على مدار الفترة الممتدة من 15- 22 من شهر أيلول الحالي 2010، احتفلت مدينة حلب بمهرجان «ذاكرة النيلة» الذي تضمن العديد من النشاطات والفعاليات المتنوعة التي تبرز أهمية صبغة النيلة في حياة مدن المنطقة، وكيف أنها شكلة جزءاً من الموروث الشعبي والثقافي لدى العديد من دول العالم، إضافة إلى أنها كانت بالنسبة لعدد من الدول مصدراً مالياً كبيراً وتجارياً وفيراً.
تعتبر صبغة النيلة (Indigo) من أولى الألوان التي استعملت في الصباغ، وهي من الأنواع التي تقاوم التغيير وبهتان اللون، في حين كانت حلب ولعدة قرون، مركزاً هاماً للصباغة والحياكة بالنول. كما كانت حلب المحطة التجارية الأهم التي تربط مدن الشرق بمدن الغرب على طريق الحرير القديم. هذا الترابط أطلق مهرجاناً ضم فعاليات عديدة ثقافية وفنية متنوعة بعنوان «ذاكرة النيلة».
ويتابع الدكتور الشبلي بأن المجلس يعمل في المجال الثقافي عن طريق عدة لجان منبثقة عنه، منها اللجان الثقافية الأساسية الموجودة في المجلس، إضافة إلى اللجنة الثقافية الاستشارية المشكلة من القطاع الخاص والجمعيات الأهلية بمشاركة رئيس المجلس، حيث تعمل هذه اللجنة على طرح بعض الأنشطة ومناقشتها والاتفاق على أجندة ثقافية حيث يضيف: «بعد مهرجان ذاكرة النيلة، لدينا عدد من الأنشطة المستقبلية النوعية القادمة مثل مهرجان "فنانات من العالم" الذي يضم نشاطات متنوعة لفنانات من عدة دول، والذي سيتم في النصف الأول من شهر تشرين الأول القادم، إضافة إلى إطلاق القرص المدمج للفنان ضياء السكري، في 11 تشرين الأول القادم في مدينة حلب، وفي 13 من الشهر ذاته في مدينة دمشق، ويعتبر هذا النشاط نشاطاً نوعياً لمجالس المدن حيث قمنا فيه بتوثيق التراث الموسيقي لفناني مدينة حلب، وكانت البداية مع الفنان ضياء السكري، إذ قمنا في هذا القرص بتوثيق 22 عملاً موسيقياً من تأليفه بهمة الفنان أشرف كاتب على آلة الكمان، إضافة إلى مشاركة 22 فناناً عالمياً معه من مختلف دول العالم على آلة البيانو، بحيث يشارك كل عازف بمقطوعة موسيقية من مقطوعات الألبوم».
ويضيف الفنان السومي بأن النيلة الطبيعية موجودة في بلادنا منذ أمد طويل، حيث كانت بالنسبة لمصر في القرن الرابع العشر بمثابة البترول بالنسبة لدول النفط حالياً. أما علاقة حلب بالنيلة فقد كانت علاقة متينة وقديمة تاريخياً كما يقول، حيث تحدثت كتب الرحالة عن احتضان حلب لهذا الأمر، على اعتبار أن صبغة النيلة مخصصة لصباغة النسيج، وحلب كانت مدينة مشهورة بالنسيج على مستوى عالمي، ويتابع: «ما اكتشفته لاحقاً هو أن النيلة هي الشيء المشترك للإنسانية جمعاء من الصين واليابان وفيتنام وكل دول شرق آسيا مروراً بالهند وآسيا الوسطى، حيث نجد أن كلمة "نيلي" باللغة السنسكريتية تعني "أزرق"، ويدل هذا على التمازج الحاصل بين الحضارات. بعدها ننتقل إلى عمان واليمن والعراق ومصر وشمال أفريقيا وبلاد الشام، وصولاً إلى جنوب أمريكا في أقصى الغرب. ونجد فيما سبق أن كل العالم يستخدم هذا اللون ويعتبره اللون الأساسي في حياة شعوبه. أما حلب فقد كانت مركز اتصالات حضاري وثقافي حيث كانت تصدر هذه النيلة إلى دول أوروبا التي لم يكن بإمكانها زراعتها بسبب المناخ. وعندما اخترع أحد العلماء الكيميائيين الألمان هذا اللون دعاه "نيلين" في اشتقاق من الكلمة العربية».
وسيتوج المهرجان بثلاث أمسيات راقصة مستوحاة من النيلة، حيث يقول الفنان ناصر السومي عن هذا الموضوع: «المشروع عبارة عن رقص وموسيقى مستوحاة من النسيج والصباغة، والعمل مكون من ثلاثة أجزاء: الأول عبارة عن بناء خشبي بشكل قرص دائرة بقطر 20 متراً ومعمول بسطح مائل وارتفاعه في الطرف الأول صفر في حين يصل في الطرف الآخر إلى تسعة أمتار. وتتم عملية الرقص في وسطه باستخدام الأقمشة، وبالأخص الحرير لعدة أسباب منها أن سورية تنتج الحرير حتى أيامنا هذه، وحلب كانت من المدن المعروفة على طريق الحرير. وستكون الموسيقى المرافقة، وهي من تأليف الأستاذ فواز باقر، مستوحاة خصيصاً لأجل هذه المناسبة».
والفنان ناصر السومي هو من مواليد فلسطين ولد وعاش فيها، ثم انتقل إلى الأردن ونال فيها شهادة الدراسة الثانوية، بعدها جاء إلى مدينة حلب ليدرس في كلية الهندسة الميكانيكية، ومن ثم كلية الفنون الجميلة في مدينة دمشق. ومن ثم انتقل إلى بيروت ومنها إلى باريس التي استقر فيها حالياً وقد عمل على إقامة مهرجان حول النيلة في الهند قبل عدة سنوات.
أما السيد محمد ياسين القادم من الهند أيضاً فقد جاء مع مكونات النيلة، حيث قام بعرض العملية بشكل كامل أمام الناس حيث يضيف: «أعمل في مجال النيلة منذ ثلاثين عاماً بعد أن ورثتها عن أبي وجدي. قمنا في هذا المهرجان بإحضار كل مكونات النيلة وعرضها أمام الجمهور، حيث حاولنا العمل بنفس الطريقة التي نستخدمها في الصباغ وباستخدام نفس المواد. كما قمنا بعملية صباغ لأقمشة جلبها معه الجمهور، والتي سوف تصبح قابلة للاستخدام بعد 24 ساعة بعد أن تجف».
ومن المتابعين للمهرجان التقينا الشاب مهند عقاد والذي يقول لنا بأن فكرة المهرجان كانت مختلفة وفريدة من نوعها حيث يضيف: «تابعت النشاطات المتعددة التي تمت خلال المهرجان، وكانت نشاطات مميزة جداً، وخصوصاً العرض الراقص، ومن الجميل رؤية مثل هذه الأنشطة النوعية في مدينة حلب».
أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية