مملكة قطنا

20 كانون الأول 2010

الموقع:
تقع قطنا (حالياً قرية المشرفة) في الشمال الشرقي من مدينة حمص وتبعد عنها حوالي 18كم، كذلك تبعد 35كم إلى الجنوب الغربي من مدينة السلمية. وتتمتع المدينة بموقع جغرافي هام، وشكلت منطقة عبور أساسية في قلب سورية وعلى طرف باديتها، تعبرها القوافل التجارية المتجهة من الشرق إلى الغرب (بلاد الرافدين- ساحل البحر المتوسط) ومن الشمال إلى الجنوب (حلب- حازور في فلسطين)[1] (الشكل 1).


الشكل1: موقع مدينة قطْنا

الاكتشاف:
تعود قصة اكتشاف قطنا تعود إلى عام 1924م زمن الانتداب الفرنسي، عندما بدأ الفرنسي الكونت دوبويسون R. DU BUISSON أعمال التنقيب الأولى ضمن التل الأثري، كذلك قام بالعديد من المسوحات الأثرية، وفي تلك الفترة تم الكشف عن القصر الملكي والعديد من اللقى والبقايا الأثرية (الشكل 2) وكان من بينها ألواح كتابية ذكرت اسم المدينة قطنا. واستمرت بعد ذلك أعمال التنقيب حتى عام 1929م، غادر بعدها دوبويسون معتقداً أنه قام باكتشاف القصر الملكي بالكامل، ليتم بعدها سكن الموقع من قبل أهالي المنطقة وتحتل مساكن القرية مساحة الموقع بالكامل تقريباً[2].

الشكل2: الأماكن التي نقبها دوبويسون في موقع قطْنا

وإلى جانب أعماله في قطنا قام دوبويسون بالكثير من الأعمال ووصل إلى ضفاف الفرات لا سيما في موقع دورا أوروبوس وفي منطقة الباغوز، ولم يكتف بذلك بل عاد إلى سورية عام 1965م وقام بأعمال تنقيب في ساحة معبد بل في تدمر[3].

يبقى الوضع في قطنا على ما هو عليه حتى عام 1982م عندما تم نقل القرية من داخل الموقع إلى منطقة مجاورة، ليتم بعدها إعادة أحياء أعمال التنقيب عام 1994م[4] من قبل بعثة سورية من المديرية العامة للآثار والمتاحف بقيادة الدكتور ميشيل المقدسي، وقامت بإجراء العديد من الأعمال في قطاعات مختلفة من المدينة.

وتابعت البعثة السورية أعمالها حتى عام 1999م حيث انضم إليها فريق ألماني وآخر إيطالي[5] ومنذ ذلك الوقت حتى الوقت الحاضر تعمل في الموقع ثلاث بعثات أثرية بهدف الكشف عن أسرار مملكة قطنا.

لمحة تاريخية:
شكلت قطنا كما ذكرنا أعلاه نقطة تقاطع للطرق التجارية ومقراً ملكياً. ولقد أشير إلى الأهمية السياسية لقطنا من خلال النصوص بدءاً من مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، أما فيما يخص أقدم البقايا في المدينة، فقد أدت الأعمال الأثرية في الموقع (منطقة الأكروبول) إلى الكشف عن بعض البقايا المؤرخة على نهاية الألف الرابع قبل الميلاد إلا أنها لم تسمح بتكوين فكرة كاملة عن طبيعية الاستيطان في تلك الفترة[6].

ويبدأ الاستيطان الحقيقي في الموقع من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد (عصر البرونز القديم)، حيث يتم تأسيس المدينة في مركز الهضبة لتأخذ شكلاً دائرياً (الشكل 3) بحيث تشابه المدن المجاورة لها، والتي كانت معروفة في تلك الفترة مثل الروضة والشعيرات[7]. هذه المدينة كانت تنتشر على مساحة تتراوح بين 20 و25 هكتاراً، ثم شهدت المدينة فيما بعد تطوراً على شكل مخططها مع الازدهار الحقيقي الذي عرفته المدينة خلال عصر البرونز الوسيط (2000-1600 ق.م)، حيث تم إعادة تأسيس المدينة وفق مخطط منتظم وتغير شكلها من المخطط الدائري إلى المربع وأصبحت مساحتها تزيد عن 100 هكتار. وخلال عصر البرونز الحديث بقي الوضع كما كان عليه ومن بقايا هذه الفترة القصر الملكي في شمال المدينة العليا وعدة أحياء سكنية في المدينة السفلى.

الشكل3: مخطط موقع قطنا خلال عصر البرونز القديم

أما في الألف الأول قبل الميلاد فلا توجد معلومات كافية عن المدينة في تلك الفترة، ولكن البقايا الأثرية تشير إلى وجود إعادة استيطان بدءاً من القرن التاسع قبل الميلاد، حتى تم تدمير المدينة عام 720ق.م من قبل الحملات العسكرية التي شنها الملك سرجون الثاني الذي أخضع المنطقة نهائياً للحكم الآشوري. وخلال العصور الكلاسيكية يبدو أن المدينة كانت خالية من السكان ولم يتم العثور على بقايا كافية داخل أسوار المدينة تنتمي لهذا العصر[8].

مخطط الموقع:
يأخذ الموقع شكل مربع يحيط به سور ضخم محفوظ على ارتفاع يصل حتى 20م تقريباً، وهذا التحول حدث خلال عصر البرونز الوسيط (2000-1600ق.م) لتصبح المساحة التي يضمها السور تشكل ما يزيد عن 100 هكتار، وقد احتوى هذا السور على أربعة أبواب رئيسية كان كل منها يتألف من صفين متلاصقين من الغرف، إضافة إلى هذه البوابات الرئيسية كانت هناك بوابات جانبية على شكل ممرات صغيرة. وقد أدى بناء السور إلى تصغير حجم البحيرة التي كانت تحيط بالمدينة في الجهة الجنوبية والغربية وأخذت شكل خندق مائي متطاول يحيط بالسور من ثلاث جهات باستثناء الشرق[9] (الشكل 4).

الشكل4: مخطط موقع قطْنا خلال عصر البرونز الوسيط

أهم المنشآت الأثرية المكتشفة:
أسفرت الأعمال التي كانت قد بدأت حديثاً منذ عام 1994م عن كشف الكثير من المنشآت واللقى الأثرية على يد الفريق السوري، لتستمر التنقيبات حتى الوقت الحاضر من قبل ثلاث بعثات أثرية، وقد تم الكشف عن ثلاث قصور ومدافن ملكية ومنشآت صناعية وغيرها (الشكل5)، إلا أن أهمها القصر والمدفن الملكي.

الشكل5: توضع المنشآت المكتشفة داخل موقع قطْنا الأثري

- القصر الملكي: بني القصر فوق تلة صخرية قليلة الارتفاع وسط المدينة تقريباً، وبلغت أبعاده 150م طولاً و110م عرضاً وهو من أكبر القصور في تلك الفترة. وقد بدأ التنقيب فيه عام 1924م على يد الفرنسي دوبويسون ثم بدأت الأعمال من جديد عام 1999م والتي لا تزال مستمرة حتى الوقت الحاضر. ضم القصر نحو 100 غرفة من مختلف المواصفات والأحجام والاستخدامات وأهمهما قاعة الأعمدة C وهي مربعة الشكل أبعادها 36×36م وكانت تحتوي على 25 عموداً، وهي مخصصة للاستقبال وبنفس الوقت كانت تحتوي على معبد صغير (معبد بلت إيكاليم إلهة قصر قطنا). القاعة الثانية هي قاعة العرش B ويتم الوصول إليها من خلال بوابة عبر قاعة الاستقبال ولم يتبقَ منها الكثير بما يساعد على إعادة تركيبها كما كانت عليه سابقاً، إلا أنها كانت تحتوي على رسوم جدارية ملونة وتبلغ أبعادها 45م طولاً و 14م عرضاً (الشكل 6)، وهي أكبر بثلاث مرات من قاعة العرش في قصر ماري[10]. أما بخصوص تاريخ بناء القصر فهناك رأيان حول ذلك، حيث أن الفريق الألماني يعيد تاريخ بنائه إلى ما بين 1800- 1700ق.م، أما الفريقان السوري والإيطالي فيريان أنه بني حوالي 1650-1600 ق.م[11].

الشكل6: مخطط القصر الملكي

- المدفن الملكي: تم الكشف عنه أثناء متابعة الأعمال في قاعة العرش في القصر الملكي من قبل الفريق السوري الألماني، ويتألف المدفن من مدخل يتقدمه تمثالان بازلتيان، يلي المدخل حجرة رئيسية وحولها تتوزع ثلاث حجرات جنائزية (الشكل 7) وتأتي أهمية المدفن من كونه محفوظاً بحالة جيدة مع كامل مقتنياته التي قدمت معلومات هامة عن العادات والطقوس الجنائزية الملكية التي كانت سائدة في قطنا خلال تلك الفترة، فمن خلال محتويات المدفن تبين وجود عدة وظائف كانت تتم داخل المدفن سواء من حيث تحضير جثمان المتوفى والعناية بالموتى وعبادة تقديس الأجداد[12].

الشكل7: مخطط المدفن الملكي

إن التنقيبات الأثرية التي حظيت بها قطنا أعادت إحيائها من جديد وقدمت معلومات تاريخية في غاية الأهمية لا سيما حول العلاقات الدولية خلال تلك الفترة، وهذا بدوره ينعكس إيجاباً عن معلوماتنا حول تلك الفترة في الوقت الحاضر، فالمعرض الذي أقيم في شتوتغارت عن مملكة قطنا ساهم باطلاع العالم الغربي على الإنجازات الحضارية لدول الشرق القديم عموماً ومملكة قطنا بشكل خاص.

الحواشي:
[1] إسماعيل، فاروق: 1996، قطنا في وثائق العهد البابلي، الحوليات الأثرية السورية، م42، دمشق، ص97.
[2] المقدسي، ميشيل: 2010، المشرفة ( قطنا)، الوقائع الأثرية في سورية، المديرية العامة للآثار والمتاحف، العدد 4، دمشق، ص 31-43.
[3] المقدسي، ميشيل: 2009، الكونت روبير دوميسنيل دوبويسون، كنوز سورية القديمة اكتشاف مملكة قطنا، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 99-100.
[4] AL-MAQDISSI M; 1996, Reprise des fouilles a Mashirfeh en 1994, AKKADICA, N 99-100. PP. 1-14.
[5 الفريق السوري برئاسة د. ميشيل المقدسي، والفريق الإيطالي برئاسة د. دانييله بوناكوسي، والألماني برئاسة د. بيتر بفيلتسنر.
[6] بوناكوسي، دانييله: 2009، الاستيطان الأول في قطنا، كنوز سورية القديمة، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 24.
[7] المقدسي، ميشيل: 2010، ص 32.
[8] المقدسي، ميشيل: 2009، دور قطنا في سورية الوسطى، كنوز سورية القديمة، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 119- 120.
[9] بوناكوسي، دانييله: 2009، التدخل في الطبيعة- الإنسان والبيئة، كنوز سورية القديمة، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 127.
[10] بفيلتسنر، بيتر: 2009، السلطة والرفاهية في القصر المكلي، كنوز سورية القديمة، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 165 وما بعد.
[11] للمزيد حول ذلك يمكن مراجعة
بفيلتسنر، المقدسي، بوناكوسي: 2009، أحجية القصر الملكي متى بني، كنوز سورية القديمة، ص 173-177.
[12] للمزيد يمكن مراجعة:
المقدسي، ميشيل: 2010، المشرفة ( قطنا)، الوقائع الأثرية في سورية، المرجع السابق. ص 99-100.
المقدسي، ميشيل: 2007، دورة الملوك الموتى تقديس الأجداد في سورية في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، مهد الحضارة، العدد 2، دمشق، ص 30-35.


إعداد: همام شريف سعد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

موقع مدينة قطْنا الأثرية

الأماكن المنقبة من قبل دوبويسون في موقع قطنا

مخطط مدينة قطنا خلال عصر البرونز القديم

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

ابراهيم الشيخ :

معلومات حلوة وشكرا لصاحب الموضوع
مع تمنيات بازدهار بلدة المشرفة سياحيا

dubai

أسعد (من المشرفة):

بكل الحب والتقدير لعملكم مع الرجاء أن تساهموا في احياء هذه البلدة سياحياً
علماً بأننا نحاول منذ مدة تنشيط هذا الموقع لما فيه خير لبلدتنا الأثرية مع الشكر للبعثات التي تعمل في مملكة قطنا وللسيد الدكتور ميشيل مقدسي المحترم .

سوريا

متابع:

شكرا لك يا سيد همام سعد على هذه المواضيع القيمة

سورية

مالك دو ه جي:

كان الموضوع عن مملكه قطنا عام جدا مثل اضائه تاريخيه ولم نعلم اي شيء عن من مثلا سكن المنطقه ولا بايه لغه يتخاطبون وهناك نقص في الصور التي تظهر الأثر حتى ناخذ صوره عن حجم الأكتشاف بما معناه ان الموضوع لا يغني ولا يسمن

blgume

محمد:

الموضوع جيد ولا بأس به على مستوى مقالة تعريفية بالموقع الأثري، أما في حال التوسع كما يريد الأخ القارئ فمملكة قطنا قد تحتاج كتاباً كاملاً أو دراسة موسعة جداً لاستيفاء كامل التفاصيل، شكراً للكاتب على مجهوده.

سورية

متابع:

بعد التحية لاكتشف سورية لهذا الجهد المميز وهذه الدراسات النوعية التي نحتاجها نحن أهل الضاد، كون هذه الدراسات متوافرة بكثرة باللغات الغربية، وللأسف هي ضحلة باللغة العربية، فقد وجدت أن المادة جيدة، وممتعة، وخصوصاً مع علائقياتها الجيدة، وبالنسبة للصور المنشورة في مادة صور جديدة عن قطنا هي جميلة ومفيدة. أعيد الشكر لكم.

سورية

محمد سامى :

سوريا من اجمل مناطق العالم العربي

مصر

thanaa makdsi yacoub:

تمنياتنا بالتوفيق و النجاح للبعثات الاثرية في بلدنا الشامخ الحبيب٠والى مزيد من الاكتشافات

U.S.A

حسن:

سلام
هل استطيع نشر هذه المعلومات كملك عام يستطيع الجمبع ان يستفيد منه؟
ممنون

ايران