في مسير مائي بالكامل: أنا السوري يقيم مسير الضفادع البشرية

09 نيسان 2012

.

بعد ثلاث سنوات على المحاولة الأولى، استطاعت الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق «أنا السوري» العثور على الخنزير البري وتوثيقه بالصور والفيديو بعد محاولات عديدة قامت بها الجمعية. وقد تم رصده على جرف نهر فرزلا ضمن المسير الأخير الذي قامت به الجمعية الجمعة الماضية في محافظة اللاذقية بريف ناحية جوبة برغال ببلدة العنانيب.

وقد شمل المسير الشتوي البرمائي – وفقاً لتصنيفات الجمعية المعيارية – مشاركة 38 متطوعاً ومتطوعة من ثلاث محافظات هي دمشق وحلب واللاذقية. ووفقاً لأمين سر الجمعية وقائد نشاطاتها الشاب خالد نويلاتي فإن الهدف من هذا النشاط كان الاستكشاف والتوثيق لطبيعة الأنهر الساحلية النشطة في مثل هذه الفترة من العام، إضافة إلى الطبيعة المحيطة بالمكان من الناحية البرية والطبيعية، مشيراً إلى أن الهدف الإضافي الثاني يمكن في رفع قدرة المشاركين على المسير في الجروف الصخرية الوعرة وتجاوز الممرات المائية بمساعدة القوارب المطاطية والحبال. ويضيف: «منذ حوالي ثلاث سنوات، قامت الجمعية بتنفيذ نشاطين في تلك المنطقة بهدف تجاوز هذا الجرف الصخري بعمق هذا الوادي الضيق والعميق وسط الغابات الكثيفة. لكن وبسبب التضاريس الصعبة، لم تتمكن الفرق المشاركة سابقاً من تجاوز هذا الجرف حتى نقطة النهاية رغم كل التجهيزات والتحضيرات التي سبقت هذه النشاطات، مما جعل من هذا الجرف لغزاً ومعضلة شغلت بال الإداريين والكادر التنظيمي وجعلتهم يصرون على تكرار المحاولة. قررنا منذ بداية العام الحالي تثبيت موعد المسير البرمائي هذا وبدأ التحضير له بشكل جدي منذ ذلك الوقت حيث قررنا هذه المرة السير فيه حتى نقطة النهاية».

أما عن «المسير البرمائي» فيصفه الشاب خالد بأنه المسير الذي يقام في الوديان العميقة ذات التضاريس القاسية بجروفها الصخرية الشديدة الانحدار والجريان المائي الدافق ويضيف: «نعمل في الجمعية وبشكل سنوي على محاولة خوض مثل هذه المسيرات البرمائية حيث تمثل تجربة السير في هذا النهر السيلي من أوله وحتى نهايته إحدى الأمثلة على هذه النشاطات. ويعتبر هذا اللون من النشاطات من أصعب النشاطات التي تقوم بها الجمعية كونه يتطلب الكثير من الخبرة والمعدات والوقت لأجل تنفيذه بشكله الصحيح إضافة إلى أن جميع المشاركين هم مجبرون على السير في ممراته المائية إما سباحة أو بمساعدة الحبال والقوارب المطاطية. وهنا أود القول بأن أول نشاط تم تنفيذه تحت هذا الاسم كان في عام 2006 في محافظة اللاذقية في النهر الأزرق بمنطقة سلمى، وتعتبر الجمعية أول من ابتدع هذه الفكرة في سورية».


شباب الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق في مسيرهم

بداية التحدي:
بعد الوصول إلى مدينة اللاذقية واجتماع المشاركين من باقي المحافظات، انطلق المغامرون إلى نقطة البداية في بلدة العنانيب قرب المقصف. هناك، تم توزيع المعدات على المشاركين (العصي والحبال والخوذ البلاستيكية والقوارب المطاطية وستر النجاة)، ومن ثم جرى تقسيم المشاركين إلى فرق، كل فرقتين هما «11» و«قاديش»، وتوزيع الكادر التنظيمي على هذه الفرق، كما جرى وضع مقدمة وظهير من فريق الطوارئ لكل فرقة بالإضافة إلى تثبيت داعم إسعافي في وسطها. وفي تمام الساعة الثامنة صباحاً بدأ المسير الذي يخبرنا عنه الشاب خالد: «كانت الخطة في البداية السير على طريق ترابي للبحث عن منفذ بين الأحراج والغابات للوصول إلى نهر فرزلا، وكنا في هذه الأثناء نستدل على المسلك من خلال الخريطة وتتبع صوت النهر القوي. وبعد أقل من ساعة، استطعنا أن نصل إلى بداية ساقية مائية صخرية منحدرة بشدة إلى أسفل النهر، وكانت الأحراج الكثيفة تغطيها بالكامل بحيث تطلب منا الأمر استخدام معدات خاصة وإرسال فريق الطوارئ إلى المقدمة؛ وهنا بدأنا المرحلة الصعبة وبدأت حركة المشتركين تتباطأ يصحبها الكثير من الحذر والمغامرة، وكنا في كثير من الأحيان نشعر أن الطريق سيغلق بين الحين والآخر من كثافة الأشواك و الأحراج والأشجار الضخمة التي كانت تسد الطريق. وبعد أقل من ساعتين، خرجنا من هذا المجرى ووصلنا إلى الممر الرئيسي لنهر الحصان؛ هنا بدأنا نسير في مجرى نهري واسع وكانت المياه فيه جارية بشكل سريع وباردة إلى درجة أننا كنا نفكر كثيراً قبل الخوض فيها. ومما ساعد على زيادة صعوبة سيرنا هو أن الشمس لم تكن تصل إلى الوادي بسبب عمقه وكثافة أشجاره فكان البرد شديد جداً. مع ذلك، تابعنا سيرنا، وخلال ساعة ونصف وصلنا إلى منطقة الملقى وهي تلك النقطة التي كنا قد أقمنا فيها مبيتنا الماضي منذ أسبوعين أو أكثر قليلاً. يتميز المكان بأنه نقطة التقاء ما بين نهري الحصان والبلاط حيث يشكل اجتماعهما معاً نهر فرزلا المتجه غرباً إلى البحر يقطعه عرضياً طريق ترابي واصل ما بين بلدتي العنانيب وفرزلا. وهنا كانت أول استراحة نستجمع فيها قوانا وننتظر وصول باقي المتطوعين».

ويخبرنا خالد بأن الفريق تناهى إلى سمعه خبر إصابة أحد المشاركين بقدميه جراء سقوطه وبالتالي عدم تمكنه من متابعة المسير. هذا الأمر دفع بالفريق التنظيمي إلى الاجتماع ومن ثم دمج الفرقتين في فرقة واحدة من جديد، وإعادة توزيع الكادر التنظيمي عليها مع وضع المسعفين في الوسط للإمساك بخط السير وتنظيم سير المتطوعين حيث بقى المخطط هكذا حتى نهاية المسير ويضيف: «بسبب تلك الحادثة، اضطررت إلى ترك المسير للعودة بالمصاب إلى العنانيب، واستمر كل من بهزاد شكو وبلال النابلسي من فريق الطوارئ بقيادة النشاط حتى النهاية، حيث تابع أعضاء الفريق سيرهم في مجرى النهر الذي اشتد جريانه بسبب وجود رافد إضافي له هو نهر البلاط، وغدا هدير مياه النهر عالياً جداً لدرجة أن المتطوعين باتوا غير قادرين على سماع أصوات بعضهم البعض واضطروا للصراخ ليتواصلوا فيما بينهم. ورغم أن الشمس بدأت تنتصف السماء، إلا أن الغيوم كانت تحجبها وبدأ الجميع يعاني من البرد والقشعريرة بسبب هبوب النسيم البارد بين الحين والآخر في وادٍ عميق لا يعترف بالدفء ولا يؤمن بالضعيف. وبهمة ونشاط دخل الجميع إلى الوادي وكان في مقدمتهم قائد فريق الطوارئ بهزاد شكو وبدأت المغامرة الشيقة والتحدي الأكبر في وقت لم يعد فيه أي معلم يذكر بالحياة المدنية، ولم يعد يفيد إلا شجاعة النفس وقوة الصبر والإصرار على المتابعة حتى النهاية».

وتابع خالد: «كان المتطوعون يسيرون ببطء ويتعمقون في الجرف النهري حتى وصلوا إلى أول شلال هادر، وهنا استوجب استخدام القوارب المطاطية والحبال لتجاوزه، وظن الجميع أنها المرحلة الأخطر والأصعب، وما أن تم تجاوز هذا الشلال حتى وقف الجميع أمام بركة واسعة مملوءة بالمياه الباردة السريعة الجريان والتي لا يمكن تجاوزها إلا سباحة، فاندفعوا إليها معتقدين أن في تجاوزهم لهذه البركة الخروج إلى بر الأمان إلا أن المصاعب توالت والشلالات والبرك المائية تلاحقت واحدة تلو الأخرى وضاق الوادي وكثرت الصخور المغطاة باليخضور وتكثف الظل حتى بدا وكأن الشمس تميل إلى الغروب علماً أن الساعة حينها لم تتجاوز الواحدة ظهراً، وكثر التزحلق وتفنن المتطوعون في رمي أنفسهم في الماء ولم يعودوا يأبهون للبلل أو الماء أو البرد، وكثر الصراخ والصخب و الأهازيج التي كان الجميع يصدح بها في هذا الوادي فترتد إليهم بصدى بعيد يبشر بأن الطريق طويل وأن أحداً لن يسمع صوتهم فيزداد حماسهم وشغفهم للوصول إلى النهاية، ولم يكن يخفف عنهم همهم إلا جمال هذا الوادي المكتنز و المليء بالحياة البرية الغريبة النادرة التي لم يشاهدوا مثيلاً لها إلا في الأفلام الوثائقية».

جثة الخنزير البري التي تم اكتشافها وتوثيقها

وجدنا ما أتينا للبحث عنه:
ويكمل خالد النويلاتي حكاية هذه المغامرة الساحرة فيؤكد أن السؤال الذي بات يشغل بال الجميع هو «هل هذه هي سورية؟ هل هذه الطبيعة الساحرة في سورية؟» وبعد ثلاث ساعات من السير المضني، بدأت الظنون تراود المتطوعين أنه من المستحيل الخروج من هذا الوادي وبدأ الصمت يخيم على الوادي، وبات صوت المياه وصوت الطبيعة هما المسيطران على الوادي. وفي تلك الأثناء، ومع سيطرة التعب والبرد والقلق على أجساد المتطوعين، عثر أحدهم على جثة خنزير بري مرمية على ضفاف النهر، فعاد النشاط للجميع وتسارع الكل لتوثيق هذا الحيوان النادر الذي عجزنا خلال مبيتنا الماضي ولمدة ثلاثة أيام عن رؤيته وتوثيقه بكاميراتنا. ويتابع خالد بالقول: «رؤية ذاك الخنزير البري جعل النشاط يدب في أجساد المتطوعين من جديد، فقد حصلوا على صيدهم الثمين الذي انتظروه طويلاً. وعاد الأمل إلى إمكانية الخروج من هذا الوادي حتى يتسنى نشر صور الخنزير الذي شغل أمر توثيقه الكادر التنظيمي للجمعية منذ سنتين وأكثر، مما زادهم إصراراً على الخروج والوصول إلى النهاية. وقبل الغروب بنصف ساعة ظهرت أولى معالم الحضارة الإنسانية، حيث بدأت الأشجار المثمرة تظهر في أعلى الوادي فقام فريق الطوارئ بالخروج عن مجرى النهر والبحث عن الطريق الترابي الذي يؤدي إلى بلدة مصيص التحتى. في هذه اللحظة عدت أنا لمتابعة سيري مع الفريق وإرشادهم إلى نقطة النهاية والاطمئنان عليهم. ومن ثم قام أحد أعضاء الكادر التنظيمي بالاتصال بأهل القرية لتأمين سيارات الدعم لنقل المتطوعين إلى بلدة العنانيب، حيث كانت الاستراحة الأخيرة ووجبة الغداء المحضرة مسبقاً من قبل فريق الدعم المرافق للجمعية في انتظارهم وكانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساءً».

وقد حقق النشاط نتائج هامة – كما تقول الشابة نورما الخوري - من لجنة الإشراف والتنسيق أبرزها تألق الجمعية بنشاطها هذا الذي أعادها إلى أيامها السابقة وطبيعتها الحقيقية حيث تضيف: «اليوم نستطيع أن نقول بأن مسير الضفادع البشرية الذي تم تنفيذه اليوم أعادنا إلى ذكريات مسير قفزة الثقة الأول ومسير رسيون ومسير السلمندر، التي جرت في الأعوام الماضية، حيث أصبح هذا المسير أحد النشاطات المميزة والناجحة والتي ستضاف إلى سجل الإنجازات الخاص ضمن الجمعية تحت باب النشاطات المميزة والناجحة والممتعة والصعبة. كما أنه غدا محطة هامة في ذكرياتنا التي تتحدث عن خبرة وقدرة الجمعية وشبابها وصباياها على تجاوز أصعب المغامرات والتي لا يستطيع غيرنا القيام بها».

أما عما حققه النشاط إحصائياً فتقول بأن عدد المشاركين في هذا المسير كان 38 شاباً وشابة، وكان 90% من خط المسير مائياً ويجري ضمن المجرى المائي مما جعله مسيراً مائياً بامتياز، مشيرة إلى أن ما ميز المسير عن غيره كان مجموعة من العوامل تعددها بالقول: «تم تنفيذ المسير بشكل دقيق كما هو مرسوم على الخريطة، حيث وصل المشاركون إلى نقطة النهاية التي كانت مقررة وهي بلدة مصيص التحتى والتي لم نصلها في مسير القصاص ومسير السلمندر اللذين جريا في عام 2009. في الثلث الأول غادر قائد النشاط خالد نويلاتي خط السير بسبب مرافقته لأحد المصابين إلى قرية العنانيب وتم تكليف الكادر التنظيمي بمتابعة خط السير وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ نشاطات الجمعية، وأصبح المسير بإشراف الكادر التنظيمي الذي أثبت أنه أهل لمثل هكذا مهمة وعن جدارة. أما العامل الأهم فهو العثور وتوثيق تواجد حيوان الخنزير البري، وبذلك تكون الجمعية قد تحققت من وجوده في هذه المنطقة بشكل قطعي. ونود هنا أن نشكر كل الذين شاركوا بهذا المسير الرائع والذين تكبدوا عناء مغامرة الاستكشاف رغم صعوبة تضاريس هذه المنطقة. كما أننا نود أن نشكر كل الذين دعموا الجمعية وسعوا لإنجاح نشاطها هذا وخصوصاً السيد محافظ اللاذقية ومدير ناحية جوبة برغال وأهالي بلدة العنانيب والشكر كبير لمجلس إدارة الجمعية وعلى رأسهم رئيسها الدكتور باسل حكيم والكادر التنظيمي وخصوصاً فريق الطوارئ من اللجنة المركزية للإدارة والتنظيم بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الفرعية للإشراف والتنسيق بالجمعية».

من المسير المائي

يذكر بأن الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق تأسست رسمياً في 7 كانون الثاني من عام 2008، بترخيص رقم 133 صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وقد تمت الموافقة أيضاً على أن تكون نشاطات الجمعية شاملة لكافة الأراضي السورية، ويتألف مجلس الجمعية من كل من الدكتور باسل حكيم كرئيس لمجلس الإدارة، نائب الرئيس المهندس رضوان نويلاتي، أمين سر الجمعية وقائد نشاطاتها خالد نويلاتي. كما أن الجمعية تقوم سنوياً بمسيرات بمعدل مسير كل شهر، إضافة إلى مبيتين شتويين الأول في أول السنة والثاني في آخرها، بالإضافة إلى المخيم الصيفي، ومن أشهر مكتشفات الجمعية العام الماضي 2009 مغارة سؤادا في محافظة السويداء والتي تعتبر من أكبر المغر الموجودة في سورية.


أحمد بيطار

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من المسير المائي للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق في ناحية جوبة برغال

من المسير المائي للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق في ناحية جوبة برغال

من المسير المائي للجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق في ناحية جوبة برغال

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق