الآداب القديمة في بلاد الشام في المركز الثقافي العربي بأبورمانة

29 01

محمد محفل وعيد مرعي وجوزيف شابو: تاريخ الأدب في المنطقة

تحت عنوان «الآداب القديمة في بلاد الشام» أُقيمت في المركز الثقافي العربي بأبورمانة ندوة شارك فيها كل من الدكتور محمد محفل والدكتور عيد مرعي والأب جوزيف شابو، استعرضوا فيها تاريخ الأدب في المنطقة وأهم النصوص التاريخية التي عثر عليها وعدت من الأدب الراقي أو المتميز مثل ملحمة جلجامش وأسطورة خلق الكون.

في البداية، أشار الدكتور مرعي أن «اختراع الكتابة هو مقدمة الإنجازات الحضارية في المنطقة»، وأكد على دور بلاد الشام في بلورة الإرهاصات الأولى للكتابة في الألف العاشر قبل الميلاد كما تدل الكشوف الأثرية في منطقة الحرف الأحمر ومنطقة تل براك، ثم استطاعت المنطقة أن تخرج أبجديتها للعالم في الألف الرابع قبل الميلاد وأواخر الألف الثالث.

وفي استعراضه لتاريخ الأدب، يقول مرعي مستنداً إلى ما توفر من لقى أثرية حتى الآن أن «النصوص الأدبية الأولى كانت تدور من حيث الموضوع حول الملك والآلهة، وتمثلت هذه الأساطير بأساطير خلق الكون وأسطورة جلجامش وهي تحمل خيطاً شعرياً وأدبياً في داخلها وبنفس الوقت تقدم معلومات اجتماعية وسياسية وتاريخية عن الفترة الزمنية التي كتبت فيها».

أما كلمة «أدب» باللغة العربية فيؤكد مرعي أن البحث في المعاجم العربية لن يوصل إلى جواب شافٍ في أصولها لكن «بالعودة إلى الوراء نجد لها كلمة شبيهة في الحضارة السومرية وهي "إيدوبا" وتعني بيت الألواح الذي تحفظ فيه الألواح الطينية، كما أن كلمة شعر هي من أصول أكادية ووردت في نصوص أوغاريت وتأتي بمعنى الغناء المنظم أو الموزون، وهنا تلتقي مع تعريف ابن منظور في لسان العرب لمعنى كلمة شعر».

ثم عرض مرعي لعدد من الممالك في بلاد الشام والتي عثر فيها على نصوص أدبية منها: «مملكة ماري التي وجدت فيها نصوص لسيرة ذاتية يقدمها ملك ماري يخدون لين تبدأ بترنيمة ودعاء بشكل شعري، كما وجدت نصوص في منطقة ألالاخ بالقرب من مصب نهر العاصي في لواء الإسكندرون حيث وجد هناك رقيم يروي سيرة الملك إدريمي أحد ملوك المدينة الذي كان يتمتع بحكم شبه مستقل عن المملكة الحورية، أما أوغاريت مدينة الأبجدية ففيها عدة نصوص أدبية منها أسطورة بعل وأسطورة أقات ودانييل وأسطورة كيريت وكل هذه الأساطير تمتاز بأسلوب شعري رفيع المستوى، أما الممالك الآرامية مثل آرام حماة وآرام دمشق فعثر فيها على نصوص تتحدث عن إنجازات ملوك هذه المدن».

ويؤكد مرعي أن ممالك بلاد الشام القديمة عرفت أدب الحكمة وعلى وجه الخصوص أدب الحكمة الآرامي في قصة «أحيقار الحكيم في القرن السابع قبل الميلاد في عهد الملكين سنحريب وسرحدوم». كما عرفت هذه الممالك في العصور التاريخية اللاحقة والتي شهدت سيطرة أجنبية ظهور أشخاص دونوا التاريخ مثل «فيلون الجبيلي، والذي لم يكن الوحيد في عصره فظهر في مصر مانتون المصري وبروشا البابلي في بابل وكل واحد منهم كتب عن تاريخ منطقته في محاولةٍ منهم لإظهار الوجه الحضاري لهذه البلاد أمام الغزو الأجنبي الذي تعرضت له».

واختتم الدكتور مرعي حديثه بالتنويه إلى «لقيان السمسياطي الذي عاش في القرن الثاني الميلادي وكتب ناقداً الأوضاع القائمة في مجتمعه وتهكم على الفلسفة والمعتقدات الدينية وكان يعتز في كتاباته بأنه سوري وليس إغريقياً أو رومانياً».

من جهته، أشار الدكتور محفّل إلى أن «المظاهر الكتابية التي عثر عليها في المنطقة بالتأكيد تخفي وراءها الشيء الكثير من الأدب والفكر الإنساني، وأركز على اختراع الكتابة لأنها نقلت البشرية إلى مرحلة تاريخية وحضارية جديدة».

كما صحح محفل بعض المعلومات المتداولة في بعض الأوساط مثل «الاعتقاد الخاطئ بأن الإلياذة اليونانية هي أول ملحمة، فالمنطقة أنتجت أول ملحمة عرفتها البشرية وهي ملحمة جلجامش، كما أن الاعتقاد بأن الفلسفة نشأت عند اليونان كذلك اعتقاد خاطئ لأن الفلسفة الأولى نشأت في منطقة آسيا الوسطى، وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى أن فيثاغورس وهرقليطس وغيرهم لم يكونوا في أثينا بل في مناطق أخرى منتشرة في آسيا الصغرى وهذا يبطل المقولة الأوروبية من اليونان إلى أوروبا ومن أوروبا إلى اليونان».


جانب من الحضور

واعتبر الدكتور محفل أن هناك حدثين تارخيين كان لهما رد فعل كوني شامل وهما «اختراع الكتابة في المنطقة وانتشارها من هنا إلى باقي حضارات الأرض، وفي المرة الثانية عندما استطاعت إمبراطورية واحدة توحيد حضارات الصين والهند وفارس وبلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر والمغرب والأندلس في ظل دولة واحدة ما أدى إلى شمول الفكر الكوني في ظل نفس الدولة».

وأورد محفل في نهاية حديثه تصحيحاً بصفته عضو مجمع اللغة العربية فاعتبر أن «العربية ليست لغة الضاد فهذا الحرف موجود كصوت في العديد من لغات العالم، بل هي لغة العين وهو الحرف غير الموجود في أي من اللغات وهذه التسمية لغة العين أول من نادى بها الخليل بن أحمد الفراهيدي».

في النهاية، بدأ الأب شابو حديثه بمثل يقول «من أغرب ما ترى العينان فإن سؤال القبر بالسرياني». ومن هذه المقولة أراد أن يدلل على قيمة اللغة السريانية التي بقيت متداولة في المنطقة لمدة جاوزت 1500 سنة، ومن ثم تركت أثرها في اللغة والأدب العربي بعد نشأة الخلافة العربية الإسلامية في قلب العالم السرياني والآرامي، ويؤكد شابو هنا «إن المفردات السريانية في المعاجم العربية بلغت 859 مفردة، كما أخذت كل من العربية والعبرية التنقيط عن اللغة السريانية».

ثم سرد شابو جزءاً من تاريخ السريان في حركة الترجمة والحركة الفكرية والفلسفية وعلى وجه الخصوص في ظل الدولة العربية العباسية: «إن تاريخ الفلسفة يذكر للمترجمين السريان أمانة نقلهم ودقة ترجمتهم. فمنذ القرن الرابع للميلاد ترجم مار أفرام السرياني الكتاب المقدس إلى اللغة السريانية ودققه ونقحه، وفي ظل الدولة العربية عرفت منطقة بلاد الشام وبلاد الرافدين 50 مدرسة سريانية عملت على نقل الثقافة اليونانية للفرس في عصر ازدهارهم ومن ثم للعرب عندما أشادوا دولتهم، ومنها مدارس الرها وحران وقنسرين وملطية ودير زقنين وجند العين. وفي تكريت في العراق، كانت المدرسة المانفرامية قد تأسست منذ عام 600 ميلادي وأصبحت مركزاً فكرياً سريانياً. ومن السريان علماء وفلاسفة كتبوا بالعربية وأنتجوا فكرهم بالعربية ومنهم يحيى بن علي، كما اشتهر من المترجمين حنين بن اسحق وابنه اسحق بن حنين، وأيوب الأبرش، وقسطا بن لوقا، وكلهم أسسوا دعائم الفكر والأدب في المنطقة وكانوا من رواد نهضة الدولة العربية».


عمر الأسعد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

شام :

ممتاز

سوريا

djalel:

جزاكم الله خيرا
شــــــــــــــكرا

Algeria