المدافن في تدمر


وادي القبور في تدمر

آمن التدمريون بالحياة بعد الموت لذلك أطلقوا على المدافن اسم «بيت الأبدية»، وكان لكل أسرة مدفنها الفخم المزخرف بالجص أو الحجر أو الفريسكو وهو الرسم على الجص. وكان في المدفن بئر للسقي والتطهر، وباب المدفن كان من الحجر المنحوت، عادة ما يكون فوقه نافذة للإنارة والتهوية، وكان يوضع عليه تاريخ البناء واسم صاحبه. أما الجدران الداخلية ففيها قبور على شكل أرفف عمودية على الجدران، تتوضع فوق بعضها البعض، يفصل بينها ألواح من الرخام أو الحجر.

بعد الدفن يُغلق القبر بتمثال نصفي يسمى «صلم» (أي صنم) أو نفشا (أي نفس)، ويُكتب عليه اسم الميت وتاريخ وفاته. وأحياناً تضاف كلمة «هبل» أي (وا أسفاه). وفي صدر الجناح الرئيسي بالمدفن يوجد السرير الجنائزي، الذي يضم تماثيل باني المدفن وأفراد أسرته الأموات والأحياء، وهي وليمة رمزية تؤنس وحشة الميت في عزلته الأبدية. ويُقام السرير فوق قائمتين بينهما واجهة عليها أيضاً تماثيل نصفية لأفراد الأسرة. وتمثال رب الأسرة عادة ما يكون مضطجعاً وإلى جانبيه زوجته وبعض أولاده وقوفاً. وتكون يد الميت مفتوحة استسلاماً للموت أما الأخرى فتقبض على شيء دليل حب الحياة، ويرتدي الجميع الملابس الجميلة المطرزة، كما تتحلى النساء بالمجوهرات. وقد وُجدت في بعض المدافن البرجية بعض المومياءات مكفنة بالحرير مع حشوات كتابية إلا أنها شُقّت ونُبشت.

أنواع المدافن في تدمر


المدافن البرجية


وهي أقدم المدافن وتعود إلى العهد الهيلنستي. آخرها كان في عام 128م. وقد استعملت هذه القبور حتى القرن الثالث.

هي أقدم المدافن، ومعظمها يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. كانت بسيطة وفي بداية القرن الأول الميلادي بدأت العناية بها فصارت تزخرف من الداخل والخارج. وعادة ما تكون مربعة الشكل مبنية فوق مصطبة لها أدراج.

والمدفن يتألف من 3 إلى 4 طوابق يقود إليها درج حجري. الطابق الأول مزين بالنقوش والعضائد والأفاريز والتيجان والزخارف. أما السقف فمقسم على أشكال هندسية متناظرة، مدهونة بالألوان، بينها أشكال إنسانية نافرة.

والمدافن البرجية لا وجود لها إلا في تدمر وحلبية التي كانت ميناء تدمر النهري. وهي تصميم تدمري محض يلائم مناخ تلك المنطقة وأذواق سكانها. وأفضل النماذج للمدافن البرجية الباقية هي: إيلابل، يمليكو، وكيتوت في وادي القبور، غرب مدينة تدمر. إضافة إلى حوالي 150 من القبور الأخرى.

مدفن عتنتان


وهو أقدمها من عام 98م. عبارة عن بناء بسيط لا زخرف فيه، يتألف من 6 طوابق، وله باب صغير، وسّع في عام 229م بإضافة بناء إلى الشمال. كرس لشخصية تدمرية مهمة اسمه مقاي. نُقش رسمه على ظهر بلاطة القبر، وهو بين خادمين، أحدهما يمسك له حصانه، والآخر يمسك له قوسه.

برج إيلابل

مدفن إيلابل


من أشهر وأكبر المدافن البرجية، جيد الحفظ، يعطي فكرة واضحة عن هذه المدافن، ويعود إلى عام 103م. وكان ملكاً لأخوة أربعة هم: إيلابل وشاكي ومعني ومقيمو. وهم أولاد وهب اللات بن معني. وكان لهذه الأسرة شأن في ازدهار المدينة وبنائها. يتألف المدفن من أربعة طبقات، مدخله من الجهة الجنوبية. القبو فيه قبور أرضية (Hypogeum) ومدخله من جهة الشمال.

كان باب المدفن البرجي حجرياً. فوقه حجر الأساس، نُقشت عليه كتابات باليونانية والتدمرية، تُشير إلى اسم العائلة التي تملكه وتاريخ بنائه. وفوق الحجر توجد شرفة. وهذا المدفن كان للاستثمار التجاري يتسع لـ 300 ميتاً. ويؤجر القبر فيه لمدة معينة.

على طرفي كل جدار في القاعة الأرضية، يوجد معازب مستطيلة. كل واحد فيه تسعة رفوف لعشرة قبور. كان الميت بعد معالجته حسب الطقوس، يُلّف بالحرير، ويُدخل في المعزب. ورأسه عند الفتحة، ثم يُغلق القبر بتمثال نصفي له وعليه اسمه.

مدفن إيلابل من الداخل

وللمعازب عضائد مخددة تيجانها كورنثية، والسقف فيه مربعات منقوشة وملونة. على يمين الباب من الداخل يوجد نحت للإخوة الأربعة. وفي الجدار الشمالي تماثيل نصفية للعائلة وهم يجلسون على السرير الجنائزي. كما توجد نقوش لخمسة من النسوة هن زوجات الإخوة مع واحدة من أخواتهم. وفوقهم صف من أربعة نقوش للإخوة الأربعة. وفوق الباب نقش لأحد أبناء إيلابل وقربه نقشان في الأعلى وثلاثة في الأسفل، وعلى يسار المدخل درج يقود إلى الطبقات الأخرى.

وُجد في القبر كثير من العظام والمجوهرات والأشياء الخاصة، وقربه يقع مدفن عتنتان (Atenatan) البرجي.

مدفن كيتوت


بُني عام 40 أو 50م، ارتفاعه 10م. نُقشت في محرابه وليمة جنائزية في الجهة الشرقية، وهو من أوائل القبور في تدمر التي تأثرت بالأسلوب الفارسي البارثي القاسي، وأصبح هذا الأسلوب ألطف بعد تأثره بالهندسة الرومانية.

قبر لامليكو أو (يمليكو)


ويقع على منحدر تلة أم بلقيس جنوب وادي الملوك. بُني عام 83م. وهو قبر عائلي ومن أوائل القبور التي بُنيت. رُمم بين عامي 1973 و1976. فيه أعمدة كورنثية وله إفريز جميل، بقي منه 3 طوابق، ويحتوي على 200 قبر. وهو من أهم المدافن بعد مدفن إيلابل.


المدافن الأرضية


وتعود إلى ما بين 81 و251م ولها مثيل لدى الفينيقيين)+) و في وادي النيل.

مدافن تضم كل من الأرضية والبرجية، وكان الميت يدفن تحت الأرض ثم تؤخذ بقاياه إلى المدفن البرجي.
أشهرها مدفن يرحاي الذي نُقل وأعيد بناؤه في متحف دمشق.

مدفن الإخوة الثلاث قبل الترميم

مدفن الأخوة الثلاث


الإخوة هم: ملا وسعدي ونعمين. وهو من منتصف القرن الثاني (160م). وبقي قيد الاستعمال حتى عام 259م ورُمم عام 1947. وهو مدفن نصف تجاري للتأجير لمدة معينة، ويستوعب 390 ميتاً. وُجدت فيه كتابات تُشير إلى التنازل عن أجزاء من المدفن لقاء مبلغ معين. وهذا ما كان يحصل كثيراً في القرن الثالث أثناء أزمة تدمر الاقتصادية.

اكتشفه صدفة فلاح كان يحمل حجارة لبناء بيته. وبدأت عمليات التنقيب فيه منذ عام 1931، وكان اللصوص قد نهبوه ولم يبقَ فيه إلا العظام ومخلفات بسيطة. ولم يُعثر على أية مومياء في القبور الأرضية.

درجه من الحجر، والباب مؤلف من درفتين تزنان 3 طن. فوق المدخل كتابات تدمرية، تشير إلى أسماء أصحابه، وإلى أنه قبر تجاري. بُني في العام السلوقي 333. مخططه على شكل (T) مقلوبة، جدرانه مطلية بالجص، في أجنحته الثلاثة يوجد 65 من المعازب، في كل واحد خمسة رفوف أي ستة مدافن. مقابل المدخل يوجد فريسكو (أي رسم على الجص)، من القرن 3م، يعود إلى مدرسة مملكة ماري الفنية التي انتقلت إلى دورا أوروبوس ثم إلى تدمر ومنها إلى أوروبا. القوس مزين بأغصان نباتية. والعضادتان على الجانبين مغطاة بأغصان الكرمة. واللوحات تمثل أُسطورة أَخيلْ البطل الإغريقي، وهو رمز الروح المسجونة بالجسد الذي يُعيد الموت لها حريتها ويُتيح لها الخلود، لأن الروح خالدة، والجسد فان، وهو رمز النفس التي ترتدي ثوباً مستعاراً وهي على قيد الحياة وتنتزعه عند الموت. كان أخيلْ منيعاً على الموت إلا إذا أُصيب بكاحله، حسب نبوءة عرّافة دِلْفي. لذا اختبأ بين بنات الملك ليكوميد وتنكر بزي بنات الملك، عند بداية أحداث طروادة. ولكن حينما سمع نداء الحرب ورأى أوليس مسلحاً، ترك مخبأه وانطلق إلى الحرب حاملاً سلاحه للقتال. وفي حصار طروادة أُصيب بسهم في كاحله فقُتل.

مدفن الإخوة الثلاث

ويبدو في اللوحة المرسومة في المدفن وهو بلباس الفتيات بين بنات ليكوميد ملك سكيروس، ويبدو أوليس وهو بكامل سلاحه ينظر إلى أخيل.

لوحة النسوة المجنحات المنتصرات: يقفن على الكرات الأرضية (رمز الشمولية)، ويحملن ميداليات، عليها رسوم نصفية للأموات، لرفعها إلى السماء.

ثم لوحة الصبي الطائر غانيميد، على ظهر نسر زيوس، وهو يرمز إلى اعتقاد شائع آنذاك بصعود أرواح البشر إلى السماء.

في الجناح الأيمن، يوجد تمثال للإخوة الثلاثة على السرير الجنائزي، تحيط بهم العائلة، وذلك رمز لجمع الشمل رغم الموت. وفي الجناح الأيسر سرير ملا. وكانوا يؤمنون بالحياة بعد الموت، وغالباً ما يحمل تمثال الميت كأساً، وهي تكريس لطقس الوليمة المقدسة الذي كان سائداً في تدمر، وعلى اليسار يوجد نقش لامرأة تحمل طفلاً.

وكان أهل الميت يأتون إلى قبره كل أسبوع للأكل. وبعد الأربعين يحضر الأقارب ومعهم طعام وحنطة مسلوقة وماء في كؤوس تُترك جميعها عند الميت في المدفن.

يوجد أكثر من 50 من هذه المدافن، نُقّب بعضها قبل الحرب العالمية الثانية، على يد الدانمركي إنغهولت، أقدمها واحد وُجد في ساحة معبد بعلشمين، ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد.

فيما بعد تطورت هندسة المدافن فصار هناك إضافة إلى الجناح الرئيسي الذي يقابل المدخل، جناحان أو أربعة فرعية كُسيت جدرانها بطبقة من الجص أو الحجر المنحوت. ورُسمت فوق الجدران بالألوان مشاهد من الأساطير، وزخارف نباتية، وهندسية وكتابات. ورموز الحياة والموت.

مدفن أرطبان


يقع في منطقة المدافن الجنوبية الشرقية، ويعود إلى نهاية القرن الأول الميلادي وبداية الثاني. اكتشفته البعثة السورية عام 1957، أثناء تمديد أنابيب النفط العراقي، وهو مدفن تحت الأرض.

أرطبان هو زبدون بن مالك بن يرحاي الراهب الطيب لعجلبول وملكبل.

للمدفن باب حجري منحوت تزخرفه رأس عنقاء ممسكة بحلقة الباب، وأشكال هندسية. وراء الباب بئر كان يستعمل للسقاية والتنظيف وملء الأحواض الصغيرة أمام المعازب. يتألف المدفن من جناح رئيسي وأربعة أجنحة جانبية محفورة بالأرض تكسوها من الداخل واجهات جصية حول المعازب، السقف معقود من الحجر، وكذلك إيوان الجناح الرئيسي.

توجد كتابات على التمثال الأول في الجناح الرئيسي، وعلى التمثال الآخر، وكلها تأتي على ذكر أرطبان، مما يؤكد أنه من بنى هذا المدفن الذي يحتوي على ست وخمسين من المعازب، في كل منها خمسة قبور أي 280 قبراً.

في صدر الجناح الأيمن محراب لم يكتمل بناؤه. وينقصه المشهد الجنائزي في الجناح اليساري.

-

مدفن الأخوين بوررفا و بولحا


اكتشف هذا المدفن بالتعاون بين مديرية آثار تدمر وجامعة نارا اليابانية. واستخدمت أجهزة الكترونية رادارية تعتمد على الصدى وتتصل بحاسوب لكشف أجزاء المدفن.

اُكتشف هذا المدفن في عام 1994 وبُدئ العمل به. وبعد دراسة العناصر المكتشفة المنحوتة والعمرانية، تم ترميم الدرج والمدخل الرئيسي ثم المدفن بعناصره الأصيلة. ووُضعت التماثيل والأسرّة الجنائزية في مواقعها.

بُني هذا المدفن عام 128م وفيه خمسة أسرّة جنائزية، اثنان منها في الجناح الرئيسي. وفي المدفن 200 قبر استخدم منها 50 فقط. وفيه بئر ماء كأغلب مدافن تدمر لتأمين مياه الشرب والتنظيف.

مدفن بورفا بولحا

واجهات المدفن الداخلية مزخرفة بنقوش نباتية وهندسية وكتابات تدمرية ملونة بالأحمر. فوق باب المدفن كتابة تشير إلى أن أصحاب المدفن باعوا قسماً منه لأبناء عمومتهم عام 220م. ولوحة تأسيس هذا المدفن تمثّل إنساناً خرافياً له قرنان يُطلق عليه الإله الحامي الذي يحرس المدفن من الشر.

مدافن أرضية أُخرى



- مدفن بريكي بن زبيدا من النصف الثاني للقرن الأول الميلادي أو أوائل القرن الثاني.
- مدفن ديونيسوس من النصف الثاني من القرن الثاني. وفيه فريسكو لإله الخمر ديونيسوس وسُمي القبر باسمه.
- مدفن نصر اللات.
- مدفن حيران وهو من عام 106م وفيه فريسكو.
- مدفن شلم اللات، من القرن الثاني.

المدفن المنزلي


يوجد حوالي 35 من هذه المدافن. وهي مهدمة، وظهر هذا النوع في نهاية القرن الأول الميلادي.

مدفن عيلمي بن زبيدا


وهو أفضلها، نقّبه العالم الألماني شميت كولينيه بين عامي 1982 و1987، وهندسته مزيج من الشرق والغرب. تأثر بالنمط التدمري والفارسي واليوناني والروماني. للمدفن باحة مربعة تُحيط بها أروقة مسقوفة ذات أعمدة.
يتألف من طابق واحد له مدخل جميل وباب من الحجر المنحوت. حول الباحة مصاطب فيها معازب لوضع أرفف الأموات، بعضها مزدان بزخارف جميلة. أمامها كانت توضع الأسرّة لجلوس العائلة. وُجد في هذا القبر حوالي مئة هيكل عظمي.

هيكل الموتى


هو مدفن منزلي، نُقّب بين عامي 1968-1969. يعود بناؤه إلى أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الميلادي. أمام المدفن عتبة ودرج ورواق فيه ستة أعمدة فوقها جبهة مثلثة. زخرفت العضادات بنقوش نباتية. وتحته قبو بابه من جهة الغرب.

مدفن القصر الأبيض


يقع غرب مدفن إيلابل في وادي القبور.

المنحوتات الجنائزية التدمرية

مدفن قصر الحية


في المدافن الشمالية. بنته أسرة مارونا في آذار 236م. وسمي بهذا الاسم لوجود رسم حية على تاج عضادته الشرقية الجنوبية. والحية رمز الشمس، والشروق والغروب، والحياة المتجددة.

مدافن منزلية أُخرى


- مدفن مالك بن عجيل، اكتشف عام 1994.
- مدفن نوربل.
- كَشفَ التنقيب في سور المدينة الشمالي بين 1970 و1978 عن بعض أرضيات مدافن الأسر التدمرية. منها مدفن شمس بن تيما، ويعود إلى عام 98م. أصبحت هذه المدافن أساسات لسور جوستينيان، في القرن السادس الميلادي.

القبور الفردية


تتألف من قبر واحد. أبعاده حوالي (1×2/1×2/2م) مبني من الداخل بأحجار منحوتة أو من الآجر. ويوضع الميت على أرضية القبر. وفوق القبر شاهدة مزخرفة تنتهي من الأعلى على شكل هرم أو نصف دائرة. عليها تمثال المتوفي، أو ستار الموت المعلق بسعف النخيل. ويرمز إلى أمل الإنسان في الحياة الثانية. وعليه اسم الميت وكلمة هبل أي (وا أسفاه). وقد وُجد الكثير من هذه القبور في تدمر.

مواضيع ذات صلة: