لوحات نبيل السمّان في صالة هيشون باللاذقية.. ما بين ذاكرة تستعيد تفاصيل المكان، وحلم يُحيل الرغبات إلى أشياء نعرفها
26 نيسان 2017
.
يقدم نبيل السمان في هذا المعرض بحدود الأربعين لوحة بمقاسات مختلفة، متفقة في موضوعها الذي ما زل هاجسه إلى اليوم وهو الإنسان كقيمة عليا في الحياة، مركّزاً هنا على المرأة العنصر الأكثر شمولية بدلالاته وبما تعنيه من رموز وأشياء تلامس الروح فينا، تاركاً هامشاً أكبر لمخيلة المتلقي أن يكمل معه المعنى أو الغاية، لطالما ارتبطت تلك القيم بالإنسان وهمومه بالحياة، بالإضافة إلى ذكرياته الجميلة والحزينة أيضاً التي تحتلّ الجانب الأكبر من المساحة فيها ومن يومياته وحياتنا عموماً، عندما تحضر بعض شخوصه أو طيفهم إلى جانب بعض الحيوانات الأليفة التي تعودنا أُنسها، فنجده يهتم برسم القطة والديك والحمام وغيرها من التي كانت متواجدة دائماً في البيت، مؤكداً على حميمة ذلك الزمن من خلال علاقة الإنسان عموماً بتلك الموجودات وما يحيطه من مؤثرات حسية ومعنوية كانت ترافقه دائماً حتى لا يبقى وحيداً، كما في موضوعات الطبيعة الصامتة لا يتخلّى نبيل السمان عن شخصياته تماماً، وإن غابت فلا بدّ من الإشارة إليهم حتى نشعر بوجودهم في الكادر.
المرأة الآلهة والحبيبة، الزوجة والأخت التي هي بالنهاية الأم المتدفقة بالحياة من عشتار وربة الينبوع إلى الخنساء وسناء محيدلي، تتكرر الأسطورة كمتوالية هندسية، تظهر كالملائكة في فضاءات معلولا، مثلما في حلم، مع الثور المجنّح بأكثر من ظهور ومع الغزال والبوم وغيرها من الحيوانات، يجسد من خلال تلك الثنائية بعض الدمج بين الأسطورة والواقع المتخيّل، هي نوع من الميثولوجيا البصرية غايتها المتعة وبعض التذكّر بسير وحكايا تحيلنا إلى ألف ليلة وليلة سورية من سرد الفنان وخياله بحدود منطق الأشياء بمنظور جمالي أقرب إلى الثقافات التي عبرت من هنا وشكلّت ذاكرتنا الحضارية المعاصرة يقدمها الفنان بأسلوب وصياغات رشيقة وبسيطة عمادها اللون ويأتي الرسم فيما بعد لتحديد بعض الشكل الذي ينتهي لطيفاً في مظم الاحيان.
إذن ما بين ذاكرة تستعيد تفاصيل المكان الحميمي هناك، وبين أخرى تستدرج رغباتنا في قنص المشاهد الأكثر جمالية مضيفاً تزيناً على فستان وزركشة على بساط، تتقاطع في فهمها مع المنمنمات في الفنون الإسلامية والشرقية عموماً، يغنيها بالإضاءات القوية المسلّطة بكل اتجاه يُظهر من خلالها مدى اتفاق المتناقضات اللونية كتجاور الأخضر والأحمر، أو الأصفر مع البنفسجي والأزرق والبرتقالي على نفس الكادر، وهذا ما يجعل المشهد ممتعاً محتفياً بالحضور الآسر للمرأة في مجمل اللوحات.
ما زالت لوحة نبيل السمّان وتجربته عموماً، تعيش مخاض التجريب، والبحث دائماً عن حلول تقنية وتشكيلية جديدة، يستخدم كل ما يمكن أن يفيد من ألوان على تنوعّها وربما يلجأ أحياناً إلى تقنية الكولاج مضيفاً بعض الغنى إلى السطح والمفردات التي يستضيفها في كادر لوحته، يعمل كل هذه المحاولات لتثير دائماً الانتباه إلى المحاولات المجتهدة من قبل الفنان لإضافة بعض الاختلاف إلى فضاء اللوحة ذاته، بما يضمّ من قيم تعبيرية وجمالية تستحقّ من خلالها المتابعة برغبة في كل مرة.
ففي مشاهده عموماً نلاحظ في بعض الأحيان والمواقع في اللوحة ارتباكاً في تحقيق الحالة التي هي غالباً تركن بين تخيّل المشهد وحقيقة ما تبقـّى منه، يستدرك ذلك الفنان بتركيزه على أناقة الحضور من أجل الدهشة الأولى والتي غالباً ما تصل على شكل إثارات بصرية تزينية تحمل قيمة جمالية، تلك الإشارات تعلن عن نفسها تدريجياً، من صعوبة تلقـّيها مباشرة وهي تدور أو تستقر في مركز اللوحة تجذب إليها أهم المفردات مثيرة حركة وتجدّد دائمين، ربما ليبقى الحوار مستمرّاً مع المشاهد وهي تراوح في الفضاء الأكثر انفتاحاً على احتمالات التجريب في كلّ ما هو ممكن ومتاح تقنياً وفنياً، في حدود مفهوم التشكيل اليوم.
في الأعمال الأحدث للفنان نبيل السمان تكتسب الألوان أهمية بالغة من حيث توليفها وحضورها وتجاورها، وهي لا تخضع مثلها باقي العناصر في اللوحة للمحاكمة الأكاديمية الصارمة كقاعدة متـّبعة في تقنيات التصوير، إن بالمعالجة والتحضير، أو بطريقة توضـّعها على السطح ودرجة سيولتها، وهذه النواظم جميعها تحكمها رؤية الفنان الخاصة والخبرة التي اكتسبها من هامش الحرية والتجريب الواسع الذي يشتغل عليه وهو المتخرج من قسم التصميم الداخلي في كلية الفنون الجميلة بدمشق العام 1981، هذا الاختصاص الذي يترك أثره واضحاً في أعمال الفنان بدءاً من تأليف المشهد والرسم واعتماد الموضوع والحدث وغيرها من المقوّمات التي تضيف أحياناً كثيراً من العاطفة التي توشّح مع تناغم اللون معظم المساحة.
وحول تجربة السمان لفتني رأي للفنان الأستاذ الياس الزيات: «.. في لوحاته اليوم نرى نبيلاً يتخطى استلهام الأسطورة المحلية إلى ابتكار أسطورة كونية ذات مسحة إنسانية شمولية يعبـّر عنها، ودائماً بلغة التشكيل البصري، بحركة شخوص تدور في فلك مبتكر، ترقص أو تؤدي حركة العناق أو التجافي أو التكريم لكائن أسطوري، بحيث يحملك على تأمل نص تشكيلي في زمن يتصاعد إلى أفق يتعالى صادحاً أو يهبط إلى جحيم سوداوي، وهو، أي الزمن، ذو جرس موسيقي في كل الأحوال، هذا الجرس هو جرس الدبكة أحياناً أو صاخباً مستعلياً كموسيقى " فاغنر "، أو ملائكياً كالذي لموسيقى " موزارت "».
إن الانفعال الذي يؤديه نبيل في لوحته يؤدي إلى موسم أو عيد طالباً إليك أن تعيـّد معه حتى يتم التواصل بينك وبين اللوحة.
وبعيداً عن التوصيف والعاطفة، لابدّ هنا من إنصاف تجربة فنان لا يدّعي الأستذة، وهو بالمناسبة يسعى دائماً أن يستفيد من أي معلومة أو خبرة في مجال الفنون على اختلاف نوعها ومصدرها لطالما اعتبر نفسه فناناً مازال يجرب بمتعة ليكتشف بعض مفاتيح المعرفة التي قد تؤدي إلى فضاءات أكثر رحابة من حيث الدهشة البصرية التي تدوم، وتجربته في التصوير كما نلاحظ رغم تنوّع مجالات البحث فيها تبقى تدور في فلك التعبيرية السورية المحدثة والتي انتمى إليها دائماً ليؤكد بعض الحضور في ساحة التشكيل السوري المعاصر وهي ما زالت إلى اليوم تشكـّل بامتياز أهم مختبرات التجريب في ميدان الفنون التشكيلية على مستوى المنطقة عموماً.
يبقى نبيل السمّان أمام لوحته شاهداً أميناً على عصره، يسعى إلى تقديم ذاته من خلالها والتي لابدّ أن تعكس جملة معارفه التي اكتسبها بالتدريج وأغناها بالثقافة والانفتاح على طريقة تفكير الأخر، مُعتبراً الفنون بكل أشكال تعبيرها هي السبيل الوحيد لتخفيف إحساسنا بكآبة الحياة، لكون الفن هو الحالة الوحيدة التي تجعلنا نشعر أكثر بإنسانيتنا، وهو بالنتيجة خشبة الخلاص الوحيدة.
نبـيل السمّان :
- تولّد دمشق 1957
- 1981 تخرج من كلية الفنون الجميلة – قسم التصميم الداخلي «ديكور»..
- 1985- 19888 مجموعة من المشاركات الهامة «معرض تحية إلى صيدا - معرض ضهور الشوير - معرض عشرة» بالإضافة إلى معارض الدولة الرسمية.
- كتب في العديد من الدوريات والصحف بمسائل تتعلق بالتشكيل والثقافة عموماً.
- درّس الفن في مدارس خاصة، وقدم دراسات خاصة حول فنون الطفل، وأقام عدة ورشات فنية للأطفال.
- شارك في عدة ورشات ومهرجانات فنية داخل وخارج سورية.
- نفذ العديد من الدراسات لديكور مبان مختلفة رسمية وخاصة، ولوحات جدارية في كل من «دمشق – عمان – الكويت».
- «1989 – 2009» عشرة معارض فردية «بيروت، الكويت، دمشق، حلب».
- المعرض الأحدث بصالة هيشون المستمر حتى الثلاثين من هذا الشهر نيسان 2017 .. موضوع سطورنا.
الباحث والتشكيلي غازي عانا
اكتشف سورية
من معرض التشكيلي نبيل السمان بغاليري هيشون |
من معرض التشكيلي نبيل السمان بغاليري هيشون |
من معرض التشكيلي نبيل السمان بغاليري هيشون |