«خزف دمشق الإسلامي».. لمحة تاريخية دمشقية وهوية للقطع الأثرية

24 تشرين الثاني 2013

.

اشتهرت منطقة شرق البحر المتوسط بالعديد من الصناعات العريقة المتنوعة والتي كانت نتاجاً حضارياً لآلاف السنين، فلصناعة الفخار والخزف مكان متميز بين هذه الصناعات إذ تعود صناعة الخزف إلى الألف الثاني وصناعة الفخار إلى الألف الثامن قبل الميلاد. تقول الباحثة منى المؤذن في كتابها «خزف دمشق الإسلامي»: «هذا النوع من الصناعة يعطي فكرة واضحة وجيدة عن النشاط الفني والعلمي والصناعي، ولها أهمية كبرى، فهي تلازم المواقع الأثرية ومن خلالها يمكن أن تأريخ الموقع بشكل عام والمواقع الإسلامية بشكل خاص».

أحبت منى أن تقدم الخزف الدمشقي والخرف في المدن السورية الأخرى، بعد أن وجدت هوية القطع الأثرية الخزفية الدمشقية مغمورة وقد وصلت إلى المتاحف العالمية خلال زيارتها إلى المتاحف ومستودعات الآثار في العالم، فأرادت أن تضع الهوية الأساسية له.

تشير المؤلفة في مصطلحات التسمية إلى أن القطع الفخارية والخرفية تأخذ اسمها وفق الاعتبارات التالية، حسب استعمالها، أو شكلها، أو طريقة صنعها، أو زخرفتها، أو تزجيجها، وتوصلت أيضاً إلى وصف أوضح لجميع أنواع الآنية إذ رأت تصيفها حسب استعمالها «أواني الشراب، والطعام، والإنارة، وقطع فخارية متنوعة».

لا يمكن الحديث عن الخزف الدمشقي دون ذكر الدور الكبير لدمشق وموقعها الجغرافي، تؤكد المؤذن ذلك من خلال ما أورده د. صفوح خير: «إن دمشق تدين بالدور الذي لعبته في التاريخ إلى موقعها أكثر مما تدين إلى ثروتها وغناها فهي تتحكم قي عدد كبير من الطرق الحربية والتجارية».

توضح المؤلفة أن حفريات د. كونتنسون في عصور ما قبل التاريخ هي التي دلت على وجود عدد من المواقع تعود إلى الألفين الثامن والسابع قبل الميلاد نشأت فيها صناعة الفخار، ودل على ذلك الدمى الطينية الإنسانية والحيوانية، والآنية الفخارية المشوية والمصقولة والمزينة بخطوط غائرة.

وفي العصور التاريخية، عندما بدأ الإنسان بالاستقرار تطورت كل الحرف اليدوية، وفيما يتعلق بصناعة الفخار ابتدع الفاخوري الموقد والقرص الدوار، وقد وجدت آثار فخارية من هذه الحقبة في قلعة دمشق عام 2002 م.

كانت صناعة الفخار في الفترة التي سيطرت القبائل الكنعانية الأمورية «الألف الثاني قبل الميلاد» قمة من ناحية الصنعة والشكل، نجد فيها «الأباريق، والسرج ويقصد بها المصابيح، والصحون، والجرار أي الآنية التي يجر بها الماء من الينبوع أو العين إلى المنزل، والمثقب الحاصل من انثناء الشفة في كل من الأبريق والسرج».

في عهد الاحتلال الآشوري البابلي، تحولت العواصم مثل دمشق وحلب وحماه، إلى مدن من الدرجة الثالثة والرابعة، حسب مابينته منى قائلة: «هكذا ينتهي تاريخ دمشق في العصور القديمة».
في العصر الروماني أنشئ سور دمشق بأبوابه السبعة، ولقبت دمشق ميتروبول «أي مدينة رئيسية»، كما تشير الباحثة أيضاً إلى أن دمشق كانت مسرحاً لظهور ونشوء الديانة المسيحية واليوم تحفظ لهم آثاراً باقية، وفي أواخر القرن الرابع انقسمت الإمبراطورية الرومانية، ومن ثم جاء الفتح الإسلامي على يد خالد ابن الوليد وأبي عبيدة ابن الجراح.

تقول منى: «تبوأت دمشق الصدارة في العصر الأموي وغدت عاصمة الخلافة الإسلامية، وبلغت القوة العسكرية فيها مستوى رفيعاً، وشهدت مداً في الفتح الإسلامي وحركة في التنمية الحضارية وبدأت بذور التلاقي بين الأمم».
على حين تراجع دور دمشق في العصر العباسي حسب ما أشارت إليه الباحثة، حيث أصبحت بغداد العاصمة وغدت دمشق مدينة ثانوية ومع ذلك فقد زارها بعض الحلفاء العباسيين، أما في العصر العثماني فأوردت بأنه ظهر فيه الكثير من محاولات الاستقلال، وهنا حاولت المؤلفة أن تعطي لمحة تاريخية عن مدينة دمشق.

للأواني الخزفية مكانة متميز بين الآثار الإسلامية، فتقول منى: «وصلت هذه الأواني إلى قمة إتقانها وجمالها خلال العصور الإسلامية»، وبالنسبة للخزف الإسلامي مر بمراحل متعددة أدرجتها الباحثة على النحو التالي:

المرحلة الأولى: امتدت منذ ظهور الإسلام حتى القرن الثالث الهجري، حصل فيها تمازج بين الحضارتين الشرقية والغربية، وبين الفن الإيراني الشرقي والبيزنطي الغربي مع الفن في بلاد الشام وبلاد مابين النهرين ومصر، وظهرت فيها قطع فخارية وخزفية مزينة بكتابة عربية.

المرحلة الثانية: بدأت فيها التشكيلات النباتية والهندسية مع إبداع في التنفيذ عن طريق الوخز والحز والختم والقطع واستعمال القالب.

المرحلة الثالثة: تعتبر هذه الفترة قمة الإنتاج مع الجمالية والإبداع في تاريخ الخزف الإسلامي.

المرحلة الرابعة: ازدهر فيها بعض مواقع آسيا الصغرى.

أشارت الباحثة أيضاً إلى أنماط الخزف الدمشقي، النمط الأول الخزف وحيد اللون وهو من أقدم أنواع الخزف ويعود إلى فترة ما قبل الإسلام، ووجد بشكل محدود في العصر الأموي، والنمط الثاني أطلق عليه الخزف المتعدد الألوان، عبارة عن خزف مزين بزخارف متعددة الألوان.

أما الثالث فهو الخزف ذو البريق المعدني الذي يعتبر من أرقى الأنماط، والنوع الرابع الخزف ذو الزخارف السوداء تحت طبقة زجاجية خضراء شفافة ويعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد في موقع أوغاريت كما يعد من أقدم الأنواع المعروفة، وهناك أيضاً الخزف المزين بزخارف سوداء وخضراء على مهد أبيض تحت طبقة زجاجية شفافة، والخزف المزين بزخارف سوداء وزرقاء على مهد عاجي، والخزف المزين بزخارف زرقاء على مهد أبيض، والخزف المحزوز «سيكرافيتو».

«خزف دمشق الإسلامي» كتاب جديد صادر عن المديرية العامة للآثار والمتاحف للباحثة منى المؤذن التي سعت خلال 216 صفحة من القطع المتوسط أن تعطي فكرة عن الخزف الدمشقي عبر العصور الإسلامية ولتعيد للقطع الأثرية هويتها الحقيقية.


لودي صارجي

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق