مروان قصاب باشي بوجوهه الكثيرة
21 تموز 2016
يعرض في غاليري «صفير-زملر» بهامبورغ في ألمانيا
تستضيف صالة «صفير- زملر» في هامبورغ حالياً معرضاً فردياً للفنان التعبيري الألماني، السوري الأصل مروان قصاب باشي «دمشق ــــ 1934». هذا المعرض الذي تستضيفه الصالة ليس الأول للفنان، فقد بدأ التعاون بينهما منذ زمن بعيد نسبياً يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي.
إذ نظّمت له الصالة في مدينة كيل شمال ألمانيا، معرضاً فردياً ناجحاً في عام 1987، تبعه تنظيم معارض كثيرة في مدن عدة، خصوصاً هامبورغ وبيروت. وكان من أهم تلك المعارض هو ذلك المعرض الاستعادي الذي نظمته الصالة في مركزها البيروتي عام 2009 في مناسبة بلوغ الفنان الخامسة والسبعين من العمر حينها.
تتوزع أعمال المعرض الحالي إلى قسمين: في فضاء الطابق الأرضي من الصالة، نجد ستة أعمال ورقية متوسطة المساحة منفذة بتقنيات عدة، من الألوان المائية إلى الزيتية فالحبر الأسود تعود إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى 99 عملاً محفوراً نفّذها الفنان خلال سنتي 1997 و1998.
النسخ المعروضة كلها مذيّلة بتوقيع الفنان مع حرفي E. A. اللذين يعنيان نسخة التجربة التي يجريها الفنان قبل أن يباشر بطباعة الكليشيه في نسخ متعددة ومرقمة. يغلب على مواضيع هذه المجموعة، البورتريه بالأسلوبين الأخيرين اللذين مارسهما مروان في تصويره. كما نجد بعضاً منها، وقد أغنى الفنان نسيجها ببعض الكلمات العربية. ويظهر على حائط يتعامد مع الحائط الذي يحمل هذه المجموعة الكبيرة إطار بداخله بيت من الشعر لابن عربي مكتوب بالخط النسخي، يُغني الفكرة الفلسفية لأعمال الفنان. يقول البيت: «وما الوجه إلّا واحد غير أنّه/ إذا أنت أعددتَ المرايا تعدّدا».
أما الطابق العلوي من الصالة، فهو مكرس للأعمال الزيتية التي تبلغ عشرةً، من بينها لوحة صغيرة «35 × 22 سنتم» لا تقل بالطبع أهمية عن باقي اللوحات. ما يجمع بين كل هذه الأعمال، عدا بعض أعمال الحفر، هو اسم العمل أو موضوعه: «وجه»، وهذا الوجه هو بالطبع وجه مروان.
الوجه هو الموضوع الأثير الذي اشتغل عليه الفنان الكبير. منذ عام 1964، بدأ ينفذ تشكيلات أولية لوجوه شعراء ومفكرين عرب، مثل منيف الرزاز والسياب. وبعد سنوات عدة، أنجز تغييراً كبيراً في أسلوبه أقرب إلى التجريد، أصبح مميزاً له.
كان يعتمد كأساس وجهه هو نفسه، ليبدع لوحاته عليه. وكان الوجه يحتل تقريباً كامل مساحة اللوحة. كان هذا التغيير قد بدأ في منتصف الثمانينيات.
تعود الأعمال المعروضة إلى بدايات هذه المرحلة الأخيرة حتى سنة 2014 حيث تفتخر الصالة بعرض آخر عمل أنجزه مروان حتى الآن في تلك السنة، حيث أتم الثمانين من العمر، وفق ما تقول لنا القيّمة على الصالة.
والعمل هو بقياس 161.5 طولاً بعرض 113.5 سنتم يميل إلى الألوان الداكنة من الرمادي الأسود إلى الأزرق والبني ليقابل هذا في الجهة اليسرى من العمل اللون البيج أو الأوكر موازناً التكوين ورافعاً من حرارة العمل، مما يذكّر بشمس بلاده التي افتقدها في بلاد ممطرة قليلة النور، إلى جانب بعض البقع الملونة التي تظهر على تضاريس الوجه كنبضات لون تشي بسنوات كثيرة مرّت كانت مليئة بالحياة الفاعلة الغنية. هذه الألوان هي بالطبع تقنياً حصيلة تضع الطبقات التي يعمل بها الفنان طبقة إثر طبقة.
وعلى الرغم من مظهرها الجامد، إلا أنّ حركة داخلية تجتازها، وهي ــ إن فلسفنا الأمور ـــ ربما تصنع تلك الحيوات التي عاشها الفنان لتشكل وجهه هذا. هو ذلك الخليط في الحياة التي عرفت النجاح والفشل، صدى الأمل واليأس، وربما هي تآلف الروح مع الجسد.
يعدّ مروان أحد الوجوه الطليعية في ألمانيا خلال الستينيات، استقر في برلين منذ عام 1957 حيث درس الفن بين 1957 و 1963. وعلى الرغم من اندماجه في حياة برلين، إلا أن أعماله ظلت تتأرجح بين عالمين حيث يظهر توتر بين الشكل والعاطفة، وبين التجربة الداخلية للواقع وذلك المعاش من العالم الخارجي.
باستثناء محاولاته الدمشقية الأولى، مرّ مروان في ثلاثة مراحل مختلفة على مستوى الموضوع: في الفترة الأولى، وهي فترة تشخيصية امتدت بين عامي 1966 و1970، يقدم أفراداً معزولين أو أزواجاً في مساحة فارغة وباردة، في وضعيات غريبة تعبر عن الوحدة الروحية للكائن الإنساني. وابتداءً من عام 1970 وحتى بداية الثمانينيات، وبعد مرحلة قصيرة كانت مخصصة للطبيعة الصامتة، اتخذ مروان كنموذج له الدمية التي كان يحركها بحرية. وفي هذه الفترة، بدأ محاولاته في رسم وجهه. ابتداء من عام 1980، رسم مروان بلا كلل وجوهاً أصبحت صرحاً/ مشهداً طبيعياً.
تظهر هذه المرحلة حساسية خفية ومكوِّنة من جهة أخرى دخوله إلى التجريدية. نجد في الأسلوب الذي اعتمده مروان الوصف الدقيق والاستذكار التجريدي للأجواء والمشاعر والتوترات النفسية. وينتسب رسمه تماماً إلى الطريقة الحرة التي تميز البقعية..
معرض مروان قصاب باشي: حتى 27 آب في صالة «صفير زملر»، هامبورغ ـ ألمانيا
بطرس المعري
al-akhbar