حلم سعد الله ونوس في ذكرى رحيله الحادية عشرة
29 05
نظمت دمشق عاصمة للثقافة العربية فعالية بمناسبة مرور إحدى عشرة سنة على رحيل الكاتب الكبير سعد الله ونوس أقيمت في بلدته حصين البحر، التي استقبلت الوافدين من إعلاميين، وكتاب، وشعراء، ومسرحيين ومحبين لإحياء ذكرى علم من أعلام الثقافة وصاحب بصمة في المسرح السوري والعربي اعترف به العالم عندما كُلّف بكتابة كلمة يوم المسرح العالمي، و«الذي سيظل حاضراً دائماً» كما جاء في كلمة الدكتورة حنان قصاب حسن الأمين العام لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية التي افتُتحت بها الفعالية.
أضافت: «إن هذه المناسبة هي فرصة لنتذكر فيها سعد الله ونوس الكاتب الكبير الذي استطاع أن يعيش تلك اللحظة المتأججة بين الحياة والموت والأمانة يسعدها أن تحتفي بسعد الله ونوس في حزيران بعمل "أحلام شقية" من إخراج الدكتورة "نائلة الأطرش"». تلاها كلمة للدكتور عجاج سليم المدير العام للمسارح والموسيقا الذي استحضر مقاطع مما جاء في كلمة يوم المسرح العالمي: «ما يحدث الآن ليس هو نهاية التاريخ»، ليؤكد أهمية ونوس الذي «أضاء الظلمة» واصفاً إياه بفيلسوف الفقراء والمضطهدين الذي ذكرهم بأن «السماء لا تمطر ذهباً». «إننا مسكونون بالمسرح لأن غداً هو يوم آخر فإننا نلتقي ونجتمع هنا، ولأن ما يحدث لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ، تاريخنا الذي نريد أن يكتبه عمالنا وفلاحونا ومسرحيونا، إنه المسرح الذي علمنا إياه ونوس ليطير بأجنحة الحرية وأصر دائماً على الدفاع عنه، لأنه يعني الدفاع عن الناس فسعد الله هو المعلم وبارقة الأمل الذي يعيدنا إلى المسرح عندما تطغى الكراهية الشجاعة عندما ينوس بين الموت والحب».
كانت زوجة سعد الله ونوس فايزة شاويش آخر المتحدثين، بدأت بكلمات لسعد الله ونوس «إننا محكومون بالأمل» معبرة عن أنها كلمات تفوّه بها ونوس رغم مرضه «ويقينه بأنه راحل خلال فترة وجيزة»، وأضافت: «جميعنا يعلم أن حضارة الشعوب تقاس بعدد مبدعيها وتكريمهم والاعتراف بقدراتهم على الارتقاء بمستوى بلدهم»، عندما اعترف الغرب بالمبدع السوري كُلف سعد الله بكلمة يوم المسرح العالمي التي ترجمت إلى كل لغات العالم، واليوم يعيد التأكيد من خلال مشاركته الفعالة في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية».
توجه بعد ذلك الحضور إلى ضريح الكاتب سعد الله ونوس حيث قام أعضاء من تجمع «بيت القصيد» بتقديم مقاطع شعرية أهدَوها لروح ونوس وهم: عادل محمود، وغياث المدهون، ومناف محمد، وسونيا سليمان، وسامر إسماعيل.
سامر عمران وطلابه في تحد للسائد
بعد ذلك عبرنا مع «العابرون» إلى عالم المسرح: عشْق سعد الله ونوس الأول، لنشاهد عرضاً قُدم على مساحة في الملعب البلدي لطلاب السنة الثانية - قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، أشرف عليهم الدكتور «سامر عمران»، عن نص «العميان» لموريس ميترلينك، ليس ليقترح شكلاً جديداً في المسرح فقط ولكن ليخوض طلابه امتحاناً في تجريب مبتكر لطريقة خلاقة تضع الطلاب أمام اختباراتهم الحقيقية والصعبة على كل الصعد، بدأت من العمل على نص شعري رمزي يحتاج إلى الكثير من الغوص في عالم صوفي متخيل، والكثير من القدرات الانفعالية والصوتية عندما كانت خشبتهم مساحة مقتطعة من أماكن موجودة في الشارع ممتدة إلى نهاية يقررها الطلاب وهم يقطعون مسافة خلاصهم، خرجت عن القوانين الكلاسيكية المعهودة للمسرح، والذي يطرح أيضاً شكلاً جديداً للجمهور، ولا سيّما أنه تنوع في حصين البحر بتنوع أهل القرية والحاضرين، لكنهم جميعاً تحركوا مع تحرك العرض تحت سطوة أولئك العميان، ليكون الممثل وأدواته أسياد العرض المسرحي، يصنعون بقدرتهم حدود خشبتهم الملتحمة مع الجمهور، في سينوغرافيا الفراغ الذي انتظم بارتجال اقترب من الاحتراف، ليعود ذلك الألق إلى ورشات العمل البحثية، عندما كسروا السائد وأبعاد الفضاء ومفاهيم ونظريات ترسخت لوازم في مسرحنا المعطل مرة بسبب المنهج ومرة بغياب الهم الحقيقي والإبداعي للمسرحيين، لنعيش مع سامر عمران تجربة مشرقة لمدرس في المعهد اختار أسلوباً جدياً للتعاطي مع طلابه الذين نجحوا أيضاً في السيطرة على فضائهم المقتطع بكل تفاصيله المادية من فضاء الجمهور الذي كان متورطاً عندما صدق بأنهم عميان، فبدؤوا يرشدونهم إلى الطريق ويساعدونهم على قطع مسافة ما أو يدخلون إلى عالمهم المفترض المتخيل ليكونوا جزءاً من العمل، فاحتفلنا في نهاية العرض مع سامر عمرا وطلاب دفعته بنجاح ذلك التحدي الصعب الذي يحمل كل الجدية في النظر إلى أسلوب التعليم في المعهد العالي للفنون المسرحية وإلى المسرح بصفته عالماً إبداعياً خربه الكثيرون.
الختام
انتقلنا بعد «العابرون» وفي الساعة الثامنة مساء إلى مدرسة حصين البحر لنشاهد عرضاً مسرحياً قدمته فرقة «كون» عن نص لسعد الله ونوس بعنوان «جثة على الرصيف» بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني. واختتم الحفل بأمسية فنية للمطرب سومر النجار.
الوطن