الصالونات الأدبية العربية النسائية

23 05

منتديات ساهمت في تكريس مبدأ الحوار الفكري في المجتمع العربي

أقامت الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية بالتعاون مع الندوة الثقافية النسائية، وبعد الاستحسان الواسع الذي لاقته التظاهرة السينمائية التي احتفت عبرها بالمبدعات العربيات في السينما، وتظاهرة الأغنية النسائية، محاضرة حول «الصالونات الأدبية العربية النسائية» ألقاها الباحث عيسى فتوح في مكتبة الأسد يوم الثاني والعشرين من أيار 2008.
قدم فيها الباحث فتوح لمحة عن تاريخ نشوئها ووظيفتها في مراحل تاريخية معينة، ثم قام الباحث بذكر عدد من الأسماء الأنثوية التي أسست لصالونات ومنتديات أدبية مطلِع القرن العشرين ودورها وتأثيرها العميق في الثقافة العربية.
يقول الباحث فتوح «لم تكن الصالونات الأدبية العربية يوماً حكراً على الرجال من دون النساء، فالإسهامات النسائية في هذا المجال كانت كبيرة وفاعلة منذ القدم، إذ يذكر التاريخ منتديات ثقافية وفكرية نُسبت إلى نساء كثيرات في عصور الخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعباسي والأندلسي مثل منتدى سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة ونزهون الغرناطية وولادة بنت المستكفي وصولاً إلى العصر الحديث مع صالونات مريانا مراش ومي زيادة وماري عجمي وثريا الحافظ وغيرهن كثيرات، وبالتالي لا يوجد شيء اسمه أدب أنثوي أو ذكوري، بل هناك نقاش وحوار بين الرجل والمرأة في الأدب ومن خلاله».
كما هو معروفٌ تاريخياً، إن أولى النساء اللواتي أسسن مجلساً أدبياً في التاريخ العربي الإسلامي كانت سكينة بنت الحسين التي أقامت مجلساً أدبياً في الحجاز يتردد عليه أهل الأدب، والفقه، والسياسة، وفي الأندلس في مدينة قرطبة مارست ذلك الشاعرة ولادة بنت المستكفي، وانطلاقاً من هذه النقطة تحديداً يعتقد المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون أن العرب في الأندلس هم الذين قدموا فكرة الصالونات النسائية الأدبية لفرنسا وأوروبا عامة في القرن الثاني عشر، وإبان المرحلة العثمانية التي دامت أربعة قرون تراجع هذا التقليد الأدبي الرفيع في البلاد العربية، لاتسام المرحلة بالافتقار إلى الشعر، والثقافة، والفن حيث فقدت المجالس الأدبية زخمها الفكري والثقافي، وفرغت من محتواها الحقيقي، وتحولت إلى لقاءات طغت عليها الموسيقا، والرقص، والتنجيم، وأخذت طابعاً مختلفاً لا يمت إلى الثقافة والأدب بصلة، لكن مع مطلِع القرن العشرين وعلى حد قول الباحث فتوح عاد هذا التقليد إلى الظهور من جديد، وأطلق عليه اسم الصالون الأدبي ليكون امتداداً للمجالس الأدبية التي ظهرت في التاريخ العربي الإسلامي، ففي مصر برزت الأديبة مي زيادة التي حقق صالونها الأدبي شهرة واسعة، كما برزت أديبات أخريات مثل زينب فواز، وهدى الشعراوي، وأماني فريد، وملك حفني ناصيف.
لقد اشتهرت في سوريا الأديبة مريانا مراش التي كانت السباقة إلى إحياء تقليد المجالس الأدبية في ظروف سياسية واجتماعية بالغة الحساسية، والتعقيد رافقت نهايات المرحلة العثمانية في أوائل القرن المنصرم، كما برزت ماري عجمي حيث استضاف صالونها وجوهاً أدبية بارزة من أمثال خليل مردم بيك، وعبد الكريم الكرمي، وفخري البارودي، وحبيب كحالة، وشفيق جبري، وغيرهم.
كما أسست زهراء العابد زوجة محمد علي العابد، وهو أول رئيس للجمهورية السورية نهاية الثلاثينات، صالوناً في منزلها، وكذلك ثريا الحافظ لعبت دوراً في هذا المجال إذ أقامت صالوناً أدبياً أطلقت عليه اسم «سكينة بنت الحسين» تخليداً لذكراها وتقديراً لدورها الريادي، واحتفت في صالونها بأسماء مهمة مثل الشاعرة العراقية نازك الملائكة، والشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان.
برز في المراحل اللاحقة، أي في العقود الأخيرة من القرن الماضي، اسم المحامية والكاتبة حنان نجمة التي تملك حتى الآن صالوناً في شارع العابد قرب مبنى البرلمان في دمشق، ولعله الأقدم بين الصالونات المتواجدة حتى الآن التي تمارس نشاطاً شهرياً، وقد استضاف هذا الصالون منذ إنشائه عام 1980م، الشاعر عمر أبو ريشة، وزكي قنصل، ود. فهمية شرف الدين، ود. نوال السعداوي، وغالب هلسا، ود. طيب تيزيني، وعبد السلام العجيلي، وناديا خوست، وفراس السواح وغيرهم، ومن الصالونات الشهيرة أيضاً صالون نازلي فاضل، وهدى شعراوي، وماري عجمي، وألفت الأدلبي، وهبة الوادي، وأسماء الحمصي، وصبيحة شيخ داوود، وأنصاف الأعور، وفضيلة فتال، والأديبة كوليت، والشاعرة السورية ابتسام الصمادي النائبة في البرلمان السوري، وجورجيت عطية. "الصالونات
يجد الباحث فتوح أن الصالونات الأدبية سلطت الأضواء على الأنشطة الفكرية والثقافية المختلفة، كما عملت على تكريس مبادئ الحوار، ومن الصالونات الأدبية النسائية التي توقف عندها الباحث فتوح في مستعرض حديثه، صالون ثريّا الحافظ بين عامي 1943 و1953 وكان اسمه حلقة الزهراء، وصالون جوليا طعمة الدمشقية عام 1954 في لبنان، وصالون مي زيادة في مصر الذي قال فيه فتوح «لا ريب في أن مي زيادة كانت أكثرهن شهرة وشغلاً للرأي العام وإثارة لطبقة المثقفين ورجال السياسة والأدب، فقد ألمت بالثقافة العربية والغربية، كما أتقنت عدداً من اللغات، وكان مجلسها يُعقد يوم الثلاثاء وكان يحضره عمالقة الأدب ورواد السياسة ومشاهير العلماء وأعيان البلد مثل محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد لطفي السيد، وقاسم أمين، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي ، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وعباس محمود العقاد، وهكذا اجتمع أعلام الدين وأقطاب السياسة ورواد النثر وفرسان الشعر في صالون مي، وذلك تقدير للمرأة العربية التي استطاعت جمع الرجال من حولها يتناقشون فيما بينهم نقاشاً حراً في السياسة والأدب والدين والثقافة العالمية».
يذكر أن الباحث عيسى فتوح من المؤرخين والموثقين للحركة النسائية العربية في مختلف مظاهرها الفكرية والثقافية والنضالية، وله العديد من المقالات والمؤلفات المختصة.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق