مسيرة باتجاه واحد من الشمال إلى الجنوب 28/تشرين الأول/2008
أزهر عيد القراءة -الذي لم نستطع حتى الآن استيراده وتوطينه كما فعلنا مع عيد الحب- في المركز الثقافي الفرنسي، وككل عام تعددت الفعاليات الثقافية الهامة ومنها محاضرة للوكيل الأدبي بيير آستييه حول التبادل بين الشمال والجنوب، وحوار الثقافات وتبادل الكتب والأفكار بين العالمين الفرانكفوني والعربي. بداية يشير آستييه إلى عدم رغبته باستعمال مصطلح شمال وجنوب لما له من وجوه سياسية واقتصادية لكنه يريد الكلام عن عالمين لغويين يتبادلان نقل واستيراد الكتب. وفيما يلي تلخيص لمحاضرته:
النشر باللغة الفرنسية
يعود هذا النشر إلى أكثر من قرنين، وتعتبر فرنسا وهولندا، ومعهما ودول أخرى، من أهم صناع الكتب في العالم، وثمة مجموعات نشر أوربية هامة، إذ بات النشر خاضعاً لمجموعات كبيرة عملت طويلاً في صناعة الكتاب وتجديدها وتطويرها منذ أكثر من قرن. النشر الفرنسي هام جداً، وقد خطا خطوات لافتة: مثل كتب الجيب والكتاب المصور والكتاب الخاص بالشبيبة والصغار، وتعتبر البلاد الفرانكفونية عاملاً مساعداً في هذا المجال لأن التنظيم الدولي للفرانكفونية يضم 68 بلداً على مساحة القارات الخمس، ما يشكل كتلة مهمة من الناطقين بالفرنسية. تصدر فرنسا 68 ألف كتاب سنوياً ويصدر عدد مماثل في بلجيكا. أما الرساميل الكبرى التي تتعامل بنشر الكتب فتتمركز في باريس وبروكسل وجنيف وبعض الأماكن في كيبيك وثمة عواصم رئيسة أخرى مثل بيروت وداكار وبعض جزر هاييتي.
في العالم العربي
يقر السيد آستييه بأن عملية بيع الكتاب مهمة في كل مكان والسوق العربية هامة وجذابة وتعد بمستقبل مع وجود 280 مليون عربي على هذه المساحة. ربما لم يتمتع العالم العربي بتاريخ في مجال صناعة الكتاب كما الغرب، فليس لديه البنية التحتية أو سلسلة الكتاب، فالناشرون العرب ليسوا أكثر من مطابع، رغم وجود تراث للنشر في بعض الدول العربية كمصر ولبنان والمغرب. يوجد في العالم العربي 1000 ناشراً نشروا 3000 عنوان باللغة العربية والفرنسية والإنكليزية، وهذا قليل جداً، وكثير منها كتب مدرسية. وبسبب غياب شبكة نشر الكتاب في العالم العربي باتجاه الدول الأخرى وأوربا، لا يكون التقيد بالعقود الموقعة دقيقاً، وهذه نقطة أساسية على المستوى التشريعي لابد من تحديدها فيما يتعلق بالتبادل مع أوروبا وأمريكا وغيرها، وهذا لا يتم إلا بتوقيع عقود واضحة تحدد كيفية نشر واستثمار الكتب. ومازال النشر في العالم العربي مهنياً حرفياً بسيطاً مع وجود نشر على مستوى الدولة فما تزال مؤسسات الدولة تلعب دورا هاماً في ذلك.
عوامل جذب
هناك أمران يجذبان الناشرين إلى إنتاج الكتاب في العالم العربي أولهما: دعوة معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 للجامعة العربية للمشاركة، وهكذا تم تمثيل 22 دولة دفعة واحدة، ما خلق مهرجاناً لدور النشر والحوارات واللقاءات، حيث اكتشف ناشرو العالمِ الناشرين العرب؛ وعلى أرضية ذلك قام معرض لندن هذا العام بدعوة العالم العربي كضيف شرف فيه. وقد لاحظنا كمسوقين وجود تغير هام في العالم العربي من حيث حوار الثقافات. في السنوات الـ 15 الماضية، كنا نستهلك ونتابع الكتاب الأمريكي والمنتجات الأمريكية لكن ثمة تحولاً باتجاهات أخرى اليوم.
والترجمة ليست بخير
كي تحدث التبادلات بين عالمين كبيرين كالعالم العربي والعالم الفرانكفوني، لابد من وجود الترجمة وهي عملية مكلفة جداً. تترجم اليونان أكثر مما يترجمه العالم العربي بخمسة أضعاف! ثمة مبادرات في مصر والإمارات (برنامج "كلمة وقائمة بألف كتاب" للترجمة). أما بما يتعلق بالترجمة من الفرنسية نحو العربية، يوجد عدة برامج دعم لمساعدة النشر والترجمة قُدمت لعدة وزارات ومؤسسات في الدول العربية، وثمة منح ومعونات للمترجمين ليمضوا ستة أشهر في فرنسا لتحسين إمكاناتهم اللغوية لترجمة الكتاب الفرنسي إلى العربية. ثمة تنافس كبير بين الناشرين الفرنسيين لتصدير الكتاب الفرنسي إلى العالم العربي دون أن يحاولوا ترجمته إلى العربية.
تصدير الكتاب العربي
قليل جداً من الكتب العربية تجد طريقها إلى المكتبات الغربية، وهذا التصدير مكلف جداً، وقليل من الناشرين العرب من يفعل ذلك. ويتم التوزيع مباشرة دون وجود استراتيجية في عملية النشر والتوزيع والإعلان. مع تزايد وتسارع أعمال النشر، ثمة إمكانية لأعمال نشر مشتركة بين ناشرين غربيين وعرب لإنتاج كتاب يتقاسمان العمل فيها طباعة وإخراجاً فنياً وكذلك من حيث التمويل، وهناك خبرات كبيرة اليوم في العالم في هذا المجال، مثلاً كتعاون ناشري الشمال مع الجنوب لإنتاج نفس نسخة الكتاب بأكثر من لغة ليوزع في أكثر من بلد للوصول إلى قراء أكثر، وهذا ما نسميه حوار الثقافات والحضارات ليحصل التبادل الثقافي بين الشمال والجنوب، بين الناشرين بالفرنسية و الناشرين بالعربية، فثمة تاريخ مشترك بين بلدان هاتين الكتلتين الكبيرتين. يجب أن تنشر الكتب في كل الاتجاهات وليس باتجاه واحد من باريس إلى بيروت إلى دمشق، ويجب أن يكون ثمنه متوافقاً مع قدرة القارئ على الشراء وهذا ما يعيه الناشر الجيد.
|