افتتاح مركز التوثيق للأرشيف التاريخي والعمراني في حلب
15 كانون الأول 2010
مع إنشاء مركز التوثيق للأرشيف التاريخي والعمراني لمدينة حلب، أصبح للمدينة حاضنة تحضن ذاكرتها وتجمع ذكريات أبنائها في بوتقة واحدة توثق تاريخها وماضيها تمهيداً للحفاظ عليها في الحاضر والمستقبل. أحلام كبيرة وواعدة يقدمها هذا المشروع لتوثيق كافة تفاصيل المدينة المادية واللامادية مع توفيرها للباحثين والمهتمين والراغبين بمعرفة أصل وتاريخ هذه المدينة العريقة مستقبلاً ومن ثم للعموم.
المشروع تم في إطار التعاون السوري الألماني لإعادة تأهيل المدينة القديمة، وتم اختيار المكان في مدرسة الشيباني الواقعة داخل المدينة القديمة، أما الجهات المشاركة في هذا المشروع فهي كل من مجلس مدينة حلب، الوكالة الألمانية للتعاون التقني GTZ، المؤسسة الألمانية للتنمية ded، وأخيراً جمعية أصدقاء مدينة حلب القديمة في شتوتغارت بألمانيا، أما الإدارة فسيناط بها إلى لجنة مشتركة تضم كلاً من مجلس مدينة حلب وجمعية العاديات إضافة إلى الجهات الألمانية المعاونة، وذلك كما يقول لنا رئيس مجلس مدينة حلب الدكتور معن الشبلي: «إن الهدف من هذا المركز هو الحفاظ على ذاكرة المدينة وحماية المخططات السابقة الموجودة حول هذه المدينة من التلف الذي كانت تتعرض له، والاعتناء بالباقي منها وترميمه. هذا الأمر أدى إلى إبراز فكرة تتعلق بوجود "كنز حقيقي" لنا هو إرث مدينة حلب من الناحية العمرانية والمكانية والمحفوظ والموجود ضمن المستودعات والأقبية المختلفة. لأجل هذا الهدف، قررنا إنشاء مركز للحفاظ على ذاكرة مدينة حلب وحفظ هذه المخططات الورقية وتحويلها إلى صيغة رقمية، حيث تمحور الهدف حول جمع كل ما يتعلق بمدينة حلب من ناحية، ومن ناحية أخرى جذب الناس إلى مدرسة الشيباني، والتي تحولت إلى صرح ثقافي مهم على مستوى مدينة حلب، ومن ناحية ثالثة أن المركز سيكون نقطة لتجميع كل ما يملكه سكان مدينة حلب من مخطوطات سواء على الصعيد الفردي أو على صعيد الجمعيات والمؤسسات حيث سيتم التعاون معهم لتوثيق كل ما لديهم من مخطوطات تتعلق بهذه المدينة سواء عن طريق منحهم ما لديهم للمركز، أو عن طريق نسخ ما لديهم من وثائق بشكل رقمي والاحتفاظ بنسخ عما لديهم ضمن المركز؛ والأمر الأخير هو تقديم هذه النسخ للزوار لكي يطلعوا عليها».
أما عن الآلية فتتم ـ كما يقول الدكتور الشبلي ـ عن طريق الاتصال بهذه الجهات والتواصل معها والذهاب إلى موقع هذه الوثائق وتصويرها مختتماً كلامه بأن من الجهات المهمة التي يجري التنسيق معها حالياً مديرية الأوقاف لما لديها من وثائق مهمة ترجع للعهد العثماني وتتحدث عن الأوقاف الموجودة في مدينة حلب ما يجعل المركز هيئة كبيرة تحفظ ذاكرة المدينة. إضافة إلى ما سبق، يوفر الأرشيف مكاناً خاصاً لإجراء البحوث العلمية وتبادل الخبرات عن طريق قاعدة البيانات الإلكترونية الموجودة فيه، والتي تجعل من السهولة بمكان لأي شخص الاطلاع على مكان معين أو حقبة معينة من تاريخ المدينة، كما أنه من أهداف الأرشيف المستقبلية نشر البحوث المبتكرة، وتنظيم المعارض واستضافة محاضرات متنوعة عن مواضيع ذات صلة بتاريخ المدينة».
بدوره يقول السيد توماس بريتسكوت مدير الوكالة الألمانية للتعاون التقني GTZ بأن مشاركة المؤسسة في هذا المشروع جاء من إيمانها بأهميته لمدينة حلب القديمة حيث يتابع بالقول: «إن المؤسسة تعمل في مدينة حلب القديمة منذ أكثر من 15 عاماً حيث تعمل على مساعدة مديرية المدينة القديمة في حلب في عدد من النواحي المختلفة. وكانت مساعدتنا في التحضير لهذا المركز عن طريق توفير التمويل اللازم لتأسيس البنية التحتية المناسبة لعمل هذا المركز من أجهزة ومعدات، إضافة إلى مساهمة في عملية تدريب الموظفين على التعامل مع الأرشيف الذي سيحصلون عليه والمعلومات التي ستأتيهم. برأيي أن مستقبل هذا الأرشيف سيكون مهماً من حيث سيقوم بتعريف الناس بتراثهم. الناس بدأت بشكل عام تبتعد عن تراثها ولا تهتم به، ووجود مثل هذا المركز الذي يقدم معلومات قيمة عن التراث سيؤدي إلى إعادة نظر الكثيرين تجاه تراثهم والاهتمام به أكثر».
أما عن المشاريع المستقبلية التي تعمل عليها الوكالة بالتنسيق مع مجلس المدينة فيقول بأن أهمها حالياً موضوع السكن العشوائي الذي يتم دراسته في مدينة حلب، إضافة إلى مشروع «استراتيجية تطوير المدينة CDS» والتي باتت تعرف باسم مختصر أكثر قرباً من العامة وهو مشروع «مدينتنا» والذي تعمل عليه كل من الوكالة ومجلس المدينة وهيئة «تحالف المدن».
وبالعودة إلى الأرشيف، فإن الأرشيف سيقوم بجمع كافة أنواع المعلومات المتعلقة بتاريخ حلب القديمة من ناحية كل من:
ـ مخططات ومسودات جميع الحقب التاريخية للمدينة.
ـ صور ورسوم تاريخية لمدينة حلب وما حولها.
ـ السجلات والمخطوطات التاريخية للمدينة.
ـ سجلات الوقف الإسلامي.
ـ سجلات من العصر العثماني.
ـ يوميات ومخططات خاصة ببعض السكان السوريين وغير السوريين.
ـ جميع الوثائق التي تفيد في التعرف على التاريخ العمراني الغني لمدينة حلب.
وكانت الجهة الثالثة التي ساهمت في الإعداد لإطلاق هذا المركز هي المؤسسة الألمانية للتنمية ded، والتي تقول عنها الآنسة فرانشيسكا لاور المستشارة في المؤسسة: «كان دورنا في هذا المركز متمثلاً على مستوى القواعد؛ بمعنى آخر، التواصل مع الموظفين والمهندسين ضمن المركز فقط دون التواصل مع الإدارات الأعلى مثل مستوى مجلس المدينة مثلاً. دورنا هو التعامل مع قسم الأرشيف وتقديم النصائح التقنية والإدارية لهم ولباقي الكادر من موظفين وإداريين حيث يشمل ذلك التدريب والدورات التي تتم على مستوى الإدارة وعلى مستوى التعامل مع البيانات، وكيفية التعامل مع الأرشيف ووضع قاعدة البيانات وغيرها من الأمور».
والآنسة فرانشيسكا مهندسة معمارية وواحدة من خبراء المؤسسة حيث تقدم المشورة لصالح مجلس مدينة حلب في مجال العمران ضمن المدينة القديمة حيث تضيف: «نعد الآن لخطط تدريبية للمشرفين على المركز حيث كنا في البداية نبحث عن خبراء موجودين في إقليم بلاد الشام (سورية – لبنان – الأردن)، إلا أننا لم نجد الخبراء المتخصصين بالمحاور التي نعمل عليها. هذا الأمر جعلنا نقرر اللجوء إلى محاولة استدعاء خبراء من ألمانيا أو من أوروبا ضمن حدود الميزانية المخصصة للمركز للمجيء وتقديم التدريبات اللازمة».
أما عن تواجد المؤسسة في سورية فتقول بأنه بدأ منذ ست سنوات تقريباً، حيث عملت المؤسسة في مجال البنية التحتية في المدينة القديمة، ومن ثم توسع عملها ليشمل تواجد خبير في مجال المياه، وآخر يساعد مجلس مدينة حلب في مجال «نظام المعلومات الجغرافي GIS»، وثالث للأرشيف والذي تقول بأنه أكثر الإنجازات الملموسة التي حققها المؤسسة حالياً في حين يمثل الباقي مشاريع طويلة الأجل.
وكان الرأي الأخير للباحث في تاريخ مدينة حلب الأستاذ عبد الله حجار والذي يقول بأن فكرة المركز مميزة بحد ذاتها وتواجدها كان في مدرسة لها تميزها الخاص حيث يضيف: «هذه المدرسة ـ أي مدرسة الشيباني - كانت أول مدرسة ثانوية تقوم بتحضير الطلاب للذهاب إلى الجامعة في مدينة حلب خلال القرن الثالث عشر هجري تقريباً. وبعد أن أعيد ترميمها أخذت دور المنارة الثقافية التي اكتمل عقدها بتواجد هذا المركز، والذي يحوي الكثير من المعلومات النفيسة. وكما رأينا في المعرض اليوم كانت هناك معلومات عن عدد من المواقع الموجودة في مدينة حلب، إلا أن مدينة حلب تحوي أكثر من 200 موقع يجب أن يكتب عنها. حتى الحقبات التي عاشتها حلب من إسلامية إلى أموية وأيوبية وسلجوقية وعثمانية وفترة حديثة وغيرها لهي جديرة بالتوثيق. كخطوة أولى تمثل بداية رائعة وتحتاج إلى المزيد من الجهد والعمل».
وعن مساهمته كباحث في هذا الأرشيف يقول: «ساهمت ضمن المعرض في كتابة مقالة صغيرة عن منطقة "الجْدَيْدَة" وهي منطقة في حلب القديمة تم بناؤها بعد عهد تيمورلنك في حلب حيث كتبت عنها بعض المعلومات البسيطة وعن الدور والكنائس الموجودة فيها. هذه البداية سيلحقها كتابات أخرى أكثر شمولية وتخصصاً في كل جزء من هذا الحي وغيره من الأحياء».
من أجل واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، يعتبر هذا الأرشيف بمثابة كنز حقيقي سيسلط الضوء على مدينة ارتبط اسمها لفترة طويلة بطريق الحرير، ولفترات بالممالك والدول التي مرت عليها، وبعدد من الأدباء والشعراء والمفكرين، وأخيراً بمعلمٍ صنف واحداً من أبرز القلاع الدفاعية في العالم وهو قلعة حلب، حيث سيمثل هذا المركز البوابة التي ستعيد ارتباط العديد من السكان بهذه المدينة، مدينة حلب.
أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية
من أجواء افتتاح مركز التوثيق للأرشيف التاريخي والعمراني لمدينة حلب |
ملصقات ووثائق في افتتاح مركز التوثيق للأرشيف التاريخي والعمراني لمدينة حلب |
ملصقات ووثائق في افتتاح مركز التوثيق للأرشيف التاريخي والعمراني لمدينة حلب |