مقدمة في ملف «صنّاع الدراما السورية»
16 تشرين الأول 2011
إشكاليات التمويل
بعد مرور خمسين عاماً على انطلاقة الدراما السورية، وحوالي الستة عشر عاماً على بدء تحولها إلى صناعة أواسط تسعينيات القرن الماضي، حينما دخل القطاع الخاص على خط الإنتاج والتمويل، ثم استقطاب رؤوس الأموال العربية للاستثمار فيها: هل تمر درامانا اليوم بأزمة نتيجة غلبة رأس المال العربي على التمويل؟ وإذا كان حالها كذلك فكيف نعيد الاستحواذ على كل مفاصل تلك الصناعة كمشروعٍ وطني طالما افتخرنا به كإحدى مميزات قوتنا وانتشارنا الثقافي؟
كل تلك الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في ملفٍ خاص بعنوان «صنـّاع الدراما السورية» عبر سلسلةٍ من المقابلات مع مدراء شركات الإنتاج، وكمقدمة لهذا الملف يستعرض «اكتشف سورية» مجموعة من التصريحات لنخبة من أبرز نجوم الدراما السورية اقتبست من عدة مقابلات أجريت معهم خلال موسم 2011 في محاولةٍ للإجابة عن سؤالٍ مفاده: كيف تبدو الدراما السورية اليوم في عيون نجومها؟
ونبدأ بتصريحات للنجم والمخرج أيمن زيدان أطلقها في إحدى مقابلاته الإذاعية بعد انقضاء الموسم الرمضاني 2010، تحت عنوان عريض: «نحن نتغزل اليوم في دراما لا نمتلكها»، ومما جاء في تلك التصريحات التي أطلقها زيدان: «الشرط الإنتاجي تغير اليوم، والرساميل التي تمول إنتاج الدراما السورية أصبحت تملي علينا ثقافتها ورؤاها مما أدى إلى تغيّر المشهد الإنتاجي عموماً، فالإنتاج في الحقيقة ليس تمويل فقط، بل هو عملية إبداعية، وفكر، وثقافة، وتصوّر، والدراما السورية في مرحلة التسعينيات وإن كانت ممولة برؤوس أموال عربية لم تضع يدها على هذا المشروع، ولم تكن وصيّة عليه كما هو الحال الآن، وكل من يتحدث عن زيادة عدد شركات الإنتاج السورية يمكن أن نقول له: في فترة التسعينيات كان لدينا منتجون سوريون، وشركات إنتاج حقيقية تمول برؤوس أموال وطنية، أما اليوم فلدينا مجموعة من الشركات المنفـّذة للإنتاج والفارق كبير بين الحالتين». وأضاف أيمن زيدان في محاولةٍ لتلمس آفاق الحل قائلاً: «لا شك أن القيادة السياسية في بلدنا تولي الدراما عنايةً خاصة من خلال مجموعة من القرارات كإعفاء المنتج الفني من أي رسوم وضرائب، ودعم سعر المسلسل السوري في المحطات الوطنية، ولكننا بحاجة إلى تبني هذه الصناعة بصورةٍ أكبر، بمعنى إرساء مجموعة من الأسس والتقاليد لعملية الإنتاج من شأنها حماية هذه العملية كإنشاء مدن للتصوير، وتشريع مجموعة من القوانين التي تحمي هذه الصناعة، كما يجب فتح المزيد من الفرص أمام المنتج الوطني بحيث يعود المنتج السوري لملكية مشروعة، وهذه مسألة معقدة، وأحد أوجه تجاوزها حل مشكلة التسويق عبر إيجاد سوق داخلي للأعمال السورية يوفره المزيد والمزيد من المحطات الخاصة».
وبالتزامن مع ما قاله أيمن زيدان أبدى المخرج نجدة أنزور قلقه إزاء ما يحدث في كواليس الإنتاج الدرامي السوري، وعبّر عن ذلك بالقول: «بدأت أخشى من لحظة لا أجد فيها فرصةً أخرى لإنتاج المزيد من الأعمال نتيجةً للضغوط التي تتعرض لها هذه الصناعة، فهناك المزيد من الأعمال الإيرانية والتركية التي تدبلج إلى العربية وتغذي المحطات بشكل متزايد، وتأخذ المزيد من ساعات المشاهدة على حساب الدراما العربية شئنا أم أبينا، بحيث أصبحت خارطة العروض على تلك المحطات تبرمج على أساس 11 شهر عرض للدراما المدبلجة مقابل شهر واحد لكل المسلسلات العربية، وهذه إحدى المشكلات التي يجب أن نبحث لها عن حلول جديّة، بالإضافة إلى مشكلةٍ أخرى وهي مصادر تمويلنا المحدودة جداً قياساً بحجم صناعتنا، مما يجعل هذه الصناعة رهينة للمحطات العربية، التي تتدخل في فرض أسماء نجوم معينين، وقد تصل هذه التدخلات إلى تفاصيل كتابة السيناريو، أو تبني موضوعات يراد من خلالها تحقيق أجندات سياسية وفكرية عبر الدراما، وهذا واقع خطير جداً، وتتمثل خطورتها في أن الفنان السوري أصبح مثل الحرفي الماهر الذي تلجأ إليه المحطات لتنفيذ أعمال معينة قد لا يملك قراراً حقيقياً فيها، فضلاً عن أجور النجوم المرتفعة التي فرضتها تلك المحطات، ولا يقتصر حل المشكلة على توفير رأس المال الوطني الكافي لتمويل الدراما السورية، لأننا بالأصل لا نملك محطات وطنية لتسويق أعمالنا نستعيد من خلالها رأس المال الذي تمول به تلك الأعمال على الأقل».
زيدان وأنزور غمزا من قناة الغيرة على المشروع الوطني الذي تحمله الدراما السورية بقيمها وأفكارها التي تستمد مشروعيتها من تاريخنا العربي المشترك، وواقع حياتنا اليومية، وذلك في مواجهة سيطرة رأس المال الخليجي على التمويل مؤخراً ومحاولته – بحسب البعض- تحميل هذا المشروع مضامين فكرية تبدو بعيدةً أحياناً عن خصوصية مجتمعنا، وقد يكون لها تبعات مستقبلية من شأنها النبش في صراعاتٍ فكرية تاريخية عربية، أما المخرج الليث حجو فكان له رأي آخر فيما يتعلق بالأعمال الناطقة باللهجة البدوية تحديداً، والموجهة للمشاهد الخليجي، والتي ألمح لها بعض المنتجين باعتبارها بعيدة بحسب وصفهم عن خصوصية المجتمع السوري، وأفصح الليث عن هذا الرأي في إحدى المقابلات مع موقع عالمي ناطق بالعربية، قال فيها: «نحن في سورية نمتلك القدرات الفنية التي يحترمها المنتجون الخليجيون والمحطات الخليجية باعتبارها الداعم الأول لإنتاج الدراما السورية، فما العيب في تقديم هذه الخبرة الفنية التي يحترمونها في إنتاج أعمال ضمن مواصفاتهم الخاصة شريطة أن لا تسيء للمواطن أو للجمهور السوري كــ «فنجان الدم»، «صراع على الرمال»، و«أبواب الغيم»...، وللعلم فقط في الموسم 2010 تم إنتاج ثلاثة أو أربعة أعمال فقط من أصل 27 تقريباً بقرار وتمويل سوري فقط، وهذا يعني أن 80% من أعمالنا السورية تنتج بقرار خليجي، وعندما نتملك القدرة على التمويل الكامل لمسلسلاتنا وتصريف هذه المسلسلات، وربما الاكتفاء بالمشاهد السوري يحق لنا مناقشة هذا الموضوع».
وعلى خلفية ما مرّت به سورية من أحداثٍ داخلية مؤخراً، كان لها انعكاسها على صناعة الدراما السورية، واحتمال مقاطعتها من جانب محطاتٍ عربيةٍ كبيرة اعتادت على مدى سنوات أن تزخر قائمة عروضها الرمضانية بمسلسلاتنا، عادت قضية التمويل العربي لصناعة الدراما السورية إلى الواجهة من خلال ما طرحته النجمة سلاف فواخرجي في اللقاء الذي جمع الفنانين السوريين بالسيد الرئيس مطلع شهر أيار 2011، حيث تحدثت عن ضرورة تفعيل دور رأس المال الوطني السوري في صناعة الدراما السورية كجزء أساسي من الاقتصاد الوطني: «فكما ساهم رجال الأعمال الوطنيين السوريين بحماية الاقتصاد والليرة السورية؛ أتمنى أن يساندوا الدراما السورية في هذه الفترة والفترات القادمة لنقدم أعمالاً سورية خالصة وبأموال سورية خالصة نقدم فيها فكراً سورياً يشبهنا»، وطالبت فواخرجي أيضاً بالابتعاد عن صيغة المنتج المنفذ لأفكار الغير، وأوضحت ذلك بقولها: «أنا لست ضد الشراكة الفنية العربية ولست ضد التعاون الإنتاجي، ولكن ليس التنفيذي».
تلك كانت أبرز التصريحات التي تناولت قضية تأثير التمويل العربي على الدراما السورية، والتي استوحينا منها الكثير من الأسئلة التي طرحناها فيما بعد على ما يعرفون بـ «صنّاع الدراما السورية» ضمن ملفٍ ينشره «اكتشف سورية» تباعاً، وسنتعرض في تقريرٍ لاحق تصريحاتٍ أخرى لنجومٍ سوريين أبدوا فيها ملاحظاتهم على آليات صناعة المسلسل السوري، موضوعاته، واختيارات طواقمه الفنيّة والتمثيلية.
محمد الأزن - دمشق
اكتشف سورية
هالةالشمس:
أجمل وأروع دراما،بفضل الكاتبين والمؤلفين والمخرجين،وأكيدبفضل تأديةالفنانين الأكثرمن رائعة،الدراماالسوريةب القمةومن نجاح لنجاح إنشالله.
سوريا