الرها

الرها: بالسريانية: اورهاي، وباليونانية واللغات الغربية: أديسا Edessa وتدعى اليوم: أورفا، ويرى المؤرخون أنها من تأسيس سلوقوس الأول (303-302 ق. م)، حيث كانت فيما مضى عاصمة مملكة سريانية تقع بين الخابور والفرات، وحدد مؤرخو السريان سنة 132 ق. م كسنة تأسيس هذه المملكة، وورد ذكر واحد وثلاثين ملكاً ممَّن تبوأوا عرشها بدءا بالملك «أريو» «132 – 127 ق. م»، وانتهاء بأبجر العاشر بن معنو «240 – 242 م»، ودعيت الرها عاصمة الأباجرة، ودام استقلالها حوالي أربعة قرون، واحتلّت مركزاً فريداً في التاريخ خلال فترة تربو على ألف سنة، وانتشرت لغتها السريانية الفصحى في بقاع كثيرة، كما لعبت دوراً بارزاً في الأدب السرياني.

وعندما رحل إليها السريان أطلقوا عليها اسم أورهاى في حين أسماها الأرمن أورهى، إذ أنها خضعت لسيطرتهم فترة قصيرة من الزمن، ولما استولى عليها العرب أطلقوا عليها اسم الرها بينما دعاها الأتراك العثمانيون بعد بسط نفوذهم اسم أورفا Urfa.

وبالنسبة لبناء المدينة يذهب البعض أنها بنيت في السنة السادسة من موت الإسكندر المكدوني، وقد بناها الملك سلوقوس الأول في القرن الثالث ق.م، أما زمن نشوئها، فمن المرجح أنها كانت موجودة قبل عصر الإسكندر المكدوني وربما ارتقت إلى العصر الآشوري، إلا أنها لم تكن ذات شأن يذكر.

وفي الواقع إن الدراسات التاريخية والتنقيبات الأثرية لم تنجح في تحديد العصر الذي نشأت فيه وأقدم ذكر لها جاء في المصادر التاريخية زمن السلوقيين.

وبلغت المدينة أوج الازدهار الاقتصادي زمن السلوقيين، حيث كانوا يسيطرون على جزء هام من طريق الحرير، الذي تقع الرها على جانبه، فقد كانت أكبر مدينة في الإقليم الذي كان يدعى أوسرين Osrhoene، والذي يحده نهر الفرات من الغرب والشمال الغربي، والجنوب الغربي، وأثر موقعها الجغرافي على حياتها السياسية، والثقافية، والاقتصادية، فهي قريبة من التخوم الفارسية على الرغم من خضوعها للسيطرة الرومانية فـالبيزنطية مما جعلها مسرحاً للنزاع بين القوى المحيطة بها، كما أن وقوعها على حافة طريق الحرير جعلها تزدهر اقتصادياً ومنفتحة فكرياً بسبب ما كانت تحمله القوافل التجارية من بضائع وثقافات متنوعة، قادمة من الصين والهند وغرب الجزيرة العربية، لتتجمع في بلاد الرافدين ولتتجه بعد ذلك غرباً نحو نصيبين والرها أو إلى دورا أوربوس «صالحية الفرات».

وفي القرن الرابع عشر شيدت فيها مدرسة لاهوتية مشهورة ضارعت مدرستي إنطاكية والإسكندرية، فكان للرها في الماضي شهرة واسعة ومركزاً مرموق في العالم المسيحي، حيث ربطتها الموروثات القديمة بالسيد المسيح نفسه إبان حياته الأرضية، حيث اشتهرت في جميع أنحاء العالم المسيحي بتبادل الرسائل بين ملكها أبجر «السرياني» الوثني وبين يسوع في أورشليم فصارت بعد إنطاكية، مركزاً لانطلاق الكرازة بالإنجيل إلى البلدان القريبة والبعيدة، وهدفاً لعدد لا يحصى من الحجاج القادمين من الشرق والغرب حيث يتوافد إليها السواح وطلاب العلم للتبرك بكنائسها الوارفة وأديرتها ومناسكها، وكانت تحظى بالاحترام والتبجيل كأول مملكة تقبلت المسيحية، كما كانت مركز الكنيسة السريانية، ومكان مولد الأدب السرياني الكلاسيكي.

ومدينة الرها هي أورفا الحالية تقع في جنوب شرقي تركيا «حيث ضُمت لتركيا بعد الاحتلال العثماني زمن السلطان سليم الأول عام 923هـ/1517م»
إن قصة طائفتها المسيحية التي أدار شؤونها بالتناوب الرومان فالبيزنطيون فالعرب فالأتراك تعكس تاريخ تقلب أحوال ما بين النهرين، وقد بلغت أوجها باحتلال الأمراء الصليبيين للمدينة، ثم دمارها في سنة 1146.

وتعتبر مدينة أورهي «الرهاEdessa - » اليوم أورفا في تركيا - عاصمة أقليم أوسرين من أمهات مدن بلاد ما بين النهرين من حيث موقعها الاستراتيجي، ومكانتها العلمية والأدبية ومركزها كنقطة انطلاق للحركة التجارية في كل المنطقة، ودورها الفعّال المتميز في نشر تعاليم الديانة المسيحية، ليس في المدينة وما جاورها من المدن والقرى فحسب وإنما في مناطق وبلدان أخرى في الشرق الأوسط وآسيا.

والسريان - إلى أي مذهب انتموا - يعتزون ويفتخرون بمآثر هذه المدينة الخالدة، ويمجّدون ذكرى ماضيها التليد، ويهللون لمواقف آبائهم الرهاويين من أمثال: مار أفرام، ومار رابولا، ومار يعقوب، ويؤمنون بأنَّ التقاليد والأمجاد والبطولات السالفة التي ارتبطت بماضيها يمكن أن تشكل في وقت من الأوقات عنصراً هاماً من عناصر مقومات وحدتهم.

وعرفت الرها عبر ماضيها الطويل أهم القادة العسكريين والسياسيين من بابليين وآشوريين ورومان وفرس، ولكن دورها برز بشكل خاص أولاً في العصر السلوقي ثم تبلور ونما ونضج أكثر فأكثر عند اعتناقها الديانة المسيحية.