الفرقة السمفونية الوطنية في وداع 2008

11 01

بيتهوفن وبرامز بقيادة باغبودريان ورفقة الزركلي في دار الأسد

بقيادة ميساك باغبودريان ورفقة عازف البيانو السوري غزوان الزركلي، توجت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية آخر حفلاتها للعام المنصرم بعملين جميلين: افتتاحية كوريولان لبيتهوفن، وكونشرتو البيانو الثاني لبرامز، وذلك يوم 30 كانون الأول 2008 في قاعة الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون
الحفل الذي نفذت بطاقاته قبل أيامٍ منه أُقيم ضمن نشاطات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، وابتدأ بافتتاحية لبيتهوفن «كوريولان» أهداها المايسترو باغبودريان إلى أرواح شهدائنا في غزة، وطلب من الجمهور عدم التصفيق في آخر المقطوعة إكراماً لهم.

كتب لودفيغ فان بيتهوفن «1770 ـ 1827» عدة افتتاحيات للأوركسترا تعد كوريولان من أشهر هذه الافتتاحيات، ألفِها بتهوفن عام 1807 متأثراً بتراجيديا للكاتب الألماني هنريخ جوزيف كولين، تحمل نفس العنوان وتحكي قصة كوريولان الضابط الروماني الذي عاشَ في القرن الخامس قبل الميلاد وثار ضدَّ شعبه وأعراف مجتمعه، فجمع جيشاً وحاصر روما لتخرج أمه وزوجته وتطلبان منه أن يبدأ بقتلهما إن أراد دخول روما بالقوة، فما كان منه إلا حلُّ الجيش ودخول روما دون سلاح ليكون مصيره الإعدام.

لقد أعجب بيتهوفن بالشخصية الثورية لكوريولون وبالقدر العجيب الذي اختطه لنفسه وألف الافتتاحية بنفس الفترة التي كتب فيها سيمفونيته الخامسة الشهيرة، لذا لم يكن من الغريب أن نجد هنا نفس الروح البطولية والتراجيدية التي ميزت سيمفونيته الخامسة «القدر»، مع فارق أنَّ البطل في نهاية السيمفونية ينتصر على قدره فيما تنتهي الافتتاحية نهايةً كئيبة مع نهاية كوريولان المشؤومة. استغرق عزف الافتتاحية عشر دقائق تقريباً ليدخل بعدها عازف البيانو غزوان الزركلي، وليقدم مع الأوركسترا بقيادة المايسترو باغبودريان الكونشرتو الثاني للبيانو والأوركسترا سلم سي بيمول ماجور من مؤلفات برامز.

عاش المؤلف الألماني يوهانس برامز «1833-1987» بين هامبورغ وفيينا، وكتب أعمالاً عديدة تعد درراً في الأدب الموسيقي الكلاسيكي منها السمفونيات الأربع وكونشرتاته للكمان والبيانو، واعتُبر بمثابة الوريث الشرعي لسلالة «بيتهوفن، شوبرت، شومان» والحارس الحقيقي للتراث الكلاسيكي، التراث الذي أخذ برامز على عاتقه المحافظة عليه بعد أن أخذ يتدهور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عِبرَ التأليف ضمن القوالب الكلاسيكية القديمة، ورغم رفض برامز لكلِّ التجديدات التي جاءت بها الروماتيكية من حيثُ الشكل، إلا أنَّ الروح عنده كانت روح رومانتيكية خالصة، وهو ما نلمسه في معظم مؤلفاته وفي عمله هنا بالتحديد «الكونشرتو الثاني للبيانو والأوركسترا».

هذا الكونشرتو الضخم الذي وصف بأنَّه «عبارة عن سيمفوني يلعب فيه البيانو دوراً كبيراً» كتبه برامز عام 1881 وهو في قمة نضجه الموسيقي في أربع حركات، الحركة الأولى طويلة رومانتيكية الطابع جاءت بقالب السوناتا، الحركة الثانية عبارة عن سكرزو عاطفي ملتهب يذكرنا بفاغنر، أما الحركة الثالثة فهي رسالةٌ شاعرية مؤثرة مليئة بالميلوديات الرخيمة، وتلعب آلة التشيلو هنا دوراً محورياً وأداه ببراعة الأستاذ أسيل حمدان، أما الحركة الرابعة فهي حيوية راقصة مليئة بالألحان البهيجة الطريفة، أثارت الجمهور الذي لم يهدأ بعد نهاية المقطوعة وهو يحيي العازف الزركلي ويصفق له وللأوركسترا الوطنية على الأداء الجميل لهذا المؤلف الصعب، والذي برهنت فيه الأوركسترا على قدرتها على إنجاز الأعمال الأوركسترالية مهما بلغت صعوبتها، كما برهنت معها على نجاح المايسترو الشاب ميساك باغبودريان في قيادته للاوركسترا ودفعها إلى الأمام والى مزيدٍ من التحديات من أجل إكمال ما بدأه الموسيقار صلحي الوادي رحمه الله.

«اكتشف سورية» كان متواجدا في الحفل والتقى العازف غزوان الزركلي الذي تحدث عن تجربته مع الأوركسترا فقال: «هذه هي التجربة الثالثة لي في العزف مع الأوركسترا السيمفونية السورية، المرة الأولى كانت مع الكونشرتو الخامس لبتهوفن بقيادة نوري الرحيباني، أما الثانية فمع الكونشرتو الأول للبيانو لتشايكوفسكي بقيادة ميساك باغبودريان»، وأضاف: «أنا شديد الاعتزاز بالتواصل مع الأوركسترا الوطنية، لكني غيرُ سعيدٍ لإيقاع هذه العلاقة، فهذه هي التجربة الثالثة خلال سبع سنوات، أعتقد أنَّه كان يجب أن يكون هناك تجاربٌ أكثر قياساً بهذه الفترة، لقد كان واجباً علي أن أقدم شيئاً لدمشق هذا العام كونها عاصمة الثقافة العربية لذا قدمت حفلاً لبيانو منفرد، وها أنا اليوم أعزف برامز مع الأوركسترا».

أما عن كونشرتو برامز فقال: «إنَّ ما يميزه هو أنَّه عملٌ معقد طويل جداً، يأتي في خمسين دقيقة تقريباً ويحتاج إلى مهاراتٍ تكتيكية عالية، لذا فأنا أعتقد أنَّ هذا الكونشرتو هو أحد أكمل وأجمل ما كُتب للبيانو والأوركسترا».

وعن سبب عدم تدريسه في المعهد العالي للموسيقى رغم كونهِ أستاذٌ جامعي حاصل على جوائز كثيرة، وعضو يحكم في عدة مسابقاتٍ دولية أجاب: «إنَّه يبدو أني حتى الآن ورغم وجودي هنا منذ سبع سنوات غير ملحوظ وغير مدرج بالخطة، ولا أعلم لماذا لم تتم دعوتي حتى الآن، ربما السبب هو عقدة الأجنبي التي علينا التخلص منها».

وسألناه أخيراً عن مشاريعه في الكتابة كونه يعمل في الصحافة الموسيقية فقال: «أنا أكتب بشكلٍ دوري في جريدة بلدنا، وفي مجلة الحياة الموسيقية، كما قمت بترجمة كتابان الأول «معارك قيس وليلى»، والآخر اسمه «الجميل في فن النغم» تمَّ نشر الأخير على حلقاتٍ في مجلة الحياة الموسيقية وسيصدر في كتاب عما قريب، وهناك ملفٌ عن الأغنية الوطنية بدأت العمل عليه حديثاً في جريدة قاسيون، أما عن مشاريعي القادمة، فلدي هاجس أود البدء به وهو العمل في مجال موسيقى الأطفال كتأليف وكمناهج تربية وتعليم».
كما التقينا المايسترو ميساك باغبودريان الذي تحدث عن تجربة العمل بمؤلف صعب ككونشرتو البيانو الثاني لبرامز فقال: «يُعدُّ برامز بشكلٍ عام وفي جميع مؤلفاته تحدياُ صعباً، ولقد كان تحدياً لي وللفرقة ككل في أن ننجز هذا الكونشرتو وتقديمه كما هو من حيث الأسلوب والطابع، لكني كنت مؤمن بالفرقة وقدرتها على تجاوز ذلك».

أما عن الرؤية التي يقود بها أي عمل بقالب الكونشرتو فقال: «إنَّ العازف المنفرد في الكونشرتو هو البطل، ولكلٍّ من قائد الأوركسترا والعازف المنفرد رؤية في تقديم العمل ومن الصعب أن تكون الرؤيتان متطابقتان، لذا عليهما الوصول إلى صيغة تفاهمٍ مشتركة في كيفية تقديم الكونشرتو، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، كان هناك بعض المواضع التي لم نتفق فيها أنا وغزوان ولكننا وصلنا إلى صيغةٍ جيدة من الاتفاق على نقاطٍ كثيرة وأتمنى أن نكون قد نجحنا في ما قدمناه».

وعن مشاريع الأوركسترا المستقبلية أخبرنا: «إنَّ الفرقة مقدمةٌ يوم العشرين من شهر كانون الثاني على المشاركة في حفل ختام دمشق عاصمة الثقافة العربية عبر مؤلف لمارسيل خليفة هو«أحمد العربي»، ولقد وقع الاختيار على العمل بسبب طبيعة الظروف الراهنة وكهديةٍ منَّا للقدس كونها سوف تكون عاصمة للثقافة العربية عام 2009، كما إنني بصدد التحضير لمفاجآت وتحديات أخرى قادمة منها سيمفوني برامز الرابعة إحداها».


.


مالك كورية

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

الفرقة السمفونية الوطنية

الفرقة السمفونية الوطنية

الفرقة السمفونية الوطنية

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

طالب موسيقا:

تحية عربية لكم ولأبطال غزة , أود التنويه باعجابي بهذا المقال الجميل الذي اثرى معلوماتي الموسيقية , فشكرا للمحرر والشكر لكم

دمشق

الطابور الخامس:

حقيقة.. مقال الفرقة السيمفونبة هذا يستحق التقدير .. مرحى لكم يا موسيقينا الجديرين بالاعجاب ومرحى لك أيها القائد ميساك والعازف المتمكن غزوان الزركلي أتمنى لكم التوفيق والنجاح الدائم

دمشق

سارة :

اريد منكم معلومات عن المويقى الرومانسية

عمان