محاضرة بعنوان: الحياة الفكرية في حلب في العصر الأيوبي

07 كانون الثاني 2012

ألقاها الأستاذ محمد قجة بحلب

أقامت جمعية العاديات بحلب محاضرة حملت عنوان «الحياة الفكرية في حلب في العصر الأيوبي» للأستاذ محمد قجة وذلك ضمن مبنى الجمعية حيث قدم الأستاذ قجة -رئيس جمعية العاديات والمستشار الثقافي لمحافظ حلب- عدداً من المحاور الفكرية الثقافية التي تتعلق بمدينة حلب خلال فترة قاربت الثلاثين عاماً متحدثاً عن تاريخ تلك الفترة ومستذكراً أبرز الأعلام الفكرية التي مرت على المدينة في تلك الأيام.

بداية المحاضرة كانت مع رسم الأستاذ قجة للإطار التاريخي والسياسي للفترة الأيوبية بدأها بالعودة إلى منتصف القرن الحادي عشر الميلادي والذي كانت فيه حلب عاصمة الدولة الزنكية ضمن مشروع تحرير بيت المقدس الذي حاول القيام به السلطان نور الدين الزنكي حيث قال بان أصل الأسرة الأيوبية يعود إلى مدينة تكريت في العراق حيث كانت رحلتها بالسياسة قد بدأت حينما أصبح الوزير شيركوه عم صلاح الدين وزيراً لدى نور الدين الزنكي وكانت مسؤولاًعن مصر ومن ثم تولى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي الوزارة ومن ثم غدا والياً على مصر.

وبعد وفاة نور الدين الزنكي أصبح صلاح الدين الخليفة الطبيعي كون ابن الزنكي كان صغيراً. وبدأ يستحوذ على المدن التي كانت تتبع الدولة الزنكية حتى وصل إلى حلب. ويضيف بأن مدينة حلب استعصت على صلاح الدين حيث حاول فتحها ثلاث مرات مضيفاً بأنه ما إن دخلها عام 579 ميلادية حتى عين فيها ابنه الملك الظاهر «الذي كان آنذاك في الحادية عشرة من عمره» مع إحاطته بوزراء أقوياء منهم ابن شديد المؤرخ والوزير الحاذق وغيره. وأضاف بانه نتيجة للصفقة السياسية بين صلاح الدين وأخيه، استغنى بموجبها صلاح الدين عن حلب لأخيه وعينه والياً عليها لمدة ثلاثة سنوات. إلا أن المقربين له نصحوه بالإبقاء على حلب لأهميتها الشديدة من كل النواحي ونقل أخيه إلى مصر حيث أعاد ابنه والياً من جديد ومزوجاً إياه من ابنة أخيه العادل لكي لا تنشب الحرب بين الملكين. وبعد وفاتها تزوج الملك الظاهر أختها الملكة ضيفة خاتون والتي كانت من أشهر الأسماء التي مرت على المدينة حيث تعتبر المرأة الوحيدة في تاريخ حلب التي ولدت في القلعة ودُفنت فيها وكما أنها كانت ابنة ملك وعمها ملك وزوجها وابنها وحفيدها ملوك كما أنها كانت من وراء الستار بشخصيتها القوية لفترة طويلة حيث قدمت الكثير من الآثار العمرانية والثقافية الهامة للمدينة.

ويتابع بالقول بأن الملك الظاهر ابن صلاح الدين توفي عام 613 للهجرة عن عمر الرابعة والأربعين ليتولى ابنه الصغير محمد «ابن ضيفة خاتون» الملك عن عمر ثلاثة سنوات فقط ولتحكم والدته من خلف الستار. وتوفى في عمر الرابعة والعشرين «وذلك عام 660 ميلادية» لينتهي عصر الدولة الأيوبية في حلب بعد أن تحولت إلى منطقة ذات أهمية كبيرة للغاية في المنطقة.

الثقافة والفكر والأدب في حلب في العصر الأيوبي
يتابع الأستاذ قجة بالقول بأن حلب عرفت ازدهاراً كبيراً في تلك الفترة مدفوعاً بالاستقرار السياسي الذي تحقق في المنطقة بعد معركة حطين حيث شهدت تطوراً عمرانياً وثقافياً وفكرياً من علوم دينية إلى علوم اللغة مروراً بالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والتصوف. وقد تطرق في محاضرته إلى ذكر أبرز الأعلام التي كانت في تلك الفترة في حلب وذات الإسهامات الكبيرة للمدينة.

من الأعلام في مجال القرآن الكريم كان كل من علي بن إبراهيم الغزنوي، أما في مجال الحديث الشريف فكان عثمان ابن الصلاح القفطي والكاشغري إضافةً إلى عالمة حديث مشهورة وبارعة كانت تعطي الدروس ضمن جامع الحلوية هي شهدة بنت العديم المؤلف الحلبي المشهور. أما في مجال الفقه فكان هناك ابن أبي عثروني وأبو بكر الكاشاني وصلاح الدين الكردي وابن العجمي وأبو الطيب الحنفي العجمي.

وفيما يتعلق بموضوع علوم اللغة، يشير الأستاذ قجة إلى وجود عدد من العلماء الذين قدموا من الأندلس وكان لهم دور كبير في تطوير اللغة العربية منهم ابن مالك صاحب الألفية الشهيرة وهو أندلسي من شمال شرق قرطبة قدم إلى مدينة حلب وقدم ألفيته الشهيرة فيها. و«الألفية» هي ألف بيت شعري من بحر الرجز يمثل نظاماً تعليمياً بشكل صور شعرية عن قواعد اللغة العربية حيث شاع مثل ذلك الأسلوب في تدريس العلوم لسهولة الحفظ. وكانت الألفية تبدأ بمقدمة ومن ثم تدخل في أقسام الكلمة من اسم وحرف ومن ثم أقسام الجملة من فعل ومفعول لتنتقل إلى كل قواعد اللغة العربية.

ويضيف بأن من أعلام اللغة العربية أيضاً كان الأندلسي الأخر ابن خروف النحوي وعبد اللطيف البغدادي والقفطي وياقوت الحموي وابن العديم وأسماء أخرى غيرها.
أما في التاريخ، فيسرد عدداً من الأعلام الكبار أبرزهم بهاء الدين ابن شديد كاتب السيرة اليوسفية، وعز الدين بن شداد صاحب كتاب «الأعلاق الخطيرة» الذي أعيد طبعه عام 2006 ضمن احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية. كما أن هناك القفطي صاحب كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»، إضافة إلى المؤرخ الكبير المعروف في مجال تأريخ بلاد الشام وهو ابن العديم الذي ينتهي نسبه إلى أبي جرادة أحد أنصار الأمام علي، وكان ابن العديم موسوعياً وشاعراً وأديباً ودبلوماسياً ووزيراً ومؤرخاً قدم العديد من أمهات الكتب ومن أهمها «بغية الطلب في تاريخ حلب» الذي اشتمل على أربعين مجلدا الأول منها يتحدث عن تاريخ حلب وجغرافيتها في حين تتحدث المجلدات الباقية عن تراجم لأعيان المدينة حتى عصره مرتبة أبجدياً، مضيفاً بأنه لم يصل إلينا إلا ربع تلك المجلدات للأسف. أما كتابه الشهير الآخر فكان «زبدة الحلب من تاريخ حلب» والذي يعتبر تلخيصا للأحداث السياسية التي يتحدث فيها في كتابه الأول «بغية الطلب».

ويضيف بأن من المؤرخين المهمين في تلك الفترة ابن أبي طي والذي هو من أوائل من أرخو للمدينة حيث كتب 75 كتابا لم يصلنا منها إلا النذر اليسير. كما لدينا العماد الأصفهاني الوزير والذي كان الساعد الأيمن لصلاح الدين الأيوبي ذي الكتب القيمة الأخرى. أما في مجال الجغرافيا التاريخية فقد كان لدينا كتاب «معجم البلدان» الذي قدمه ياقوت الحموي والذي يعتبر كتاباً فريداً لم يصدر كتاباً يشبهه طوال الستمائة سنة الماضية ويقع في 5 مجلدات. كما أصدر ذات المؤلف كتابه «معجم الأدباء» والذي يقع في 12 مجلداً. وكان علم الفلك من العلوم المعروفة في حلب حيث أشهر من درسها كان أبو الفرج العجلي وابنته مريم العجلية الذي عملا في مرصد في المدينة لمراقبة حركة النجوم.

ويضيف بأن تلك الفترة شهدت ازدهاراً في المدارس التعليمية التي بناها الأيوبيون في حلب معدداً إياها على أنها: مدرسة الفردوس، وبنت البندقية الحنفية والشافعية، ومدارس: ابن العجمي والأنصاري والظاهرية والسلطانية والكاملية والأسدية والعلنية والشرفية والقيمرية ومدرسة النقيب. كما تواجدت هناك خزائن كتب واسعة في المدينة أشهرها المكتبة النورية ومكتبة بني جرادة ومكتبة القفطي ومكتبة الجامع الأموي والمكتبة العصرونية وغيرها.

ومن ثم انتقل الأستاذ قجة إلى مجال الفلسفة والتصوف حيث قال بأن من أبرز الأسماء التي تواجدت في المدينة في تلك الفترة هي السهروردي والشيخ محي الدين ابن عربي والذي أقام لمدة /13/ سنة في المدينة استكمل فيها ديوانه الشعري «ترجمان الأشواق» ذي الستمائة صفحة مع تقديم بعض الكتب المهمة الأخرى.

يذكر بأن تلك المحاضرة تأتي ضمن البرنامج الثقافي الأسبوعي الذي تقوم به الجمعية والذي يشتمل على تقديم عدد من المحاضرات الثقافية والفكرية المهمة ذات الأثر الكبير من ناحية المحتوى والقيمة الفكرية وذلك منذ بداية تشرين الأول وحتى نهاية شهر أيار من كل عام.


أحمد بيطار- حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق