كلمة المدير العام في اجتماع مع اليونيسكو لمناقشة واقع الآثار السورية

04 أيلول 2013

اجتماع مع اليونيسكو لمناقشة واقع الآثار السورية

كلمة المدير العام في اجتماع مع اليونيسكو لمناقشة واقع الآثار السورية

السيدة إيرينا بوكوفا / المدير العام لمنظمة اليونيسكو

السيد الأخضر الإبراهيمي/ مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية

سعادة السفيرة لمياء شكور / المندوبة السورية الدائمة لدى منظمة اليونسكو

السادة مديرو وممثلو المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الثقافي في العالم

السادة الحضور

تعدّ سورية مركزاً لبعضٍ من أقدم الحضارات على وجه المعمورة التي تركت على امتداد أرضها آثاراً قلَّ نظيرها في العالم، فأنهارنا وسهولنا وجبالنا تذخر بمواقع أثرية هي الأغنى والأكثر تنوعاً في الشرق الأوسط.

هذا الغنى مهدّدٌ اليوم بسبب الأزمة التي تدور رحاها في البلاد منذ أكثر من عامين، إذ تعاني جوانب عدّة من التراث الأثري السوري من التعديات والانتهاكات، فقد تعرضت الكثير من المدن السورية القديمة لأضرار وتدمير، وشُوهت قلاع وأبنية أثرية تمتاز بقيمتها الكبيرة، ليس لتاريخ سورية فقط بل لصفحة كاملة من تاريخ البشرية.

ومع تطور الأحداث المؤلمة في البلاد, وغياب المؤسسات الحكومية المعنية والسلطات الأثرية عن بعض المناطق، تصاعد حجم الأخطار التي تهدّد المواقع الأثرية، وتشهد بعضها حالياً أعنف وأخطر هجمة بسبب تزايد أعمال التنقيب غير المشروع الممنهجة, التي تقوم بها عصابات آثار مسلحة، بمشاركة مئات الأشخاص المأجورين من داخل سورية ومن الدول المجاورة، يهددون الأهالي بقوة السلاح لمنعهم من التدخل، إنها جهات تعرف ماذا تريد وأين تجده، مما يدق ناقوس خطر إحداث دمار لايمكن إصلاحه لعدد من أثمن المواقع التاريخية في العالم.

وقد بذلت المديرية العامة للآثار والمتاحف جهوداً حثيثة للحد من تأثيرات الأزمة الراهنة على الآثار وحققت نجاحاً على صعد عدة بجهود كوادرها في جميع المحافظات، أولها حماية مقتنيات جميع المتاحف في سورية ونقلها إلى أماكن آمنة، وأهمها النتائج الإيجابية التي حققها التعاون مع أبناء المجتمع المحلي والتي أثمرت حماية وصون مواقع أثرية عدة.

الواقع الراهن
تُظهر الخريطة المواقع الأثرية التي تعرضت للانتهاكات على كامل مساحة سورية.

تم رصد عشرات المواقع المتضررة حسب الإحصائيات المتوفرة، تركزت في ريف حلب وادلب شمال سورية ودير الزور والرقة في شرقها.

أ‌- المتاحف:
يعدّ حال المتاحف السورية جيداً بشكل عام، إذ نجحت المديرية العامة للآثار والمتاحف في تأمين مقتنياتها إلا في حالات نادرة، في حين تسبّبت الاشتباكات بأضرار مادية لبعض المتاحف:

الاشتباكات:
طالت أضرار مادية الكتلة المعمارية لبعض المتاحف كما في مبنى متحف حلب ومبنى متحف دير الزور إذ تهشمت بعض النوافذ الزجاجية والأبواب وتضررت الأسقف المستعارة بسبب وقوع تفجيرات في مناطق مجاورة للمتحفين، وسقوط قذائف هاون.

كما تعرض متحف حماه ومتحف معرة النعمان ومتحفي التقاليد الشعبية في حمص ودير الزور لأضرار مادية بسبب الاشتباكات، وتأذّت أسوار متحف تدمر إثر إصابتها بقذائف أُطلِقت من منطقة البساتين المجاورة.

تتطلب هذه الأضرار إعادة إعمار للأماكن المتصدعة والجدران المخربة وإعادة التأهيل، وقد اتخذت المديرية العامة للآثار والمتاحف بعض إجراءات إسعافية تؤمن الحماية المؤقتة للمتاحف، إثر الأضرار التي لحقت بها.

السرقات:
شهدت المتاحف السورية مع بداية الأحداث سرقة قطعتين أثريتين، هما تمثال برونزي مطلي بالذهب يعود للفترة الآرامية من متحف حماة، وقطعة حجرية رخامية من متحف أفاميا.

سرق لصوص قطعاً تراثية من متحف التقاليد الشعبية في حلب، هي عبارة عن أوانٍ زجاجية وخناجر بغدادية وستة نبال وبعض الألبسة.

سُرقت 17 قطعة فخارية وبعض الدمى الطينية من قاعة العرض في قلعة جعبر.

تم تداول معلومات غير واضحة عن سرقة بعض موجودات متحف حمص، في حين لم تُرجّح تقارير دائرة آثار حمص هذه المعلومات، ورغم أن التقارير أوضحت صعوبة تقييم الوضع بدقة إلا أنها أكدت عدم خطورته.

بسبب الأحداث الأمنية التي شهدتها الرقة وغياب المؤسسات الحكومية والثقافية المعنية، استولى لصوص على ستة صناديق تحوي قطعاً أثرية كانت محفوظة في مستودعات متحف الرقة، وفي حادثة سابقة، نقلت مجموعة مسلحة ثلاثة صناديق تحوي قطعاً أثرية تعود ملكيتها للمتحف الوطني إلى مكان مجهول بحجة حمايتها،ولم تثمر جهود كوادر الدائرة استعادة هذه الصناديق حتى الآن.

سُرقت 30 قطعة من متحف معرة النعمان أثناء اقتحام مجموعة له منذ سنة تقريباً، هي عبارة عن دمى وتماثيل صغيرة مصنوعة من الفخار والطين، وكسر فخارية وتمائم، في حين أن جميع لوحات الفسيفساء في المتحف بأمان ولم تتعرض للسرقة.

تتواصل المديرية العامة للآثار والمتاحف مع النخب المجتمعية في الرقة ومعرة النعمان، ويعمل موظفو دائرتي الآثار هناك بالتعاون مع متطوعين من أبناء المجتمع المحلي على استعادة القطع الأثرية، وتلوح آمالٌ قوية في الأفق حول إمكانية تحقيق ذلك.

ب. المواقع الأثرية:

الاشتباكات:
تحولت بعض المواقع الأثرية إلى ساحة معارك، بسبب الاشتباكات العنيفة التي تدور رحاها في مناطق تتواجد بها، مما أضرّ بمباني تاريخية وقلاع أثرية ثمينة، فالتهمت النيران مئات من المحال الأثرية في أسواق حلب القديمة، وتدمّرت مئذنتا الجامع الأموي في حلب والجامع العمري في درعا، وتضررت قلعتا الحصن والمضيق، وكنيسة أم الزنار وكنائس أخرى في حمص، وتأذّت الكثير من المباني القديمة في حمص وحلب ودرعا، كما أصابت أضرار سطحية نقاطاً محددة من الجدار الداخلي لواجهة معبد بل الغربية وتضررت بعض أعمدة المعبد جراء إصابتها بشظايا.

تركزت رؤية المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ بدء الأحداث المؤلمة،بالعمل على تحييد التراث الأثري السوري، وإبقائه خارج دائرة الخطر قدر المستطاع، وسعت إلى الحيلولة دون توظيف قضية الآثار لغايات سياسية تسيء لها، وناشدت المديرية العامة جميع الأطراف بالابتعاد عن المواقع الأثرية واحترام حرمتها، تماشياً مع قناعتها بأهمية وقداسة هذا التراث الأثري الذي هو مجال اعتزاز الشعب السوري، والجانب الذي يميزه عالمياً، واتفاقاً مع التزامات سورية الدولية التي تنص على حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع.

التنقيب غير المشروع:
يتصاعد حجم الأخطار التي تهدّد المواقع الأثرية بسبب غياب المؤسسات الحكومية المعنية والسلطات الأثرية عن بعض المناطق، إذ تعرضت مواقع أثرية لانتهاكات خطرة ولأعمال تنقيب شرسة، يتم بعضها بأسلوب ممنهج وبمشاركة عصابات آثار مسلحة، خاصة في المناطق الحدودية أو تلك التي تشهد نزاعات عنيفة:
ينتهك التخريب حرمات مواقع أثرية في دير الزور عبر تنقيب يمارسه لصوص آثار يبيعون اللقى المكتشفة إلى تجار محليين وأجانب مثلما حصل في مواقع ماري ودورا أوروبوس وحلبية والبصيرة وتل الشيخ حمد وتل السن.

سُجلت الكثير من التعديات المدمرة للسويات الأثرية في تل البيعة وتلال مجاورة في الرقة.

تعرض موقع إيبلا لتنقيب شرس استمر مدة وتسبب بتدمير جزء من الموقع، إلى أن أثمرت جهود أبناء المجتمع المحلي تهدئة الوضع لفترة من الزمن، لكن أعمال الحفر عادت ونشطت خلال الشهر الماضي.

تتعرض بعض المواقع ضمن المدن المنسية في ادلب المدرجة على لائحة التراث العالمي (في الجبل الأعلى والجبل الوسطاني وجبل باريشا) لدمار وتخريب كبيرين تحديداً للكنائس الفريدة التي تضمها،إذ وردت معلومات بوجود حفريات في هذه الكنائس خاصةً في جهة المحراب، تنفذها عصابات آثار قادمة من تركيا، وأكدت المعلومات أن كفر عقاب هو أكثر المواقع تضرراً في المنطقة.

يعد موقع أفاميا من أكثر المواقع تضرراً بسبب أعمال التنقيب السري المتواصلة في الموقع،التي تتركز في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية والغربية من المدينة، وتُظهر مقارنة صورتين مأخوذتين عبر الأقمار الصناعية، إحداهما قبل بدء الأحداث في سورية والثانية في 4 نيسان 2012م، حجم النهب والتخريب الذي تعرض لهما موقع أفاميا نتيجة أعمال التنقيب السري.

تنتشر ظاهرة التنقيب غير المشروع في مدينة درعا بشراسة حيث يشارك مئات من المأجورين وعصابات آثار مسلحة في حفريات داخل حرم المسجد العمري وفي المواقع الأثرية على امتداد وادي اليرموك وفي تل الأشعري، الأمر الذي قد يتسبب بأضرار يصعب تعويضها إن استمرت الأعمال بهذه الحدة.

دُمرت أجزاء كبيرة من تل قرامل في ريف حلب بآليات ثقيلة، وتطال تعديات دائمة مواقع أخرى في هذه المنطقة.

وتحذّر تقارير مديريات الآثار في بعض المحافظات من اتساع رقعة التدمير الذي تسبّبه عصابات آثار منظمة ومسلحة للمواقع المذكورة أعلاه، خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تدميرٌ يطال مواقع مهمة ومفصلية في تاريخ سورية، وينذر بخسارة قد تكون أبدية لبعض مكونات التراث الأثري السوري.

وجّهت المديرية العامة للآثار والمتاحف في 3 تموز 2013 نداءً إلى المنظمات الدولية، وأعضاء ورؤساء البعثات الأثرية الأجنبية، وعلماء الآثار، ومثقفي العالم، للتحرك فوراً والبحث عن آليات فعّالة تضمن الضغط على الجهات المتورطة في تدمير آثار سورية ونهبها وتهريبها، لوقف هذا النزيف المحزن، وطالبت منظمة اليونيسكو بالضغط على دول الجوار، لتعزيز إجراءاتها الأمنية، وضبط الحدود في وجه مهربي الآثار لمنع المتاجرة بممتلكاتنا الأثرية، ومحاربة التنقيب غير المشروع كي لا تتكرر المأساة في مواقع أثرية سورية أخرى.

كان النجاح حليف كوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف في مناطق عديدة، فبفضل التعاون مع المجتمع المحلي وبوساطات قادتها نخب مجتمعية تم إنقاذ مئات المواقع الأثرية من التخريب والتنقيب، ورغم وجود حالات لم تتمكن الجهود المشتركة من إيقافها إلا أنها تبقى غير خطيرة أو كارثية كتلك الحالات المذكورة في العرض السابق، فالمجتمع المحلي لعب دوراً مهماً في حماية متحف معرة النعمان، وإلى الآن تتواصل دائرة آثار الرقة مع الإدارة المركزية بدمشق وتتلقى تعليماتها منها رغم الأحداث الدامية في المدينة.

الإجراءات المتبعة:
بعد هذا العرض لوضع التراث الأثري السوري، الذي تتغير معطياته بطبيعة الحال كل يوم، أقدم موجزاً للتدابير التي اتُخذت للحدّ من الخطر والضرر قدر الإمكان:

على الصعيد المحلي:
تم إفراغ المتاحف من مقتنياتها، ووُضعت جميع القطع الأثرية في أماكن آمنة، وتم تركيب أجهزة إنذار في بعض المتاحف والقلاع، وزيادة عدد الحراس وتكثيف دوريات المناوبة.

بدأت المديرية العامة للآثار والمتاحف سلسلة من الخطوات لإشراك جميع السوريين في الدفاع عن التراث الأثري الذي يجسد تاريخهم وذاكرتهم المشتركة، وكلّ ما جمعهم على مرّ الزمن، فأطلقت حملة وطنية لتوعية الناس بقيمة ما تملكه هذه الأرض، وبدورهم في حمايته بغض النظر عن أي خلاف سياسي أو فكري يفرقهم اليوم، ووجهت رسالتها إلى 23 مليون سوري، بلا استثناء، لأن الغاية هي الدفاع عمّا يجمع أبناء الشعب السوري، وتجسّده الآثار بكل ما للكلمة من معنى.

يبذل موظفو وكوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف في جميع المحافظات جهوداً جبارة، ويتعاونون مع أبناء المجتمعات المحلية ووسطاء ونخب مجتمعية ودينية وفكرية لتحييد مئات المواقع الأثرية وحمايتها من تداعيات الأحداث الراهنة، وتتفاوت نسب النجاح من مكان إلى آخر، وإن كان تجاوب الأهالي يجعل التفاؤل سيد الموقف في أغلب الأحيان.

نظمت المديرية العامة للآثار والمتاحف ورشة عمل حول (مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية: بناء القدرات وتعزيز الوعي)، في 12 و13 أيار 2013 م، بهدف إثراء موضوع الآثار التي خرجت بطرق غير مشروعة، شارك فيها ممثلون عن جميع الوزارات والجهات المعنية بحماية الممتلكات الثقافية السورية، إضافة إلى مهتمين من منظمات غير حكومية ومن المجتمع المحلي، ومن باحثين وفنانين وكتّاب.

استعادت المديرية العامة للآثار والمتاحف ما يزيد عن 4 آلاف قطعة أثرية خلال العام الماضي عبر مصادرات شاركت فيها الجهات المعنية (الشرطة، الجمارك، المحافظة، البلديات، وبقية الجهات العامة) في دمشق وطرطوس وتدمر وحمص وحماه ودير الزور.. الخ.

وثّقت المديرية العامة للآثار والمتاحف مقتنيات أغلب المتاحف السورية الكترونياً، ويعمل فريق من خبرائها على عمليات توثيق ومقارنة بين الوضع السابق والراهن للتراث الأثري السوري، ويؤرشف رقمياً معلومات عن وضع المواقع قبل الأزمة، ومعلومات عن وضعها الراهن والأضرار التي طالتها مستعيناً بكل ما يتاح من صور ومقاطع فيديو معروضة على الانترنت أو من معلومات توفرها دوائر الآثار في المحافظات أو يرسلها أبناء المجتمع المحلي في المناطق المتضررة.

ينجز فريق الخبراء حالياً خريطة للتراث الثقافي المتضرر في سورية، تمهيداً لتحويلها إلى خريطة رقمية بالاعتماد على نظام المعلومات الجغرافي، مما سيمكّن المختصين من تحديد أولويات التدخل لعمليات الصيانة والترميم في مرحلة ما بعد الأزمة، وفق خطط عمل مطابقة للمعايير الدولية، تضمن التنسيق بين جميع الجهات الحكوميةالمعنية بالشأن الأثري، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في عملية إعادة تأهيل المواقع الأثرية والمتاحف الوطنية مستقبلاً، وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين والجهات الداخلية والخارجية المهتمة، والبعثات التنقيبية الأجنبية العاملة في المواقع المستهدفة.

أطلقت المديرية العامة للآثار والمتاحف موقعها الالكتروني باللغتين العربية والانكليزية (www.dgam.gov.sy)، وتغذيه يومياً بمعلومات وأخبار عن التعديات التي تطال التراث الأثري السوري خلال الأزمة.

خارجياً:
تتواصل المديرية العامة للآثار والمتاحف بشكل مباشر مع الانتربول الدولي، وتبلغه عما فُقد أو عُثر عليه في دول مجاورة أو عن كل ما انتشر من صور يُعتقد أنها للقى أثرية سورية ربما وصل إليها لصوص الآثار عبر التنقيب غير المشروع في المواقع البعيدة، وقد أثمر التعاون مع الانتربول في مجال مكافحة الاتجار بالآثار السورية، مصادرة 18 لوحة فسيفساء سورية على الحدود اللبنانية، ومصادرة 73 قطعة أثرية سورية مهرّبة إلى لبنان كانت معروضة للبيع لدى تجار آثار، وبفضل تعاون المديرية العامة للآثار في لبنان ومكتب اليونسكو في بيروت.

تتعاون المديرية العامة للآثار والمتاحف مع المنظمات الدولية لتبادل الرؤى والمعلومات، وكانت بداية هذا التعاون ورشة عمل نظمتها الإيكوموس تلتها ورشة عمل دولية عقدت في عمّان لمعالجة مسألة الاتجار غير المشروع، بدعوة من منظمة اليونسكو/ مكتب عمّان، وبمشاركة ممثلين عن السلطات الأثرية في دول الجوار، وعن منظمات دولية، وخرجت بمجموعة من التوصيات منها إنجاز اللائحة الحمراء بالممتلكات الثقافية السورية المهددة بالخطر.

خاطبت المديرية منظمة اليونيسكو بالأضرار التي تعرضت لها المواقع الأثرية السورية وطالبتها بحث دول الجوار على منع الاتجار غير المشروع بالتراث الأثري السوري.

تعمل السلطات الأثرية على توقيع البرتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي والمعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (UNIDROIT).

الاحتياجات:
يمكن تحديد ما يتعين علينا القيام به على وجه السرعة بـ ِ:
دعم السلطات الأثرية في استصدار قرار دولي من مجلس الأمن يٌجرِّم الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية السورية أسوة بالتجربة العراقية، بما يعطي نتائج إيجابية في مجالي مكافحة أعمال تهريب الآثار وعصاباتها، واستعادة القطع المهربة والمسروقة مستقبلاً.

الضغط على دول الجوار لضبط الحدود والعمل على إغلاقها في وجه مهربي وعصابات الآثار.

أثّرت العقوبات الاقتصادية سلباً على سورية وعلى القطاع الأثري، وتسببت في قطع التواصل مع البعثات الأجنبية، مما يجعل إيجاد حلٍّ لهذه المسألة مطلباً أساسياً ومهماً، بما يسمح أن تفي هذه البعثات بالتزاماتها وأن تدفع لحرّاس المواقع الأثرية مستحقاتهم عن عملهم طوال العامين الماضيين.

يمكن أن تُقدّم المنظمات الدولية والبعثات الأجنبية خدمة جليلة لعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف عبر تفعيل تبادل المعلومات، وتزويدها بما تتيحه التكنولوجيا من صور وبيانات فضائية للمواقع الأثرية المتضررة مثلاً، وخير مثال على ذلك الصور الفضائية لأفاميا قبل بدء الأزمة وبعدها والتي أظهرت حجم الدمار والتخريب اللذين لحقا بالموقع، وتعد هذه المعلومات مفيدة وداعمة جداً لجهود المؤسسة الأثرية في مجال التوثيق والحماية حالياً، والترميم والتأهيل لاحقاً.

تدعو المديرية العامة للآثار والمتاحف منظمة اليونسكو والمنظمات المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي في العالم، إلى وضع صون التراث الثقافي السوري على رأس أولوياتها في مرحلة ما بعد الأزمة ومتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن مؤتمر عمّان.

إنشاء صندوق مخصص في اليونسكو لإنقاذ مواقع التراث الثقافي السوري المسجلة على لائحة التراث العالمي،من أجل تمكين تنفيذ الأنشطة المحددة في خطة العمل، وفق سيناريو المدى القصير.

إن الهاجس الرئيس للمديرية العامة للآثار والمتاحف في هذه المرحلة هو حماية التراث الثقافي السوري بكل مكوناته، وإبقائه آمناً قدر المستطاع، فهو ملك لكل السوريين، بغض النظر عن أفكارهم وتوجهاتهم السياسية، التي لم تتدخل بها المديرية يوماً، لأن المعركة بالنسبة لها هي حماية تاريخ وطن وتراثه وذاكرته.

وانطلاقاً من ذلك سعت المديرية العامة للآثار والمتاحف في كل أعمالها إلى توحيد رؤية السوريين حول الآثار في هدف واحد هو الدفاع عنها وتحييدها،باعتبارها تجسيداً لما جمع شعبنا دائماً، وحثّ السوريين على تحمّل المسؤولية الجماعية والمشاركة في صون التراث الأثري من السرقة أو التخريب أو الطمس، وخلق إحساس لدى 23 مليون سوري أن المساس بالآثار هو تطاول على حضارتهم، وتعدٍ على هويتهم الوطنية، وعلى ذاكرتهم التي يتشاركونها، وبفضل هذه الرؤية التي تبنتها المديرية العامة للآثار والمتاحف بقي أداؤها مهنياً وعلمياً ومؤثراً، وبقيت كوادرها موحدة في جميع المحافظات، وأثمرت جهودها نجاحاً في كثير من الحالات والمناطق.

إني أشعر بالفخر كوني على رأس هذه المؤسسة التي تمكنت من حشد كل الطاقات رغم المخاطر، إني فخور بزملائي الذين لا يترددون بالتوجه إلى عملهم كل صباح لحماية آثار بلادهم، في وقت هو من الصعوبة لأن تعدّ أي حركة بسيطة خطرة للغاية.. هذه واحدة من اللحظات التي تتكشف فيها عظمة بلادنا، ورغم أن حجم المخاطر التي تهدّد التراث الأثري السوري بات يفوق قدراتنا ومواردنا المحدودة، لكنه بكل تأكيد لا يفوق إرادتنا.

نحن ندعو المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة ودعم الجهود المحلية، وعلى العالم أجمع أن يتذكر أن تراث سورية الأثري هو جزء من التراث الحضاري العالمي، وأن خسارة أي مكون من مكوناته هو خسارة للبشرية جمعاء، وأن اليوم هو وقت التحرك والفعل قبل فوات الأوان لتجنيب آثار بلادنا كارثة موجعة للجميع.

إن الإضرار بتراث بلد هو إضرار بروح الشعب وهويته، وسورية اليوم تبكي أبناءها وتاريخها للأسف، وتنتظر آثارها تحركاً دولياً من أجل إنقاذ حضارة جديرة بالحياة والاحترام، حضارة سيغدو هذا العالم بالتأكيد، أكثر ظلاماً من دونها.

إن ما يجري الآن على أرض سورية يدعونا أن نعمل معاً بطاقاتنا القصوى لإيقاف هذا الاستنزاف للإرث الحضاري الإنساني، ورغم الأوضاع السيئة التي تمر بها سورية نحن لن نيأس من العمل وما مشاركتنا اليوم إلا إيمان منا بذلك وبقدرتنا نحن كل المحبين لسورية وحضارتها العريقة على إنقاذ ثقافتنا، وكشف من يسرق آثارنا ومن يشتريها ويتاجر بها ومن يدمّر ويسعى لمسح ذاكرة سورية كأرضٍ جمعت حضارات وأفكاراً متعددة، نحن وأنتم معاً سنستردّ تراثنا وسنعيد بناء ما دُمِّر، معابدنا، كنائسنا ومساجدنا.

باسم كل من أمثّله وأتحدث عنه اليوم، أشكر منظمة اليونيسكو على دعوتها لهذا الاجتماع الطارئ، وعلى جهودها في المحافظة على التراث الحضاري في سورية، وأؤكد على ضرورة توحيد رؤيتنا لتجاوز الوضع الحالي من خلال فصل التراث الثقافي عن السياسة وحماية الأولى من تداعيات الأخيرة.

الأستاذ الدكتور مأمون عبد الكريم
المدير العام للآثار والمتاحف في سورية


ألف ياء الأخبار

موقع المديرية العامة للآثار والمتاحف

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق