حلب تحيي صبغة النيلة

26 أيلول 2010

ذاكرة النيلة من الماضي إلى الحاضر

على مدار الفترة الممتدة من 15- 22 من شهر أيلول الحالي 2010، احتفلت مدينة حلب بمهرجان «ذاكرة النيلة» الذي تضمن العديد من النشاطات والفعاليات المتنوعة التي تبرز أهمية صبغة النيلة في حياة مدن المنطقة، وكيف أنها شكلة جزءاً من الموروث الشعبي والثقافي لدى العديد من دول العالم، إضافة إلى أنها كانت بالنسبة لعدد من الدول مصدراً مالياً كبيراً وتجارياً وفيراً.

تعتبر صبغة النيلة (Indigo) من أولى الألوان التي استعملت في الصباغ، وهي من الأنواع التي تقاوم التغيير وبهتان اللون، في حين كانت حلب ولعدة قرون، مركزاً هاماً للصباغة والحياكة بالنول. كما كانت حلب المحطة التجارية الأهم التي تربط مدن الشرق بمدن الغرب على طريق الحرير القديم. هذا الترابط أطلق مهرجاناً ضم فعاليات عديدة ثقافية وفنية متنوعة بعنوان «ذاكرة النيلة».


الدكتور معن الشبلي والفنان ناصر السومي وأعضاء اللجنة الثقافية

البداية والفكرة:
البداية كانت كما يقول الدكتور معن الشبلي رئيس مجلس مدينة حلب عن طريق الاتفاقية التي تم توقيعها بين مجلس مدينة حلب والفنان ناصر السومي لإقامة هذا النشاط، وكان الهدف آنذاك تقديم نشاط نوعي كبير يليق بمدينة حلب، ويتابع الدكتور الشبلي الحديث عن ذلك قائلاً: «أبرمنا هذه الاتفاقية لنقدم نشاطاً نوعياً للمدينة يساهم في تثقيف المدينة والسياح، وهو جزء من النشاطات الفنية التي يقوم بها مجلس مدينة حلب وتهدف إلى أن تكون مدينة حلب مدينة ثقافية متنوعة. هذا المشروع له أوجه ثقافية متعددة ويأتي ضمن عمل مجلس المدينة الذي ركز خلال الفترة الماضية على الجانب الثقافي لارتباطه العضوي النوعي مع باقي النواحي الخدمية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. لأجل هذا بدأ مجلس المدينة في البداية بإقامة حفلات ومعارض ومؤتمرات على مستويات صغيرة ومتوسطة حتى أصبح لدى المجلس خبرة جيدة بالمسائل التنظيمية لمثل هذه النشاطات، ما جعله ينتقل للمرحلة الثانية وهي النشاطات الفنية النوعية التي تهدف إلى تثقيف المواطنين من ناحية، وجذب شرائح جديدة منهم لمتابعة هذه النشاطات الثقافية من ناحية ثانية، وذلك على اعتبار أن النشاط الثقافي النوعي يجذب الجمهور بشكل أكبر من النشاطات التقليدية، وكان الهدف هو جذب أكبر شريحة ممكنة تلتف حول نشاطات مدينة حلب. ونحن نرى أن مدينة حلب فيها مكونات تستحق أن يراها السياح والوافدون، وجزء من عملية تسويق المدينة، هو عملية تسويق النشاطات الثقافية النوعية، الأمر الذي يساهم في تطوير المدينة وتطوير اقتصادها المحلي عن طريق جذب شرائح أكبر من السياح».

ويتابع الدكتور الشبلي بأن المجلس يعمل في المجال الثقافي عن طريق عدة لجان منبثقة عنه، منها اللجان الثقافية الأساسية الموجودة في المجلس، إضافة إلى اللجنة الثقافية الاستشارية المشكلة من القطاع الخاص والجمعيات الأهلية بمشاركة رئيس المجلس، حيث تعمل هذه اللجنة على طرح بعض الأنشطة ومناقشتها والاتفاق على أجندة ثقافية حيث يضيف: «بعد مهرجان ذاكرة النيلة، لدينا عدد من الأنشطة المستقبلية النوعية القادمة مثل مهرجان "فنانات من العالم" الذي يضم نشاطات متنوعة لفنانات من عدة دول، والذي سيتم في النصف الأول من شهر تشرين الأول القادم، إضافة إلى إطلاق القرص المدمج للفنان ضياء السكري، في 11 تشرين الأول القادم في مدينة حلب، وفي 13 من الشهر ذاته في مدينة دمشق، ويعتبر هذا النشاط نشاطاً نوعياً لمجالس المدن حيث قمنا فيه بتوثيق التراث الموسيقي لفناني مدينة حلب، وكانت البداية مع الفنان ضياء السكري، إذ قمنا في هذا القرص بتوثيق 22 عملاً موسيقياً من تأليفه بهمة الفنان أشرف كاتب على آلة الكمان، إضافة إلى مشاركة 22 فناناً عالمياً معه من مختلف دول العالم على آلة البيانو، بحيث يشارك كل عازف بمقطوعة موسيقية من مقطوعات الألبوم».


الفنان ناصر السومي

النيلة هي الشيء المشترك للإنسانية جمعاء:
أما الفنان ناصر السومي فيقول في تصريح لـ «اكتشف سورية» بأنه يعمل مع «صبغة النيلة» كفنان منذ أمد بعيد حيث يشرح هذه النقطة أكثر بالقول: «كان دافعي للقيام بهذا العمل أمران: الأول، صورة نشرت في كتاب لجيني بالفوربول، العالمة المعروفة والتي كتبت عن كتاب اسمه "النيلة في العالم العربي"، كان فيه صورة تظهر صبّاغاً من اليمن يعلق أصباغاً مصبوغة بالنيلة ويقف بوضعية محيرة، حينها تساءلت أهو يرقص أم يتعبد أم يتأمل. أما السبب الثاني فكان نصاً في كتاب للرحالة وارن الذي جاء إلى بلاد الشرق ويقول فيه: "في يوم مشمس في مدينة القدس يمكن مشاهدة مئات الأمتار من الأقمشة المصبوغة بلون النيلة في شوارع المدينة". بدأت أستخدم النيلة الطبيعية بعملي كفنان منذ فترة، وعن طريق الصور بدأت أتعرف على تاريخ النيلة، واكتشفت أنها أول صبغة استخدمها الإنسان من عالم النبات وعمرها ستة آلاف سنة، والشيء الآخر هو أنها الصبغة الوحيدة في العالم التي لا يتغير لونها إلى أي لون آخر مثل الأحمر أو الأصفر، حيث نرى باقي الألوان تختفي أو تبهت إلا صبغة النيلة فتبقى ثابتة إلى فترة طويلة».

ويضيف الفنان السومي بأن النيلة الطبيعية موجودة في بلادنا منذ أمد طويل، حيث كانت بالنسبة لمصر في القرن الرابع العشر بمثابة البترول بالنسبة لدول النفط حالياً. أما علاقة حلب بالنيلة فقد كانت علاقة متينة وقديمة تاريخياً كما يقول، حيث تحدثت كتب الرحالة عن احتضان حلب لهذا الأمر، على اعتبار أن صبغة النيلة مخصصة لصباغة النسيج، وحلب كانت مدينة مشهورة بالنسيج على مستوى عالمي، ويتابع: «ما اكتشفته لاحقاً هو أن النيلة هي الشيء المشترك للإنسانية جمعاء من الصين واليابان وفيتنام وكل دول شرق آسيا مروراً بالهند وآسيا الوسطى، حيث نجد أن كلمة "نيلي" باللغة السنسكريتية تعني "أزرق"، ويدل هذا على التمازج الحاصل بين الحضارات. بعدها ننتقل إلى عمان واليمن والعراق ومصر وشمال أفريقيا وبلاد الشام، وصولاً إلى جنوب أمريكا في أقصى الغرب. ونجد فيما سبق أن كل العالم يستخدم هذا اللون ويعتبره اللون الأساسي في حياة شعوبه. أما حلب فقد كانت مركز اتصالات حضاري وثقافي حيث كانت تصدر هذه النيلة إلى دول أوروبا التي لم يكن بإمكانها زراعتها بسبب المناخ. وعندما اخترع أحد العلماء الكيميائيين الألمان هذا اللون دعاه "نيلين" في اشتقاق من الكلمة العربية».


من العرض الراقص في مهرجان ذاكرة النيلة

نشاطات متنوعة برسم النيلة:
أما عن النشاطات المتنوعة التي سيشهدها المهرجان فذكر الفنان ناصر بأن نشاطات المهرجان تمتد على مدار أسبوع، ويتضمن في البداية عرضاً لكيفية استخدام صبغة النيلة على الأقمشة وذلك من قبل أشهر الصباغين على مستوى النيلة الذين لا يزالون يعملون ضمن هذا المجال وبنفس الأدوات التقليدية المستخدمة في الماضي، من دول مثل الهند ومالي، حيث عملوا مع حرفيين محليين في مدرسة الشيباني في حلب، مع عرض العملية أمام الجمهور الزائر. كما ستعرض في المدرسة أيضاً 7 صور كبيرة الحجم للمصورة الضوئية جيني بالفوربول والتي تعتبر أشهر خبيرة في مجال النيلة في العالم، حيث تظهر هذه الصور صباغين من مختلف أنحاء العالم وهم منهمكون في عملهم. إضافة إلى ذلك، سيعرض فيلم وثائقي بعنوان «النيلة: عالم من الزرقة» والذي يظهر تسلسل الصباغة بالنيلة من نبات الحقل إلى ثبات الصباغ على النسيج.

وسيتوج المهرجان بثلاث أمسيات راقصة مستوحاة من النيلة، حيث يقول الفنان ناصر السومي عن هذا الموضوع: «المشروع عبارة عن رقص وموسيقى مستوحاة من النسيج والصباغة، والعمل مكون من ثلاثة أجزاء: الأول عبارة عن بناء خشبي بشكل قرص دائرة بقطر 20 متراً ومعمول بسطح مائل وارتفاعه في الطرف الأول صفر في حين يصل في الطرف الآخر إلى تسعة أمتار. وتتم عملية الرقص في وسطه باستخدام الأقمشة، وبالأخص الحرير لعدة أسباب منها أن سورية تنتج الحرير حتى أيامنا هذه، وحلب كانت من المدن المعروفة على طريق الحرير. وستكون الموسيقى المرافقة، وهي من تأليف الأستاذ فواز باقر، مستوحاة خصيصاً لأجل هذه المناسبة».

والفنان ناصر السومي هو من مواليد فلسطين ولد وعاش فيها، ثم انتقل إلى الأردن ونال فيها شهادة الدراسة الثانوية، بعدها جاء إلى مدينة حلب ليدرس في كلية الهندسة الميكانيكية، ومن ثم كلية الفنون الجميلة في مدينة دمشق. ومن ثم انتقل إلى بيروت ومنها إلى باريس التي استقر فيها حالياً وقد عمل على إقامة مهرجان حول النيلة في الهند قبل عدة سنوات.


تصنيع صباغ النيلة أمام الجمهور

حلب لها تاريخ عريق في النيلة:
السيد فيكرم جوشي القادم من الهند هو أحد المشاركين في العرض الحي لصباغ النيلة حيث يقول عن هذا الموضوع: «أعمل في مجال الصباغ باستخدام النيلة منذ 35 عاماً. ولدينا معمل كبير في الهند يعمل فيه 70 حرفياً بنفس الطرق التقليدية المتبعة منذ القدم. كان هدفنا الرئيسي من قدومنا إلى مدينة حلب، كون حلب لها تاريخ عريق في صباغ النيلة، وأردنا التفاعل مع السكان المحليين العاملين في مجال صباغ النيلة في حلب، والعمل على جعل صباغة النيلة مشهورة من جديد بعد أن كادت تختفي في حلب». ويضيف بأن الاتفاق والعمل كان مع الفنان ناصر السومي الذي زار معملي في الهند ودعاني لمشاركة خبرتي هنا في مدينة حلب.

أما السيد محمد ياسين القادم من الهند أيضاً فقد جاء مع مكونات النيلة، حيث قام بعرض العملية بشكل كامل أمام الناس حيث يضيف: «أعمل في مجال النيلة منذ ثلاثين عاماً بعد أن ورثتها عن أبي وجدي. قمنا في هذا المهرجان بإحضار كل مكونات النيلة وعرضها أمام الجمهور، حيث حاولنا العمل بنفس الطريقة التي نستخدمها في الصباغ وباستخدام نفس المواد. كما قمنا بعملية صباغ لأقمشة جلبها معه الجمهور، والتي سوف تصبح قابلة للاستخدام بعد 24 ساعة بعد أن تجف».

ومن المتابعين للمهرجان التقينا الشاب مهند عقاد والذي يقول لنا بأن فكرة المهرجان كانت مختلفة وفريدة من نوعها حيث يضيف: «تابعت النشاطات المتعددة التي تمت خلال المهرجان، وكانت نشاطات مميزة جداً، وخصوصاً العرض الراقص، ومن الجميل رؤية مثل هذه الأنشطة النوعية في مدينة حلب».


أحمد بيطار - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

عرض كيفية صنع صباغ النيلة ضمن فعاليات مهرجان ذاكرة النيلة

المنتجات المصبوغة بلون النيلة معروضة ضمن فعاليات مهرجان ذاكرة النيلة في مدرسة الشيباني

المنتجات المصبوغة بلون النيلة معروضة ضمن فعاليات مهرجان ذاكرة النيلة في مدرسة الشيباني

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق