أثر: مشروع مبتكر للفن التفاعلي الأدائي في فضاء الفن الآن
16 08
المشاهدون يشاركون مباشرة في صناعة اللوحة ويعيشون انفعالات الفنانين
لا شك أن من زار مشروع الفن التفاعلي الأدائي الذي قدمه الفنانون الثلاثة: نسرين بخاري ومحمد علي ، والفنان المغربي يمين الغربة، والذي كانت آخر عروضه مساء أمس السبت 16 آب سوف يندهش بأسلوب جديد مبتكر ليس فقط في عرض اللوحة أو المشهد الفني، بل في طريقة صناعتها أيضاً، إذ نلحظ تغيراً ملحوظاً في دور الفنان من صانع وحيد للوحة بحيث ينحصر دور زائري المعرض في مشاهدتها، إلى واحد من صناع عديدين، تقتصر مهمته على ابتكار الفكرة واستحضار أدواتها، فيما يدخل الجمهور كفاعل حقيقي في العملية التنفيذية.
ومن ذلك ما قام به الفنان محمد علي من إدخال الجمهور كعنصر من عناصر اللوحة، عن طريق استخدام الإسقاط الضوئي وجهاز الكمبيوتر لخلق اندماج بين ألوانه الرقمية ومن يقف أمامه كجزء من اللوحة نفسها، وليشاهد تطور عملية التلوين التي تطبق عليه أولاً.
أما الفنانة نسرين بخاري فقد أدخلت على العنصر المكتمل جانب الفوضى من خلال شك الدبابيس على فستان عروس جاهز أمام الجمهور الذي كان يحاول التكهن بنهاية هذا العمل، واستعاضت عن رأس العروس بمقص مرصع بالألماس، وفرشت الأرض بكرات صغيرة هنا وهناك، ليبقى فستان العروس وحيداً على مجسمٍ باللون الأسود، وحيداً في غرفته يكتسي رويداً رويداً سواداً من خيوط يقوم المتلقي بغرزها على ذلك الفستان.
الفنان يمين الغربة، تجاوز كل التصورات، بأدائه المسرحي المثير«والمثير للجدل»، وأفكاره الشديدة الغرابة، وذلك باستخدامه البيض المملوء بالألوان لتشكيل لوحة يرسمها الجمهور بنفسه من خلال استهدافه بهذه الكرات اللونية، أو من خلال رسمه لوحة على القماش الأبيض باستخدام الحبر، بحيث جعل من فمه وجسده أداة لتكوين تفاصيل اللوحة التي تابع الجمهور عملية رسمها لحظة بلحظة، أو أكله للألوان، وأخيراً من خلال رشه بالطحين والألوان.
ويبدو أن أفكار هؤلاء الشباب ستكون موضع جدل ونقاش بين مرحب بمحاولة التجديد وابتكار الأفكار، وبين مخالف لهذه الطرق الجديدة والغريبة في الأداء، ويبقى الحكم للجمهور في نهاية المطاف.
وقد استمر المعرض من 10 آب 2009 وحتى 15 منه، وشهد نشاطاً مكثفاً طوال أمسياته.
«اكتشف سورية» تحدث مع الفنانين المشاركين في المعرض فكان هذا الحوار:
تحدثنا بداية مع الآنسة عبير بخاري مديرة «الفن الآن» - All art now- حيث قالت: «الفن الآن هو بمثابة مختبر فني حقيقي لكل الفنانين التشكيليين ومن كافة الأجيال، لذا فهو ليس بفضاء خاص بالفنانين الشباب، ولكن باعتبار أن الشباب يملكون روح التجدد والتجريب من خلال طرحهم لأشكال فنية جديدة كانت معظم نشاطاتنا بالتعاون مع الفنانين الشباب».
وعن هذه التجربة قالت الآنسة عبير بخاري: «انطلقت فكرة هذا المعرض منذ سنة، عندما قامت الفنانة نسرين بخاري بزيارة المغرب، إضافة لحضور ورشة أُقيمت هناك قبل 5 أشهر حضرها عدة فنانين ومنهم الفنان السوري محمد علي، عندها ولدت فكرة إقامة معرض مشترك بين سورية والمغرب، يشارك بها الفنان المغربي يمين الغربة، ويتناول الفنانون الثلاثة من خلاله فكرة الأثر الذي يخلفه اللون في شخصية الفنان والمتلقي معاً».
من جانبه قال الفنان التشكيلي محمد علي: «تخرجت من كلية الفنون الجميلة - قسم التصوير عام 2005، لتبدأ مسيرتي في المجال الفني، إلى أن تعرفت على الفن الآن والذي قام بعرض أعمالي في داخل وخارج سورية، وفي العام الفائت (2008) قُدمت أعمالي في أكثر من 12 دولة منها المغرب وفرنسا ونيويورك وروسيا وقبرص».
وعن تجربته الخاصة جداً في طرح أشكال جديدة يساهم المتلقي في تشكيلها قال الفنان محمد علي: «التجريب من أهم مقومات العمل الفني، والذي يقوم على أساسه الفن المعاصر الحديث. في تجربتي هذه محاولة لخلق جو تفاعلي مع المتلقي والذي سيكون جزءاً مهماً من العمل الفني، فالمتلقي الذي يجلس في مرمى اللون المنبثق من عدسة ضوئية، سيساهم في النهاية في تشكيل لوحة فنية ضوئية وكأنه في حلم أساسه اللون».
أما الفنان المغربي يمين الغربة فقال من جهته: «حصلتُ على درجة البكالوريوس في الفنون التشكيلية وشهادة الدبلوم من المعهد الوطني للفنون الجميلة في تطوان، والآن أنا أستاذ لمادة الفنون التشكيلية في المدارس الإعدادية والثانوية في المغرب».
أما عن زيارته لسورية ومشاركته في معرض «أثر» فقال الفنان يمين: «هذه المرة الأولى التي أزور بها سورية، وقد جاءت دعوتي عن طريق الصديقة والفنانة نسرين بخاري التي تعرفت عليها أثناء المهرجان العالمي لفن الفيديو آرت في مدينة الدار البيضاء 2007. في البداية كان هناك حوار ما بيننا، فكان موضوع الأثر وما يخلفه من رؤى جديدة مادة لمعرضنا هذا. وكان لكل منا فكرته الخاصة التي من خلالها سيشارك المتلقي في صوغها».
وتابع الفنان الغربة: «فكرتي أنا في هذا المعرض تقوم على تقديم عروض أدائية عمادها اللون، تساهم في إشراك المتلقي في عملية اكتشاف أبعاد أخرى للون، وما تخلفه هذه المشاركة من أثر في داخله كونه مشاركاً أساسياً في هذا المعرض».
من جانبها، قالت الفنانة التشكيلية نسرين بخاري: «تخرجت من كلية الفنون الجميلة – قسم النحت عام 2003، ونلت شهادة الدبلوم في 2006، وأحضر الآن لرسالة الماجستير في قسم النحت، ولي مشاركات فنية متعددة في مجال الفيديو آرت وغيرها من الفنون التشكيلية الأخرى. فكرتي في هذا المعرض مستقاة من فستان العروس الأبيض، والذي يعتبر من أكثر الرموز الإنسانية التي تعبر عن الفرح والارتباط المقدس، هذا الرابط الذي يولد استمرارية الحياة، وهي فكرة تتكلم عن الحياة أكثر مما تتكلم عن الأنثى أو الذكر أو العلاقة الجدلية ما بينهما. وسيكون للمتلقي الذي ينتمي لأي ثقافة مهما كانت مختلفة دوره التفاعلي في بلورة الصيغة النهائية للمشروع من خلال عرض أعمال المعرض في أماكن مختلفة من دول العالم».
وفي حوار مع بعض زوار المعرض يقول عادل محمد داوود، طالب سنة ثالثة في كلية الفنون الجميلة قسم التصوير: «عندما أشاهد هذا الفن فأنا أراه كلوحة تشكيلية، أراها كتكوين وكمنظور فني وأتفاعل معه وبعين المصور. لقد تفاعلت مع فن الأداء الذي قام به الفنان المغربي يمين الغربة وشاركته مع زوار المعرض في صوغ المرحلة النهائية للفكرة التي انطلق منها، ولكن كان لكل مشارك منا رؤيته الخاصة التي انطلق منها».
وتابع قائلاً: «إن فن الأداء "performance" هو منهج فني قام بابتكاره الفنان جاكسون بولوك، هذا الفن الذي فسح المجال للاستفادة من كل الأدوات الموجودة في الحياة، وانطلق لخارج قاعات العرض، وهو المنهج الذي اعتمد على التفاعل ما بين الفنان والجمهور».
من جانبه يؤكد الفنان زافين يوسف - خريج كلية الفنون الجميلة 2005- على أهمية هذه الغاليري (All art now) في سورية كونها أول غاليري تكون أغلب عروضها مخصصة للفن المعاصر، مع العلم أن هنالك فنانين سوريين أقاموا معارض مستوحاة من الفن المعاصر كالدكتورأحمد معلا بمعرضه في المركز الثقافي الفرنسي والدكتورة بثينة علي في معرضها في صالة الرواق.
ويضيف زافين: «أشعر بالسعادة عندما أرى أعمالاً من هذا النوع كونها تفتح الباب واسعاً لأفكار فنية جديدة. لقد أحببت أعمال كل الفنانين المشاركين في هذا المعرض من خلال الأفكار التي انطلقوا منها وقد تركوا أثراً جميلاً في ذاكرتي».
الآنسة ردينه أبو حامد - مترجمة، إضافة لعملها في الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي- قالت من جانبها: «أحب كثيراً عالم الفن التشكيلي وخاصة أنني عملت في السابق منسقة فنية، كلمة الفن تشمل الكثير من الأمور الجمالية والإنسانية والفلسفية وأحياناً يكون مصدره عوالم مجهولة تحاكي قدرة الإنسان على اكتشاف عوالم جديدة من الألوان والأفكار، وخاصة ما أشاهده هنا من تفاعل حقيقي في هذا المعرض بين الحضور وعالم اللون. إنها فرصة جيدة لأتعرف وأشارك في هذا النوع الجديد من فنون الأداء على الساحة التشكيلية السورية، ولما يعطيه هذا النوع من الفنون من حرية للزائر من ترك أثره الخاص على العمل الفني».
وتابعت الآنسة أبو حامد قائلة: «لقد أحببت كثيراً هذه التجربة، وخاصة تجربة الفنان يمين الغربة، وقد تأثرت كثيراً عندما قام أحدهم برمي الطحين على وجهه فقمت مباشرة بمسح وجهه من آثار الطحين، لقد تفاعل الحضور مع ما قام به الفنان يمين، وكان لكل منا تفاعله وأثره الخاص، ما أعطى بُعداً آخر للعمل الفني».
ومن الآراء التي استطعنا سبرها حول هذه التجربة الحداثوية أو ما بعد الحداثوية، رأي السيد نعيم الحلو، وهو من المتابعين للحركة التشكيلية داخل وخارج سورية كونه يعمل ويعيش في كندا، حيث قال: «لدى الكثير ممن تابعوا المعرض من خلال المشاهدة المباشرة، أو من خلال نقل المشاهدة شفهياً، كان هناك سؤال بقي معلقاً عند الكثيرين، ما هو الأثر الذي تركه هذا العرض؟ عند المتلقي بالدرجة الأولى، وعند الفنان نفسه بالدرجة الثانية، كون هذا العرض عرضاً تفاعلياً، وماذا كان يريد أن يقول التشكيلي المغربي من خلال رميه بالبيض؟ مع العلم أن رمي البيض في معظم المجتمعات ومنها محتمعنا هي إهانة يتلقاها عادة المضروب من الضارب، وهنا الضارب هو المتلقي، والمضروب هو الفنان، والبيض مليء بالألوان التي هي عادة المادة الرئيسية لإظهار الإبداع التشكيلي. وفي اليوم الثاني كان الحبر الأسود والرسم من خلال الفم ونفث الألوان، وفي اليوم الثالث كان هناك أكل الألوان، وفي اليوم الأخير كان الرسم من خلال الطحين واللون. وفي معظم العروض كانت الوسيلة في نقل اللون إلى اللوحة التي تضمنت جسد الفنان نفسه هي الضرب، أو القذف. لا نعرف ما هو الأثر الإيجابي الذي سيتركه عندي مثل هذا الفعل العدائي من قبل المتلقي!!! ومن ناحية أخرى، لم أدرك أين هو مفهوم الفن في مثل هذا العمل؟ صحيح أن تفسير الفن يحتاج إلى صفحات وصفحات، لكن بالعموم الفن هو مرآة لواقع ما في زمن ما من خلال يد مبدعة، تترك لوحتها، أو كتاباتها، أو حتى مسرحها، لتبقى عالقة في ذهننا سنوات وسنوات وربما لأجيال متتالية، أما في هذه التجربة العبثية، فلا أعرف إن كانت بالأساس فناً أم لعب أطفال، أم مجرد فكرة خطرت على بال أحدهم ليلاً ونفذها صباحاً دون خطة واضحة، ودون هدف واضح، ودون أي تقيد بأي معيار من معايير الفن المعروفة. ويمكن ببساطة واختزال أن أرى أن عنفوان الشباب هنا كان هو المحرك الأساس لفعل شيء ما، ولكني لا أرى فيه حتى الروح الحداثوية للفن، إذ لم أر فيه إلا طيش شباب».
هذا وقد دار نقاش طويل جمع التشكيليين إدوار شهدا ونذير إسماعيل وغازي عانا ويقظان أتاسي، مع الفنانين المشاركين في المعرض بحضور مجموعة من الحضور الذي تابع ما قدم في هذا العرض، وقد تباينت الآراء، واختلف العديد مع هذه التجربة التي قُدمت، وبالمقابل فقد رحب الشباب بهذه التجربة التفاعلية الجديدة.
.
مازن عباس
اكتشف سورية
العرض الثاني ليمين الغربة الرسم بالحبر الأسود ولكن من خلال فمه |
فستان العروس لنسرين بخاري |
فستان العروس لنسرين بخاري |
رجل من مصياف:
الشكر الكبير لكل من يساهم في إغناء الخركة التشكيلية السورية
لقد كنت من المتابعين للمشروع الذي قام به " الفن الآن" والذي قدم صورة مغايرة عن السائد في صالات العرض التشكيلية/ وتعرفت من خلال هؤلاء الفنانيين الشباب على أسلوب جديد من أساليب التعبير الفني التشكيلي .
أشكر كل القائمبن الشباب على " الفن الآن" وأشد على أيديهم لكي يتابعوا هذا الطريق الذي إنفردوا به
سوريا
عمرو فهد:
مبروك
لعلها قد تكون إنطلاقة الفن الحديث في سوريا
الإمارات
الإمارات