الحرب على التراث والحضارة السورية مستمرة والهيستيريا تتملك المخربين

06 آب 2013

الآثار: الإرهابيون ينهبون كنوزاً محفوظة في صناديق من المصرف المركزي بالرقة!

أظهر تقرير حول واقع الآثار السورية خلال شهر تموز الماضي حجم الأضرار والأذى الذي تعرضت له آثارنا خلال هذه الفترة والتي تأتي استكمالاً عنيداً لعملية استهداف الحاضر والتاريخ والإنسان السوري التي انطلقت منذ أكثر من 27 شهراً.

ونوه التقرير باستجابة مجموعة من المنظمات الدولية للنداء الذي وجهته المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى جميع المعنيين بالدفاع عن التراث الأثري السوري، إذ أبدت منظمات الإيكوموس واليونيسكو والإيكروم والانتربول الدولي وصندوق التمويل الدولي في نيويورك (WMF) ومنظمات محلية ودولية أخرى وبعثات أجنبية عاملة في سورية، استعدادها للتعاون والتواصل مع المديرية وإيجاد الآليات المناسبة للمساعدة في حماية التراث الإنساني السوري وتخفيف وطأة الأحداث التي تشهدها سورية عليه، وطرحت بعض المنظمات فكرة إقامة مؤتمرات دولية لدعم أهداف المديرية في مجال الدفاع عن الآثار السورية.

وشكرت المديرية العامة للآثار والمتاحف في تقريرها ما أظهرته هذه المنظمات من استعداد للتعاون، يؤكد أن رؤيتها التي جسّدتها في التعاطي المهني والموضوعي مع قضية الآثار باعتبارها ملكاً لكل السوريين من دون استثناء وبغض النظر عن أي تجاذبات سياسية كانت وراء الاستجابة التي لقيها النداء، كما كانت وراء النجاح الذي حققته المؤسسة الأثرية على صعدٍ عدة مع تطور الأحداث المؤلمة التي تشهدها سورية، وتحديداً في مجالات حماية المتاحف والتعاون مع أبناء المجتمع المحلي وفي بقاء المؤسسة موحدة بكامل كادرها وفي جميع المحافظات.

وتناول التقرير الذي حصلت «تشرين» على نسخة منه آخر مستجدات تخريب المواقع الأثرية على أيدي مجموعات ولصوص قدِموا من خارج التاريخ والحضارة الإنسانية، والذين افتتحوا شهر تموز الماضي بنهب بيت البعثة الأثرية البريطانية العاملة في تل براك في الحسكة، واستهدفوا بست قذائف هاون متحف مدينة دير الزور.

دعوة للأهالي في دير الزور


وأشار التقرير إلى أن القذائف على متحف دير الزور اقتصرت أضرارها على الماديات فتهشمت بعض نوافذ المتحف، وقالت دائرة آثار دير الزور إن الضرر لم يطل مقتنيات المتحف الأثرية لأنها مخبأة ومحفوظة في أماكن آمنة.

وفي هذا الصدد لفت التقرير إلى مطالبة المديرية العامة للآثار والمتاحف المجتمع المحلي وجميع الأطراف في دير الزور ببذل كل ما في وسعهم لحماية متحف المدينة الذي يعدّ الأهم في المنطقة الشرقية، ويمثل علامة فارقة في تاريخها، وفي تاريخ شعبنا السوري بشكل عام.

وأكدت المديرية على أهمية توحد الجميع بغض النظر عن خلافاتهم في الدفاع عن تراث سورية وآثارها، كي لا تمسّ الخسارة صفحات أخرى من حضارة الشعب السوري وتاريخه العريق.

وفي سياق عملياتهم التخريبية عاد بعض لصوص الآثار مرة أخرى لتكرار عمليات التنقيب والحفر غير المشروع في تل مرديخ - إيبلا خلال تموز، وذلك بعد أن توقفت هذه الأعمال لعدة أشهر بفضل جهود أبناء المجتمع المحلي في المنطقة.

وقالت معلومات واردة من دائرة آثار إدلب، بحسب التقرير، أن إحدى عصابات الآثار استخدمت آلية ثقيلة لجرف التربة في أحد الكهوف بهدف الوصول إلى نهايته، ما تسبب بحدوث انهيار أودى بحياة شخصين من هذه العصابة وجرح خمسة آخرين منهم متزعم المجموعة.

ونوه التقرير إلى أنه رغم الجهود الحثيثة التي بذلها أهالي المنطقة لوقف أعمال الحفر غير الشرعي في التل، أصرّ أفراد المجموعة على العبث بهذا الموقع المهم، ولوحوا باستخدام السلاح ضد من يحاول منعهم.

وفي هذا الصدد حذرت المديرية العامة للآثار والمتاحف من خطورة أعمال الحفر غير المشروع على التراث الأثري السوري، وأكدت أن كل من يمسّ الآثار سيتعرض للمساءلة القانونية مستقبلاً، سواء في تل مرديخ أو في أي موقع من المواقع الأثرية على كامل امتداد الأرض السورية.

وأفادت معلومات آثار إدلب بوجود لوحة فسيفساء كُشف عنها خلال أعمال التنقيب غير المشروع التي تشهدها مواقع في المدينة مؤخراً، وتتضمن اللوحة تمثيلاً لمجموعة من الأشخاص وكتابات يونانية، ويصعب التأكد من أصالة اللوحة أو أثريتها قبل الكشف عليها، وتحاول دائرة آثار إدلب العثور على اللوحة واستعادتها عبر جهود أبناء المجتمع المحلي.

وبيّنت دائرة آثار الحسكة في التقرير تعرض بيت البعثة الأثرية البريطانية العاملة في تل براك لاعتداء مجموعة مسلحة، وسرقة أخشاب وتجهيزات مادية فيه، ورمي بعض الفخار على سطح التل، كما تعرّض جزء من التل إلى أعمال حفر غير مشروعة باستخدام آلية ثقيلة.

وفي حماة ذكرت معلومات دائرة آثار حماة أن مجموعة مسلحة تعدّت على مقر إقامة البعثة الألمانية التي كانت تعمل في موقع الأندرين، وأخرجت كافة محتويات غرفه، واتخذته مقراً لها.

طالب سياحة يوثق جوامع حلب

ولم يغفل التقرير الشكر الكبير الذي وجهته مديرية الآثار والمتاحف إلى محمود الغفري، المعيد في كلية السياحة، على مبادرته بتسليم المديرية 5300 صورة توثق 97 جامعاً في مدينة حلب، إذ تعد هذه الصور من الوثائق المهمة لمدينة حلب، كونها من المناطق الساخنة التي تشهد أحداثاً مؤسفة قد تنعكس سلباً على التراث الثقافي فيها.

وفي مدينة تدمر تعرض سور حديقة متحف تدمر الوطني إلى أضرار، بسبب سقوط قذيفة عليه، قادمة من منطقة البساتين التي تشهد اشتباكات حالياً، واقتصرت الأضرار على الماديات بتحطم زجاج بعض النوافذ والمكاتب في الواجهة الجنوبية للمتحف.

وتذكر المديرية العامة جميع السوريين بقيمة تدمر الاستثنائية، الوطنية والعالمية، وتدعو إلى الابتعاد عن المواقع الأثرية وحمايتها وتحييدها، بما يحول من دون أن تنعكس الأحداث الراهنة عليها تدميراً وتخريباً، لأن الإضرار بالتراث الأثري خسارةٌ حقيقية للشعب السوري بكل مكوناته.

من جهتها أفادت مديرية آثار حلب بوجود أعمال إزالة وهدم لجامع الصديق في الجميلية، المسجل أثرياً، ولا تزال أعمال الهدم مستمرة، رغم مخاطبة المديرية كلاً من وزارة الأوقاف ومحافظة حلب حول ضرورة إيقافها كونها مخالفة لقانون الآثار، ومطالبة المديرية بإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً.

كنوز نهبت بذريعة الحماية!

وحرصاً على حماية كنوز سورية الأثرية في ظلِّ الأوضاع المؤسفة التي تعيشها البلاد، اتخذت المديرية العامة للآثار والمتاحف جملة من التدابير الاحترازية والإجراءات الوقائية خلال فترة سابقة، من ضمنها وضع 547 قطعة أثرية مهمة في مصرف الرقة المركزي.

وخلال الأحداث التي شهدتها محافظة الرقة في الفترة الماضية، نقلت مجموعة مسلحة تسمّي نفسها «أحرار الشام» الصناديق الثلاثة التي تحوي القطع الأثرية إلى مكان مجهول بحجة حمايتها، وفق ما أعلمنا به بعض وجهاء المجتمع المحلي وموظفو دائرة الآثار في الرقة.

وتضم الصناديق نقوداً ذهبية إسلامية، ورقماً مسمارية ومجموعة أختام ودمى وأقراطاً ذهبية، جميعها موثقة في سجلات المديرية وفق الأصول.

ولضمان عدم تهريب هذه القطع خارج سورية، خاطبت المديرية العامة للآثار والمتاحف منظمة اليونيسكو والإنتربول الدولي وزوّدتهم بكامل الصور والمعلومات والبيانات عن القطع، منذ أن تم إبلاغ المديرية بهذه المعلومات في منتصف شهر حزيران الماضي.

وتطالب المديرية العامة في تقريرها بإعادة القطع إلى متحف الرقة وتسليمها إلى المعنيين في الدائرة، كونها الجهة الوحيدة المخولة للحفاظ على الآثار وحمايتها، كما تناشد أبناء الرقة أن يتعاونوا في الدفاع عن آثار محافظتهم، وتراثها الذي يمتلكه جميع السوريين بغض النظر عن أي اختلاف بينهم في وجهات النظر الفكرية والسياسية، لأن الغاية هي الدفاع عن تاريخ الوطن وذاكرته اللذين تجسدهما الآثار بوصفها عنصراً يجمع أبناء الشعب السوري.

وبالعودة إلى مدينة حلب فقد تعرض موقع تل قرامل لعمليات حفر وتخريب باستخدام آليات ثقيلة «كالتركس»، في الجهة الشمالية والغربية منه، وفق دائرة آثار حلب، وقد أدت هذه الانتهاكات إلى تدمير أجزاء من الموقع بنسب عالية جداً، إذ فتح لصوص آثار مسلحين حفراً بأعماق تصل في بعضها إلى حوالي 3 أمتار، بحثاً عن كنوز في الموقع.

كما استهجنت المديرية الأصوات التي علت مؤخراً والتي أصيب أصحابها بهستيريا بسبب مواقف المديرية المهنية، ولم يستطيعوا فهم رسالتها في السعي للحدّ من أعمال التدمير والتخريب والسرقة التي تطول المواقع الأثرية السورية، فهاجمت هذه الأصوات أداء المديرية وأصرّت على الاختباء خلف مواقف سياسية «لا تعنينا كمؤسسة علمية»، ولا تسهم بأي شكل من الأشكال في معركة الدفاع عن الآثار، ولا تعود عليها بفائدة ترجى، فائدةٌ لا يبدو أنها هدف وغاية لأصحاب هذه الأصوات.

وتخاطب المديرية مجدداً كل ضمير إنساني في الداخل والخارج، وتدعوه لبذل ما يستطيع مثلما يبذل عاملوها كل ما يستطيعون للحفاظ على تراث سورية الأثري، فهو جزء من التراث الحضاري الإنساني العالمي، وخسارة أي مكون من مكوناته هي خسارة للعالم بأسره.

نداءات في وجه التخريب

وأكدت المديرية في توضيح لـ«تشرين» أن تقارير مديريات الآثار في بعض المحافظات التي تردها باستمرار تحذر من اتساع رقعة التدمير الذي تسبّبه عصابات آثار منظمة ومسلحة للمواقع المذكورة أعلاه، خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تدمير يطول مواقع مهمة ومفصلية في تاريخ سورية، وينذر بخسارة قد تكون أبدية لبعض مكونات التراث الأثري السوري.

وتنادي المنظمات الدولية، وأعضاء ورؤساء البعثات الأثرية الأجنبية، وعلماء الآثار، ومثقفو العالم، إلى التحرك فوراً والبحث عن آليات فعّالة تضمن الضغط على الجهات المتورطة في تدمير آثار سورية ونهبها وتهريبها، لوقف هذا النزيف المحزن، علماً أنّ المديرية العامة ناشدت منظمة اليونسكو، وتجدد الآن مطالبتها الضغط على دول الجوار، لتعزيز إجراءاتها الأمنية، وضبط الحدود في وجه مهربي الآثار لمنع المتاجرة بممتلكاتنا الأثرية.

إن ازدياد حجم المخاطر التي تهدّد التراث الأثري السوري بات يفوق قدرات المديرية العامة للآثار والمتاحف منفردة على احتوائه، الأمر الذي يتطلب وجود جهود دولية تدعم الجهود المحلية لمنع انجراف واقع الآثار إلى المجهول، وتخفيف وطأة الأحداث عليها.

وعلى المجتمع الدولي والعالم أجمع أن يتذكر أن تراث سورية الأثري هو جزء من التراث الحضاري الإنساني العالمي، وأن خسارة أي مكون من مكوناته هو خسارة للبشرية جمعاء، وأن اليوم هو وقت التحرك والفعل قبل فوات الأوان لتجنيب آثار بلادنا كارثة موجعة للجميع.


تشرين

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق