فن الشرقيات: روح الماضي وعبق التاريخ اللذان يسكنان فينا

29 أيلول 2013

.

فن عمره مئات السنين، توارثته الأجيال، ليمتزج الحاضر مع الماضي فيخلق حالة إبداعية، ويصف أصحاب هذه المهنة عملهم، بالشعر، لأنه يحتاج إلى حس عالٍ، وعال جداً.

صناعة الشرقيات في سورية لم تعد تقتصر فقط على أصحاب المهنة الذين نعتقد أنهم يجب أن يكونوا كباراً في السن، فهذه المهنة انتقلت إلى الأبناء لتتجسد بروح شبابية عبر صورة متكاملة تنسج تاريخاً طويلاً. يُعرف مصطلح الشرقيات بأنه مصطلح ينسب إلى بلاد الشرق، وهي حرفة عرفها الشرق منذ أقدم العصور، وتميز كل بلد عن الآخر في صناعتها وذلك حسب المواد الأولية المتوافرة فيها، كالألوان النباتية، والحيوانية، لصباغة الصوف والقطن، وشعر الماعز، لذلك هذه الحرفة تتميز بشيء مختلف من بلد إلى آخر.

لقد ورث خالد البيات مهنته من والدته، وهو يرى أنها حرفة ممتعة. ففي كل قطعة ترسم لنا بزخارفها رواية، وحكاية عائلية، كما ترسم لنا الحياة بعيون أجدادنا، وصعوبة الحياة في ذلك الزمن. فمثلاً إذا أرادت أم أن تصنع بساطا يدوياً، فصنعه سيأكل من يدها وجسدها سنة كاملة بمقدار ست ساعات يومياً، لتنجز في النهاية لوحة مبدعة ممتزجة ألوانها بعرق جبينها. خالد يرى أن الشرقيات في بدايتها كانت حاجة، أما الآن فهي أصبحت هواية لمن يفهمها، فهي تحاكي العصور وأشكال الحياة.

وحول الفئة الأكثر شراء للشرقيات باختلافها، يؤكد خالد أنه لا فئة أو نوعاً معيناً، فالمصنوعات اليدوية كالرسم، ولكل شخص ذوق فيه. ثم يوضح خالد أن الغرب اعتنق الفن العربي منذ العصور القديمة، وذهل بروعة الصناعات اليدوية ونقوشها، وباتوا يتفاخرون بالمجموعات الشرقية التي يمتلكونها.

حول العقبات التي تواجه حرفتهم، شدَّد خالد على أنه كمحترف لهذه المهنة لا يعاني عقبات، فالدولة شجعت أصحاب المحلات التجارية ,وفرت كافة الخدمات للسائح، ولكنها اليوم تأثرت بفعل الأزمة التي تمر بها سورية في الوقت الراهن لأن عمودها الأساس يعتمد على السياحة.

وحول من يزعم أن اليهود هم أول من امتهن صناعة الشرقيات، استنكر خالد هذا الادعاء وأكّد على أن من يتداول هذا الأقاويل مخطئ ومصاب بالغباء، لأن هذه الحرفة ظهرت مع بداية وجود الإنسان حيث كانت نتيجة للظروف البيئية التي عاشها منذ الأزل، كحاجته للتدفئة وتغطية الجسد، ولم يكن هناك أي مخترع لهذه المهنة، واليوم السوق الدمشقي يتميز بزخارفه وألوانه الخاصة وله طابع مميز، فمثلاً تتميز الموبيليا الدمشقية بالموازاييك، أو تطعيم الخشب بالذهب والفضة والصدف، فلدمشق سحر خاص بنظر السائح، ولها مزادات وأسواق في أهم عواصم العالم.

أما مجد خواجة فيؤكد أن مهنة الشرقيات هي جزء من تراثنا، فقبل 60 عاماً كانت معظم الناس تعمل بالنحاس، والسجاد، والخشبيات، وكان العمل يأخذ وقتاً طويلاً من صانعه، ولكن للأسف اليوم لم يعد أحد لديه باع طويل كي يجلس على قطعة ما عشر ساعات مثلاً. أما خواجة فيخالف البيات حيث يقول إنه سمع من أجداده أن هناك جزءاً من اليهود العرب امتهن هذه المهنة، ورفض تعليمها لأحد غيره، غير أن الدمشقيين استطاعوا تعلمها والإضافة عليها لتغدو صناعتها لها ميزة خاصة عندهم.

وحول اختلاف صناعتها من بلد لآخر، يشرح خواجة أن صناعتها تختلف حسب توافر موادها من بلد آخر، في سورية مثلا نصنع الخشبيات ونطعمها بالصدف، أما في دول أخرى، فيكون التطعيم بالفضة، ومنهم من يطعهما بالذهب، وذلك حسب طلب الزبون، ويرى الخواجة أن صناعة الشرقيات انحصرت بين حلب ودمشق لخصوصيتهما، من حيث الموقع والحضارات التي مرت عليهن.

عماد البيات، وهو من عائلة البيات التي تعتبر أول من امتهن حرفة الشرقيات في دمشق القديمة، يعشق حرفته حتى النخاع، وهو مرتبط فيها منذ الصغر ويصفها كألحان وصوت فيروز، لأنه لا يستطيع أن يبدأ نهاره سعيداً دون لمس كل قطعة من فنه في مكانه الكائن في دمشق القديمة. وحول قِدم حرفة الشرقيات، يؤكد البيات أن العرب أول من احترف هذه المهنة، ولكن كل دولة عربية تختلف عن الأخرى من حيث الذوق والتراث الخاص بهم والمواد الأولية المتوافرة لديهم، فمثلاً في سورية أكثر اعتماداً على الصدف، أما في مصر فيطلقون عليها اسم أرابيسك، حيث يُطعّم جزء منها بالصدف، ولكن مع اختلاف أشكال وأنواع الصدف بين البلدين، ومنها ما هو مطعم بالفضة.

صناعة الشرقيات عالم من الخيال، يأخذك إلى أماكن غادرناها وغادرتنا، ولكن عبقها وإرثها ما زالا حاضرين بيننا حتى هذا اليوم.


وسام حمود

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق