إدوار شهدا يرسم باللون أشياء تشبه الحلم

09 شباط 2011

الأبيض فيض من الضوء.. إلى محمود درويش

فضاء من الأبيض يتنافس فيه كل من الضوء واللون على الاحتفاء بما تضمّه اللوحة من مفردات تسهم بالإعلان ولو تدريجياً عن الموضوع الذي غالباً ما يعكس بعض الأدب -الذي يبدأ وينتهي غالباً في عنوان اللوحة المجرّد بالأساس- من خلال التشخيص الذي يعتمده التشكيلي إدوار شهدا كأساس في بناء تكوينه المتحرّر من الجاذبية، وبالتالي من القوانين الأكاديمية الصارمة، بعد أن فهمها ومارسها بأصولها خلال دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق الذي تخرج منها بمعدّل امتياز في العام 1976، وبدأ ينحاز باتجاه التعبيرية التشخيصية بعد عودته من الاشتغال في مرسم الفنان «أناتولي كلانكوف» في روسيا العام 1992، وهو أي «إدوار» العارف الماهر بأدواته والمواد التي يفضّل استخدامها في كل مرحلة من تجربته، أو حتى على نفس اللوحة أحياناً حيث تتداخل على السطح الواحد مجموعة من المواد تمنحها أبعاداً متباينة في الزمان ومن غير منظور مكتفياً ببعدين في المكان، فيتنقّل بأريحية بين الأقلام السوداء والملونة والأحبار وألوان الباستيل والأكرليك وغيرها من أدوات التعبير الممكنة حتى يغتني السطح وينضج العمل مسّتقراً راكناً لبعض رغبات الفنان ولو بنسبة معينة حتى يقرّر مغادرته.


من أعمال التشكيلي إدوار شهدا

إدوار شهدا المصوّر الذي يستلهم موضوعاته من نبض الحكايا الشعبية والدينية للإنسان الذي عاش في المنطقة السورية معيداً صياغاتها بطريقة معاصرة وحداثية، محافظاً على روحانية الحكاية أو الأسطورة، والذي يرغب بمعالجتها أو طرحها من خلال اللوحة ناقلاً إحساسه وتفاعله مع الحدث أثناء معالجته له في تلك اللحظة من فيض التعبير، وهذا جزء من عملية البحث الفني والتقني الذي يميّز بالنتيجة عمل الفنان عن غيره من حيث الصياغة معالجة اللون، البناء والتكوين، وبالتالي نهوض العناصر جميعها بشكل متوازن في العمل، وربما هذا ما ميّز أعمال الفنان إدوار شهدا في هذا المعرض «إلى محمود درويش» تجليات 2011، كما أعمال المعرض الماضي «مقامات شرقية» صالة أتاسي بدمشق 2006.


التشكيلي إدوار شهدا في مرسمه

في هذا المعرض يقدم إدوار شهدا -برأيي- ذروة اشتهائه للون بعيداً عن حسابات السوق والمتلقي ورغبة الآخرين وإعجابهم بما يشتغل، على الرغم من ازدحام الجماليات في العمل، والتي فاضت من كوادر معظم لوحاته نتيجة توهج اللون وتنويعاته على السطح الأبيض الأنيق الذي لا يعكس سوى بهجة وانفعال الفنان وتأمّلاته في أشعار محمود درويش وعوالمه وأفكاره، في تلك اللحظات من الاشتغال، يقول التشكيلي حول هذا المعرض: «هذه هي شخصيتي، وهي إنعكاس حقيقي لما أشعر وأفكر به، هذا المعرض جاء كنوع من التفاعل الفكري والبصري مع أشعار محمود درويش، فكانت مرحلة مهمة أعمل من خلالها على حساسيات اللون الأبيض، منطلقاً من كلمة محددة للشاعر محمود درويش وهي "أنا وحيد في البياض"».

عندما يرسم إدوار يدخل إلى عوالم أخرى أكثر حلمية لإيجاد معادل أو وسيط مابين الواقع الذي نعيشه والمُتخيّل عنه في ذهنية الفنان أو رؤيته حول ذلك الواقع الذي يبقى أساسياً في عمل لوحته التي تترنـّح هي أيضاً مع مجموع عناصرها على إيقاعات اللون الرهيف في الفن الإسلامي ومنمنمات الواسطي، وأحياناً نراها تنزع باتجاه القدسي في الأيقونة المسيحية السورية، وفي الحالتين تبقى تمور في فضاء روحانيات المشرق الذي انطلقت منه كل الديانات السماوية وحتى الأرضية منها، لذلك نرى الفنان مهما شطح في مخيلته يبقى في حدود المدهش والرصين من الجماليات التي تستمدّ مقوماتها من الموروث الشعبي لحضارات المنطقة السورية بامتياز، مبسّطاً ومختزلاً في شكلها إلى درجة قد تفقد بعض خصائصها المحلية لتتحول إلى رموز وإشارات رياضية عالمية مُتعارف على دلالاتها أو إسقاطاتها في جميع إنحاء المعمورة مثل الدائرة، المثلث، والمربع، أو غيرها من الأشكال على اختلاف وضوح رسمها أو أطياف ألوانها.


من أعمال التشكيلي إدوار شهدا

خلال مراحل مختلفة من تجربة التشكيلي إدوار شهدا -وهو المصوّر المُشخّص- نلاحظ في معظم أعماله تناغماً لطيفاً في رسم الشخوص بين الإنساني والحيواني لما لذلك من علاقة مع أشكال الآلهة قديماً أو أنصاف الآلهة التي كانت سائدة في تلك الحضارات، والتي كان الإنسان نفسه المبدع لها، يُصنِّعها لغاية تلبي حاجاته في تنظيم حياته وعلاقته بالآخر، فبقيت تلك النظرة إلى الآلهة أرضية، بينما نلاحظ في لوحات الفنان شهدا تلك النفحة الروحانية التي أضافها من دون افتعال على تلك العلاقة، والتي لا نراها واضحة فيما وصلنا من المنحوتات أو التصوير الجداري من تلك الفترات، ليحقّق بذلك في لوحته تواصلاً بين الماضي بتخيلاته وحلميته من الحكايا، وبين الحاضر بمعاصرته لمفهوم الحداثة ورؤيته للواقع بشكل مختلف وذاتي، ومن غير أن يفقد المشهد أو الحدث المجسّد في عمله أياً من عناصر إدهاشه أو لياقة حضوره .

إن المتابع لتجربة التشكيلي إدوار شهدا برأيي لا بدّ أن يلاحظ مجموعة من الإشارات في لوحته تدلّل و من غير جهد على علاقتها السرية مع كل من المنمنة، المخطوط، الأيقونة، وما أضافته تجربة الواسطي من محرّمات إلى الفن في أوج ازدهار الدولة الإسلامية، إن هذه الإشارات جميعها لم تُغر الفنان لتجعله أسيراً لنمطيتها أو شكل صياغاتها على تميّزها، بل بقيت عناصر تغني تلك التجربة ببعض المؤثّرات البصرية والجمالية ضمن سياق الخصوصية والتفرّد الذي ما زالت تحافظ عليه منذ حوالي العقدين من الزمن.


من أعمال التشكيلي إدوار شهدا

في معرض إدوار شهدا الأخير بغاليري تجليات بدمشق بداية العام 2011، ربما ظهر واضحاً أكثر تأثّره بالمخطوط السرياني، ومخطوطة الواسطي لمقامات الحريري، أكثر من عناصر الجذب الأخرى والعديدة التي كان يعتمدها كإسناد بصري أو سرد تأريخي، في تأليف وبناء عمله التشكيلي الذي عادة يقوم على الملحمي في المشهد لديه، بينما نلاحظ في هذا المعرض اعتماده الفراغ كمفردة تشكيلية أو عنصر أساسي في بناء المشهد ومن ثم إضافة المخطوط وبعض الأشخاص، أو شخصية واحدة في بعض اللوحات التي خصّصها إلى روح الشاعر محمود درويش، ففاضت بالأبيض حتى حوافها ليأتي الفراغ أبيضاً أو فضيّاً نقياً مثل الشهادة.

«أنا وحيد في البياض» في وداع شاعر.. هذا هو اسمك.. سأصير يوماً طائر.. هذه العناوين جاءت ربما لتقرّب المشهد من علاقة الفنان بأفكار الشاعر الذي لطلاما أُعجب بها، بينما تشكيلياً فلا نجد أي علاقة مباشرة بين العنوان واللوحة الذي قد يزيدها تجريداً في بعض الأحيان، باستثناء اللوحة البورتريه التي جسّدت شخصية الشاعر بقدر ما عكست بامتياز خصوصية الفنان وتفرّد شخصيته وصياغاته دائما.ً


من أعمال التشكيلي إدوار شهدا

لقد حاول الفنان في هذا المعرض أن يقدم ذاته الفنية ومن غير تكلّف في مجموعة من الأعمال التي ظهرت أكثر وضوحاً وشفافية في الأعمال الورقية التي حضرت من غير تزيين أو إسراف -ولو غير متعمد- في الجماليات، فكان هنا رسّاماً ومؤلّفاً مبدعاً لتكوينات رشيقة وساحرة من الحكايا التي قد لا تختلف كثيراً عن موضوعاته من حيث السرد الأسطوري أو التأريخي للأحداث المفترضة، ولكنها تصل إلينا بسهولة وعفوية وإدهاش تشبه في حالتها السهل الممتنع من بساطتها وغرابتها في الوقت نفسه، بينما تلك الجماليات التي بدت في أعمال القماش فقد تحقـّقت بفضل مهارات المصوّر في استخدامه لمقوّمات كل من اللون والضوء في حضور أكثر بهاءً للوحة على اختلاف موضوعاتها وما تضمّ من مفردات وعناصر يمكن من خلالها أن تعكس فكر الفنان وروحه.

يذكر أن التشكيلي إدوار شهدا:
- من مواليد دمشق 1952 .
- 1968- 1970 : دراسة في مركز سهيل الأحدب للفنون التشكيلية بحماة.
- 1971- 1976 : تخرج من قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق.
- 1991 – 1992 : دراسة في مرسم أناتولي كلانكوف بروسيا.
- 1981- 2011 : أقام سبع معارض شخصية داخل وخارج سورية .
- مجموعة كبيرة من المشاركات في معارض وتظاهرات فنية في كل من ( روسيا- أمريكا - كندا - سويسرا - تركيا - الصين - مصر - الكويت – الأردن) بالإضافة إلى سورية .
- 2001: مشاركة في بينالي الإسكندرية.
- 2005 : مشاركة في بينالي بكـّين الدولي الثاني الصين.
- 2008 : مشاركة في بينالي بكـّين الدولي الثالث الصين .
- مشارك في معارض الدولة الداخلية والخارجية منذ عام 1975.
- رسم اللوحات الجدارية الخلفية لأوبرا « دييدو و اينياس» كما شارك بتصميم وتنفيذ الديكور .
- رسم لوحتين جداريتين لمعهد العلوم السياسية بدمشق عام 1987.
- تنفيذ ديكور واكساءات دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق .


غازي عانا - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من أعمال التشكيلي إدوار شهدا

من أعمال التشكيلي إدوار شهدا

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق