الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق تقيم مبيت النهر الأسود

13 أيار 2012

الجمعية: حاولت الطبيعة جاهدة أن تختبرنا و تضعنا في احتمالاتها الصعبة

«حاولت الطبيعة جاهدة أن تختبرنا و تضعنا في احتمالاتها الصعبة المضنية .. فنجحنا وتصالحنا معها» بهذه العبارة، يصف طاقم الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق «أنا السوري» مبيت «النهر الأسود» والذي جرى في الأيام الأولى من شهر أيار الحالي.

جرى المبيت في محافظة اللاذقية بريف ناحية مشقيتا وكان الهدف منه تجاوز وادي وجرف النهر الأسود. ويمثل النشاط المبيت الصيفي السنوي الأول من نوعه في الجمعية حيث ضم 20 متطوعاً من شباب الجمعية من ثلاث محافظات هي كل من دمشق وحلب واللاذقية.

وشمل خط المبيت المقرر المناطق التالية حيث بدأ من بلدة السرايا مروراً ببلدة بيت عوان ونهر الرحملية وبلدة بيت حلبية فالنهر الأسود إلى بلدة الزهراء وصولاً إلى بحيرة 16 تشرين بمشقيتا. ووفقا للشاب خالد نويلاتي -أمين سر الجمعية- وقائد نشاطاتها فإن أهداف النشاط كانت متعددة وتمثلت باختبار قدرة وطاقة الفريق المشارك في هذا المبيت على تحمل السير لمسافات طويلة والنوم في الغابات الحراجية مستخدمين أبسط المعدات المتاحة لهم بدون استخدام الخيم وبمؤنه بسيطة لا تكفي إلا ليوم واحد، إضافةً إلى تدريب الفريق على كيفية التأقلم مع هذه الطبيعة معتمدين على مكوناتها الطبيعية في طعامهم وشرابهم ومنامتهم، حيث يضيف: «أود أن أقول بأنه في هذا النشاط جرى إقحام الفريق المشارك في تجارب قاسية وصعبة وفق سيناريوهات افتراضية منها على سبيل المثال سيناريو (ضياع مفترض للفريق في الغابات) وسيناريوها أخرى غيرها. ويعتبر هذا (مبيتا متجولاً)؛ بمعنى آخر، كنا في النشاطات السابقة نقوم بنشاطات المبيت بطريقة التمركز في نقطة ثابتة (أي يكون موقع المبيت ثابتا مع قيامنا بنشاطات خاصة بهذا المبيت انطلاقا من هذا الموقع الثابت)، في حين قمنا في هذا المبيت بتغيير التكتيك وتنظيم مبيت متجول بحيث تسير المجموعة في عدة مناطق وقبل غروب الشمس تستقر وتقيم مبيتها. وبهذه الطريقة تكون المجموعة قد زارت مناطق متعددة ومتنوعة في مبيت واحد، وأقامت مخيمها في عدة نقاط. ومن أجل إنجاح مثل هكذا مبيت فإن ذلك يتطلب قدرة كبيرة وخبرة واسعة في طريقة التأقلم مع الطبيعة وخصوصاً فيما يتعلق بموضوع حمل الوجبات الغذائية ومعدات المنامة ومعدات الطهي والطوارئ بشكل مختصر وبوزن خفيف».


من أجواء مبيت النهر الأسود
للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق
(أنا السوري)

مراحل التنفيذ

بداية الرحلة كانت مع تجمع المشاركين في مقر الجمعية حيث انطلقت الحافلة بهم إلى محافظة اللاذقية ليلتقوا مع مشاركي المحافظات الأخرى. بعدها، توجه المشاركون إلى بلدة السرايا قرب بحيرة بلوران حيث جرى هناك الاستعداد للسير. يقول الشاب «خالد»: «صادف يوم النشاط وجود جو عاصف وأمطار غزيرة جدا ما جعلنا نبطئ السير وأُجبرنا على السير بعيدا عن الطريق المعبد لمسافة 4 كم ضمن بساتين القرى المحيطة وغابات السرو والصنوبر الكثيفة والرائعة الجمال والتي غسلتها الإمطار حتى ظهر لونها الحقيقي. استغرق معنا المسير أربع ساعات وصلنا بعدها إلى بلدة بيت عوان في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر. وهنا بدأنا نبحث عن مسلك آمن للهبوط بين الأحراش إلى نهر الرحملية قبل غروب الشمس معتمدين على الصوت الهادر لمياه النهر لنهتدي إلى موقعه. وفي الوقت المناسب تمكنا من التقاط بداية وادي نهر الرحملية في جو من الضباب الكثيف، وما هي إلا دقائق حتى كنا داخل مجرى النهر مجبرين على السير داخل المياه والأمطار تغطي رؤوسنا وحقائبنا».

ومع انخفاضهم إلى عمق الوادي، انخفضت كمية الضوء الواصل إليهم وبالتالي قرروا التمركز وإقامة المخيم المؤقت حالما شعروا بأن الشمس توشك على المغيب ويضيف:
«بدأنا العمل على البحث عن مناطق جافة داخل الوادي للجلوس عليها وقضاء الليل على ضوء النار. وقمنا خلال ذلك بتقسيم المجموعة المشاركة إلى عدة فرق صغيرة (أرهاط) حسب المناطق الجافة وتوزعنا على مناوبات الحراسة الليلية. تناولنا وجبة العشاء وبدأت سهرة النار. كان الوادي موحشا جداً في الليل، كما أننا أحسسنا باقتراب وحوش الغابة منا ووقوفها على مسافة لا تتجاوز العشرين مترا وخصوصاً مع ساعات الصبح الباكر. وقبل شروق الشمس استيقظنا على أصوات الطيور البرية في جو بارد ورطب حيث كان الوادي مليئا بالأشجار العملاقة من السنديان والحور المغطى بالنباتات المتسلقة وكان من المستحيل على ضوء الشمس اختراق أوراق الأشجار إلى عمق الوادي. وهنا بدأت المرحلة الثانية من النشاط».

بداية المرحلة الثانية كانت بعد تناول الفريق الفطور الصباحي حيث جرى تجهيز الحقائب وعزلها بالأكياس البلاستيكية خوفاً من أن تبتل بمياه النهر الغزيرة في حال السقوط به؛ يضيف الشاب خالد: «بدأنا السير بخطى حذرة فوق الصخور الضخمة، وبدأنا نلتف في ثنايا الوادي ونقفز فوق الحجارة متكئين على العصي. كان من المستحيل على جميع أعضاء الفريق المحافظة على توازنهم خلال سيرهم فلم ينجو أحد من السقوط في المياه التي غمرتنا عدة مرات رغم كل محاولاتنا لتفادي السقوط فيها. وفي منتصف الطريق، استسلم الجميع إلى فكرة السباحة حيث قاموا عدة مرات بالسباحة داخل النهر. كما تخلل هذا المسير البرمائي عدة استراحات لتجميع باقي أفراد المجموعة ومن ثم الانطلاق».


من أجواء مبيت النهر الأسود
للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق
(أنا السوري)

لم يكن داخل هذا الوادي أي معلم يدل على الحضارة الإنسانية لا من قريب ولا من بعيد الأمر الذي تجلى بنظافة الوادي وخلوه من القمامة (أو أشباه القمامة) والتي تدل على تواجد بشري سابق. كما أن المياه الصافية الداخل النهر أدت إلى حصول المشاركين على مصدر مياه عذبة نقي كانوا يشربون منه طوال الوقت حيث يضيف: «في نهاية الوادي، وصلنا إلى أحد البساتين من الجهة الغربية له والذي أعطانا الإشارة باقترابنا من بلدة الرحملية. كانت البساتين التي تحيط بنا هي بساتين البرتقال، وبالتالي أقمنا فيها استراحة طويلة خصوصا وأن مسيرنا وصل لخمس ساعات متواصلة، إضافة إلى تناولنا الكثير من البرتقال الذي مدنا بالطاقة اللازمة لمتابعة المسير. بعد ذلك، ثم بدأنا صعود قمة الجبل للوصول إلى الطريق الأسفلتي المؤدي إلى بلدة بيت حلبية. وهناك، كان التعب قد تمكن من الجميع فقررنا الاستراحة في أحد حدائق البيوت الريفية الجميلة في تلك البلدة وأخرجنا ما نمتلكه من طعام للغداء والتقينا بأهالي البلدة حيث أرشدونا إلى وادي النهر الأسود. وفي تمام الساعة الخامسة من بعد الظهر، انطلقنا للبحث عن الوادي .وبعد عدة محاولات لاختراق الأحراش، تمكنّا وقبل غروب الشمس من الوصول إليه حيث قررنا الاستقرار على ضفافه في أول فسحة. نظفنا ما حولنا من أعشاب وجمعنا الحطب وأشعلنا نار المخيم وكما حصل معنا في اليوم السابق تقاسمنا الحراسة بطريقة التناوب. كان الوادي أقل ظلمة من وادي الرحملية بسبب قلة أشجاره مما مكن ضوء القمر المكتمل في تلك الليلة من الدخول إلى الفسحة التي كنا فيها، أما بخصوص الوحوش فلم نعاني من خطرها بل عانينا من «نقيق الضفادع» الذي لم يرحمنا طوال الليل».

مع صبيحة اليوم الثاني، استيقظ الفريق باكراً في تمام الساعة الخامسة متحضراً للانطلاق في وادي النهر الأسود. وبعد تناول وجبة الفطور والتقاط الصور الجماعية التذكارية، بُدء بالسير في الوادي والذي كان أقل وعورة من سابقه إلا أنه في الوقت نفسه كان ذي حجارة ملساء مزحلقة بطريقة غريبة جداً؛ يضيف الشاب خالد: «أهم ما ميز هذا الوادي انكشاف مجراه على السماء ما سمح لضوء الشمس بالدخول إليه بالإضافة إلى كثرة الطحالب وتنوع نباتاته المزهرة وتعرجات مسلكه بين الجبال. وكنا خلال سيرنا قد مررنا بطريقين ترابيين يقطع هذا الوادي مما يدل على قرب القرى من هذا المجرى. أما أكثر ما كان مزعجا هو وجود نفايات بشرية داخل النهر. بعد أكثر من ست ساعات سير داخل الوادي، تمكنا من الوصول إلى الثلث الأخير منه حيث بدأنا نسمع أصوات السيارات التي تسير على الطريق الأسفلتي القريب. عندها قررنا البحث عن مكان متسع وجاف لإقامة مخيمنا الثالث في عمق الوادي وكان من المقرر أن نستريح حتى المساء. وفي منتصف الليل، باشرنا السير ليلاً للوصول إلى بحيرة مشقيتا وهذا ما لم يتحقق بسبب الإرهاق الشديد الذي أضنى جميع أعضاء الفريق. لذلك بدأنا بجمع الحطب وإشعال النار، وبدأت مناوبات الحراسة. أما باقي الفريق فقد خلد إلى النوم رغم نقيق الضفادع الذي لا يرحم».

ويضيف بأن المرحلة الأخيرة من المبيت كانت مع الاستيقاظ في الصباح الباكر والانطلاق إلى الطريق المعبد بعد تناول الإفطار مشيراً إلى أن الحزن كان مخيما على الفريق والسبب كما يقول: «كان الفريق يشعر بالحزن الشديد كوننا سنعود إلى المدينة بعد أن سحرتنا الطبيعة بكل ما فيها من هدوء وجمال. وبين أدخنة السيارات وأصواتها ركبنا الحافلة عائدين إلى مدننا تاركين وراءنا ذكريا لا تنسى».


من أجواء مبيت النهر الأسود
للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق
(أنا السوري)

تجربة جديد... إنما ناجحة

حقق هذا المسير نتائج كبيرة ومميزة وهامة -كما يقول الشاب بهزاد شكو من فريق الطوارئ منها اكتشاف الجمعية لنوع جديد من النشاطات والتي ستكون ذات أهمية عظيمة في مستقبل الجمعية وأخرى يقول عنها: «اكتشفنا أيضاً خلال نشاطنا أخطاء كثيرة في طريقة تنفيذ هكذا نوع من النشاطات وخاصةً من ناحية وزن الحقيبة وطريقة ترتيبها وتوزيع المعدات على المتطوعين. وسنعمل خلال النشاطات القادمة على معالجتها في النشاطات القادمة. كما أنه من الأمور التي عانينا منها (المرونة الزائدة) في التعامل مع موضوع الانسحاب من المبيت والذي طابه بعض المشاركين حيث انسحب ما يقارب من ربع المشاركين (5 من أصل 20) لعدم قدرتهم على تحمل مشقة هذا المبيت رغم أن الجمعية واللجنة المنظمة لهذا المبيت كانت قد قامت بالتحذير من صعوبة هذا النشاط وخصوصاً في إعلاناتها طوال فترة التحضير. من ناحية أخرى، وجدنا أن البراري في سورية مازالت غير مستكشفة بشكل دقيق وفيها مساحات هامة وواسعة مازالت بخير ولكنها لن تبقى كذلك إذا ما تم متابعتها والعناية بها وسوريا هي الأهم في منطقة الشرق الأوسط من حيث التنوع الطبيعي وأهمية محتويات هذه الطبيعة من كل النواحي (التضاريس و النباتات والحيوانات والمناخ) وحتى المجتمعات البشرية الراقية التي تجيد التعامل مع زوار هذه الطبيعة».

أما الاستنتاج الأخير فهو تجاوز الجمعية لأهم وأخطر اختبارات الطبيعة الخاصة بها حيث سار أفرادها في مسلك مائي لمسافة 30 كم ضمن مبيت برمائي بكل صعوبات الطبيعة وبالتالي تحولت الجمعية إلى واحدة من أهم الفرق التي تجيد الدخول إلى البراري السورية على الإطلاق مع امتلاكها لخبرة كبيرة لا يستهان بها.


من أجواء مبيت النهر الأسود
للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق
(أنا السوري)

صعوبة كبيرة عاناها المشاركون في النشاط، إنما استطاعوا تجاوزها. هذا الأمر يتحدث عنه الشاب خالد نويلاتي حيث يقول: «حاولت الطبيعة جاهدة أن تختبرنا وتضعنا في احتمالاتها الصعبة المضنية؛ فمرة غسلتنا بأمطارها حتى تثنينا عن السير، ومرة أغلقت سمائها بعتمة الليل القاسية حتى ترهبنا، ومرة ضيقت علينا جدران وديانها حتى لا تخرجنا، ومرة رمت بصخورها الضخمة في ممرات سيرنا، ومرة تشابهت طرقاتها حتى تتوهنا، ومرة حركت من تحت أقدامنا حجارتها وزحلقتها، ومرت أرسلت لنا وحوشها حتى تخيفنا، ومرة أطالت علينا طرقاتها وأمدتها إلى مسافات بعيدة حتى ترهقنا ومرة ومرة ومرة ...إلخ. في كل مرة، كنا ننسل من بين أغصانها وأشجارها كما تنسل مياه وديانها من بين حجارتها المتراكمة ونخرج ولا نأبه لما فعلته وسلاحنا ابتسامتنا وإصرارنا على المتابعة... فنحن دعاة سلام نوينا على التصالح مع الطبيعة، فتكسرت حبات أمطارها على أكتافنا وتحطمت صخورها تحت أقدامنا وانسحبت وحوشها إلى أوكارها ولم نأبه لنقنقة ضفادعها وتابعنا طريقنا حتى النهاية».

ويختتم كلامه بالشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا المسير بدءاً من محافظ اللاذقية وصولاً إلى مجلس إدارتها وكادرها التنظيمي. كما وجهوا الشكر الجزيل للسيد حبيب علي الذي قدم لهم الدعم اللوجستي طوال فترة تنفيذ النشاط.


أحمد بيطار

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

من أجواء مبيت النهر الأسود للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق (أنا السوري)

من أجواء مبيت النهر الأسود للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق (أنا السوري)

من أجواء مبيت النهر الأسود للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق (أنا السوري)

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق