اكتشف سورية يلتقي الدكتور مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف

15 أيار 2014

المجتمع المحلي هو الضامن للدفاع عن تراثه

أقامت وزارة الثقافة قبل فترة في قلعة دمشق معرضاً للصور الفوتوغرافية جسد حال آثارنا في ظل الأزمة في سورية لتترك جرحاً دامياً في داخل كل من يخاف على الإرث السوري العظيم. وعلى أثر المشاهد التي رأيناها من خلال هذه الصور، أرتأينا في موقع اكتشف سورية أن نزور الدكتور مأمون عبد الكريم٬ لنطّلع منه مباشرة على تفاصيل ما آلت إليه المتاحف والمواقع الأثرية السورية، حيث استقبلنا بصدر رحب وكان الحوار التالي:

تعرضت آثارنا ومتاحفنا إلى أضرار في العديد من المواقع ونحن نعيش هذه الأزمة والحرب القذرة على بلادنا. كيف تصنفون هذه الأضرار؟


الدكتور مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف

يمكن تصنيف الأضرار في عدة محاور، هناك محور المتاحف، ومحور المواقع، إضافة إلى المحور المتعلق بالاشتباكات. أما المتاحف فقد تعرضت لبعض الأضرار المحدودة لحقت بعض المباني نتيجة الانفجارات وأعمال العنف التي شهدتها عدد من المدن كمتحف حلب، ومتحف حماة، ومتحف حمص، فكانت هناك أضرار بهيكل المباني، لكن الأغلبية المطلقة من المقتنيات في المتاحف السورية بألف خير، حيث كانت هناك سياسات وإجراءات اتبعت من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف حول إخفاء القطع الأثرية، باستثناء بعض الأضرار المحددة كما جرى في متحف الرقة ومتحف دير عطية، وبضعة قطع مسروقة من الفخاريات من قلعة جعبر٬ غير ذلك فإن المتاحف السورية بألف خير، وفي بداية الأزمة تم فقدان تمثال برونزي، ولكن عموماً أوضاع المتاحف كمقتنيات تعتبر ممتازة.

لنتحدث أكثر عن أضرار مباني المتاحف!

اقتصرت أضرار المباني على الزجاج والنوافذ والجدران وقد تم ويتم إصلاحها بشكل سريع وتم ترحيل كل القطع الأثرية إلى أماكن آمنة، وبالتالي استطعنا أن نحافظ على نسبة كبيرة من مقتنياتنا وذلك من خلال وعي الموظفين والجهود والإجراءات التي اتبعت من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة، بالإضافة إلى تعاون المجتمع المحلي حيث كان المساس بإرثنا الوطني خط أحمر عندهم، وإصرار من قبل أبناء شعبنا في كل المحافظات السورية على أن لا تتكرر تجربة العراق فيما يتعلق بهذه المتاحف.

لنعُد إلى المحور الثاني وهو المحور المتعلق بالاشتباكات كما ذكرتم!

هذا المحور تركز بشكل أكبر في مدينتي حلب وحمص، حيث كانت هناك أضرار جسيمة وعظيمة تعادل 50% من المباني الأثرية والتراثية، منها تدمير كامل ومنها جزئي أو متوسط، وذلك نتيجة الانفجارات والمعارك التي دارت في هذه المدن القديمة. إذاً الحصة الأكبر يمكن تلخيصها في هاتين المدينتين.

أما فيما يتعلق بالمحور الثالث وهو التنقيب السري الهمجي نتيجة دخول عصابات الآثار الدولية والمحلية ومشاركة مئات المأجورين في مواقع عديدة، خاصة في محافظات دير الزور والرقة ودرعا، فإن هناك عشرات من المواقع الأثرية تضررت نتيجة التنقيب الهمجي كدورا أوروبس وماري في دير الزور وموقع أفاميا في حماة أو مواقع وادي اليرموك بدرعا، هناك مشاركة من قبل مئات الأشخاص من المنطقة ممن شاركوا بتوجيه من عصابات الآثار ومافيات دولية دخلت على الخط منذ أكثر من سنة ونصف وعاثت فساداً كبيراً، قد لا يحصلون على الشيء الكثير بسبب العملية العشوائية، لكن الشيء المؤكد هناك تنقيب وحشي للسويات الأثرية، وبالتالي ضياع صفحات ضخمة من تاريخ الشعب السوري.

هل هناك محاولات باسترجاع ما سُرق خلال العملية الوحشية في نهب المدافن التدمرية؟

بالطبع هناك تعاون مع الجهات المعنية السورية والجمارك وغيرها من المؤسسات الحكومية باستعادة آلاف القطع الأثرية قبل خروجها من سورية. ومؤخراً كما لاحظتم من خلال الإعلام تم إعادة عشرات من التماثيل التدمرية كانت قد تم نهبها من المدافن التدمرية غير المنقبة، لكن اللقى الأثرية في متاحف تدمر بأمان وبحال جيدة، رغم محاولات السرقة لبعض القطع الأثرية من الواحة التدمرية أو من المدافن التي ذكرتها، كما أن هناك حرص دولي أيضاً، خاصة من قبل الجهات المختصة في لبنان حيث ساعدت السلطات السورية على إعادة عشرات القطع الهامة والاستثنائية إلى البلاد، وهنا نأمل من دول الجوار أن تقوم بنفس الدور الذي انتهجه لبنان في قضية مكافحة الاتجار بالآثار السورية.

كيف تستطيع المديرية العامة الوصول إلى معلومات عن الممتلكات الثقافية في المناطق الساخنة؟

لدينا 2500 موظف ينتمون إلى البيئات المحلية، يعرفون المناطق، وهم على تعاون تام مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، وهي موجودة في كل المناطق السورية، باستثناء بعض المناطق البعيدة من المراكز الحكومية. ولكن بشكل عام حتى المناطق الخارجة عن سيطرة السلطات الحكومية، كان هناك تعاون من المجتمع الأهلي الذي لعب دور الوسيط الداعم لموظفي الآثار وحراس الآثار في تلك المواقع كجبل الزاوية، والمالكية والقامشلي في أقصى الشمال أو في وسط سورية، وبالتالي هناك المئات من المواقع الأثرية بألف خير بفضل وتدخل الوعي المجتمع الأهلي الذي ساعد السلطات والمعنيين، ولكن لا ننكر أيضاً بأن عشرات المواقع تضررت نتيجة دخول عصابات الآثار وغياب سلطات الحكومية كما جرى في ماري، ودورا أوروبوس بدير الزورعلى الحدود العراقية أو وادي يرموك بدرعا.

إذاً نستطيع القول بأنه هناك وعي لدى المجتمع الأهلي في الحفاظ على ممتلكاتنا الثقافية الوطنية. كيف تقيمون هذا الوعي وخاصة في المناطق الساخنة؟

هناك وعي، نعم، وهناك مقولة سمعناها مراراً وتكراراً فحواها «أن تكون فقيراً ليس سبباً أن تبيع وطنك وبالتالي تبيع شرفك»، هذا ما لاحظناه في العديد من المناطق السورية: أناس بسطاء، فقراء لكنهم واعون لأهمية التراث الثقافي وقدموا الكثير لدعم الآثار والمتاحف. وكلنا يعلم بأن المديرية لها نهج ثقافي وعلمي، ورسائلها موجهة إلى الشعب السوري بدون استثناء، بعيدة عن أي تجاذبات سياسية، المهم هنا أن نحمي ما يجمعنا، والذاكرة المشتركة للوطن هي الآثار السورية لكل السوريين، وهي ملك لكل مكونات شعبنا، ربما نختلف بأفكار سياسية معينة لكن ينبغي أن نتفق على ذاكرة الوطن. وهذه الذاكرة بالنسبة للمديرية هي شرف الوطن، وأعتقد تلك الرسائل وصلت بقوة إلى المجتمع المحلي، لذلك وجدنا تعاون هائل في المناطق كجبل الزاوية ومعرة النعمان وشمال شرق سورية وفي حمص وحلب وإدلب والعديد من المناطق، وليس بالضرورة تواجد العنف في مكان ما، حتى يصبح مرهوناً بوجود سرقات، فهناك العديد من المناطق التي تشهد أعمال عنف وأحداث، ولكن المجتمع كان الضامن للدفاع عن تراثه، الذي تعاون مع موظفي المديرية وحراس الآثار، طبعاً باستثناء بعض المناطق التي كانت فعلاً الأمور فيها معقدة جداً مما أدى إلى تضرر عشرات المواقع الأثرية، أضف إليه التنقيب الهمجي والسري ناهيك عن السرقة.

مؤخراً سمعنا عن إنشاء مكتب لليونسكو في بيروت للتنسيق على حماية الممتلكات الثقافية في سورية. كيف علاقة هذا المركز معكم؟

علاقاتنا مع المنظمات الدولية ممتازة كمنظمة اليونيسكو ومكاتبها الإقليمية ولا سيما بيروت وعمان والمنامة. حيث أن هذه المكاتب مسؤولة عن التراث العالمي، ولديها علاقات ممتازة مع مديرية الآثار والمتاحف، ويوجد تعاون مباشر بشكل شبه يومي، من أجل تبادل المعلومات ومكافحة الاتجار بالآثار السورية.

أما بالنسبة لمكتب لبنان الذي ذكرتَه في سؤالك فقد تم تأسيسه مؤخراً كمشروع يموله الاتحاد الأوربي من أجل حماية الآثار السورية، وذلك من خلال نشر الوعي ومكافحة الاتجار بالآثار، وكل هذه الأمور عن طريق المديرية العامة للآثار والمتاحف التي تعد الشريك الأول والأخير في هذه القضية.

ولدينا علاقات أيضاً مع منظمة الأوابد العالمية ومنظمة المتاحف العالمية ومع صندوق تمويل الأوابد الأثرية في نيويورك لدعم وترميم المباني، فضلاً عن علاقاتنا مع الانتربول الدولي والجمارك الدولية، وكل هذه المنظمات معنية بشكل مباشر. كما أسلفت فإن علاقاتنا مع الجميع تعتبر ممتازة، وهذه المنظمات مقتنعة قناعة مطلقة بأداء المديرية خلال هذه الأزمة، وقيامها بدورها العلمي والمهني بالتعاطي مع الشأن الأثري.

أخيراً هل تعتقدون أن المجتمع الدولي قد بدأ يلعب الدور المطلوب منه في هذه الأزمة للمساعدة في حماية التراث السوري، كما حصل أيام الحرب على العراق؟

هناك تحرك دولي فعال مع المديرية منذ سنة، حيث وجدنا تعاون مطلق معنا، وهناك تحركات قوية للمعاهد والمؤسسات ورؤساء البعثات التي عملت في سورية، والآن يتحركون بقوة، ووجدوا بأن المديرية هي مؤسسة وطنية تجمع أبناء الشعب السوري وليس لديها أي اتجاهات أخرى؛ ما عدا نهجها الثقافي والعلمي والتقني، التي استطاعت من خلاله أن توحد أبناء الشعب السوري في كل المحافظات، وأن تحمي وحدتها كمؤسسة من خلال أبنائنا.

إننا في المديرية العامة للآثار والمتاحف نعتقد أنه في حال غياب السلطة أو عجزت المديرية عن أداء واجبها، حينئذٍ يكون المجتمع الأهلي هو الضامن الحقيقي، واعتقد أن المجتمع الأهلي لعب دوراً إيجابياً في هذه الأزمة، والدليل أن جلّ المواقع الأثرية السورية لم يطالها الضرر، وأنا قمت شخصياً بزيارة تفقدية للمواقع الأثرية في شمال شرق سورية خلال الفترة الأخيرة، حيث وجدتُ أن مئات المواقع بحال جيدة، وهذا دليل على أن المجتمع الأهلي والمحلي مارس مسؤوليته في حماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها، هذا ما لاحظناه أيضاً في محافظة ادلب، حيث هناك مئات من المواقع في المدن المنسية ما زالت بألف خير، وانتم تعلمون بأنه هناك لصوص آثار موجودون بشكل دائم حتى قبل الأزمة. المهم في الأمر أنه لا توجد هناك أعمال تخريب وحشية وهمجية كما جرى في المواقع التي ذكرتها سابقاً، التي تضررت فعلاً من الأعمال البربرية لعصابات الآثار التي كان تعدادها في بعض المواقع يتجاوز الخمسمئة شخص، مما أدى إلى حدوث دمار كبير في المكان، بالمقابل هناك عشرات المواقع التي تعتبر أضرارها نسبية وقابلة للإصلاح والترميم.

ما يهمنا الآن في هذه المحنة التي تعيشها سورية أن نعرف كيف نتكاتف، وكيف نحمي الذاكرة الوطنية السورية بعيداً عن أي تجاذبات سياسية.


إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

منحوتة جنائزية مهربة استرجعت من لبنان

منحوتة جنائزية مهربة استرجعت من لبنان

دمار الأسواق الأثرية في حمص

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق