نزار صابور يعرض في هانوفر بألمانيا

25 10

أنباء جديدة من سورية

يستمر في صالة Holbein4 في هانوفر بألمانيا معرض الفنان التشكيلي السوري نزار صابور تحت عنوان «أنباء من سورية News from Syria»، وقد انطلق هذا المعرض الذي نال إعجاب النقاد والفنانين والجمهور الألماني في 25 أيلول 2009 وسيستمر في نفس الصالة حتى 16 تشرين الثاني 2009.

والفنان نزار صابور من الفنانين السوريين المعروفين الذين أبدعوا في مجال التصوير، وقاموا بعرض نتاجاتهم في العديد من دول العالم.

ولد الفنان نزار صابور في مدينة اللاذقية عام 1958، وتخرج من كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير عام 1981، وحصل في العام 1990 على دكتوراه فلسفة في علوم الفن من موسكو. والفنان نزار صابور حالياً هو أستاذ الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وله العديد من المتاحف الفردية والمشتركة في سورية وخارجها، كما أن أعماله مقتناة من قبل: وزارة الثقافة السورية، المتحف الوطني بدمشق، قصر الشعب، المتحف الملكي الأردني، متحف البحرين، متحف الشارقة، صالة أوسكار في واشنطن، متحف شعوب الشرق في موسكو، وفي العديد من المجموعات الخاصة. كما حاز على العديد من الجوائز.

وقد قام الفنان الألماني كلاوس-بيتر هاوس بإجراء قراءة نقدية فنية وفكرية لأعمال الفنان نزار صابور مؤكداً أن الفن الذي يقدمه الفنانون السوريون هو مزيج تاريخي حضاري ممتد لآلاف السنين، ويركز هاس في هذه الدراسة على الإبداع الفني لدى نزار صابور في كل من لوحاته التي تحاكي الآثار الخالدة في المنحوتات الجنائزية التدمرية وتضيف عليها، وفي لوحاته المستمدة من حكاية عنتر وعبلة المنبثقة من عمق المخزون الأدبي والحكائي الشعبي العربي.

وفيما يلي ما كتبه الفنان والناقد الفني الألماني كلاوس-بيتر هاوس عن الفنان نزار صابور والفن السوري عموماً، تعليقاً على معرض الفنان صابور بهانوفر.

«فنان من سورية – أن تكون كذلك فإن هذا يعتبر امتداداً لتاريخ عمره عدة آلاف من السنين المليئة بتثبيت دعائم الحكمة والاختراعات والمشاعر والتقنيات، وتجسيدها جميعاً على أرض الواقع. إن عصور البراعة الفنية لدى الصينين، المصريين القدماء، وبلاد ما بين النهرين أصبحت متاحة لمن يريد أن يطلع عليها في كل أنحاء العالم. ولكن قلة من الناس فقط – حتى داخل سورية نفسها – يدركون حقيقة أن منطقة صغيرة ضيقة تمتد بين البحر المتوسط والصحراء، وبين جبال الأناضول ونهر الفرات قد تكون هي من صنعت هذا المزيج القوي والمؤثر بين ثقافات شديدة التباين أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، وأن هذا المزيج الجديد الذي يستخدم وسائل أكثر فعالية في التعبير من تلك التي سبقته، قد صُنع هنا في هذه المنطقة. لقد تم هنا تطوير الأبجدية الأولى بعيداً عن النماذج المعقدة التي استعملتها الهيروغليفية القديمة أو الحرف المسماري، وهي الكتابة التي درجت عليها ثقافات الشعوب المجاورة لتلك المنطقة، وبعيداً عن الأواني الخزفية والمنتجات الكلسية فقد قام التقنيون السوريون باختراع الزجاج.

إن ما سبق ذكره يعتبر الجذر الإنساني للحضارات الأكثر شهرة، اليونانية القديمة، الإترورية، وحضارة روما. لكن أكثر الأمور إثارة للدهشة هو أن تطور الصورة الفنية للإنسانية وإكسابها شخصيتها وإعادة قولبتها قد تم في هذه المنطقة أيضاً؛ بدايةً استورد الفنانون الإغريق أسلوب جيرانهم، وهكذا أخذنا نرى في أعمالهم الوجه المبتسم على الدوام والوقفة ذات الطابع البطولي للرجل والمرأة. وهكذا لاحقاً، قام الفنانون السوريون باستعادة المظهر الفخم والواقعي في آن لمنحوتاتهم، وإدراجها في فردانيتهم الحسية، وتحسينهم – غير المقيد بحد - للفن الإغريقي في سورية في العصر الهيلنستي. وفيما يتصل بالرسم والنحت، فقد قاموا بخلق صورة للنوع البشري تقوم على الاحتفاء والارتقاء بكرامة الإنسان وتؤسس لتكريس تفرده مجدداً، وأبلغ مثال على ذلك، تلك المنحوتات الجنائزية في الواحة الغنية في تدمر.

يلفت نزار صابور انتباهنا تجاه حقبتين تاريخيتين مهمتين في الفن السوري. وهو في سلسلة لوحاته الجديدة يعيد بناء ظلال الرؤوس في المنحوتات التدمرية الأنثوية والتي استخدمتها السكان العرب القدماء في أضرحة البلدة الصحراوية في تخليد أنفسهم، والتي هي اليوم مبعثرة بشكل واسع في العديد من المتاحف حول العالم. وتبعاً للأزياء الهيلنستية والرومانية التي كانت ترتديها تلك النساء، فإن الحجاب الذي رفعنه فوق رؤوسهن كان لإظهار درجة النبالة التي تمتعن بها، بالإضافة إلى إرساء مظهر الفخر والجدية على وجوههن التي تبدو بمظهر المتطلع نحو الأجيال القادمة، التي سترصد هذه الملامح. ولا نجد في لوحات صابور أي صور شخصية (بورتريهات)، بل رؤوساً مقولبة؛ ويظهر ذلك في ترتيب التجاعيد على الوجوه وأغطية الرأس المثنية بانتظام، والملابس التي تحاول مرتدياتها من النسوة إظهارها بشكل أكثر بذخاً. ولا غرو، فحتى على الأعمدة الضيقة في المدافن تحت الأرضية التدمرية، تم نحت التماثيل النصفية لقاطني تلك القبور، الواحدة فوق الأخرى، بحيث أخفى اللون جيداً مسائل الاختلاف في الأعمار، والملامح الحادة للأنوف والتجاعيد المزوية عند الأفواه.

ورغم أن النساء العربيات التدمريات اتبعن الأنمط السائدة لأزياء الحكام الرومان الأجانب، ولكن كان لديهن تصوراتهن الخاصة في حالتي الألوان والمجوهرات، كما نجد ذلك في نماذج خاصة بالأذواق والعادات العربية. لعدة سنين حاربت الملكة زنوبيا من أجل استقلالها. وأثناء قيامها بذلك جلبت الثراء الكبير لبلدها الصحراوي، بعد تحريره من جشع القوى العظمى التي كانت مضطرة للخضوع لها سابقاً. ورشح عن هذه التجربة الإنسانية، مزيج خاص من اكتساب الأزياء والأذواق الأجنبية، بالتزامن مع المحافظة على القيم المحلية الخاصة، وهو نمط ما يزال يدهشنا به الفنان السوري المعاصر، كما يبدو ذلك في أعمال صابور، فقد رسم بسرعة ومهارة خيالات شخوصه على خلفيات مظلمة، وسحب منها قتامتها التي اختزنتها لعدة آلاف من السنين. ونحن نعرف هذه الألوان المنبثقة من العواصف الرملية التي تلوح في الأفق بسرعة كبيرة والتي لا يمكن التنبؤ بها أبداً، تلك التي تجتاح معالم الطبيعة والأبنية وكل شيء، وهو أمر شهدناه في لوحاته السابقة والأكثر تجريداً.


من أعمال التشكيلي نزار صابور

تستدعي لوحات نزار الملحمية فترات مختلفة، ربما أكثر اضطراباً من المرحلة المذكورة سابقاً. وتلمح عناوين مثل «عنتر» و«عنترة وعبلة» تعود إلى الشعر العربي الجاهلي ما قبل الإسلام، وإلى بطل ولد كعبد أسود وعاش في قبيلة بني عبس العربية. وقد أعلى هذا البطل الشاعر (عنتر) في أغاني الحب الحزينة، والتي تبدو بدون نهاية محددة، من شأن العبارة الشعرية العاطفية من خلال حبه لابنة عمه عبلة، وقد تشكلت حول هذه القصة الرومانسية رواية اكتسبت شعبية كبيرة، واستمرت إلى العصور الإسلامية، ذُكرت فيها مغامراته الناجحة وبحثه عن النسب الملكي في أصله الإفريقي، وتظهر الرواية في النهاية كيف حقق حلمه بالزواج ممن أحب. وقد جعلت هذه القصة من عنتر «بطل الشاشة» لدى حكواتية المقاهي الشعبية لفترة طويلة، قبل أن يصبح انتقال هذه القصة إلى الأعمال الدرامية -خاصة في سورية-.

من معرض عنتر وعبلة
للتشكيلي نزار صابور

في التصوير الملحمي لهذه القصة والرسوم الشعبية التي تدور حول هذه الرواية، يبحث نزار في الدوافع والعناصر الأسلوبية التي ترتبط بهذه الإبداعات الفنية القديمة. وقد أخبرنا عن ذلك الانطباع الدائم الذي يراوده بأن الرسام الأول الذي عاش في القرون الوسطى - ويدعى الواسطي (1300م) - قد تقدم عليه. عاش الواسطي في زمن الغزو المغولي، وقام هذا الفنان بكتابة نسخة عن مقامات الحريري، والتي تضمنت حكايات على شكل قصص هزلية، كتبت بلغة تفصيلية، وضمنها رسوماً منمنمة تعبر عن هذه المقامات الخمسين بشكل فني ساحر. تمت ترجمة هذه القصص بالشكل المناسب إلى اللغة الألمانية من قبل فريدريش روكيرت. وقد انتقلت القصة إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ولكن الكاتب وبطل الرواية بقيا ينتميان إلى البيئة التي انطلقا منها في سورية الجنوبية (جنوب بلاد الرافدين). إن رسام العصر المغولي (الواسطي) قد استخدم الكثير من الأساليب، لكنه لم يأخذ أي شيء من الروح الفنية للرسم الصيني كما لم يستوحِ مما كان يرتديه الحكام الجدد أو يتقلدونه من حلي. بل إنه رجع - بشكل ما - إلى فترة النهضة من التصوير الذي درج في الروماني المتأخر «البيزنطي»، حيث نجد الكساء المطوي بكياسة، والسمات الشخصية النمطية التي تحدثنا عنها سابقاً، من حيث رسم الوجوه وطريقة وقوف الشخوص ذات الطابع البطولي. وقد خلد – على وجه الخصوص – رومانسية الصحراء مع جِمالها، وفرسانها، وحتى الحيوانات فيها، على الرغم من أن معظم مشاهد القصص قد جرت في بلدات ومدن تحفها الواحات الوارفة الظلال.

تبدو الصور الهشة للوجوه والأشخاص، أو أشباه الخيالات في لوحات الفرسان، التي تتضمنها هذه السلسلة من أعمال الفنان نزار صابور، وبالمثل اللوحات التي رسمت على خلفية قاتمة، وكأنها تجعل من الجدل الفني والثقافي الذي يعيشه العالم العربي اليوم في موضع الاهتمام الرئيسي مرة أخرى.

إن نزار صابور هذا الفنان الماهر، المصور الأديب، يتطلب رحابة الصدر من جمهوره. ولكنه يعرف جيداً كيف يوضح شيئاً فشيئاً هذا الجو الضبابي الذي قد يثير قليلي الصبر؛ هذا الجو الذي يعكس مباشرة الاختلاف الناجم عن الانتقال من التاريخ إلى الحاضر: والذي تتمثل فضيلته في الشك وعدم اليقين».


.


ترجمة وإعداد: محمد خضور

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق