حوار مع الأستاذ الدكتور مأمون عبد الكريم -مدير الآثار والمتاحف- في سورية على أثير «شام إف إم»

03 تشرين الأول 2012

.

ما هو حجم الضرر الذي أصاب الآثار في بلادنا؟
هناك أضرار موجودة وخطيرة في بعض المواقع الأثرية، ولكن يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام:
ممكن أن تكون أضرار على مستوى نهب من قبل لصوص الآثار حيث في هذه الفترة الأخيرة، حيث نشطت أعمالهم في بعض المواقع الأثرية. وأؤكد لكم أن هذه ليست ظاهرة سورية هي ظاهرة عالمية موجودة في كل البلدان، ولكن بسبب الأحداث التي تعيشها سورية للأسف وبسبب الوضع الصعب الذي نعيشه حالياً في سورية، أعطت الفرصة لبعض هؤلاء في المناطق البعيدة عن السلطات الأثرية أو السلطات المعنية في الدولة أو حتى المجتمع المحلي أن يقوموا بأفعالهم من تدمير وتخريب المواقع الأثرية بهدف سرقة الممتلكات الأثرية من هذه المواقع.
أما الضرر الثاني نتيجة بعض الاشتباكات كانت هناك أضرار محدودة ومعينة في بعض القلاع الأثرية. طبعاً المديرية العامة للآثار والمتاحف في المستقبل ستقوم بالإجراءات الكفيلة لإجراء الترميمات اللازمة حول هذا الموضوع.
الضرر الثالث يتمثل في عملية العشوائيات والبناء العشوائي في بعض حرمات المواقع الأثرية، بالتالي أثر المشهد الأثري المحيط بهذه المواقع بتلك العشوائيات في بعض المناطق.
أما المتاحف في سورية فهي مؤمنة بطريقة ممتازة والحمدلله،لم يُسرق من متاحف سورية حتى هذه اللحظة -وهي ظاهرة ملفتة- لم يُسرق حتى الآن سوى قطعتان أثريتان ليستا بنادرتين، إحدى هذه القطع سُرقت منذ أكثر من عام من متحف حماة والأخرى نتيجة اقتحام مسلحين وعصابات الآثار إلى متحف أفاميا وسرقوا منها قطعة حجرية.
على العموم مشكلتنا الأساسية والضرر الكبير حالياً متمثل في المواقع الأثرية البعيدة عن التجمعات السكانية وبعيدة عن السلطات الأثرية، بالتالي المجتمع لا يستطيع أن يلعب دوره الايجابي في الدفاع عن تراثه الثقافي. كما تعلمون هناك عشرة آلاف موقع أثري في كل المحافظات السورية.

دكتور، كنت تتحدث عن المتاحف، من الجيد أن المتاحف لم تتضرر، لكن أنت أدرى بما يقال عن أن سورية هي متحف في الهواء الطلق
صحيح نحن عندما نتحدث عن ذلك فهناك شكلان من المتاحف: المتاحف الأثرية حيث تتواجد فيها القطع الأثرية، هي مؤمنة والقطع الأثرية تم إخفاؤها بطريقة ووفق سياسات متعارف عليها عالمياً في أثناء الحوادث، وهي بألف خير. أما عن متاحف المواقع فيوجد هناك بعض المواقع الأثرية تلعب دور المتحف في الهواء الطلق باختلافات مختلفة، مثلاً نستطيع أن نقول أن القرى الأثرية المدرجة في لائحة التراث العالمي في جبل الزاوية وضعها جيد حالياً بالمقارنة إلى موقع إبلا على سبيل المثال كانت هناك أعمال تخريب ونهب من قبل عصابات الآثار.

بالنسبة للقلاع: هل تضررت أي قلعة في سورية خلال الأحداث؟ هناك معلومات أن قلاع إما قد سُرقت أحجارها أو هدمت بعض أركانها
هناك مبالغات أحياناً في بعض المواقع عندما تتحدث عن التدمير الشامل والكامل! ليست هناك هذه المصطلحات هنا في سورية هناك تضرر نتيجة اشتباك، فقد وجدنا في بعض القلاع من خلال بعض التقارير التي وصلتنا من قبل مديريات الآثار في المحافظات السورية هناك أضرار محددة في أماكن محددة. كما تعلمون القلاع لها تاريخ من الحوادث والأحداث عاشتها، ونحن في المديرية العامة من المعتاد ودائماً نقوم بأعمال ترميم وصيانة، وإن شاء الله ستكون هذه الأضرار الأخيرة التي حدثت في قلعة الحصن أو في قلعة شيزر أو في قلعة المضيق من رأس أولويات المديرية العامة للآثار والمتاحف في المستقبل بعدما تنتهي الظروف وتهدأ الأمور.

دكتور، دعني أنتقل إلى حلب: هناك أربعة أسواق أو خمسة أسواق -أتأكد منك من الرقم- أسواق أثرية أُحرقت جراء اشتباكات، بعضها قام مسلحون بإحراقه وبعضها احترقت جراء الاشتباكات. ما قيمة هذه الأسواق؟ وهل هناك سبيل لإعادتها إلى الرونق الذي كانت عليه أو أن الضرر بالغ؟
الإشكالية المتعلقة بالنسبة لنا حتى الآن هو أنه ليست لدينا معلومات دقيقة ووافية من قبل مديرية آثار حلب، ولكن مثلما سمعنا من الأخبار وتوارد لدينا من الأنباء أن هناك حرق شامل لسوق معين. أكيد فقد خسرنا نهائياً هذا السوق خاصة أن هذه الأسواق تحاكي قصة تاريخ حلب خلال عصور وبما فيها من المباني وخانات ومباني أثرية هامة جداً في هذه المناطق. أكيد عندما يكون هناك حريق كما سمعنا ستكون هناك خسارة هائلة وخطيرة ومن الصعب استعادة تلك الأسواق، إلا من خلال عملية إعادة بناء وليس عملية ترميم؛ ولكن عندما يكون الضرر نتيجة في نقطة معينة في مناطق محددة، فإن أعمال الصيانة والترميم تستطيع أن تكون وسيلتنا الأساسية في استعادة الأمور كما كانت سابقاً. ولكن عندما نتحدث عن دمار وحريق للسوق بشكل كامل فأكيد خسارة كبيرة للوطن وللشعب ولتاريخ سورية بشكل عام.

دكتور، كمدير عام للآثار والمتاحف في سورية ما الذي تخشاه في هذا الصعيد؟ ما أكثر ما تخشاه من الممكن أن يلحق ضرراً بالغاً بتاريخ وآثار سورية؟
الجزء الأول والأخير هي عمليات الحرق، لذلك فقد وضعنا سياسات في كل المباني التاريخية من خلال تأمين وسائل حماية للمساعدة في إخماد حرائق إذا حدثت، لكن الخطر الأعظم من تلك العصابات هم من ليس لهم تاريخ ولا يحترمون الوطن ولا تاريخه وشرفه، هؤلاء هم عصابات الآثار حيث نشطت أدوارهم في الفترة الأخيرة خاصة في المواقع الأثرية البعيدة عن التجمعات السكانية لمجتمع غير قادر عن الدفاع عن هذا الأثر، والسلطات الأثرية غير قادرة، كما تحدثت لك سابقاً أن لدينا عشرة آلاف موقعاً، لذا عندما يكون كل موقع بعيداً حوالي 100 كيلو متر عن التجمع السكاني تنشط في هذه المواقع عصابات الآثار، بالتالي يعيثون فسادا وتخريباً بحثاً عن بعض الكنوز وأحياناً لا يحصلون على شيء، ولكن النتيجة هي خسارة لسويات أثرية تمثل تاريخ وصفحات من تاريخ سورية. بالتالي نحن وضعنا سياسة وحملة وطنية في وزارة الثقافة -المديرية العامة للآثار والمتاحف- حول دعم المجتمع المحلي، الذي يجب أن يقوم بدوره الفعال في الدفاع عن المواقع الأثرية، كل إنسان في قريته في بلدته في مدينته، وإلا ستكون خسارة كبيرة لا سمح الله.

دكتور، هناك معلومات -ودائماً أنت معنا لنتأكد منها- أن هناك لصوص آثار، وهؤلاء محميون بسبب الفوضى في بعض المناطق، يقومون بسرقة الآثار التي لم تكتشف بعد وقد بدؤوا ينقبون. أليس هذا أكثر خطورة على تاريخ سورية من الآثار المكتشفة؟ يعني هذا ربما هي سرقة للعمل الأثري وسرقة للمعلومات التي ممكن أن تكتشف معها؟
طبعاً الآثار المكتشفة هي كنز هائل لسورية ولتاريخها، وطبعاً لا يمكن المقارنة على اعتبار أن ليس كل ما ينقب في المواقع الأثرية قد تكون نادرة ولها أهمية كما الموجودات في المتاحف، بالتالي خوفنا الأساسي ووضع سياسات جداً صارمة لعملية إخفاء القطع الأثرية الهامة والنادرة والثمينة في أماكن مؤمنة.

هذا على مستوى سورية؟
على مستوى كامل سورية وكل متاحف سورية، أؤكد لك عبر شام اف ام أنه لم يسرق من متاحف سورية حتى هذه اللحظة سوى قطعتان هما ليستا بنادرتين، أما المواقع الأثرية فهناك نشاط في بعض المناطق الأثرية كانت موجودة فيها عصابات الآثار، كانت تعمل سابقاً بنوع من تحت الخوف والضغط أحياناً، ولكن توفرت لديهم ظروف بسبب الوضع الحالي أن يكونوا يملكون شيئاً من الحرية أكثر للعمل وللتخريب في هذه المواقع. هناك تخريب أكيد في قلب الموقع الأثري، مما يشكل خسارة أكيدة لنا كآثاريين لسورية وتاريخها، ولكن هؤلاء لا يهمهم سوى البحث عن لوحات الفسيفساء بطريقة عشوائية أو بعض الكنوز، وليس كل مرة يحصلون على هذه المكتشفات. الشيء الأكيد والمؤكد أن حرصنا وخوفنا العميق حالياً كان منصباً بشكل قطعي على متاحفنا أولاً لتكون بخير، والحمد لله حتى الآن هي بألف خير، ثم المواقع المنقبة والمدرجة ضمن اللائحة الوطنية ونقبت فيها لسنوات طويلة.

دكتور، ذكرتَ لي أن قطعتين أثريتين قد سُرقتا من متاحف سورية: واحدة من متحف حماة وواحدة من متحف أفاميا. بغض النظر عن القيمة الأثرية والتاريخية لهاتين القطعتين، هل من الممكن أن يتم تعقبهما بسبب الوضع السياسي اليوم؟ يعني إذا ظهرتا بباريس مثلاً أو في لندن، هل من الممكن أن نطالب بهما؟ هل نحن قادرون بسبب الوضع السياسي اليوم على استعادتهما؟
ثق تماماً أنه حتى لو اُكتشفت بعد عشرة أعوام أو عشرين عاماً ستعاد إلى سورية لأن هناك مواثيق دولية وسورية قد وقعت اتفاقات دولية في هذا الخصوص، وهناك شروط ناظمة بين الدول حول استعادة القطع الأثرية، وهذا ما حدث لبعض اللوحات الفسيفساء التي كانت قد سرقت من منطقة أفاميا قبل أكثر من عشرين عاماً. والمديرية قبل عشرة أعوام استعادت أكثر من 35 لوحة فسيفساء من كندا نتيجة ملاحقة قضائية، علماً أن تلك اللوحات لم تكن مسجلة في المتاحف السورية. أما عندما تكون هذه القطع مسجلة وموثقة في المتاحف السورية ستعاد حتى لو مرّ على سرقة تلك القطع خمسون عاماً ستعاد إلى سورية لأنها حق مكتسب ومثبت وفق الجداول ووثائق المديرية العامة للآثار والمتاحف.

دكتور، غداً في القاهرة هناك اجتماع سيناقش حماية التراث والتاريخ السوري تنظمه اليونسف وتشارك به ربما منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمات دولية. هل وجهت لكم دعوة لحضور هذا المؤتمر؟
للأسف لم يتم توجيه أي دعوة إلينا، ونحن استغربنا حول إقامة نشاط مثل هذا في القاهرة في حين لا تكون الجهات المعنية في سورية المتمثلة في الجهة الوصائية على الآثار في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن تكون أول من يبلغ بهذا الموضوع أو أن تتم دعوة بعض الأعضاء من المديرية العامة ليكونوا شاهدين على ما يجري في سورية. للأسف لم يحصل هذا، وهو شيء مستغرب في العلاقات العلمية والعلاقات الدولية الناظمة في مسائل الآثار والمتاحف في العالم.

دكتور، في غياب مشاركة سورية، وكما قلت هي الفاعلة في موضوع كهذا، ماذا من الممكن أن يخرج به المجتمعون في القاهرة؟ ما الذي سيقولونه: هل هو مجرد كلام وتصريحات، أم هناك شيء عملي من الممكن أن يخرجوا به؟
أنا أؤكد لك أنه لن يكون هناك أي نتائج في هذا المؤتمر طالما الجهات المعنية المتمثلة بالمديرية العامة للآثار والمتاحف ليست حاضرة، ستكون هناك عبارة عن فرقعات كلامية وأحاديث أن سورية أصبحت عراقاً ثانياً، وتحدث اليوم بعض وكالات الأنباء عن أن بعض القائمين على هذا المؤتمر متمثلاً باتحاد الآثاريين العرب في مصر ليتحدثوا عن القطع الأثرية من حمص توزعت في دول الجوار؛ وأقاويل كهذه كلها أكاذيب وكلها معلومات غير صحيحة وغير دقيقة، بالتالي إذا كانت هناك جدية في إقامة مثل هذا النشاط والدفاع عن تراث وثقافة سورية، وهذا ما نطمح إليه ونتعاون من أجله في إقامة مثل هذا النشاط، ولكن على أن نكون مشاركين لنكون قادرين على إيصال الأوجاع الموجودة في سورية، ولنستفيد من هذا النشاط، لكن على ما يبدو فإن استبعاد حضورنا من هذا المؤتمر هو الهدف، وكما قلتُ لك فإن هذا الشيء غريب في العلاقات الثقافية والعلاقات بين الدول في موضوع الآثار وحماية الآثار حول العالم.


إذاعة شام إف إم

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق

فاطمة الابراهيم:

سوريا أم العالم أو الأفضل قلب العالم النابض بالعراقة وتنوع الحضاري والثقافي أشكر الدكتور مأمون على الكلمة الطيبة والمليئة بمشاعر الحب والأخلاص للوطن الغالي سوريا

سوريا