من قدموس إلى أوروبا

2009/24/11

عمل موسيقي جديد للمؤلف حسان طه

قدمت دار الأسد للثقافة والفنون (مسرح الأوبرا) مساء الخميس 19 تشرين الثاني 2009، وبالتعاون مع جمعية النهضة الفنية ومؤسسة تكوين بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي العمل الجديد للمؤلف الموسيقي السوري حسان طه وهو بعنوان «من قدموس إلى أوربا» بقيادة قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية المايسترو ميساك باغبودوريان، وشارك الموسيقيين السوريين في أداء هذا العمل عدد من الموسيقيين الأوروبيين وجوقة ألوان مع أطفال من SOS، وأدى مقاطع البيانو الموسيقي راجي سركيس.

ويعتبر الموسيقي حسان طه من المؤلفين الموسيقيين المعاصرين، وسبق لدار الأسد للثقافة والفنون أن قدمت له أمسية خاصة لأعماله وكانت بقيادة باغبودريان أيضاً.

جاء عمل «من قدموس إلى أوربا» ضمن سياق الخط الذي سلكه طه بخصوصية في التأليف الموسيقي، اعتمد على الجمل الموسيقية التي مزج فيها بين الكلاسيك الغربي والكلاسيك الشرقي. وهذا المزج كان واضحاً في تشكيل المجموعة الموسيقية حيث تضمنت التخت الشرقي مع الآلات الغربية، وكان العمل صعباً وخاصة بالنسبة لدور آلة الناي، إلا أن باغبودوريان ضبط الموسيقيين بخبرته، مما قد يصعب على قائد غيره.

فكرة قدموس وأوربا:
تعتمد فكرة العمل - أسطورة «قدموس وأوربا» - على أمرين أساسيين: الأول هو البحث عن شيء تم فقده، والثاني هو نقل المعرفة الإنسانية من مكان لآخر وعدم احتكارها، كحالة لقاء للآخر والانفتاح عليه، وبالتالي المساهمة في بناء وتطوير الفكر الإنساني بشكله الأعم.

وتقول الأسطورة بأن أجينور والد أوربا وقدموس كان ملكاً على كنعان (فينيقيا)، وهي التسمية التي أطلقها الإغريق شكل خاص على الكنعانيين الذين سكنوا الجزء الشمالي من الساحل السوري، نسبة إلى الصباغ الأرجواني الذي كان الكنعانيون يستخرجونه من أصداف البحر المتوسط ويتاجرون به.

وبعد أن خطف جوبيتر (زيوس) أوربا بأسلوبه اللعوب، يدب الحزن الشديد بقلب والدها الملك أجينور، مما يدفع شقيقها قدموس للبحث عنها في أصقاع الأرض، ويوصيه ألا يعود بدونها. يحاول قدموس إيجاد أخته دون جدوى، إلى أن يصل لبلاد الإغريق، ويقابل العرافة دلفي طالباً مشورتها، فنصحته أن يتخلى عن هذه المهمة الشائكة. في النهاية يستقر قدموس في بلاد الإغريق حيث يبني مدينة طيبة ومدناً أخرى إكراماً لزوجته هرمونيا، ويعلم الإغريق اللغة الأوغاريتية.

العمل كحالة موسيقية:
تعتمد موسيقى هذا العمل على أسلوب موسيقي أقرب إلى أسلوب البرمجية «program music» والتي تعتمد بدورها على تكنيك اللحن الدال «leitmotif»، ذلك الأسلوب الموسيقي الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية معاصرة هي «سينما الأذن»، حيث تعمل الموسيقى فيه على خلق مشهدية بصرية، وفي أحيان كثيرة مشهدية لونية إيحائية بعيدة عن التصوير الواقعي المباشر.

لقد كتب هذا العمل الموسيقي لتشكيل آلي أقرب لموسيقى الحجرة، فهو عبارة عن أوركسترا وترية صغيرة بتركيبتها العادية (كمان أول، كمان ثاني، فيولا، تشيللو، وكونترباص)، آلتا النفخ هما الكلارينيت والهورن، آلة البيانو، إضافة لآلات إيقاعية غربية (تمباني، فيبرافون، تام تام، وباص درام)، مع الآلات العربية التقليدية أو ما يسمى عادة بالتخت الشرقي وهي: الناي، القانون، العود، والآلات الإيقاعية العربية الشرقية.

يحاول المؤلف في هذا العمل متابعة ما بدأ به في أعماله الموسيقية السابقة، من إيجاد أسلوب كتابة موسيقية للآلات العربية التقليدية، يظهر قدرة تلك الآلات على خلق عوالم درامية مشهدية ولونية، سواءاً كآلات صولو أو عزف جماعي.

يشكل المقام العربي (الراست، البيات، والسيكاه) حضوراً قوياً في سياق هذا العمل، ولكنه سيحمل بعداً درامياً وإيحائياً أكثر من بعده الغنائي الذي اعتادت الأذن العربية عليه، مع معالجة موسيقية خاصة تتضمن الكثير من تكنيك الهيتروفونية «heterophony»، إضافة لحضور الإيقاعات العربية (الضروب) الخاصة بضغوطها مثل إيقاع السماعي الثقيل – الأقصاق – الجورجينا – وإيقاع المدور الهندي.

أقسام العمل:
انقسم العمل الموسيقي إلى قسمين أساسيين هما: القسم الآلي وهو قائم على سرد موسيقي لأسطورة «قدموس وأوربا»، والقسم الغنائي الذي يتضمن كورال أطفال.

القسم الآلي:
تضمن تسعة مقاطع موسيقية تحمل عناوين مختلفة:


ميساك باغبودوريان يقود الأوركسترا

شمس:
مدخل موسيقي بطيء يعتمد على الإيحاء بطقس أسطوري قادم من عمق التاريخ، حيث يظهر فيه موضوعان أساسيان هما: تيمة (لحن) الشمس تؤديها آلة الناي في مقام البيات مع مرافقة موسيقية بسيطة (سنسمعها فيما بعد بطرق موسيقية مختلفة ضمن سياق العمل كله)، ونداء لآلة الهورن يظهر في المقدمة التي تسبق ظهور لحن الشمس، يرافقها ضربات لآلة التام تام الإيقاعية مع نوطات ممتدة وعميقة يعزفها البيانو والكلارينيت. بعد ذلك يدخل لحن الشمس بتحولات تتجه به من الجانب التأمي الصوفي إلى الجانب الحركي الحيوي الراقص ليوحي بمرح الشمس وإشراقها.

أرجوان:
موسيقى بطيئة ذات طابع انطباعي، فيها استخدام كبير لآلة الفيبرافون «vibraphone» الإيقاعية ترافقها آلة البيانو بنوطات عالية توحي بحركة المياه وتساقطها كقطرات، إضافة للوتريات التي تعزف بأسلوب الفلوجوليه «flageolet». كل ما سبق سيشكل مرافقة للآلات الشرقية وهي تغني لحناً بسيطاً جداً، فيه إيحاء كبير بالرخاء الإنساني والسلام والوداعة التي ميزت السوريين الأوائل. في المقطع الأوسط لهذه المقطوعة، سنسمع ملامح من لحن الشمس، لكن في مقام الراسب وبأسلوب هيترافوني تقوم به آلتا الكمان الأول والثاني.

رقصة أوربا:
يمكن أن نقسم هذه الرقصة إلى مقطعين موسيقيين، الأول مبني على إيقاع السماعي الثقيل (8/10)، حيث تظهر من خلاله تيمة (لحن) أوربا التي تعزفها آلة الناي، وهي تيمة راقصة مليئة بالخفة والحيوية.

المقطع الثاني يعتمد على إيقاع الجورجينا (8/5) النزق والحيوي في آن معاً. ستظهر في هذا المقطع ملامح لدبكة شعبية تحمل طابع الدبكات الشعبية السورية المحلية.

قدموس المعلم الكوني الأول:
موسيقى سريعة ذات طابع حيوي واندفاعي قائمة على نبض (7/8) الرشيق. تتألف هذه القطعة من ثلاثة مقاطع موسيقية، حيث تظهر في بداية المقطع الأول وبشكل مباشر التيمة الموسيقية الخاصة بقدموس والتي تؤديها آلة الهورن، وتظهر فيها ملامح الإقدام، النبل والبطولة، تستمر الموسيقى بحركة رشيقة لتظهر ملامح من لحن الشمس على مقام البيات من درجة الصول، والتي تكون بمثابة لحن تمهيدي للدخول للمقطع الثاني القائم على صولو لآلة التشيللو في مقام الراست (يمكن أن نسميه لحن تأمل قدموس) يكون أقرب لأسلوب الريشيتاتيف «recitative» الغنائي البطيء ذو الطابع الإخباري، حيث يعطي إيحاء بمدى الحالة التأملية التي يتمتع بها قدموس إضافة لحكمته ووقاره. بعد ذلك تتحول الموسيقى مرة ثانية باتجاه الحركة والسرعة لتذكر بلحن قدموس الاندفاعي.

جوبيتر يختطف أوربا:
هذه المقطوعة قائمة على شيء أساسي ومفصلي في سير السرد الموسيقي للأسطورة، وهو تحول رقصة أوربا (آلة الناي) القائمة على إيقاع السماعي الثقيل إلى رقصة الفالس «valse dance» وكيفية إغواء أوربا من قبل جوبيتر. ويمكن تقسيم المقطوعة إلى ثلاثة مقاطع موسيقية، حيث يظهر لحن أوربا في المقطع ليذكر برقصة أوربا، ونلمح في هذا المقطع ظهوراً متخفياً لآلة الكلارينيت (جوبيتر)، وهي تحاول أن تشارك أوربا (آلة الناي) رقصتها. المقطع الثاني قائم على الصولو لآلة الكلارينيت (جوبيتر) فيه حالة استعراضية كبيرة، مع حالة من المرح واللعب، تشاركه بهذا الصولو آلة الناي (أوربا) مشاركة تعطي انطباعاً بالممانعة والهروب، حتى تظهر ملامح رقصة الفالس من خلال آلة الكلارينيت لندخل في المقطع الثالث، القائم على رقصة الفالس. تستمر الموسيقى ما بين رغبة بالمشاركة لآلة الناي (أوربا) وممانعة، لنصل للحظة الموافقة الكاملة من قبل أوربا للرقص مع جوبيتر وبالتالي خضوعها له بشكل كامل، لتنتهي الموسيقى برقص جماعي حافل تعزفه كل الآلات.

قدموس يبحث عن أوربا:
تبدأ الموسيقى بصولو لآلة الناي وهي تعزف لحن لا مقامي (a tonal) قائم على أسلوب الدوديكافونية «dodecaphonic»، مع مرافقة لونية من قبل بعض الآلات الأخرى، بعدها يظهر صولو لآلة التشيللو يحاكي الصولو الذي ظهر في القسم الثاني من المقطوعة الرابعة (قدموس المعلم الكوني الأول)، يوحي صولو آلة التشيللو بحالة قدموس وهي مزيج من العتب والغضب والحكمة، ويستمر التشيللو بالعزف لترافقه آلة البيانو حيث تدخل الموسيقى بحالة من الشجن، نسمع من خلالها محاكاة لنداء آلة الهورن الذي ظهر في القطعة الأولى (شمس)، تتحول الموسيقى ليظهر صولو لآلة الهورن يوحي بنداء ودعوة للإيحاء وتحريك السفن انطلاقاً للبحث عن أوربا، بعدها يعاود لحن قدموس بالظهور وتتحرك الموسيقى بسرعة واندفاع نحو البعيد.

قدموس يبني طيبة ويعلم الإغريق اللغة الأوغاريتية:
موسيقى سريعة وحيوية تعتمد بشكل أساسي على تقنية «prepared piano» البيانو المحضر، قسمها الأول على ثلاثة عناصر موسيقية هي: الإيقاع المتكرر الذي يعزفه البيانو المحضر (إيقاع الأقصاق الشهير)، ملامح من لحن الشمس تعزفه كتلة الكمان الأول والثاني، والحركة الإيقاعية اللونية الناتجة من آلات الفيولا، التشيللو وآلة الكونترباص التي تعزف بتقنية بتزيكاتو بارتوك «Pizzicato Bartok»، وكل ذلك سيؤدي لناتج موسيقي صوتي لوني يعطي إيحاء بورشة بناء صاخبة تعتمد على الحركة الميكانية الآلية المتكررة.

أما القسم الثاني من هذه القطعة فقائم على صولو للآلات الإيقاعية الشرقية والغربية، بعدها يظهر صولو لآلة الناي يحاكي لحن الشمس، لتظهر الآلات الشرقية بعزف لحن تأمل قدموس الموجود بالقسم الثاني من مقطوعة «قدموس المعلم الكوني». ويبقى القسم الأخير من هذه القطعة المبني على أصوات عميقة وممتدة لآلة البيانو توحي بحالة من الاستقرار، يظهر فيها صولو لآلة العود في مقام الراست، نلاحظ فيه ملامح من لحن تأمل قدموس.

رقصة قدموس وهارمونيا:
رقصة حيوية قائمة على إيقاع الجورجينا (5/8)، ذات لحن بسيط وواضح مبني على مقام الراست، تؤديه الآلات الشرقية بمرافقة إيقاعية من قبل بقية الآلات. في القسم الثاني لهذه الرقصة تظهر ملامح من نداء الهورن الموجودة في مقدمة مقطوعة شمس، حيث سيكون كلحن واصل للدخول في جو موسيقي قائم على مقام السيكاه الشجي، يتخلله مقطع تفاعلي بسيط، يؤدي للعودة إلى اللحن الرئيسي للرقصة.

قدموس الطفل يلتقي جوبيتر الطفل لبناء العالم الجديد:
تعتمد هذه القطعة على الإيحاء بأجواء الطفولة، البساطة واللعب، لذلك تسيطر عليها آلة الفيبرافون الإيقاعية والتي غالباً ما ترتبط بلعب الصغار. سنسمع لحن قدموس تعزفه آلة الفيبرافون ببطء شديد، ثم يعاد من قبل آلتي الناي والبيانو، يعدها يدخل مقطع سريع جداً يذكرنا بلحن جوبيتر المرح واللعوب، يشاركه كل من البيانو والفيبرافون، لندخل بعد ذلك برقصة فالس على مقام البيات، تستمر لنهاية هذه المقطوعة.


كورال الأطفال يغني عن أسطورة قدموس

القسم الغنائي:
قدمه كورال ألوان مع أطفال من SOS تم تدريبهم على يد الموسيقي حسام بريمو.
تتحدث كلمات أغنية الكورال عن أسطورة قدموس وتعبر عن وجهة نظر الأطفال حول ما يتمنونه لأنفسهم ولأصدقائهم ولكرتهم الأرضية، وما يقترحونه من طرق للتواصل مع أطفال يجهلون جنسيتهم ولغتهم وذلك من خلال إجابات لأسئلة طرحت على 120 طفلاً في سورية. الأغنية من كلمات الشاعر السوري ثائر زعزوع وتقول كلماتها:

رسالة محبة.. من قدموس إلى أوربا:
«هل يمكن البحر
أن يصير طائراً
يطير عالياً
لينشر الحب
وينشر السلام؟
هل يمكن الغيوم
أن تحمل المعرفة
من شاطئٍ
لجبل
لوادٍ... وضفة؟
يا أخي
يا أيها الإنسان
حيثما كنت – في أي مكان
مد لي يدك
وافتح قلبك
فالحب معرفة
والحب إيمان
من أرضنا
أرض أوغاريت
سافر قدموس
مكللاً بالأرجوان
حاملاً ألواح المعرفة
باحثاً
عن أخته أوربا
همس للشجر
للبحر للنهر
نشر المعرفة الأبدية
قادماً من أرض الأبجدية
لم يحمل سيفاً
لم يحرق زرعاً
فالحب معرفة
والحب إيمان
يا أخي
يا أيها الإنسان
حيثما كنت – في أي مكان
مد لي يدك
وافتح قلبك
تغني الطيور تغني
وتنشر لحن الحكاية
يا أخي الإنسان إني
كتبت سطور البداية
الأرض أم الجميع
تضمنا بالمحبة أخوة
إن السلام بديع
ووحدة الناس قوة.
يا بحرنا
يا شمسنا
يا بردنا
يا دفئنا
يا كل شيء بيننا
معاً سنرفع صوتنا
نطير طير حمام
من أرض قدموس
لأخته أوربا».

قدم الأطفال هذه الأغنية بشكل جيد دفع الجمهور لأن يصفق لهم طويلاً.

إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

صور الخبر

من قدموس إلى أوربا على مسرح الأوبرا

من قدموس إلى أوربا

قائد الأوركسترا ميساك باغبودريان يحيي العازفين في نهاية العمل

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق