هاني العشي: صناعة الدراما في سورية يجب أن تكون مستباحة لأيٍ كان

07 آب 2012

.

نتابع حواراتنا مع صنّاع الدراما السورية، في لقاءٍ مع هاني العشي مدير شركة عاج للإنتاج والتوزيع الفنّي، الذي لخص أسلوب العمل في شركته بالقول: «نعمل ضمن نظام مؤسساتي، وتقسم هيكلية الشركة لدينا إلى عدة إدارات: الإدارة الفنية،الإدارة الدرامية، والإدارة المالية».

أما قرارات الإنتاج في شركة عاج فتتخذ على أساس من «دراسة ما يقدم للشركة من مشاريع كما هو الحال في مسلسلي "زمن العار" و"الغفران"، أو تقوم الشركة بالاستكتاب لصالحها من خلال التعامل مع مجموعة من خيرة كتّاب السيناريو، نطرح عليهم أفكار الأعمال، ونعمل على تطويرها بالتعاون بين أولئك الكتّاب والمدير الدرامي للشركة، وغالباً ما تسير الأمور على النحو التالي: إما أن نتبنى ما يقدم لدينا من نصوص جاهزة بعد دراستها وبحث آفاق نجاحها، أو نطرح أفكاراً نضعها في عهدة الكتّاب الذين نتعامل معهم، ثم نبحث عن شركاء في التمويل من المحطات العربية المهمة لتنفيذ الأعمال لصالحها أو بالشراكة معها».

وحول معايير تبني أفكار الأعمال من جانب الشركة قال هاني العشي: «عملية إنتاج عمل درامي لا تتوقف على توافر النص، والتمويل، واختيار الفريق الفني، إذ غالباً ما تتدخل عوامل السوق على نحوٍ حاسم في هذه العملية، فخلال السنوات الأخيرة أصبح التسويق بالنسبة للدراما السورية مشكلة كبيرة، فليس كل ما ننتجه من أعمال يمكن أن يسوق بشكل جيد، وهذا ليس له علاقة بجودة المنتج الدرامي فقط، فهناك العديد من الأعمال الجيدة التي واجهت مصاعب تسويقية حقيقية، وغالباً ما نضطر للتماشي مع مزاجية الجمهور التي يصعب التكهن بها باعتبارها لا تخضع لمنهجية محددة، وفي النهاية هناك مخاطر علينا التعامل معها بمسؤولية، ومع الزمن يمكن أن تبرهن كمُنتج من خلال ما تقدمه فيما إذا كنت قارئاً جيداً لتقلبات السوق أم لا؟».


الأستاذ هاني العشي
مدير شركة عاج للإنتاج الفني

ويوضح العشي كلامه قائلاً: «حينما أقدمت شركة عاج على إنتاج مسلسل "ليالي الصالحية" الذي قوبل باحتفاءٍ جماهيري كبير في حينه، كان آخر عمل بيئة شامية قد مضى على إنتاجه أربع سنوات (مسلسل "الخوالي")، ثم استمرينا في إنتاج هذا النوع من الأعمال بمسلسل "باب الحارة" بجزأيه الأول والثاني، أما اليوم فابتعدنا عن إنتاج مسلسلات مماثلة لأن المتلقي أصيب بالتخمة من أعمال البيئة الشامية، والدليل على ذلك نسب المشاهدة المتدنية في السنوات الأخيرة لهذا النوع من الأعمال، لذلك قررنا فتح أسواق أخرى كالدخول في أنماط جديدة من المسلسلات الاجتماعية، أو إعادة إنتاج أعمال حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً في سبعينيات القرن الماضي، ولكن برؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار أحدث تقنيات العصر الحالي، فكانت تجربَتا "أسعد الوراق" و"دليلة والزيبق"، رغم أن هذا النوع من التجارب لا يخلو من المغامرة»، واعترف مدير شركة عاج بضعف آليات دراسة السوق لدى شركات الإنتاج السورية، مؤكداً أن كل يقوم به المنتجون في هذا المجال «مبني على الاجتهادات الشخصية».

ورفض هاني العشي اتهامات بعض زملاء المهنة لعددٍ من المنتجين السوريين الذين يدخلون في شراكات مع المحطات العربية، وينفذون بعض المسلسلات لصالحها، أو بالشراكة معها، هذه الاتهامات التي تندرج تحت عنوانٍ عريض هو «تحّكم الرأسمال العربي بالقيمة الفكرية للمنتج الدرامي السوري»، وعن ذلك يقول العشي: «لنتوقف عن تكرار كلام لا معنى له»، وتساءل العشي عن مدى التأثير الفكري الذي تمارسه المحطات العربية على الدراما السورية، وذلك «حينما تدخل مؤسسة مثل مؤسسة دبي الإعلامية ممثلة بتلفزيون دبي في شراكة مع عاج لإنتاج مسلسل "أسعد الوراق" أو "وراء الشمس"، خاصةً حينما يعبر المشروعان عن قيم إنسانية من الطراز الأول»، وأضاف: «أنا فخور بشراكتنا مع مثل هذه المؤسسة الإعلامية العريقة، التي تدعم هذا النوع من المشاريع، فمثل هذه المؤسسة على دراية كافية بمتطلبات الجمهور العربي، وما ينبغي أن نقدم له على المستوى الإنساني والفكري، وتقدم ما كل نطلبه من دعم مالي ولوجستي للأعمال التي ننتجها معاً، دون أن تتدخل مطلقاً في البنية الفكرية لها».

إلا أن هاني العشي لم ينفِ تدخل بعض المحطات «على نطاق محدود في أفكار بعض الأعمال السورية، إلا أن هذا التدخل لم يتمخض إلا عن مسلسلات متدنية من حيث القيمة الفكرية والثقافية، والرؤية البصرية» – على حد قوله - وأكدّ أن هذا الأمر: «لم يحدث مطلقاً مع شركة عاج التي تفتخر بمؤسسة دبي كشريك استراتيجي لها، بالإضافة إلى الشراكة مع محطات أخرى مثل تلفزيوني MBC، وقطر».

ودافع العشي عن تجربة إعادة صياغة أعمال درامية جماهيرية سورية تنتمي لسبعينيات القرن الماضي، وإعادة تقديمها برؤيةٍ جديدة، فتلك الأعمال حسب قوله: «لا زالت خالدة في ذاكرة أجيالٍ عديدة، ومن المهم نقلها للجيل الجديد بتقنيات معاصرة، كنوع من إحياء التراث الفني السوري، وأسوة بتجارب عالمية في هذا المجال في السينما الأمريكية والأوربية، وحتى الهندية»، وقلل من شأن الانتقادات التي طالت هذه التجربة، ووصفها بالـ «المضحك المبكي»، وأكدّ مضيّه في هذا المشروع الذي اعتبره بمثابة حلم شخصي له، حقق جزءاً منه في «أسعد الوراق»، و«دليلة والزيبق»، وسيمضي قدماً في استحضار أعمالٍ درامية سورية أخرى إلى الذاكرة كـ «حارة القصر»، و«حكايا الليل والنهار».

وإجابة عن سؤال وجهه «اكتشف سورية» للعشي عن التحديات الراهنة التي تواجه صناع الدراما السورية، رفض مدير شركة عاج كلمة «تحديات»، وفضّل استبدالها بـ«عقبات» باعتبار أن هذه الصناعة تحظى بدعمٍ غير محدود من الحكومة السورية – على حد قوله - واختصر العقبات التي يمكن تواجه المنتجين السوريين بأمور لها علاقة بالخيار الفني، وانتقاء النصوص، وآليات تنفيذ العمل، وتسويقه: «فقد لا يكون لدى بعض المنتجين الدراية الكافية بآليات السوق، أو لا تتوفر لديهم شبكة جيدة من العلاقات مع المحطات كفيلة بتسويق أعمالهم على النحو الذي يحقق لهم عوائد مالية جيدة»، لكن العشّي اشتكى في الوقت ذاته من تراجع قدرة المحطات العربية على استيعاب الكم المتنامي من الأعمال السورية لأسباب عزاها بعض أصحاب المحطات للركود الاقتصادي في السنوات الأخيرة تحت تأثير الأزمة المالية العالمية، مما أدى إلى تراجع سوق الإعلان، ولجوء تلك المحطات لإعادة عرض أعمال قديمة، بدلاً من شراء مسلسلات جديدة، أو الاستغناء عن المسلسل السوري لصالح مسلسلات يتم إنتاجها محلياً، وأورد مثالاً على ذلك قائلاً: «حينما أنتجنا مسلسلي "ليالي الصالحية"، و"باب الحارة" نجحنا في تسويقه لأكثر من ثلاثين محطة، في حين لم يتجاوز عدد المحطات التي اشترت مسلسلي "زمن العار" و"قاع المدينة" 18 محطة».

وهنا أكّد هاني العشي على ضرورة «إغناء السوق المحلي السوري بمحطات فضائية سورية جديدة قادرة على استيعاب المنتج الدرامي المحلي»، ولخص العوامل التي من شأنها التأثير في عملية الإنتاج الدرامي بالقول: «بعد عشر سنوات من الخبرة في هذا المجال يمكنني القول أن هذه المهنة تعتمد بشكل رئيسي على الثقافة والفكر، بالإضافة إلى الجرأة، والرؤية الواضحة لمتطلبات السوق والجمهور، التي يمكن أن تقود إلى إنتاج عمل متكامل من الناحية الفنية والتسويقية، ويحقق حضوراً جيداً على المحطات العربية يمكن من خلاله إنصاف الكاتب، والمخرج، والممثل، ويعود على المنتج بالفائدة المادية والمعنوية، كمشروع فني وربحي في آنٍ معاً».

هل نعاني من أزمة نصوص؟ سؤال طرحه «اكتشف سورية» على مدير شركة عاج للإنتاج والتوزيع الفني، وأجاب عنه بالقول: «نعم، ولكن ليس لدرجة الإفلاس، وربما كان هناك نوع من الاستسهال لدى بعض الشركات والكتاب في التعاطي مع مسألة كتابة نص درامي، فيومياً تردني مئات الإيميلات حول أفكار لنصوص جديدة، أقوم بإحالتها لمدير الشركة الدرامي الذي يقوم بقراءتها دون استثناء، لكن الأفكار الملفتة قليلة مقارنةً بما يقدم لنا، وبالمقابل هناك كتّاب محترفون نحرص على التعامل معهم، وتبني نصوص لهم، مثل ريم حنّا، حسن سامي يوسف، نجيب نصير، سامر رضوان، وهوزان عكو، ولكن إنتاج هؤلاء يبقى قليلاً مقارنةً بعدد شركات الإنتاج الناشطة على الساحة الدرامية في سورية، وهناك من الكتاب من تحرص الشركات المنتجة على حجز نتاجهم لسنوات مقبلة، وأعتقد أنه لحل هذه القضية علينا العمل بجديّة على تطوير نتاج الكتّاب الجدد».

وحول ارتفاع أجور ما يعرفون بنجوم الصف الأول من الفنانين، نفى هاني العشي أن تشكل هذه المسألة عقبة في وجه صناعة الدراما السورية، مؤكداً أن هذه القضية تتعلق بـ «العرض والطلب»، في حين اعتبر تكرار ظهور الممثلين في أكثر من عمل خلال الموسم الواحد أمراً «له علاقة بالميزانيات المرصودة للعمل الفني ككل، فحينما تريد شركة إنتاج احتكار ظهور الممثل في عملٍ واحد خلال العام، عليها أن تؤمن له أجراً يغنيه عن الاشتراك في أكثر من عمل، وهذا من شأنه إرهاق ميزانية العمل الفني، مما قد يؤدي إلى انهيار العملية الفنية اقتصادياً، وهذا غير مجدٍ».

وفي ختام مقابلته مع «اكتشف سورية» تحدث مدير شركة عاج هاني العشي عن ضرورة إيجاد ضوابط للعمل الفني السوري، ولمهنة الإنتاج الدرامي التي تدرس اليوم في العديد من الأكاديميات في العالم، بينما الوضع السائد في هذه المهنة بسورية وعلى مدى سنوات أشبه «بعبارة الأستاذ دريد لحّام الشهيرة: "حارة كل مين إيده إله"، فكل منتج يغني على ليلاه، وهذا الأمر غير مقبول في صناعة تعتمد بالدرجة الأولى على الفكر، وينبغي أن لا تكون مستباحة لأي كان».


محمد الأزن - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق