فضاء من الأبيض يتنافس فيه كل من الضوء واللون على الاحتفاء بما تضمّه اللوحة من مفردات تسهم بالإعلان ولو تدريجياً عن الموضوع الذي غالباً ما يعكس بعض الأدب -الذي يبدأ وينتهي غالباً في عنوان اللوحة المجرّد بالأساس- من خلال التشخيص الذي يعتمده التشكيلي إدوار شهدا كأساس في بناء تكوينه المتحرّر من الجاذبية، وبالتالي من القوانين الأكاديمية الصارمة، بعد أن فهمها ومارسها بأصولها خلال دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق الذي تخرج منها بمعدّل امتياز في العام 1976، وبدأ ينحاز باتجاه التعبيرية التشخيصية بعد عودته من الاشتغال في مرسم الفنان «أناتولي كلانكوف» في روسيا العام 1992، وهو أي «إدوار» العارف الماهر بأدواته والمواد التي يفضّل استخدامها في كل مرحلة من تجربته، أو حتى على نفس اللوحة أحياناً حيث تتداخل على السطح الواحد مجموعة من المواد تمنحها أبعاداً متباينة في الزمان ومن غير منظور مكتفياً ببعدين في المكان، فيتنقّل بأريحية بين الأقلام السوداء والملونة والأحبار وألوان الباستيل والأكرليك وغيرها من أدوات التعبير الممكنة حتى يغتني السطح وينضج العمل مسّتقراً راكناً لبعض رغبات الفنان ولو بنسبة معينة حتى يقرّر مغادرته.
عندما يرسم إدوار يدخل إلى عوالم أخرى أكثر حلمية لإيجاد معادل أو وسيط مابين الواقع الذي نعيشه والمُتخيّل عنه في ذهنية الفنان أو رؤيته حول ذلك الواقع الذي يبقى أساسياً في عمل لوحته التي تترنـّح هي أيضاً مع مجموع عناصرها على إيقاعات اللون الرهيف في الفن الإسلامي ومنمنمات الواسطي، وأحياناً نراها تنزع باتجاه القدسي في الأيقونة المسيحية السورية، وفي الحالتين تبقى تمور في فضاء روحانيات المشرق الذي انطلقت منه كل الديانات السماوية وحتى الأرضية منها، لذلك نرى الفنان مهما شطح في مخيلته يبقى في حدود المدهش والرصين من الجماليات التي تستمدّ مقوماتها من الموروث الشعبي لحضارات المنطقة السورية بامتياز، مبسّطاً ومختزلاً في شكلها إلى درجة قد تفقد بعض خصائصها المحلية لتتحول إلى رموز وإشارات رياضية عالمية مُتعارف على دلالاتها أو إسقاطاتها في جميع إنحاء المعمورة مثل الدائرة، المثلث، والمربع، أو غيرها من الأشكال على اختلاف وضوح رسمها أو أطياف ألوانها.
إن المتابع لتجربة التشكيلي إدوار شهدا برأيي لا بدّ أن يلاحظ مجموعة من الإشارات في لوحته تدلّل و من غير جهد على علاقتها السرية مع كل من المنمنة، المخطوط، الأيقونة، وما أضافته تجربة الواسطي من محرّمات إلى الفن في أوج ازدهار الدولة الإسلامية، إن هذه الإشارات جميعها لم تُغر الفنان لتجعله أسيراً لنمطيتها أو شكل صياغاتها على تميّزها، بل بقيت عناصر تغني تلك التجربة ببعض المؤثّرات البصرية والجمالية ضمن سياق الخصوصية والتفرّد الذي ما زالت تحافظ عليه منذ حوالي العقدين من الزمن.
«أنا وحيد في البياض» في وداع شاعر.. هذا هو اسمك.. سأصير يوماً طائر.. هذه العناوين جاءت ربما لتقرّب المشهد من علاقة الفنان بأفكار الشاعر الذي لطلاما أُعجب بها، بينما تشكيلياً فلا نجد أي علاقة مباشرة بين العنوان واللوحة الذي قد يزيدها تجريداً في بعض الأحيان، باستثناء اللوحة البورتريه التي جسّدت شخصية الشاعر بقدر ما عكست بامتياز خصوصية الفنان وتفرّد شخصيته وصياغاته دائما.ً
يذكر أن التشكيلي إدوار شهدا:
- من مواليد دمشق 1952 .
- 1968- 1970 : دراسة في مركز سهيل الأحدب للفنون التشكيلية بحماة.
- 1971- 1976 : تخرج من قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق.
- 1991 – 1992 : دراسة في مرسم أناتولي كلانكوف بروسيا.
- 1981- 2011 : أقام سبع معارض شخصية داخل وخارج سورية .
- مجموعة كبيرة من المشاركات في معارض وتظاهرات فنية في كل من ( روسيا- أمريكا - كندا - سويسرا - تركيا - الصين - مصر - الكويت – الأردن) بالإضافة إلى سورية .
- 2001: مشاركة في بينالي الإسكندرية.
- 2005 : مشاركة في بينالي بكـّين الدولي الثاني الصين.
- 2008 : مشاركة في بينالي بكـّين الدولي الثالث الصين .
- مشارك في معارض الدولة الداخلية والخارجية منذ عام 1975.
- رسم اللوحات الجدارية الخلفية لأوبرا « دييدو و اينياس» كما شارك بتصميم وتنفيذ الديكور .
- رسم لوحتين جداريتين لمعهد العلوم السياسية بدمشق عام 1987.
- تنفيذ ديكور واكساءات دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق .
غازي عانا - دمشق
اكتشف سورية