ندوة عن ماري عجمي في ثقافي أبو رمانة بدمشق

17 تشرين الثاني 2013

فكر تنويري متعدد الجوانب

أقيمت في المركز الثقافي العربي أبو رمانة، ضمن سلسلة أعلام خالدون، ندوة عن الأديبة والشاعرة المناضلة الوطنية ماري العجمي، وذلك يوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2013، قدمها كلاً من الكاتب عيسى فتوح، والباحث زهير ناجي، بحضور مميز للأديبة كوليت خوري، و عدد من الأدباء والمفكرين وعدد من الصحفيين ومن رواد المركز الثقافي.

ماري العجمي هي إحدى مثقفات أواخر عهد التنوير، وهي بنت فكر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومفكرة النصف الأول من القرن العشرين، أديبة وشاعرة ومناضلة اجتماعية ضد الظلم والاستعمار، والتي قال فيها فارس الخوري:

يارجال الأريحية ..|.. سجلوا هذه الشهادة

إن ماري العجمية ..|.. هي مي وزيادة

والبداية كانت مع الباحث زهير ناجي الذي تحدث عن فكر ماري عجمي قائلاً: إن فكر ماري عجمي لم يدرس حتى الآن دراسة عميقة باعتباره فكراً تنويرياً متعدد الجوانب، ويحتاج إلى أكثر من قراءة ولا سيما فكرها الوطني النضالي، لأنها عاشت في فترة مفصلية من تاريخ بلاد الشام، و من خلال مواقفها من الدولة العثمانية قبل العام 1914، وموقفها من الثورة السورية الكبرى، والانتداب الفرنسي فقد كانت مناضلة عروبية العقيدة إنسانية التوجه، وكان دفاعها عن اللغة العربية جزء من فكرها الوطني إضافة إلى فكرها الأدبي، لأن المعركة كانت ولا تزال مع الامبرياليين والمعادين للأمة العربية، وهي معركة تهديم اللغة العربية التي تشكل سور الدفاع الأساسي عن الأمة العربية.

ويتابع الباحث زهير ناجي أن فكرها الاجتماعي كان في دفاعها عن المضطهدين، وحديثها عن الفلاحين والعمال وعن الإصلاح الاجتماعي، ودفاعها عن المرأة والدعوة إلى تحريرها وإلى إعطائها حقوقها واحترامها، إضافة إلى حديثها عن تطوير الاقتصاد الوطني ودعوتها إلى تشجيع الصناعة الوطنية وإلى لبس ما ننسج، وأكل ما نزرع، وأعلنت مقاومتها للصناعة الأجنبية التي بدأت تغزو البلاد آنذاك وتدمر اقتصادها وتفقرها وتستعبدها، ودعوتها إلى نبذ التعصب الديني والإخاء بين الناس، ناهيك عن فكرها السياسي الوطني المعروف الذي يحتاج إلى دراسة عميقة، فهناك الكثير من الأدباء والكتاب الذين كتبوا عنها، ومنهم الأديبة كوليت خوري التي دونت في مقدمة احد كتبها عبارات جميلة بينت فيها أن ماري عجمي إسم تلألأ في فترة من تاريخ بلادي ثم غاب وطواه النسيان والإهمال وتخطاه ضياع الجيل الجديد.

ويضيف إن موضوع المرأة كان شغلها الشاغل، ولهذا أسست مع نازك العابد سنة 1920 النادي النسائي الأدبي، وهو أقدم وأعرق النوادي النسائية في سورية، حيث سعى إلى إحياء نهضة اجتماعية ثقافية ضمن نطاق المرأة العربية، وذلك بإلقاء المحاضرات وإقامة الحفلات الأدبية والفنية وإيجاد مكتبة خاصة بالسيدات، وتعليم الطالبات المحتاجات، وتشجيع المصنوعات الوطنية، كما قامت ماري عجمي فيما بعد بتأسيس جمعية نور الفيحاء ومدرسة بنات الشهداء، وكانت المرأة الوحيدة في جمعية الرابطة الأدبية التي تأسست في دمشق سنة 1921، وكانت عضوة في لجنة النقد الأدبي.

وبدوره يحدثنا الكاتب عيسى فتوح عن ماري عجمي من خلال لقائه بها في مطلع ستينيات القرن الماضي بعدما تخرج من الجامعة وعمل في حقل التدريس في حلب، حيث زارها في منزلها بدمشق وقدم على إثر هذه الزيارة محاضرة عنها في كل من المركز الثقافي العربي بحلب، والنادي الكاثوليكي، مصطحبا معه في تلك الزيارة أحد عشر مجلدا من مجلة العروس التي كانت تصدرها.

وقد استعرض من خلال مداخلته أن ماري عجمي التي استمرت في تحرير المجلة بقلمها الجريء حتى سنة 1925 حيث توقفت نهائياً بسبب مناهضتها الصارخة للاحتلال الفرنسي، و أن الفرنسيين حاولوا شراء ضميرها بالمال فباؤوا بالخيبة والخذلان إذ رفضت رفضاً نهائيا أن تتعاون معهم أو أن تجعل من مجلتها بوقاً لهم، كما رفضت من قبل الإذعان والاستسلام للأتراك، فكان كفاحها مرتبطاً بالدرجة الأولى بشهداء السادس من أيار، فزارت السجون عدة مرات ووصفت أحوالها وأحوال من فيها من السجناء السياسيين ورأت بأم عينها الأوضاع السيئة التي كانوا يعانون منها وألوان العذاب والاضطهاد التي تحملوها بصبر الجبال، مبيناً أنها وصفت جمال باشا السفاح بأنه شر طاغية ابتليت به البلاد، غير خائفة من عقابه ولا متهيبة من مشانقه وجواسيسه فقد كان الشهداء بنظرها أولئك الذين قتلوا حباً بالاستقلال.

وهكذا استمرت تقارع الاستبداد وتندد بالمستبدين وتتخذ من قلمها سلاحاً فعالاً تحارب به بلا هوادة غير عابئة بالنتائج التي تترتب عليها، وكانت قد أوقفت مجلتها العروس أكثر من مرة وتعرضت لغرامات باهظة في سبيل إعادة إصدارها، ومنيت بالإخفاق المادي لكنها لم تخفق معنوياً وفكرياً إذ استطاعت أن تحرك الأذهان الغافلة وتوقظ الضمائر النائمة.

لقد شكل إسم ماري عجمي علامة فارقة ومميزة في مسيرة النهضة العربية، تمتعت بالأصالة في فكرها والانفتاح على ثقافة الآخر دون أن تتخلى عن جذورها، فأكدت من خلال قلمها وخطاباتها ومواقفها السياسية، ووعيها بأهمية المثقف ودوره في تأكيد قيم التحرر من الاستعمار وفضح زيف أطروحاته عن الحرية والإخاء والمساواة.

انعزلت ماري بقية حياتها في منزلها في باب توما، ولم تتزوج بعد استشهاد حبيبها، فغابت عن الأنظار في عزلة وبؤس بسبب المرض الذي ألمَّ بها حتى فارقت الحياة ولم يشارك في جنازتها سوى عدد قليل من المخلصين لها مشوا وراءها إلى مثواها الأخير إلى مقبرة الباب الشرقي في دمشق، لتتوارى دون ضجيج أو جلبة تحت شاهد صغير دُوّن عليه اسمها الخالد في ذاكرة الوطن والإنسانية.

يذكر أن الأديبة ماري عجمي من مواليد عام 1888 وحاصلة على شهادتي المدرستين الروسية والايرلندية سنة 1902 عملت في التدريس والتمريض ثم في الصحافة بين مصر وسورية ومنذ ذلك الوقت كانت تكتب الشعر وتتقن أعمال الترجمة وفي عام 1910 أنشأت مجلة العروس في القاهرة التي ذاع صيتها، و في عام 1920 أنشأت النادي الأدبي النسائي، وجمعية نور الفيحاء ومدرسة لبنات الشهداء، أسهمت بتحرير مجلة الإصلاح في بيونس آيرس، ونشرت أغلب شعرها تحت أسم ليلى، وفي عام 1940 عينت أستاذة للأدب العربي في بغداد، وفي عام 1946 فازت بالجائزة الأولى في مسابقة شعرية أقامتها إذاعة لندن، وتوفيت بدمشق في كانون الأول عام 1965 عن عمر يناهز 77 عاماً.


عبد القادر شبيب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق