معبد بعلشمين
هيكل المعبد:
حتى عام 1954، ظل معبد بعلشمين الصغير محافظاً تقريباً على الحالة التي كان عليها عندما رآه، في منتصف القرن الثامن عشر، الإنكليزيان ر. وود وج. دوكينز، حيث قاما بوصفه وتقديمه ضمن مؤلف رائع حول أطلال تدمر، صدر عام 1753. ويظهر فيه معبد بعلشمين وسط منظر مذهل من الأعمدة التي تنتشر على مد النظر، محاطاً بكتل حجرية مقوضة، وقد تمت ملاحظته وتصويره بشكل دقيق جداً سواء في جملته أو في تفاصيل زخارفه المنحوتة. ومع أنه مدفون جزئياً تحت التراب إلا أن المصلى الذي لا يزال قائماً مع أعمدة مقدِّمة الهيكل الستة الحاملة للسطح المُعَمَّد يبين بوضوح خصوصية هذا المبنى، مثل: مخطط واجهته المعمدة البسيط جداً، وبوابته الكبيرة ذات الساكف الغني بالزخارف، ونوافذه الجانبية المحدثة بين الدعامات المربعة التي تكتنف الجدران، والرسوم الأنيقة على أعمدته الكورنثية، إلا أن معظم القطع المعمارية التي كانت متناثرة بجواره على الأرض قد اختفت.
وفيما بعد تم التعرف بشكل أكثر دقة على بنية وأبعاد المعبد من خلال الوصف الدقيق والرفع الهندسي المفصل اللذين قدمتهما البعثة الآثارية الألمانية في مطبوعة شاملة عن أطلال تدمر، صدرت عام 1932 بإدارة ث. فيغند. كما قدمت بعض الأسبار الأثرية التي أُجريت على طول الجدران وأمام مقدمة الهيكل علامات حول الأجزاء المنخفضة التي لا تزال مطمورة تحت الأرض، والتعديلات التي طرأت لاحقاً على المبنى. وإذا لم يتم بعد تحديد الهدف من هذه التعديلات فإنه بالمقابل قد سُلِّم بأن وجود أديتون، لم يكن إلا من أجل عملية إعادة البناء التي أُجريت بواسطة عدد محدود للغاية من العناصر، وهو ما اتضح فيما بعد بطريقة مرضية جداً.
ومن المعروف في ذلك الحين ومنذ وقت طويل، من خلال النقوش الفخرية المحفورة على حامل إفريز أحد أعمدة مقدمة الهيكل، الموجود على يسار المدخل، أنه قد تم بناء المعبد عام 130/131 للميلاد، تخليداً لذكرى بعلشمين، من قبل مالي أغريبا ابن يرحاي، أمين سر المدينة، الذي كان قد أظهر كرمه للمرة الأولى، قبل ذلك بعامين، عندما تحمل تكاليف حفل الاستقبال الذي أقيم على شرف الإمبراطور هادريان في تدمر. ويمكن تأريخ النقوش المحفورة على حاملي الإفريز المجاورين، وهي أحدث قليلاً؛ على التوالي، في أيلول 181م وفي الأعوام الأخيرة من القرن الثاني الميلادي.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن أعمال التنقيب السريعة التي أجراها م. إيكوشار في عام 1935 عند إجراء أعمال التدعيم، قد أسفرت عن اكتشاف بعض الكتل الهامة، وخصوصاً التي لاتزال في مكانها أمام المعبد، والتي تعود لمذبح يحمل إهداءً منقوشاً بلغتين لذكرى بعلشمين، مؤرخة في 6 شباط 115 للميلاد، وحامل عليه نقوش فخرية تعود للنصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، وثلاث كوات مزينة بنقوش قليلة البروز ذات طابع زخرفي وديني. وكشفت هذه التنقيبات في الوقت نفسه عن وجود صف أعمدة خارج المعبد. ومن جهة أخرى، سمحت بتحديد هدف وفترة التعديلات التي طرأت لاحقاً على المبنى: فقد استخدم البيزنطيون المعبد ككنيسة، وتمت تهيئته ليتوافق مع المتطلبات الجديدة للعبادة المسيحية؛ حيث تم تغيير اتجاه المعبد في ذلك الحين؛ وتم فتح باب في الجدار الخلفي للمُصلى؛ كما تم ضم صدر الكنيسة المثلث الشكل، الذي شُيدت جدرانه من كتل حجرية أُعيد استخدامها، إلى مقدمة الهيكل.
إضافة لذلك، وبمعزل عن المعبد، هناك نقشان بارزان، محفوران على سواكف، يشيران لوجود مبانٍ أخرى تعود لحالة أقدم من المعبد. ولايزال النقش الأول الذي يمتد على مستوى الأرض، شمال-شرق المبنى، متواجداً عند نقطة سقوطه؛ وقد أشار إليه سابقاً، عام 1883، السيد م. لوتيكه، نائب القنصل الألماني في دمشق، ونشره لاحقاً السيد يوتينغ. أما النقش الآخر فقد أُعيد استخدامه على مسافة قريبة كقاعدة قبة لأحد الأبواب، واكتشفه عام 1929 ج. كانتينو. يتعلق الأمر في كلتا الحالتين بلوحي إهداء مؤرخين في أيلول عام 67 للميلاد، لذكرى بعلشمين «الإله الطيب والمجزي»؛ يتضمن اللوح الأول، إهداء خمسة أعمدة مع سطحها وسقفها، وهو باسم زبداي ابن زابادنبو، أما اللوح الثاني الذي يتضمن إهداء رواق كامل مع أعمدته وسطحه وسقفه، فهو باسم يرحاي ابن ليشاميس، وهو من دون شك والد مالي أغريبا، الذي بنى المعبد بعد 64 عاماً.
هكذا كانت المعطيات الوحيدة المتوفرة لدينا في بداية أبحاثنا. ويمكن لعملية الربط بين المعبد، المعروف مسبقاً، والأعمدة الذي كُشف عنها مؤخراً أن تشكل الهدف الأول. أما الهدف الرئيسي الذي نطمح إليه فهو التعرف بشكل مفصل على أكبر مجموعة من المباني المكرسة لعبادة بعلشمين.
مع ذلك، لن تحمل لنا دراسة متأنية للموقع، أية إشارات محددة أخرى حول الامتداد والطبيعة أو الوجهة الممكنة لتطور مجمع مماثل. في الواقع، لا يعكر صفو الأرض الجرداء التي تحيط بالمعبد سوى كتل حجرية مبعثرة، وهي عبارة عن مخلفات أثرية هزيلة من أكوام القطع المعمارية التي رآها وود ودوكينز في القرن الثامن عشر. لم يكن يظهر أي من صفوف الجدران أو الأعمدة المميزة، لا على أرض الموقع ولا في الصور الجوية القديمة، التي كنا قد استعنا بها. ولم تقدم بعض المسوحات الأثرية التي أجريت في الجوار، بالقرب من الأطلال الأثرية التي كانت تبدو لا تزال في مكانها، سوى نتائج مخيبة للأمل. إذاً كان لابد من استكشاف الموقع انطلاقاً من الهيكل الذي لايزال قائماً، ومن هذين الساكفين المنقوشين اللذين، على ما يبدو، لم يُنقلا من مكان آخر.
لم تتأخر عملية التنقيب عن تزويدنا، تدريجياً، بطرف الخيط الذي يمكن من خلاله توجيه توسع التنقيبات حتى حدود المعبد، التي لم تكن متوقعة في البداية، وملحقاته. وسنبدأ بعرض مراحلها.
التنقيبات:
منذ بداية حملة التنقيب التي أجريت عام 1954، تم الكشف عن صف أعمدة، لاتزال بمكانها، على كلتا جبهتي الهجوم اللتين لفتتا انتباهنا من خلال الملاحظات الأولية التي أتينا على ذكرها. كما تم الكشف عن وجود رواقين، كل منهما باتجاه مختلف: الأول مجاور للهيكل وموازٍ للجدار الشمالي للمُصلى، أما الثاني فهو تقريباً عمودي الشكل، وأكثر بعداً عن الهيكل، حيث يبتعد عنه باتجاه الشمال الشرقي. بين أعمدة الرواق الأول كانت هناك عدة سواكف ملقاة على الأرض ويظهر أنها كانت تنتمي إليه. كنا قد تعرفنا سابقاً على تاريخ الرواق الثاني ألا وهو أيلول 67 للميلاد، من خلال لوح إهداء الصرح. وهكذا كانت بداية عملية التنقيب في هذه المدينة ذات صفوف الأعمدة التي لا تعد ولا تحصى، والتي غالباً ما كنا نستدل فيها من خلال مسارات صفوف الأعمدة على الكثير من المكتشفات كالنقوش التي كانت تحدد الفترة الزمنية وتكشف عن أسماء أولئك الذين تحملوا مصاريف تشييدها.
لذا كان لابد من البحث في الجهة المقابلة عن الجدار الرئيسي الذي كان يحمل السقف. وبالفعل، تم العثور عليه، وقد أُحدثت فيه بوابة عريضة، وهو يمثل جزءاً ناتئاً بزاوية قائمة كانت تستند عليه أساسات مذبح لايزال قائماً وأطراف مقعد حجري يحمل نقوشاً تشير بوضوح إلى أن التجهيزات الموجودة في هذا الركن تعود لقاعة ولائم. وعلى النحو ذاته تم العثور على الجدار الرئيسي للرواق الآخر، نحو الشرق، على مسافة مماثلة، محفوظاً منه نحو 20 متراً، ويضم فتحتين، وقد ظهر لاحقاً أن الجدار الموازي الموجود في الجهة الأخرى لصف الأعمدة، ولكن بشكل أقرب، ما هو إلا ملحق حديث، ذلك أنه كان مكوناً من كتل حجرية أُعيد استخدامها.
ومن جهة أخرى، سمحت عملية الكشف عن الهيكل التي استمرت بالطريقة نفسها على كلا طرفيه حتى مستوى الأرضية القديمة، بالتأكد من وجود صف أعمدة، على طول الجدار الجانبي الجنوبي-الغربي للمُصلى، الذي كان متناظراً مثله مع الرواق عند الجهة الشمالية-الشرقية، ويتجاوز بشكل واسع واجهة المبنى. لقد تم العثور على عشرة أعمدة في مكانها، وإن كانت في أغلب الأحيان مقتصرة على كعوبها. ومع أنه قد تم هدمه جزئياً حتى أساساته، فإنه يمكن للجدار الرئيسي لهذا الرواق الجديد، الذي يقع على عمق مماثل، أن يكون هو أيضاً نقطة استدلال لنا.
كان هناك هدفان من حملة التنقيب التي أُجريت في عام 1955 ألا وهما: استكمال، من الجهة الجنوبية، النتائج التي تم الحصول عليها مسبقاً، للتعرف على حدود المعبد من كافة الأطراف، والتوسع بعملية التنقيب باتجاه الشمال من أجل الكشف عن الباحة الكبرى التي يُستدل عن وجودها من تكرار صفوف الأعمدة.
منذ بداية هذه الحملة كنا قد باشرنا العمل برفع خمسة أعمدة، في الباحة الكبرى، كانت قد سقطت من الرواق، والتي كان بالإمكان إعادة عناصرها من قواعد وجذوع وتيجان وسواكف، إلى مكانها في أقل من شهر. كذلك كنا قد تمكنا منذ الحملة الأولى من رفع أحد أعمدة الباحة الجنوبية. وبفضل دراسة الكتل الحجرية المستعادة التي كان قد شُيد بها بادئ ذي بدء، أصبح بالإمكان أيضاً إعادة تركيب السطح المعمد للثالاموس، المحمول على التيجان الكورنثية للأعمدة، وذلك في مكانه الأولي في صدر مُصلى الهيكل، وترتيب الكل بالقرب من بعض الكتل الحجرية المميزة الأخرى التي أتت من هذه البنية المعمارية الهامة.
لقد زودتنا دراسة متمعنة لبنية الجدران، التي كانت تقلبات الطقس قد جعلتها، في غضون ذلك، مرئية لنا بشكل أفضل، بمعلومات دقيقة وهامة حول ترابطها مع بعضها، وقِدَم كل منها على حدة. وأظهرت الأسبار التي أجريت في الباحة الكبرى أساسات جدران شُيدت في فترة سابقة لبناء الأروقة. كما أكد الخندق الذي تم فتحه في الباحة الرودسية صحة الملاحظات المأخوذة سابقاً، وأدى ذلك لاكتشاف بئر ذي مقطع دائري، حُوِّل لاحقاً لبحرة عربية، إضافة إلى عناصر جديدة من البنية الفوقية لصف الأعمدة.
تم إحصاء نحو 300 قطعة منحوتة خلال عملية التنقيب. ويمكن لهذا العدد الوافر من القطع أن يثير الدهشة ما لم يُلاحظ في الوقت نفسه أنه قد تم عمداً كسر عدد من التماثيل ليُعاد استخدامها في جدران أُنشئت لاحقاً حيث اكتُشفت. وهناك نحو 20 رأساً من الرؤوس الصغيرة المنحوتة التي انتُزعت من على التيجان، وتمثالين لمبارزين مستندين على أجذع الأعمدة، تعود لزخارف الأبنية المنحوتة. وبالمقابل، لم تكن بعض الرؤوس أو التماثيل النصفية المنحوتة تعود بالأصل للمعبد. أما المنحوتات الفخرية فقد مُثلت فيه بتماثيل بزي شرقي، وتماثيل جِلْف (من دون رأس) ضخمة بزي مثنى، تمسك بيدها اليسرى غصناً صغيراً، والعديد من أجزاء التماثيل المتشابهة، وكذلك برؤوس كهنة شعورهم مصففة بطريقة مميزة. وأخيراً نتوقف عند الاهتمام الخاص بالمنحوتات النذرية وبوجه خاص النقوش البارزة التي مثلت، سواء على هيكل أو نُصب، صور أو رموز الآلهة، وكذلك الكوات التي كانت تُحدث قديماً في البنى الفوقية لجدران الأروقة وسور المعبد المبنية من الآجر الخام. ويعتبر اللوح الكبير مستطيل الشكل الذي أتى من إحدى هذه الكوات، ومُثِّل عليه نسرٌ باسطًٌ جناحيه وعلى جانبيه نسران آخران، ويحتوي على تماثيل نصفية مشعة لإله قمري وإله شمسي، ونسرين صغيرين مزخرفين ورديّي الشكل، الأكثر تميزاً في هذه الصروح، نظراً لنوعيته الفريدة وروعة تركيبته وأبعاده وحالة حفظه الممتازة.
وأخيراً، من المناسب أن نفسح مجالاً، في سياق هذا العرض السريع، للقطع المتنوعة التي يتباين توزعها بشدة سواء في الزمان أو المكان. وتعتبر الـ 120 قطعة نقدية، يونانية ورومانية وبيزنطية وعربية، دلالة على استيطان مستمر للموقع لغاية فترة حديثة نسبياً. وهناك نحو مئة سراج، نماذجها المتعددة تثبت الشيء نفسه، لم يكن من المنتجات المحليات سوى قسم منها: سروج تدمرية ذات قرص مسطح، مزخرف أو خال من الزخرفة، شكلها مميز جداً. ويذكِّر نحو 20 جزء من الطين المشوي، معظم نماذجها معروف مسبقاً، بدور الولائم الشعائرية في الاحتفالات التعبدية. إن وفرة الخزف الشائع والنقوش المطلية، باليونانية والعربية، على عدد من الكُسر، تُذكّر بالمقابل بالعصور الأحدث التي اجتاحت فيها المناطق السكنية المباني المهدمة من المعبد. لكن اللقى التي عُثر عليها في مدافن المقبرة القديمة، التي تقع خلف المعبد، جديرة بالاهتمام أيضاً. فقد كان كل مدفن يحتوي على عدة هياكل عظمية، بالقرب منها وُضعت قطع متنوعة: سراجات هلنستية مصدرها من الأناضول، أمفورات من النموذج الغربي، أواني من الخزف الملون المطلي باللون الأخضر أو الأزرق التي عرّفت التنقيباتُ في موقع دورا أوروبوس بمصدرها وتاريخها، وأقداح من المرمر مزينة بزخرفة بارزة، وأسلحة وحلي وقطع نقدية. ويعد تنوع هذه القطع دليلاً مؤكداً على امتداد العلاقات التجارية التدمرية منذ العصور القديمة، حيث كانت هذه المقبرة، التي حُوّلت لاحقاً لغرض آخر، لاتزال بمنأى عن زحف المعبد، ومن دون ريب أيضاً بمنأى عن زحف المدينة.
حالة الأطلال الأثرية:
عادة تواجه التنقيبات الأثرية التي تُجرى في أماكن مأهولة بالسكان عقبتين ملازمتين، الأولى تكمن بالعثور على مبانٍ قديمة مهدمة أو مشوهة ناجمة عن إشغالات متتالية، والثانية وجود مباني حديثة لاتزال مستخدمة تمنع متابعة التنقيبات. ومع أن التنقيب في تدمر كان يتم في منطقة صحراوية، غير أنه لم يكن في متناولنا سوى قسم منها، يفسر هذا التناقض الواضح عاملان هما تاريخ المدينة من جهة والصدفة من جهة أخرى.
لقد دمر اجتياح أورليان لتدمر عام 273 للميلاد قوة هذه المدينة وطموحات ملكتها في الوقت نفسه. ولهذا السبب لم يقم بتدميرها كلياً. فقد وصل إلينا العديد من الشواهد على استمرار للحياة فيها كما يمكننا لحظ بهائها. واستمرت تدمر بالوجود في عهد ديوقليسيان وكانت تمثل لمجمع نيقيا الديني معقلاً على الحدود الشرقية، حصنها جوستينيان وزودها بالكنائس. في عام 634م فتحها المسلمون، وأصبحت إحدى أماكن الترف التي أحياها الخلفاء الأمويون في الصحراء. إن كلاً من التعدي على أطلالها الأثرية في عام 745م والهزات الأرضية التي ضربتها لاحقاً لم يتمكنا من إزالتها كلياً، حيث نراها في القرن الحادي عشر للميلاد تولد من جديد مع تشييد القرية (القلعة) العربية داخل معبد بل. فقد وجدنا في التنقيبات التي أجريناها انعكاساً لهذه المتغيرات.
والآن من السهل علينا أن نقدم ثلاثة أسباب لهذا الطمس شبه الكلي: انهيار صفوف الأعمدة أو تهديم الأجزاء العلوية منها إرادياً منذ نهاية العصور الوثنية؛ ذلك أنه في بنية الجدران، بشكل خاص، غالباً ما يكون القسم العلوي منها مبنياً من مواد قابلة للإزالة؛ وتمهيد الأرض الناجم عن التأثيرات المرتبطة بطبيعة التربة وعوامل التعرية.
من الظاهر أن بعض القطع العائدة لصفوف الأعمدة القديمة لم تتعرض للضرر لغاية اليوم الذي هُجرت فيه أو أي سبب طبيعي آخر أتى ليعجل في خرابها. لقد تم العثور على الأعمدة في مكانها، مع بعض القطع من جذوعها لاتزال قائمة على قاعدتها، وغالباً أيضاً ما كان يوجد بالقرب منها عناصر من البنية العلوية كانت قد سقطت على الأرض ودُفنت بالتراب وبذلك حُفظت ليومنا هذا، مثل: جذوع أعمدة مهدمة (التي كان بالإمكان أحياناً إعادتها لمكانها مباشرة)، تيجان أعمدة، وسواكف كانت لاتزال جاثمة عند نقطة سقوطها بين أجذع الأعمدة.
طبوغرافية المعبد:
بعد أن تم تجريده من الملحقات التي أُحدثت لاحقاً، أصبح بالإمكان الآن تبين المخطط الأصلي لمباني المعبد، أو بشكل أدق المخطط الذي كانت عليه في الوقت الذي شهدت فيه أكبر توسع لها. إنها حالة الأماكن التي أصبحت الآن ملائمة للإنشاء والتحليل، حيث سنجد فيها صورة المعبد كما كان قبل أن يُهجر كمكان للعبادة، وقبل أن يتم تحويل أو تشويه مبانيه التي كانت قد غُيّرت وظيفتها من أجل استخدام لم يتم لحظه أو توقعه من قبل بانيها. ولابد من استكمال هذه الصورة الصافية، في بعض النقاط، من خلال إجراء عمليات الاستعادة التي تفرضها.
مع ذلك، يتضح من الوهلة الأولى أنها ليست سوى اللحظة – الأخيرة- من تاريخ هذا المجمع الأثري والثقافي الكبير؛ وأن هذا المجمع لم يحظَ سوى تدريجياً بأكثر زخارفه روعة، وهي عبارة عن: صفوف أعمدة الأروقة والهيكل نفسه؛ وأنه داخل جدران سور المعبد، لم يكن للتجمع غير المنتظم لباحاته، مباشرة، ذلك المظهر الذي كنا نعمل على أن نسبغه عليه فيما بعد.
ومن جهة أخرى، لابد أن يسترعي الانتباه تهيئة صالة للولائم الشعائرية عند زاوية الباحة. وقد تبقى منها، أمام الجدار، ثلاث بلاطات طويلة من الحجارة المضبوطة رأساً لرأس، مع حافة بارزة تحتجز مقعداً من الطين المطروق، أما على الوجه العمودي فقد عثر على كتابات منقوشة. إحدى هذه النقوش يحمل تاريخاً ناقصاً، يُفهم أنه بين عامي 59 و68 للميلاد، ويشير بشكل تعبيري على أنها قاعة الولائم.
مواضيع ذات صلة: