فيلم وثائقي في المركز الثقافي الفرنسي 24/شباط/2009
يعتبر فاتح المدرس من أهم الفنانين التشكيلين في سورية وواحداً من أعمدة الفن التشكيلي المعاصر في العالم العربي. وبمبادرة من نادي السينما (نظرات سورية إلى السينما الفرنسية)، عرض في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق المادة المصورة الكاملة لفيلم عن الفنان المدرس من إخراج عمر أميرالاي ومحمد ملص وأسامة محمد. وتقدم المادة عرضاً كاملاً لحياة المدرس من الطفولة حتى لحظة تصوير الفيلم بحوار مفتوح على البوح الذي يظهر فيه المدرس بعفوية الكبار أمام الكاميرا.
أما ما لم يعرض من حياة المدرس فهو المادة المصورة الكاملة (الراشز)أي ما حذفه المخرجون الثلاثة لاعتبارات عديدة، فنية بمعظمها.
يظهر المدرس في الفيلم وهو يقوم بعملية سبر وجداني وبوح من أرشيف ذاكرته ليستعيد من خلال الحوار العفوي صور الطفولة في حلب المدينة والريف، وصورة الأب المقتول نتيجة خلاف عائلي على الميراث، ولحظات من حياة الطفل اليتيم الذي سيغدو فاتح المدرس عندما يكبر، ويستذكر المدرس مراحل الدراسة في حلب ولبنان، ولحظات من حياة البرية في ريف حلب. ثم يستطرد في الحديث عن حياته الخاصة ومأساة فقدانه ولديه في سن مبكرة، هذه الحياة المثخنة بجراح القدر تظهر مواجهة المدرس لها بشجاعة ربما لا يملكها غير المبدعين.
لم ينسَ المخرجون الثلاثة أن يتركوا لفاتح المدرس ممارسة أرقى حالاته الإبداعية، فهو في أغلبية المشاهد يظهر ممسكاً فرشاته ممارساً الرسم قي حالة إبداع أمام إحدى لوحاته.
تذهب المادة المصورة لتعرض النظرة الفلسفية التي يتمتع بها المدرس، وتفتح له الباب ليبرز موقفه من الفن والحياة والعلاقة بينهما، وهو القائل: «لم يعد الفن مرحاً». ثم يستعرض علاقته بالكائنات والأشياء والأماكن من وجهة نظر تنجلي ارتكازاتها الجمالية التي تتجلى في رؤية بواطن هذه العلاقة والموقف الذي يتخذه المدرس تجاه كل ما هو شرير ومخرب للجمال ومخرب للطبيعة الإنسانية التي تغلف كلمات المدرس ووجهات نظره.
يبدو المدرس أمام لوحته -كما ظهر في المادة المصورة- في حالة سعي دؤوب وراء قيم الجمال، وفي بحث دائم لتحريضها وإخراجها من حالة الكمون التي ربما تعيشها في بعض اللحظات.
أعقب عرض المادة المصورة مناقشة أدارها المخرج أسامة محمد وأستاذ مادة المسرح الحديث في المعهد العالي للفنون المسرحية أسامة غنم بحضور المخرج عمر أميرالاي والفنان أحمد معلا.
بدوره تحدث الفنان التشكيلي أحمد معلا عن حياة المدرس المفعمة بالنشاط والحراك الفني والإنساني والثقافي، مستطرداً إلى العلاقة الشخصية التي كانت تربطهما ،لكنه تمنى لو أن الفيلم قد صور قبل الفترة التي أنجز بها، لأن «المدرس بدا متعباً من حمل السنوات الثقيلة» كما رأى معلا، ورغم اعتراضه على بعض الأفكار التي أوردها المدرس أثناء حديثه، إلا أنه أكد على أهمية هذه الشخصية التي لعبت دوراً هاماً ليس على الساحة التشكيلية فحسب، بل على الساحة الثقافية والسياسية أيضاً.
أخيراً أجاب المخرج عمر أميرالاي على أسئلة الجمهور التي تمحورت حول علاقة المخرجين الثلاثة بالمدرس قبل إخراج الفيلم أو بعده، وهنا أكد أميرالاي أن صداقة كانت تربطه بالمدرس منذ عام 1964، لكن هذا لم يمنع من إبراز الشخصية محور الفيلم كما هي بدون رتوش، وأكد أميرالاي أن هذه الصداقة بين المدرس والمخرجين لا تمنع الاختلاف في وجهات النظر بينهم إن كان في السياسة أو الفن أو الحياة، لكن هذا لا يحول دون الاعتراف بأهمية المدرس كواحد من أعمدة الفن التشكيلي في العالم العربي. ورداً على سؤال «اكتشف سورية»: «كيف يستطيع مخرج الفيلم الوثائقي أن يحافظ على مهنيته وحرفيته في إظهار شخصية هو يعرفها وعلى احتكاك معها في فيلمه الوثائقي؟»، أجاب أميرالاي: «المهنية والحرفية هي عامل زمن وممارسة، فالمخرج هنا قادر على الفصل بين وجهة نظره الخاصة وعلاقاته الخاصة بمكان، وما يجب أن يعرض أمام الجمهور وما تفرضه الأمانة والمصداقية المهنية».
|