معرض «تجهيز في الفراغ»

11 06

وحكاية فن مختلف

لكلٍ منا حريته في التفكير والتعبير والاستنتاج، وطريقته في رؤية الرمز واستكشاف عوالم مفقودة رغم وجودها فيما بيننا، إنها لحظة تأمل علها تعيد الاعتبار لذاكرة المكان، ولعلها تفتح الرؤية أكثر، في زمن ضاقت به رؤيتنا وانعدمت فيه أحاسيسنا لأرواح وحجارة بيوتنا العتيقة. فمن بين أربع جدران وسقف ترتسم معالم أخرى للمكان، يتوقف الزمن وينبض بحياة بلون وطعم آخر. إنها عملية لتكثيف الرؤية من خلال مشروع قام برعايته تجمّع «الفن الآن» - All Art Now- في حي الأمين في دمشق القديمة.

شباب من سورية ، جمعهم مكان، ووحّدَ فكرتهم ظلال تائهة في بيت عتيق، فكان للبيت سحره الذي تكتشفه مع قليل من التأمل، إنه مصدر إلهام لهؤلاء الفنانين، فمن بين جدرانه ولدت أفكارهم ومن خلال جلساتهم كبرت وأصبحت مشروعاً اسمه «تجهيز في الفراغ».

من سورية وبلدان أخرى احتضنهم فضاء فني واحد في تجمع «الفن الآن» - All Art Now- وبرعاية من المجلس الثقافي البريطاني في دمشق، والشباب الذين أبدعوا في هذا المكان هم : أدريان لي – إيمان حاصباني – باربو بيجان – بيان الشيخ - توبياس كولييه – ليا موديه – محمد علي – نسرين البخاري. ومن تنظيم الآنسة عبير البخاري.

عوالم مختلفة في مكان واحد، عوالم ترجعك إلى صفاء مفقود في زمن الفوضى، ترتسم في مخيلتك أشياء وأفكار شتى، فمن الغرفة الأولى تتلمس بيديك وقلبك نقاء الأبيض مستريحاً من تعب ومن خوف. تختصر هذه الغرفة في عالم نظيف نقي، وتخاف عليها من وطأة قدم أو من لمسة يد عابثة تعكر نقاء الأبيض.

في غرفة أخرى يتجلى خوف الروح من الزوال، وخوف من كانوا يلملمون أحزانهم وشقائهم بين جدرانها المهترئة. هذه الغرفة ابتدعتها الفنانة المتميزة إيمان حاصباني، وهي تحاول أن تشرح لنا، أن للأماكن ذاكرتها وماضيها الذي يشهد عليه تشققات جدرانها وتصدع سقفها، فحولت الغرفة إلى كائن ينبض خوفاً وألماً من نوع آخر.

في غرفة أخرى حالكة الظلمة نتلمس بأيدينا طريقنا المجهول، تتملكنا رهبة المكان، نحاول أن نكتشف ما يخبئه لنا الظلام، لتنكشف أمامنا سماء حالكة منارة ببقع من نور، فانظر وتمعن جيداً فيها، لعلك تجد جواباً لسؤال ما.

في غرفة مظلمة أخرى، تنقشع الظلمة قليلاً جراء نور يتدفق من ثقوبٍ محفورة في الجدار، طاولة منارة بمصباح يتدلى من سقف، يتوضع عليها مثقب، خذه واحفر في الجدار، ماذا سترى؟ خمن!


عبير بخاري
منظمة ومديرة تجمع الفن الآن

«اكتشف سورية» حاور الآنسة عبير بخاري منظمة ومديرة - All Art Now- التي افتتحت حديثها عن تجمع «الفن الآن»:

«انطلقت فكرة الفن الآن- All Art Now - بمبادرة شخصية مني ومن شقيقتي نسرين البخاري وبدعم مادي من شقيقي ياسر البخاري. فبدأ نشاطنا في الفن الآن عام 2005 وكان أول نشاط له في معرض اسطنبول الدولي حيث قمنا بعرض أعمال لخمسة فنانين سوريين هم نسرين بخاري ـ زياد الحلبي ـ إدوارد شهدا ـ باسم دحدوح ـ نزار صابور من خلال أعمال نحت وتصوير زيتي».

وتضيف: «كانت الفكرة في بداية مشوارنا أن نقدم صورة عن الفن السوري في الخارج ولكن بعد مشاركتنا بعدة معارض لاحظنا أن هناك أنماطاً مختلفة من الفن غير معروفة في سورية مثل "الفيديو آرت" وInstallation"" أو ما يقال عنه الفن المعاصر، ولعل هذا ما دفعني للبحث عن فضاء فني يكون بمثابة مختبر فني يقدم أشكالاً فنية جديدة، ويكون بمثابة مساحة فنية لاكتساب المعارف بطريقة غير تقليدية وعن طريق تبادل الخبرات الفنية، وقد أسعدنا الحظ بالحصول على هذا البيت الذي شهد أكثر من مشروع قمنا بتنظيمه وبمشاركة فنانين من سورية ومن دول مختلفة، ومن هذه المشاريع: "هنا أقف" ـ "خارج الدائرة" - "مهرجان الفيديو آرت الدولي الأول" وغيرها».

لنتكلم عن مشروع مغناطيسية المختص في فن التجهيز في الفراغ.

«فكرة المشروع انطلقت من هذا البيت الذي شهد عدة نشاطات خاصة بالفن المعاصر، وقد زاره عدد من الفنانين الذين أعربوا عن رغبتهم بالعمل في هذه المساحة الفنية، وقد وجدت أن بعض هؤلاء الفنانين يحملون أفكاراً من شأنها أن تغني المشهد الفني السوري وأن تحقق حواراً ثقافياً بين التشكيليين السوريين، لذا قمت بدعوتهم ليقدموا مشاريعهم كل في غرفة وتكون فرصة لتبادل الآراء والخبرات الفنية، فتلاقت أفكارهم وعملوا معاً واستفادوا من خبرات وتجارب بعضهم البعض».

هل تعتقدين أن هذا النمط من الفنون يتوجه إلى شريحة معينة من المجتمع دون غيرها؟

«على العكس تماماً، إن هذا النمط من الفنون يتوجه إلى الإنسانية، فهو ليس سلعة للبيع، بل هو نمط فني يسعى إلى مخاطبة الجميع، وتستطيع أن ترى نجاح هذا المشروع من خلال الشرائح التي قامت بزيارته، حيث زاره أهالي الحي وفنانون سوريون وباحثون فنيون عالميون ومنهم مجموعة باحثين في متحف الفن البريطاني».

لنتكلم عن مشاريعكم المستقبلية.

«سوف نسافر أنا وثلاثة فنانين شباب سوريين في هذا الشهر للمشاركة في تدريب في ألمانيا عن استخدام الميديا في الفن، وحالياً نعمل مع فنانين شباب من دول المغرب ومصر لتقديم مشروع فني مع فنانين شباب سوريين إلا أننا نواجه صعوبات في تمويل هذا المشروع، ولدينا خوف من عدم الحصول على التمويل الكافي لإقامة هذا المشروع، وأول ما أطمح إليه وهو تحويل المكان إلى مساحة حرة للتعلم واكتساب الخبرة، إلا أن هذه المشاريع تحتاج دائماً إلى الدعم للاستمرار».

كم ساهم برأيك مهرجان الفيديو آرت في تكريس اسم سورية بهذا النوع الجديد من الفن؟

«رغم تأخر دخول هذا الفن إلى سورية، وقلة عدد الفنانين السوريين الذين قدموا أعمالاً من هذا النوع، إلا أنني ومنذ ما يزيد عن العامين قمت بالتواصل مع عدة مهرجانات دولية لعرض أعمالهم في الخارج، وقد لاقت أعمالهم إعجاباً وصدى لدى الخارج، وقد تم عرض العديد من أعمالهم، وتمت دعوة بعضهم لحضور التكريم رسمياً لهم، وهذا ما دفعني للسعي لإقامة مهرجان الفيديو آرت هنا في سورية، لتعريف المشاهد السوري على هذا النمط من الفنون وتفعيل التواصل مع الفنانين في العالم بالإضافة إلى عرض أعمال فنانينا السوريين في خارج سورية».


إيمان حاصباني

وبسؤال للفنانة إيمان الحاصباني عن مشاركتها في معرض تجهيز في الفراغ تقول:

«عملت على فكرة مشاعر الأمكنة، واخترت غرفة في طريقها للزوال بسبب عمرها القديم ومشاكلها المعمارية التي يمكن أن تقع جدرانها وسقفها في أية لحظة، إن مشاعرها في هذه الحالة كمشاعر الإنسان في حالة الاحتضار، وأضفتُ تخطيط القلب الظاهر على الشاشة في وسط الغرفة الذي يبدأ بتخطيط بياني ثم ينتهي بخط السكون وهو خط الموت، كما هو حال كثير من بيوت حارات دمشق القديمة».

يلفت نظري هذا البياض والصفاء في داخل الغرفة بالرغم من مظهرها الهرم المتصدع من الخارج فما المقصود من هذا الاختيار؟

«تركت الغرفة من الخارج بوضعها الطبيعي المتصدع ومن الداخل كسوته باللون الأبيض وخاصة أنه يمثل ثلاث مراحل أساسية في حياة الإنسان - الولادة - الزواج- الموت».

هل أتت فكرة المشروع من وحي المكان أم كانت مسبقة التحضير؟

«كنت قد حضّرت مشروعاً خاصاً للمعرض ولكن بعد اختياري للغرفة، عشت معها على مدى ساعات كل يوم، وكأنها كانت تنقل لي مشاعرها التي أحست بها في كل مرحلة مرت في حياتها كأي إنسان، ومن هنا أتت فكرة مشروعي».

يذكر أن المعرض مستمر لغاية 11-6-2009 من الساعة السادسة حتى التاسعة مساءاً.


ريم محمد و مازن عباس

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

عبير بخاري

إيمان حاصباني

من معرض تجهيز في الفراغ

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق