الرصافة

02 شباط 2013

.

الرصافة مدينة أثرية تتوضع شمال البادية السورية بالقرب من مدينة الرقة وتمتد على مساحة عشرات الهكتارات وتعد من أعرق المدن التاريخية وأكثرها أهمية لاحتوائها الكثير من المنشآت والأبنية الضخمة وما تزال أوابدها شاهدة حتى يومنا الحاضر تروي قصص الحضارات المتعاقبة التي مرت بها.

وذكرت مدينة الرصافة بالرقم الآشورية في أقدم نص يعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد باسم راصابا حيث كانت مركزا لمرور القوافل ومقرا لحاكم آشوري سيطر على طرق التجارة ومناطق سكن القبائل حولها كما ذكرت أيضا باسم رسيف ويعني الحجر البراق الذي لم ينضج جيولوجيا بعد.


منظر عام للرصافة

وفي كتب التاريخ ذكرت الرصافة كإحدى مدن منطقة تدمر على الطريق الواصلة بين دمشق وتدمر والطيبة باتجاه الفرات لتصبح بعد العام 293 ميلادي تابعة لمقاطعة الفرات حيث كانت حامية رومانية تقام فيها ضمن سلسلة حصون من النظام الروماني الدفاعي الممتد حتى مسافة 30 كيلومترا بين الحصن والآخر والتي كانت تبدأ من مدينة تدمر مرورا بآراك والسخنة والطيبة والكوم والرصافة لتنتهي بمدينة سورا على نهر الفرات لتأمين خط سير القوافل التجارية القادمة من تدمر والذاهبة إليها وإلى دمشق وغيرها من المدن وصولا إلى البحر المتوسط.


مدينة الرصافة

وسميت مدينة الرصافة الاثرية حسب الباحث الآثاري محمد العزو من مديرية آثار الرقة خلال القرون الميلادية الأولى بـ سيرجيو بولس نسبة إلى أحد الضابطين السوريين سيرجيوس و باخوس اللذين كانا يخدمان في الجيش الروماني آنذاك وأعلنا في العام 305 ميلادي اعتناقهما المسيحية وعدم انصياعهما لأوامر الرومان الذين كانوا يضطهدون ويلاحقون معتنقي الديانة المسيحية.

ويضيف الباحث العزو ردا على هذا التمرد أرسل الضابطان إلى قلعة الرصافة وعذبا هناك حتى الموت ودفن سيرجيوس خارج الحصن الروماني داخل المدينة الحالية واعتبر منذ ذلك الحين قديساً وبني في موضع رفاته كنيسة فعرفت الرصافة في تلك الفترة بمدينة سيرجيو بولس أي مدينة القديس سيرجيوس موضحا ان مدينة الرصافة شهدت في تلك الفترة ازدهاراً كبيراً كونها أصبحت مركزاً دينياً مهماً للحجاج المسيحيين وبنفس الوقت من أهم المراكز التجارية على طريق الحرير ما أدى إلى ازدهارها عمرانياً.

وتجلت صور هذا التطور العمراني في بناء سور المدينة الدفاعي الذي يضم 50 برجاً دفاعياً مجهزة بممرات دفاعية و أعمدة تتجاوز 700 عمود إضافة إلى بناء خمس كنائس ضمن السور أربع منها من طراز البازليكا والخامسة مركزية بينما تجلت مظاهر الازدهار المدني في الرصافة بحسب الباحث العزو ببناء خزانات المياه والخانات والأبنية السكنية فضلا عن أن المدينة بلغت أوج ازدهارها في عهد الإمبراطور جوستنيان بين أعوام 527 و562 ميلادي مشيرا إلى أن كنيسة القديس سيرجيوس التي أعيد بناؤها عام 559 ميلادي سميت حينها بكنيسة الشهداء التي تعد من أهم الكنائس الموجودة في المدينة الأثرية.

وتتميز آثار الكنيسة بطراز معماري وزخرفة فنية فريدة مايزال جزء منها محافظاً على شكله تماماً حتى اليوم مثل البوابة الشمالية في الكنيسة المركزية على الرغم من تعرض المنطقة لسلسلة من الزلازل في القرن السادس الميلادي أدت وقتها إلى انهيار جزء كبير من مباني المدينة و تبدو فيها كتلة الأقسام الشرقية قائمة كلها تقريباً حتى الحافة العليا من الدور الثاني.

ويقول الباحث العزو "في الجهتين الشمالية والغربية من الكنيسة ما زالت الجدران الخارجية قائمة حتى ارتفاع أعلى النافذة ولهذه الكنيسة ثلاثة محاريب زينت أقواسها بالزخارف المنحوتة" مشيرا إلى أن طول الكنيسة يبلغ 42 مترا وعرضها 34 مترا اما طول بهوها الأوسط فهو 22 مترا وعرضه 10 أمتار.


صورة جوية لمدينة الرصافة

ويضيف الباحث الاثاري.. انه تم العثور على بلاطة المحراب الجانبي الشرقي الذي يعتقد أنها كانت على ضريح القديس سيرجيوس ويشاهد فيها مجموعة من الأعمدة والتيجان المزخرفة وبعض الأعمدة وردية اللون ويعتقد أنها مجلوبة من مدينة بعلبك التاريخية الواقعة في سهل البقاع اللبناني.

وللكنيسة قبة مركزية محملة على مربع له في زواياه الأربع أقواس على شكل مثلثات فراغية تنتج عنها حلقة دائرية شكلت الرقبة الأساسية للقبة المركزية وهذه الرقبة سمحت بإنشاء نوافذ ذات ارتفاعات متساوية ومزودة بزجاج وأطر خشبية ملونة على كامل الدائرة بشكل يسمح بإنارة الكنيسة من الداخل لما لهذا النور من أهمية أثناء إقامة القداسات.

ويشير محمد السرحان رئيس دائرة آثار الرقة إلى أن الرصافة تعاقبت عليها عهود مختلفة بعد فترة الرومان حيث استمرت المدينة في عهد الدولة البيزنطية وحافظت على مركزها المهم لحين انتشار الإسلام في المنطقة حيث عرفت ازدهارا لا مثيل في العصر الأموي حيث نقل الخليفة الأموي العاشر هشام بن عبد الملك مركز إقامته إليها عام 724 ميلادي وبنى قصرين خارج أسوارها من جهة الجنوب والجنوب الشرقي إضافة إلى أبنية سكنية أخرى والجامع الأموي المتاخم لكنيسة القديس سيرجيوس.

ويمتاز الجامع الأموي وفق السرحان بطراز معماري مشابه للجامع الأموي الكبير في دمشق ويحتوي على قاعة للصلاة ثلاثية الأجنحة مسقوفة بأسقف جمالونية إضافة إلى صحن الجامع والمحراب الذي ما زال قائما حتى يومنا هذا.

الرصافة
من مدينة الرصافة

ويقول السرحان إن البعثة السورية الألمانية التي عملت بموقع الرصافة خلال مواسم التنقيب الماضية كشفت النقاب عن الملحقات السكنية للقصور الأموية وغرفة مشادة فوق حجر كلسي جدرانها من الآجر المشوي وفي الأعلى منها مواضع لتركيب الأعمدة التي وجدت بعض آثارها كما تم الكشف عن برج يمثل زاوية مبنى ومصطبة بديعة الشكل يعتقد أنها كانت تستخدم كأريكة للجلوس ومكاناً لإقامة الخليفة لافتا إلى أن عمليات التنقيب والترميم ستستمر في موقع المدينة الأثرية لما لها من أهمية تاريخية وعمرانية هندسية على مستوى المنطقة.

وبهدف سبر اغوار الأجزاء المدفونة من المرافق التابعة للمدينة وتأهيلها وفق مخططاتها الهندسية القديمة تواصل بعثات التنقيب أعمالها في الرصافة بالتزامن مع تنفيذ أعمال تأهيل وترميم بالمدينة وتزويدها بشبكة إنارة تتناسب مع الأهمية التاريخية والأثرية للموقع الذي شهد على مدار الأعوام الماضية عددا من الفعاليات والأنشطة السياحية أبرزها القداس المشترك الذي أقيم عام 2010 في كنيسة الشهداء بمشاركة شخصيات دينية من دول العالم المختلفة وحضور أكثر من 100 إعلامي ووسيلة إعلامية فضلا عن اقامة دورات مهرجان البادية لسباق الخيل والهجن فيها وعرض الصناعات التراثية التقليدية.


سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

:

موقع جميل