في تعاون إبداعي فرنسي-سوري غير مسبوق

من طروادة (ق.م) إلى دمشق 2008 «أندروماك» تدغدغ الخيال وتلامس شغاف القلب

03/حزيران/2008


لم يكن يخطر على بال يوريبيدس الشاعر و«الدراماتورجي» الإغريقي (480- 406 ق.م) في أشد حالاته تفاؤلاً أن أعماله المسرحية ستعيش ما يزيد على الـ 2400 سنة وأنها ستخلد كملهمة للمبدعين المسرحيين على امتداد العصور، فيقدمون على إخراج أعماله وتقديمها على خشبات المسارح كتحف فنية يزيدها التقادم ألقاً في إجماع نقدي عالمي.

إنتاج رباعي مشترك
ها هو المخرج الفرنسي الشهير جان كريستوف سايس الذي قدم على خشبات مسارح عالمية أعمالاً لشكسبير وميترلنك وبرنار ماري كولتس، يعود ليوريبيدس ليقدم تراجيدياه «آندروماك» في حدث فني وإبداعي لافت في أبعاده العابرة للحدود الزمكانية وألوانه القوس قزحية المذيبة لكل أشكال الجليد، تعيشه دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 التي تشهد افتتاح العرض الدولي الأول للمسرحية بتوقيع إنتاجي مشترك لمهرجانات دولية هي: ليالي فورفيير (الرون- فرنسا)، أثينا (اليونان)، برشلونة الإغريقي (إسبانيا)، واحتفالية دمشق بالشراكة مع المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، وبدعم من كولتورفرانس ومديرية المسارح والموسيقا في سورية.

وآندروماك المسرحية حدث فني لافت أيضاً لكونه مشروعاً فرنسياً- سورياً معداً خصيصاً لاحتفالية دمشق ويتصدى للعمل فيه، على الصعيد التمثيلي تسعة فنانين سوريين وخمسة فنانين فرنسيين يؤدون أدوارهم باللغتين العربية والفرنسية، وفي مقدمتهم الفنانة السورية المبدعة حلا عمران (البطلة آندروماك)، والفنانة الفرنسية السيدة فاليري لانغ (غريمتها هيرمون).

الجوانب الملحمية
على مقربة من صرير الأسلحة ورحى المعارك والحروب الطروادية والإسبارطية، وملاحم الأبطال الخالدين منتصرين أو مهزومين والتي لا تزال تشخص نحو مآثرهم الأسطورية الأنظار، ثمة جوانب إنسانية عميقة الأثر لا تقل إثارة أو ملحمية عاشتها الشخصيات الملاصقة لتلك الأحداث بتداعياتها وصراعاتها وأبعادها، في حالات من الخيبة والمرارة والأسى والشجاعة والإقدام، وفي تداخلات تبرز فيها مشاعر متناقضة مرة وغاضبة ضبابية مرة أخرى وصريحة تصيب الحقيقة مرة ثالثة، في أشكال «ربما» من الانهيارات والمواجهات التي تلامس شغاف القلوب. ومن بين تلك الشخصيات «آندروماك» و«هيرمون»، وسنكتشف بعد أيام الرؤى الإخراجية وطرق المعالجة والخيارات التي ارتأى الفرنسي سايس تقديمها على خشبة المسرح، لكن من المؤكد أنه من طروادة إلى راميتا الخشبة السورية حيث يقدم العرض على مدى ثلاثة أيام ابتداء من مساء الأربعاء القادم، ستدغدغ قصة آندروماك مشاعرنا وتقرع أبواب خيالاتنا وهي تنبش تفاصيل لحالات إنسانية لصيقة بالنفس البشرية.

لانغ: سورية بلد الآلهة والشعر..
وقعت في غرامها

إلى ذلك الحين دعونا نتعرف إلى ما قالته لـ«الوطن» كل من الفنانتين الفرنسية فاليري لانغ والسورية حلا عمران عن تراجيديا آندروماك وعن فكرتها ومشروعها ودلالاتها. وكحدث فني مشترك غير عادي تقول عنه السيدة لانغ إنه مهم جداً بالنسبة لها، فعدا عن كونها فضولية- كما تصف نفسها- وأنها تحب العالم العربي ولا تعرف عن الشرق الأوسط إلا الأفكار المسبقة من وجهة النظر الفرنسية، فإن قدومها إلى سورية نابع من خيار سياسي قبل أن يكون فنياً، واختيارها من قبل المخرج للعمل في سورية، يأتي في إطار الحلم بتبادل أقوى بين فرنسا وأوروبا وبين سورية والشرق الأوسط.

لانغ تؤكد لـ«الوطن» أنها لم تقبل المشاركة في هذا المشروع فقط لأداء شخصية هيرمون، فلو اقتصر الأمر على ذلك لما كانت بحاجة إلى المجيء، لكن العمل المشترك السوري والفرنسي على أرض سورية والتي من المرجح أن تكون آندروماك قد خرجت منها كان محفزاً لها للمجيء، وبالنتيجة – تعقب لانغ- أنها اكتشفت أن هناك صدى إيجابياً لعملها في سورية، وأنها وقعت في غرام دمشق وتعيش متعة كبيرة لكونها تعمل مع فنانين سوريين. ولا ترى لانغ أن المسرحية لها علاقة بفكرة التقاء الشرق بالغرب، وتعد هذه الفكرة تمييزاً معاصراً يستعمل كأداة، فهي تشعر هنا في سورية كأنها في وطنها «جزء من الأوروبيين هنا ولا يوجد سوريون بشكل كاف في أوروبا».

ورهان المسرحية بنظرها ليس قراءة للعمل عبر إسقاطات للأحداث والقضايا تخص الشرق والغرب، إنما اللعب على طبيعتين مختلفتين في الأدوار النسائية، فرضهما القدر بطريقة تسلتزم مواجهة «واحدة منهما مجمدة بالألم والأخرى تواقة للحرية التي تحصل عليها بفضل ذكائها».

والمهم بالنسبة للسيدة لانغ «إقامة عمل فني بخلاف الحدود والأفكار المسبقة»، وعن نص يوريبيدس تقول «كتابته معاصرة جداً وليس مهماً فيه الجانب الأسطوري أو الملحمي بقدر ما هو معاصر، فآندروماك امرأة تعيش بيننا الآن من حيث الطبيعة البشرية أو البعد السايكولوجي للإنسان».

وحول خشبة مسرح راميتا تقول لانغ: «إنها جيدة.. كبيرة، وبذات الوقت قريبة من الجمهور، ما يخلق حالة حميمية وإن كنت أفضل أن تقدم المسرحية في بصرى حيث توزيع الصوت أحسن». وترى أنه بمثابة حلم أن تؤدي على خشبة مسرح تحضر فيها الأفكار والشعر.. ولفتها أن السوريين يحبون الشعر وأعجبها فكرة ملتقى «بيت القصيد» الأسبوعي في فندق الفردوس مشددة على أن تذكر بالاسم «رولا الركبي الرائعة مديرة الفندق ولقمان ديركي مؤسس ومدير بيت القصيد حيث يتم تداول الشعر وإلقاؤه إذ لا تستطيع هنا أن تتحدث عن خيال، أنت في مسرح والمسرح يبدأ من هذه العلاقة الحقيقية».

وبالعودة للحديث عن مسرحية «آندروماك» ومعاصرتها تقول لانغ: «إلى الآن هناك من يبالغ ويقول نحن مسيرون بالقدر، ولا يملكون خيار مواجهة المآسي إذ يتركونها تقضي عليهم ولا يتخذون قرارات حيالها».

وفي عملية ربط بين زمن كتابة المسرحية ومكانها وبين زمن تقديمها هنا في دمشق، ترى الفنانة الفرنسية «أنه كان هناك تعدد للآلهة، وهنا في سورية بلد الأديان وبلد الآلهة، ففي ذات الشارع تشاهد الكنيسة إلى جوار الجامع وهذا مشهد استثنائي ومميز وإن كان كل يدافع عن إلهه فهم متحدون» وتربط لانغ أيضاً آندروماك بالشرق «آندروماك مقاومة وليست شهيدة. لا تضحي بحياتها إنما تقاتل من أجل الحياة بينما تعاني هيرمون وتأتي رؤيتها للأمور ضيقة عدا كونها غير متسامحة».

عمران: أحمل أحزان آندروماك
وأنا أشبهها جداً
عن تجسيدها لشخصية آندروماك تقول الفنانة السورية حلا عمران: «كممثلة لا يهمني الدور أياً كان، ما يهمني بشكل أساسي هو التجربة بحد ذاتها أو المشروع كفكرة». وعدا عن إعجابها بنص يوريبيدس عامة فإن عمران أبدت شديد إعجابها بفكرة آندروماك عربية: «فكرة آندروماك عربية كانت مغرية بالنسبة لي، ومجرد التصور أنها عربية عند اليونانيين أعطاني أيضاً بعداً مختلفاً».

ولا ترى عمران أن آندروماك وهي قادمة من طروادة إلى الإغريق وأصلها من آسيا «كبعد جديد» أنه بعيد عن النص الأصلي: «التصور الذي بني فيه العرض وعلى هذا الأساس مثير للاهتمام»، وحول مسألة أن تقوم بدور مكتوب في نص قديم جداً مثل آندروماك تقول حلا عمران: «لا يمكن أن تخرج المسرحية من كونها تأتي في 2008 ومن كوني سورية ومن معاصرة النص فالأهمية هنا أهمية فكرة وأهمية إنسان».

وكشفت عمران وانطلاقاً من مناخ المسرحية ومكانها أنها تحمل أحزانها كحلا عمران، وهي تلتقي مع آندروماك كسورية وعربية وهي في الحياة تشبهها جداً.

أما عن خصوصية التجربة بالعمل مع فريق فرنسي، فترى أنه ليس هناك فرق في أن تعمل مع فرنسي أو عربي أو سوري، فالمسألة تتعلق بالبشر وآليات التعاطي وخصوصية هذا التعاطي بصرف النظر عن الجنسية، والمهم بالنسبة للفنانة حلا عمران هو فكرة التقاء التجارب إنسانياً وفنياً وما يشكله ذلك من متعة في الاكتشاف والتعلم وتلاقح التجارب والمعارف.


شونيفيس: فرصة طيبة لأن تكتشف مسارح العالم الفنان السوري
السيد جوليان شونيفيس مدير المركز الثقافي الفرنسي والملحق الثقافي لدى السفارة الفرنسية بدمشق، تحدث لـ«الوطن» عن المشروع كفكرة وتعاون ثقافي فني إبداعي بين سورية وفرنسا، وعن أجواء التحضير له وما يمكن أن يحققه من صدى فقال: «قبل أي شيء فإن الإنتاج الدولي الضخم والكبير في المهرجانات الدولية الأربعة (ورد ذكرها) انطلقت من دمشق، إذ شهدت دمشق عمليات التصميم والتدريبات في نهاية شباط ولمدة 15 يوماً وكانت فقط مع الفنانين السوريين، ثم بدأت في فرنسا وللمدة نفسها شارك فيها قسم من الفنانين السوريين لتعود من جديد إلى دمشق في 27/4/2008 حيث التدريبات المكثفة يومياً ولمدة 10 ساعات كان المخرج خلالها موجوداً يومياً».

أما عن الفكرة فتعود –حسب شونيفيس- للمخرج الذي قرر أن يقدم نص يوربيدس تحديداً بالتعاون مع العالم العربي، وعندما عرف أن هناك ممثلين متميزين في سورية وأن دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 قدم المشروع للاحتفالية.

وحول كيفية تعاطي أمانة الاحتفالية مع المشروع، شدد شونيفيس بأنها اهتمت بالمشروع وخاصة أن العاملين في المسرح لديهم فكرة جيدة عن سايس وقرروا أن يدعموا المشروع، ثم جاء المركز الثقافي الفرنسي ليدعم المشروع.

وشخصياً يؤكد شونيفيس أنه اهتم أن يرى هذا المشروع النور هنا في دمشق لكونه يسمح للاحتفالية ولسورية أن تكون متاحة وحاضرة في ثلاث مدن أوروبية تحتضن مهرجانات عالمية يقف وراءها إعلام كبير، وهذا بحد ذاته صدى طيب للاحتفالية لكونها منتجاً مشتركاً، ذلك أن الجمهور في اليونان وإسبانيا وفرنسا لديه فرصة اكتشاف ممثلين سوريين على خشبات المسارح هناك وخاصة أن نص يوربيدس يعتمد على مزج اللغتين العربية والفرنسية.

وأشار الملحق الثقافي إلى أن مهرجان قرطاج يفتتح فعالياته بـ«آندروماك» كمستضيف للعرض وليس كشريك في الإنتاج. وأشار إلى أن المركز الثقافي الفرنسي كان عمل منذ سنتين على استقدام المخرج جان كريستوف سايس إلى سورية لتقديم رائعته «في عزلة حقول القطن» لبرناركولتس لكن أجندته يومذاك لم تكن لتسمح، لكننا بقينا على اتصال دائم معه وهذا ساهم بأن يفكر سايس بسورية، وعندما جاءها مؤخراً شعر بالندم لأنه لم يتمكن من تقديم عرضه السابق فيها.

بطاقة المسرحية:
آندروماك ليوريبيدس
عرض باللغتين العربية والفرنسية، مترجم.
إخراج: جان كريستوف سايس.
سينوغرافيا: جان كريستوف سايس وجان تارتارولي، مساعدة المخرج: رنا يازجي، إضاءة: جان تارتارولي، أزياء: مونتسيرا كازانو.




الوطن


مواضيع ذات صلة
- أندروماك، في أثينا بعد دمشق
بالعربية والفرنسية مع ترجمة باليونانية

- العرض المسرحي: «أندروماك ليوريبيدس»
علاقة بين التضاد والجذب

- أندروماك للمخرج الفرنسي جان كريستوف ساييس
التضاد بين الجذب والنبذ وبين الانبهار وعدم الفهم

- الفن والجنون «لؤي كيالي نموذجاً»
محاضرة لسعد القاسم في الثقافي الفرنسي بدمشق

- فيلم «فان غوخ» في الثقافي الفرنسي بدمشق
ختام أفلام «سير الفنانين» في نادي السينما

- ما لم يعرض من حياة فاتح المدرس
فيلم وثائقي في المركز الثقافي الفرنسي

- «لؤي كيالي» في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق
- «محمد علي» في معرضه الفردي الأول بالثقافي الفرنسي
خمس سنوات من العمل المتواصل على مشروعه

- فيلمٌ وثائقي في الثقافي الفرنسي يتناول حياة فاتح المدرس
- تبو كوفان في ثلاث أمسياتٍ في سورية
كوفان هو احد عازفي الغيتار الذين أجمع النقاد والجمهور على موهبته

- خالد الساعي يُحلِّق في فضاءات الخط العربي
في معرضه بالمركز الثقافي الفرنسي

- حروف حية تنطق بالأفكار والمشاعر
معرض للفنان خالد الساعي في دمشق

- أمسية موسيقية لثلاثي زفير في الثقافي الفرنسي
عمل موسيقي يغوص في جذور الكلاسيكية الأوروبية وألحان التانغو الهادئة

- معرض الأيقونة والصورة في المتحف الوطني
تلاقي الحضارتين الإسلامية والمسيحية في بلاد الشام

- أمسية غنائية لأعمال المؤلف الإيطالي جياكومو بوتشيني
إن لم تؤمن بنفسك، فلن يؤمن بك أحد

- الفيلم الصامت «تحت سماء دمشق» يُعرض مع موسيقى حية
أطياف من الحياة الدمشقية في الثلاثينات

- حفل فني للموسيقي العراقي نصير شمّه
إحياءً لذكرى ملايين اللاجئين والنازحين

- فعالية جديدة ضمن «ألف تحفة وتحفة»
دمشق من أولى دور الضرب السورية التي أصدرت نقوداً بين 333-323ق.م

- عاصمة الثقافة العربية تحتفل في الآرت هاوس بمشروع السفن الفينيقية
استعادة مغامرة البحارة الشجعان

- حلم سعد الله ونوس في ذكرى رحيله الحادية عشرة
- عروض موسيقية ومسرحية تجوب شوارع عاصمة الثقافة العربية

تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر