ورشات موسيقية سورية - فرنسية في حلب وأمسية موسيقية مميزة

06 حزيران 2010

في مدرسة الشيباني الأثرية بحلب القديمة

أقيمت مساء يوم الجمعة 4 حزيران 2010 أمسية موسيقية سورية - فرنسية في مدرسة الشيباني الأثرية ضمن مدينة حلب القديمة ضمت عازفين فرنسيين وسوريين تنوعوا ما بين هواة ومحترفين ضمن برنامج موسيقي منوع جمع الموسيقى الشرقية والغربية.

وتأتي هذه الأمسية تتويجاً لورشة العمل التي بدأت في الثامن والعشرين من شهر أيار الماضي والتي جمعت موسيقيين فرنسيين جاؤوا من معهد كاليه في فرنسا، وموسيقيين سوريين من مدينة حلب ينتمون إلى معهد صباح فخري للموسيقى (وهو المعهد العربي للموسيقى سابقاً، وتم تغيير اسمه تكريماً للأستاذ صباح الفخري).

وقد تضمن برنامج الأمسية في البداية عزف ثلاث طالبات من معهد صباح فخري للموسيقى لمقطوعات جرى تدريبهم عليها من قبل أساتذة معهد كاليه وذلك على آلة البيانو، ومن ثم جرى تقديم مقطوعة موسيقية على آلة الغيتار أداها 20 طالباً وطالبة من طلاب المعهد بتدريب الأساتذة الفرنسيين، تلاها مقطوعة كلاسيكية على آلة الغيتار أداها الفرنسيون الزوار. بعد ذلك قدمت فرقة حلب لموسيقى الحجرة ثلاث مقطوعات موسيقية كلاسيكية بقيادة المايسترو جان روبير لايه، مدير معهد كاليه للموسيقى، ومن ثم اختتم البرنامج بتقديم مجموعة طلاب المعهد الفرنسيين وعدد من العازفين السوريين ــ على رأسهم الأستاذ فواز باقر ــ مقطوعات شرقية قديمة قام فيها الطلاب الفرنسيون بالعزف على آلة الدف الشرقية الأمر الذي جاء كنتيجة للتدريبات التي تمت على مدار الأيام القليلة الماضية.

وفي تصريح لـ «اكتشف سورية» يقول الأستاذ فواز باقر - المشرف الفني في المعهد العربي للموسيقى - بأن فكرة العمل الأساسية بُنيت على خلط مجموعة من الموسيقيين الحلبيين مع مجموعة من الموسيقيين القادمين من مدينة كاليه في فرنسا، مضيفاً بأن هؤلاء الموسيقيين هم طلاب وأساتذة من كلا الجانبين ويتابع: «جاء من معهد كاليه خمسة أساتذة وسبعة طلاب، أما من الجانب السوري فقد كان هناك عدد كبير من المشاركين، حيث تتألف فرقة موسيقى الحجرة التابعة للمعهد مثلا من 15 عازفاً قادهم مدير معهد كاليه حيث قدموا كونشرتو لفيفالدي وآخر على آلة الفلوت وآخر كلاسيكياً، في حين قام أساتذة البيانو والغيتار في معهد كاليه بإعطاء ورشات عمل في مجال الغيتار والبيانو لطلاب المعهد».

ويتابع الأستاذ فواز فيقول بأنهم حاولوا جعل برنامج الأمسية لا يزيد عن الساعة والنصف بالرغم من أن كمية التدريب الذي تم خلال الأيام الماضية كان كافياً لإنتاج أمسية تصل مدتها لخمس ساعات: «أتى الفرنسيون يحملون تراثهم، وأتينا نحن نحمل تراثنا. جمعنا هذين التراثين لنقدم به هذه الأمسية حيث كان الأمر الأساسي في الموضوع بأكمله، هو أننا كنا نتعامل مع بعضنا البعض بمحبة كموسيقيين لأننا موسيقيون أولاً قبل أن نكون شرقيين أوغربيين».

ويضيف بأنه لا يوجد ما يدعى «فناً قديماً» و«فناً حديثاً»، أو «فناً شرقياً» و«فناً غربياً» على حد تعبيره، مضيفاً بأن هذه التقسيمات لا تفيد أحداً. ويتابع بالقول بأن الفن هو نوعان فقط «فن حقيقي» و«فن تجاري» حيث يقول بأنهم يحاولون تقديم الفن الحقيقي بدون الالتفات للجنسية أو التراث أو الثقافة: «كان التدريبات تتم صباحاً في مدرسة الشيباني ضمن منطقة المدينة القديمة حيث قدمت مديرية المدينة القديمة مشكورة مدرسة الشيباني لتكون تحد تصرفنا. كانت التدريبات تتم من العاشرة صباحاً حتى الواحدة ظهراً حيث يتم التدريب على الجزء الشرقي من الحفلة، في نفس الوقت الذي يقوم فيه أستاذ البيانو بتقديم دروسه للطلاب في مكان آخر. أما خلال فترة بعد الظهر، فإن مقر معهد صباح فخري للموسيقى كان يشهد تدريب أساتذة البيانو والغيتار الفرنسيين للطلاب السوريين على المقطوعات، في حين تشهد مدرسة الشيباني تدريبات فرقة موسيقى الحجرة هناك وذلك من الساعة الثالثة عصراً حتى السادسة مساء».

ويتابع الأستاذ فواز باقر قائلاً بأن مستوى استفادة كل المشاركين كانت ممتازة للغاية مضيفاً بأن الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى يؤدي إلى نتائج أفضل حيث يقول بأن من يريد معرفة نفسه يجب عليه الاحتكاك مع غيره، ويضيف: «هناك العديد من الورشات التي عقدت في الماضي، ولكن هذه كانت أول ورشة رسمية تتم فعلياً. كما أننا قمنا صباح يوم الخميس 3 حزيران بتوقيع اتفاقية تعاون وتواصل بين المعهدين حيث سيتم تنظيم ورشات عمل بين حلب ومدينة كاليه خلال السنوات القادمة».

ويختم بالقول بأنه يجب أن يكون هناك قبل التبادل الثقافي والتبادل العلمي تبادلٌ إنساني، والذي يساهم في تطوير الحضارة الإنسانية بشكل عام.


من ورشات العمل السورية - الفرنسية المشتركة

أما المايسترو جان روبير لايه مدير معهد كاليه الفرنسي فيقول بأن الوفد الفرنسي تضمن أساتذة وطلاباً حيث كان عدد المتواجدين في سورية ثلاثة عشر شخصاً، ويضيف قائلاً: «تواجد هنا في هذه الورشات سبع طلاب هم في السنة النهائية ضمن المعهد ويعزفون على عدة آلات متنوعة منها الغيتار والإيقاع والبيانو والتشيلو والأكورديون وغيرها، كما جاء أيضا خمسة أساتذة إضافة إلى تواجدي أنا معهم».

ويضيف بأن التجربة كانت جيدة للغاية حيث تعلم الطلاب الفرنسيون ضمن زيارتهم إلى مدينة حلب الموسيقى الشرقية الأمر الذي أفادهم للغاية، ويتابع بالقول بأن هذا الأمر أفادهم جداً على صعيد الموسيقى حيث يختم بالقول: «قمنا بعمل اتفاقية مع معهد صباح فخري للموسيقى في حلب، سنقوم عبرها بدعوة الموسيقيين السوريين من حلب إلى مدينة كاليه الفرنسية من أجل العزف هناك».

أرضنا مليئة بالتراث:
وكان موقع «اكتشف سورية» قد زار مكان التدريبات قبل الأمسية حيث التقى عدداً من الموسيقيين الشباب السوريين والفرنسيين الذين شاركوا في الورشات، منهم الموسيقي الشاب عازف الكمان باسل حريري والذي تحدث لنا عن مشاركته في الورشات: «تم توجيه الدعوة لنا على اعتبار أننا نعمل دائماً في الوسط الفني في مدينة حلب، ولدينا فرقة تمزج بين موسيقى الجاز والموسيقى الشرقية حيث كنا دائماً نحاول تقديم الثقافة الشرقية ونشرها بين الناس. هذا الأمر دفع القائمين على هذه الورشات لطرح اسمنا للمشاركة في الورشات كأشخاص ساهموا في تقديم التراث بطريقة عصرية فتمت دعوتنا بشكل ودي وغير رسمي حيث جئنا وتقابلنا مع الفرنسيين في تجربة مميزة».

ويتابع بأن هذه الورشة قد وجهت الأنظار للتراث الشرقي حيث تم تقديم الفن الأصيل، ويضيف بأن تفاعل الغربيين مع الموسيقى الشرقية كان مميزاً ومذهلاً بالرغم من أن آلاتهم لا تستطيع تقديم الموسيقى الشرقية بسهولة ويضيف: «بالرغم من أن آلاتهم لا تستطيع تقديم الموسيقى الشرقية بالشكل المناسب، إلا أنهم تجاوزوا آلاتهم وتخطوا حدودهم وقدموا موسيقى شرقية جميلة حيث سنرى خلال الأمسية التي ستجري مساء يوم الجمعة كيف استطعنا مع بعضنا البعض تقديم موسيقى إنسانية تتخطى حدود كل الدول لتعبر عن التراث الإنساني الجميل للبشرية».

ويشارك باسل ضمن الأمسية بتقديم مقطوعات شرقية برفقة عازفين فرنسيين وسوريين حيث يقول بأنه سيقدم عدة مقطوعات تتنوع ما بين «إيقاع السبعة» و«إيقاع التسعة» الشرقيين مع بعض الارتجالات من العازفين السوريين أو الفرنسيين: «ما أضافته إلي هذه الورشات هو أنها زادتني تقديراً لأهمية تراثنا الشرقي. أنا درست الموسيقى الكلاسيكية الغربية في المعاهد الموسيقية، لكني اكتشفت بأن الأرض التي أقف عليها مليئة بالتراث والموسيقى المميزة، وهي التي تمدنا بالطاقة والحيوية. إذا كنا يجب أن نقدم شيئاً للغرب فهو تراثنا نحن. نعلم أن لديهم تراثهم أيضاً ولكن نحن نريد تقديم تجربتنا التي تعبر عن شخصيتنا وهذه الورشات تساعدنا على تقديم تراثنا بالطريقة التي نراها صحيحة».

ويضيف بأن ردة فعلهم على التراث الشرقي كانت مذهلة لأنهم تعرفوا على آلات لم يعرفونها من قبل: «ليس من السهل أن تقدم آلة جديدة لعازف غربي وتجعله يتعلم عليها وعلى الإيقاعات التي تكون صعبة عليه وصعبة وغير مألوفة حتى بالنسبة للعازفين السوريين أنفسهم. هم سألوا أكثر وتعرفوا أكثر، ونحن من جهتنا نتمنى أن تتكرر مثل هذه التجارب، وأن تتسنى الفرصة للسوريين أيضاً للسفر والذهاب لفرنسا للاطلاع على التجارب الموسيقية الفرنسية. هذه الورشات تنعكس على واقع الموسيقى السورية والشباب لأنها تُخرج الشباب من الروتين الذي يتواجدون فيه. قمنا خلال الفترة الماضية بالعمل مع فرق جاز أمريكية وحتى فرق راب وهيب هوب ضمن ورشات عمل، كما عملنا أيضاً مع فرق موسيقى حجرة وموسيقى كلاسيكية. كل ورشة من هذه الورشات تقدم تجربة معينة لنا حيث تعلمنا عن طريق هذه الورشات الكيفية التي عبّرت هذه الموسيقى فيها عن حياة مبدعيها، كما قمنا عبرها بالبحث عن الصيغة المناسبة لإيصال حياتنا وتراثنا إليهم بالطريقة الصحيحة».

أحد الخطاطين يخط أسماء الطلاب الفرنسيين
على آلة الدف

أما الشاب إبراهيم مسلماني العازف على آلة الدف وهي آلة إيقاعية فيقول بأن الوفد الفرنسي أعجب بالآلة جداً لدرجة أنه بدأ بتعلم العزف عليها فوراً، مضيفاً بأنه قام بتعليمهم بعض الإيقاعات التي سيقدمونها أمام الجمهور في الأمسية التي ستتم يوم الجمعة: «أصبح للفرنسيين محبة للإيقاع الشرقي وطريقة العزف الشرقية وطريقة التوزيع الإيقاعي في الألحان العربية، كما أنهم كانوا مسرورين لدرجة قيامهم بالعزف على آلة الدف حتى أثناء فترة راحتهم. من ناحية أخرى أفادتني التجربة جداً كونها ساعدت على تطوير قدراتي وتوسيع مداركي. أعطينا الفرنسيين الموسيقى الشرقية وأدخلناهم في الجو الإيقاعي الشرقي، كما قدمنا لهم ألحاناً جميلة للغاية لهم ليحفظوها ويتعلموها».

أما الشاب فيكتور ميريو القادم من فرنسا والعازف على آلة التشيلو فيقول بأن زيارته إلى هنا زادت من معرفته بالموسيقى الشرقية إلى حد كبير ويتابع بالقول: «لم نكن نعلم عن سورية الكثير قبل مجيئنا إلى هنا، إنما زادت زيارتنا من معارفنا حول سورية والموسيقى الشرقية حيث تعلمت بعض التقنيات الشرقية في العزف على آلة التشيلو. لم يكن الأمر سهلاً في البداية إنما استطعت التعلم بشكل جيد نوعاً ما».

أما الشابة جابرييل أفاف فتقول بأن أصولها الجزائرية جعلتها مطلعة على الموسيقى الشرقية قبل مجيئها إلى سورية مختتمة قولها بأن صعوبة العزف في الموسيقى الشرقية تكمن بأن المقياس الموسيقي الشرقي هو 7 أو 9 وليس 4، كما هو حال المقياس الموسيقي الغربي».

من الجمهور: موسيقى جميلة، وطلبنا إعادة آخر مقطوعة
جمهور كبير ملأ الساحة الموجودة في مدرسة الشيباني والتي ازدحمت بالمتوافدين الذين جاؤوا لمتابعة الأمسية الموسيقية المميزة مساء الجمعة. من هؤلاء كان الشاب موفق مهنا والذي قال: «كانت تجربة موسيقية غربية - شرقية متميزة وفكرة جديدة وأصيلة من نوعها. من الجميل أن نشهد مثل هذه التجارب والتي تقدم الفرصة لنا لرؤية نمطين موسيقيين ممتزجين مع بعضهما البعض ضمن أمسية واحدة. أحببت المقطوعات التي تم عزفها اليوم والتي تنوعت ما بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الشرقية. كما أننا أعجبنا بالمقطوعة الأخيرة والارتجالات الكثيرة التي قدمها الفرنسيون والسوريون فيها».

مقطوعات شرقية بعزف سوري - فرنسي

إعجاب الجمهور أدى به إلى أن يطلب من العازفين إعادة عزف آخر مقطوعة تم تقديمها، والتي كانت عبارة عن مقطوعة شرقية إنما مع 4 ارتجالات موسيقية، اثنتان منها غربية على آلتي الترومبيت والغيتار، واثنتان منها شرقية على آلتي الكمان والعود. وتقول دانيا بيرقدار من الحضور بأن المقطوعة الأخيرة كانت جميلة لدرجة طلب فيها الجمهور من الفرقة إعادة عزفها من جديد وتضيف: «قمنا بالإصرار على العازفين والطلب منهم القيام بعزف المقطوعة من جديد لشدة إعجابنا بها. كان اللحن مميزاً، وكانت الارتجالات الموسيقية ممتازة. من الجميل أن تشهد مدينة حلب مثل هذه الأمسيات الموسيقية التي تجمع ما بين الشرق والغرب، كما أنه من الرائع أن تقام مثل هذه الورشات والتي نرى نتيجتها المميزة أمامنا اليوم».

تجربة سورية – فرنسية شدتها مدينة حلب أنتجت أمسية موسيقية مميزة بالنسبة للحاضرين. ما أضافته هذه الأمسية بالنسبة للسوريين المشاركين فيها كان كثيراً إنما سنرى نتاجه في الفترة القادمة مع الأمسيات الموسيقية التي ستقام لاحقاً في مدينة حلب، والتي ستؤدي بدورها إلى تطور الموسيقى بشكل عام في المدينة.


أحمد بيطار - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

لقطة عامة للأمسية

العازفون الفرنسيون على الدف

الطالبات السوريات والعزف على البيانو

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق