد محاصرتها وطردها من بلاد الشام، متحدثاً عن دور الأمير السلجوقي عماد الدين زنكي الذي مهدت دولته لظهور القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي الذي انتصر على الفرنجة في معركة حطين الشهيرة. أما الدكتور جنكيز تومار فقد تحدث عن «العلاقات التركية العربية قبل الإمبراطورية العثمانية»، فتحدث عن لقاء العرب والأتراك الأول في معركة طالاس عام 751م والتي دخل الأتراك على إثرها الدين الإسلامي بعد أن شاركوا الجيوش العربية فتوحاتها قبل أن يدخلوا إلى الإسلام، ثم شرح الدور الكبير الذي لعبه الجنرالات والجنود الأتراك في صلب الجيوش العربية والإسلامية منذ ذلك الوقت، وصولاً إلى الإمارات المملوكية التي أسس الأتراك عدداً كبيراً منها. ثم تحدث الدكتور نذير العظمة عن «العرب والأتراك والدفاع عن الدولة ضد الغزو الأجنبي» إذ أن الأتراك شاركوا بمختلف عهودهم (السلاجقة، الزنكيون، الأيوبيون، المماليك) في حماية ثغور بلاد الشام الشمالية ضد البيزنطيين وصولاً إلى الصليبيين، ومع الأمويين والعباسيين والحمدانيين وغيرهم من الدول العربية التي قامت في ذلك الوقت. وانتقل الدكتور توفا بوزبنار بالحضور إلى العصور الحديثة في عهد الدولة التركية العثمانية في محاضرة بعنوان «العلاقات العربية التركية في الفترة العثمانية»، متناولاً أربعمئة سنة من الوجود العثماني في العالم العربي ونظرة الأتراك إلى تلك الفترة التاريخية التي تركت تراثاً مشتركاً كبيراً في العرب والأتراك في مختلف المناحي. واختتمت الجلسة بدراسة إثنوغرافية للدكتور محمد فاتح زغل تناول فيها حياة الرحالة التركي والأديب والمؤرخ مطراقي زادة الذي صحبه السلطان سليمان القانوني في حملته الكبرى وذلك تحت عنوان «رحلة مطراقي زادة لنصوح أفندي السلاحي الشهير بمطراقي زادة».
الجلسة الثانية من هذا المحور تناولت الفترة العثمانية وعلاقتها بالبلاد العربية، وترأس الجلسة الدكتور وجيه كوثراني، فتحدث الأستاذ أحمد المفتي عن «العرب والأتراك وقافلة الحج (الخط الحديدي الحجازي)» التي شكلت دوراً هاماً في تاريخ بلاد الشام عامة ودمشق خاصة، وكان لها الأثر الكبير في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، كما اكتسبت أهمية خاصة في الدولة العثمانية منذ أن دخل السلطان سليم الأول حلب سنة 1516م بعد معركة مرج دابق وقضى على حكم المماليك واتخذ لقب خادم الحرمين الشريفين مما اقتضى منه تأمين طريق الحج وسلامة الحجيج. أما الدكتور محمد يحيى خراط فتحدث عن جزء من تاريخ حلب إبان التنازع المستمر بين الإمارات المملوكية والإمارات العثمانية في تركيا على هذا الجزء الهام والحساس من المنطقة في محاضرة بعنوان «إمارة حلب بين المماليك والدولة العثمانية في القرنين الثامن والتاسع الهجري». وتناولت الدكتورة خيرية قاسمية جانب العلاقة بين العرب كمواطنين في الدولة العثمانية وبين مؤسسات هذه الدولة من خلال مذكرات فوزي القاوقجي الذي خدم كضابط في الجيش العثماني في محاضرتها «من سيرة ضابط عربي في الجيش العثماني: آراء وانطباعات». واختتم المحور بمحاضرة ألقاها الدكتور أمر الله إيشلر، قدم فيها عرضاً تاريخياً لتطور السياسات الخارجية للدولة التركية، منذ انبعاث تركيا الحديثة سنة 1923 وصولاً إلى تولي حزب العدالة والحرية الحكم فيها سنة 2006، وتناول الدكتور إيشلر في محاضرته «السياسة الخارجية الجديدة لتركيا، وانعكاساتها على العلاقات التركية-العربية» الدور الجديد الصاعد لتركيا في المنطقة والجوانب الإيجابية التي قد تتركها هذه السياسة على المنطقة ككل.
المحور الثاني: الأدب واللغة
تناول هذا المحور الجوانب الثقافية التي تشكل اللحمة الأساسية في العلاقة بين الشعوب والحضارات، وتشكل اللغة وما يتبعها من أدب الجانب الأكثر أهمية في هذا المجال، وهو ما تناوله المحور الثاني من المؤتمر في جلسة ترأسها الدكتور يحيى محمد محمود. الدكتور علي القيم تناول جانب الموسيقى والغناء في تراثهما المشترك في محاضرته القيمة «الموسيقى العربية والتركية والقواسم المشتركة»، أكد فيها أن الموسيقى التركية هي توأم الموسيقى العربية وصنوها من حيث تطورها التاريخي النظري والعملي، معتمداً في ذلك على العديد من الوثائق الكتابية والموسيقية بدءاً من كتاب «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني، وصولاً إلى تسجيلات الموسيقى التركية الحديثة. وتحدث الدكتور موسى يلدز عن «التأثير المتبادل بين اللغتين التركية والعربية» من خلال كم المفردات المتبادل الهائل الذي تعبق به اللغتان. ثم تحدث الدكتور برهان كورأوغلو عن «إسهامات الأتراك في تطور العلم والفكر الإسلامي» منوهاً باثنين من أساطين الحضارة العربية الإسلامية والعلم في العالم من أصل تركي هما الفارابي والبيروني. وتحدث الدكتور خسرو صوباشي عن «فن الخط في مؤثرات الثقافة العربية التركية»، وعن تطور هذا الفن لدى الخطاطين الأتراك ولا سيما فن الخط في كتابة القرآن الكريم حتى أصبحت استنبول عاصمة الخط العربي. أما الدكتور نور الدين جفيز فتحدث عن «الترجمة الأدبية بين الأصيل والوسيط في الساحة التركية» ودور اللغة التركية أو العربية في تشكيل دور الوسيط لترجمة أهم الأعمال الأدبية والفكرية التي كتبت بلغات أخرى.
المحور الثالث: الفنون والعمارة
وانعقد هذا المحور الهام في جلستين كانت الأولى برئاسة الدكتور أمر الله إيشلر وتناولت الشواهد المعمارية العظيمة التي تشكل واحداً من أهم ما يميز التاريخ الحضاري المشترك للعرب والأتراك، إذ لا تكاد مدينة كبيرة من مدن بلاد الشام تخلو من شاهد أثري عمراني تركته الدولة العثمانية في وقت ما من الأوقات وعن هذا تحدث الدكتور عفيف البهنسي في محاضرته «تحول عمارة بلاد الشام منذ القرن السادس عشر» تحدث فيها عن أعمال العمارة العظيمة التي قام بها العثمانيون في بلاد الشام وخصوصاً المعمار سنان وما تركه الولاة العثمانيون من منشآت لا تزال باقية إلى الآن مثل التكية السليمانية وقصر العظم الشهير. وتحدثت الدكتورة بغداد عبد المنعم عن نظرة المستشرقين الخاطئة عن المدينة العربية من حيث كونها مبنية على الفوضى وعدم وجود تنظيم مديني حقيقي في الشرق، مما تكشف خطأه الاكتشافات العلمية الحديثة، ودعت إلى دراسة المدينة العربية وتاريخها وتطورها بعيداً عن النظريات الاستشراقية ووفقاً لمنظور علمي ينبع من معرفة المنطقة ونسيجها الاجتماعي والعمراني. وقدم المهندس محمود زين الدين عرضاً جميلاً أجرى فيه مقارنة بين الأوابد الأثرية العثمانية الموجودة في تركيا (مثل الكلية السليمانية وغيرها) بالأوابد الموجودة في سورية موثقاً بالصور نواحي التشابه والالتقاء في هذا الإرث المعماري الهام. ثم تحدث الدكتور يوسف نعيسة عن «ملامح من فن العمارة عند العثمانيين وآثارها في دمشق» منوهاً بالتاريخ الحضاري المشترك بين العرب والأتراك.
وتناولت الجلسة الأخيرة في المؤتمر، والتي ترأسها الدكتور علي القيم معاون وزير الثقافة، محور الفنون والعمارة أيضاً، فقدم الدكتور صبحي ساعتجي «لمحات عن الفن المعماري السوري في العهد العثماني» والأثر الذي تركه هذا الفن القديم في العمارة والبناء في العهد العثماني كما نشهد آثاره اليوم. كما تحدث الدكتور وجيه كوثراني عن تأسيس قاعدة علمية مفاهيمية لتناول التاريخ العثماني وعلاقته بالعرب في محاضرة بعنوان «مفاهيم لقراءة موضوعية للتاريخ العثماني». وختمت الجلسة بمحاضرة للدكتور يحيى محمد محمود تحدث فيها عن «أسواق استانبول كمركز لتسويق الفن الدمشقي في أوروبا في القرن التاسع عشر». وأنهى الدكتور علي القيم الجلسة الختامية بكلمة قالها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: «إن حل مشاكل المنطقة يجب أن يأتي منها، وقد وصلت العلاقات السورية-التركية إلى مرحلة لا يمكن التراجع عنها»، وذلك في دلالة إلى الطابع القديم المتجدد للعلاقة بين العرب والأتراك والتي يؤدي نجاحها إلى استقرار ونجاح هذه المنطقة المتميزة بطابعها العربي والإسلامي.
العماد حسن تركماني معاون نائب رئيس الجمهورية: البحث في العلاقة بين العرب والأتراك عبر التاريخ هدف نبيل
كلمات الختام أكدت أهمية مثل هكذا مؤتمرات علمية وثقافية بالنسبة لكل من القيادتين السورية والتركية، فاختتم المؤتمر كل من السيد العماد حسن التركماني – معاون نائب رئيس الجمهورية – والدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة.
وتحدث الدكتور رياض نعسان آغا عن المؤتمر الذي افتتحه قائلاً بأنه كان يتضمن «سوية عالية من النقاش» وهو المرجو من هكذا مؤتمرات، وتابع السيد وزير الثقافة قائلاً: «قلت في البداية أن هذا المؤتمر يجب أن يكون مؤتمر مكاشفات لنمضي إلى طريق جاد وحميم، وعندما نعيد العلاقة بيننا وبين أشقائنا، فإنها يجب أن تبنى على الشفافية والصراحة»، مؤكداً أن اللحظة التي نعيشها هي «لحظة صعود المتنورين إلى السلطة».
واختتم المؤتمر بكلمة للعماد حسن التركماني تحدث فيها بشكل شامل عن المؤتمر والعلاقات السورية- التركية، فهنأ الباحثين الذين «اجتمعوا إلى هدف نبيل، وهو البحث في العلاقة بين العرب والأتراك عبر التاريخ، فقدموا إضاءات قيمة وغنية في وجبة دسمة من الفن والثقافة والتاريخ وأضاؤوا مساحات عن الموروث المشترك»، وتوجه العماد التركماني بالشكر إلى وزير الثقافة للجهد الذي بذله في إنجاح هذا المؤتمر، كما توجه بالشكر إلى جميع الباحثين الذي شاركوا فيه.
وقال العماد التركماني:«إنه من المطلوب منا نحن السوريين والأتراك أن نقيم مثل هذه النشاطات التي تلبي ما أشار إليه السيد الرئيس حول العلاقات الجديدة والمتجددة بين العرب والأتراك وخاصة بين سورية وتركيا».
وتحدث العماد التركماني عن حقبة منقضية ساد فيها التوتر بين العرب والأتراك عموماً وبين سورية وتركيا على وجه الخصوص استمرت ما يقرب من ثمانين عاماً، وأكد أن ذلك التوتر لم يكن بفعل إرادة الشعوب بل بسبب ممارسات الدول الاستعمارية التي كانت تطمع إلى تقاسم الإمبراطورية العثمانية. وأشار السيد العماد إلى أن الأمور قد عادت إلى نصابها الآن وعادت علاقات سورية بتركيا إلى وضعها الطبيعي، «فالجغرافيا تفرض نفسها والتاريخ يفرض نفسه»، حسب تعبيره.
وأكد العماد التركماني أن السيد الرئيس بشار الأسد ورئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء الحالي السيد أردوغان التقطا ظروف المرحلة الحالية، وأن التطور الديناميكي السريع في العلاقات بين البلدين يثير الدهشة والإعجاب، ولاقى دعماً جماهيرياً كبيراً، وكما قال السيد الرئيس في تركيا عام 2009: «نحن نعيد الأمور إلى طبيعتها»، فإن هذا الكلام في العمق كما يقول العماد التركماني.
وبين العماد التركماني أن رؤية السيد الرئيس بشار الأسد تقوم على أنه آن الأوان كي تمسك الشعوب بمصائرها وتضع سياساتها، وأنها تشكل بكتلتها الاقتصادية فضاء فيه الكثير من المشترك، وتابع قائلاً: «هذه المجتمعات كانت متمازجة، فهنا قامت الدول المتعاقبة ودافعت عن المقدسات ضد حروب استعمارية، واستطاعت أن تصدها وتحرر القدس، فما تفعله القيادات اليوم يستند إلى التاريخ».
ونوه السيد العماد التركماني إلى تطور علاقة سياسية وأمنية واقتصادية بين البلدين مبنية على الثقة والإدارة المشتركة لتصبح علاقة استراتيجية بكل ما للكلمة من معنى، وهي مرشحة لأن تتطور أكثر.
ووجه السيد العماد الحديث إلى النخبة المثقفة، داعياً إياها كي تقدم للجماهير ما يجذر هذه العلاقة، «وكأن ثمانين عاماً من التوتر سحابة صيف».
وشكر في نهاية حديثه القائمين على هذا المؤتمر قائلاً: «أشكر كل من ساهم في هذا العمل، شكراً على ما قدمتوه من الثقافة والمعرفة».
محمد رفيق خضور- دمشق
تصوير: عبد الله رضا
اكتشف سورية
بحبك يا شام:
رائععععععععععععععععععع ما شاء الله، عمل عظيم، ومؤتمر مميز
دبي