عيد القراءة في الثقافي الفرنسي
02 كانون الأول 2007
أعياد للقراءة أم مجالس تأبين للكتاب؟
الطريف في هذا الموضوع أن البلدان العربية بشكل عام تعد من أكبر المناطق انتشاراً للأمية في العالم، فهناك أكثر من سبعين مليون أميّ في العالم العربي حسب الإحصاءات الرسمية للمؤسسات التربوية، لذلك فإن استحداث عيد للقراءة يبدو وكأنه مجرد ترف فكري ليس إلا، خصوصاً في ظل عجز المؤسسات الثقافية العربية عن تبني خطط طويلة الأمد وفعالة من أجل دعم صناعة الكتاب التي راحت تهددها أكثر محنة في هذا العصر الجديد.
في كل الأحوال، فقد تمكنت الدول والهيئات العالمية من تكريس البرامج والخطط في سبيل إعادة مجد الكتاب أو المحافظة على وجوده كأدنى تقدير، فالتحذيرات العالمية تشير إلى إمكانية اندثار الكتاب الورقي في ظل اكتساح العصر الرقمي وسيادة الثقافة الجديدة أذهان الجيل الجديد في مختلف البلدان، كذلك فإن العزوف عن القراءة تبدو محنة ستواجه البشر بشكل متفاقم في الفترات القادمة، بغض النظر عن ثقافاتهم وجنسياتهم، وذلك انسجاماً مع تغير الاهتمامات والأدوات وطرق التعبير والاتصال.
فمنذ عام 1986، أصبح للقراءة عيدها العالمي الذي تحتفل به مختلف المؤسسات الثقافية ودور النشر في العالم بمشاركة الكثير من الشخصيات الثقافية والأدبية الهامة، حيث يتخلل هذا الاحتفال الكثير من الفعاليات والندوات النقدية والعروض السينمائية التي تمجد الكتاب وتؤكد على أهمية القراءة وحسن التقاط النصوص عند الجيل الجديد، خصوصاً في ظل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا التي راحت تهدد إلى حد بعيد ذلك الشكل التقليدي الذي عرفناه للكتاب الورقي، وفي ظل عزوف الشباب عموماً عن اكتشاف تلك المتعة كمصدر رئيس للمعرفة تبعاً لاختلاف الاهتمامات وظهور الكثير من الأدوات الجديدة التي استحوذت على عقول النشء الجديد، فجعلته يعيش ما يشبه العزلة ليس على صعيد القراءة فقط، بل حتى على صعيد العلاقات الاجتماعية أيضاً.
في هذا الإطار، جاءت نشاطات المركز الثقافي الفرنسي في هذه المناسبة، التي اشتهر بها كل عام، كي تحاول ملامسة متعة القراءة والكتابة من خلال تجارب شخصيات ثقافية وفنية كان لها إنجازها المعروف على هذا الصعيد وذلك بالتعاون مع خمس دور نشر سورية: دار المدى ودار كنعان ودار الأهالي ودار أطلس و دار بترا، حيث يحاول الجميع هنا الاحتفاء، على طريقتهم، بالكتاب والكتابة ومتعة القراءة.
فعاليات عيد القراءة تنوعت هذا بين المحاضرات التي ألقت الضوء على الأعمال الكلاسيكية والإبداعات المعاصرة من الكتابة إلى النشر، كما تضمنت عروضاً سينمائية حول الأدب، وعقد لقاءات لاكتشاف الرواية السورية والفرنسية والفرنكوفونية والتحاور معها، كما تناولت أحوال النشر الراهنة في العالم. الغاية من كل ذلك كما يؤكد القائمون على هذا النشاط، هي إيقاظ الفضول بالإضافة إلى إرساء أسس تفكيرٍ حول دور الكتاب اليوم ومكانته في فضاء الفن.
رافق تلك النشاطات معرض للكتب الفرنسية أقامته المكتبات الفرنكوفونية: مكتبة العائلة ومكتبة يونيفرسيل ومكتبة شاشاتي، وذلك في بهو المركز الثقافي الفرنسي بدمشق.
تحولات النشر في العالم
تحت هذا العنوان تحدث جان-إيف مولييه عن الصعوبات التي يواجهها النشر جراء تحجيم حصته في سلّم الأولويات بشكل عام، إضافة إلى أسباب تتعلق بظهور الكتاب الإلكتروني. فالكتاب الإبداعي يخضع لضغوطات الأسواق التجارية التي ترفض الخوض في أية مخاطرة، الأمر الذي يجعل مهمة الناشر أكثر صعوبة. لذلك فإن جان-إيف مولييه يقترح تفكيراً حول الرقمية وقراءة الكتب على الشاشة المسطحة.
جان-إيف مولييه أستاذ في التاريخ المعاصر، مدير قسم دكتوراه "الثقافات، المنظمات، والتشريعات" في جامعة فيرساي سان كانتان أن إيفلين. متخصص في النشر والكتاب والقراءة، ونشر العديد من الكتب بهذا الصدد، كما شارك في تنظيم أول ندوتين حول التاريخ العالمي للنشر: شيربروك، 2000 وسيدني 2005، وهو مدير ومؤسس المرصد العالمي للنشر المعاصر. نشر مؤخراً الطبعة الثالثة من كتاب: إلى أين يمضي الكتاب؟
الميثولوجيا في أعمال برنار-ماري كولتيس
جان-كريستوف ساييس تناول تجربة برنار-ماري كولتيس في كيفية إعادة إحياء الشخصيات الميثولوجية، لاسيما في مسرحيات "سالينجر" و"روبرتو زوكو" و"في عزلة حقول القطن" في محاضرة تخللها حوارٌ مع الجمهور حول تلك النقاط انطلاقاً من تجربة كريستوف في الإخراج المسرحي والتدريس عدة سنوات في المعهد الوطني للمسرح في بريطانيا.
عزلة أخرى لستيفان ميتج
هو عنوان الفيلم الوثائقي الذي وصف بأنه يعيد رسم مسار تصور وتطور ثالث في إخراج لمسرحية «في عزلة حقول القطن» لبرنار ماري كولتيس على يد المخرج باتريس شيرو، وقد حاول أن يصور المسار التدريجي لعملية الابتكار التي تتطور أمام أنظارنا بدءاً من القراءة الأولية على الطاولة واستكشاف الأماكن وجلسات التمرين والعمل على الإضاءة وصولاً إلى تقديم المسرحية. فقد قدم هذا الفيلم شهادة مثيرة حول الإبداع المسرحي!.
محاضرات وعروض أفلام
تناول أستاذ الأدب الحديث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى جمال شحيّد الروايةَ السوريةَ من الزاوية الاجتماعية، وذلك في ظل انتعاش السرد ومنافسته للشعر كفن شهير عند العرب بشكل عام.
كما ألقت إيزابيل أوسّير محاضرة حول نهاية الأدب الروائي، طرحت فيها السؤال الإشكالي الشهير الذي يشغل بال النقاد هذه الأيام: "هل الأدب الروائي مهدّد، مثلما تدفع العديد من العلامات إلى الاعتقاد؟ هل ينبغي أن نعلن مرةً أخرى موت الرواية؟" كما قدم كريستيان بيتر أستاذ الأدب المقارن في جامعة آفينيون سلسلة محاضرات تناولت تجربة الكتابة ومستقبلها في هذا العصر المليء بالتطورات.
تحدث بيرتران لافون، الباحث والخبير في علم الآشوريات، عن أصول الكتابة فتناول الألواح المسمارية في المتاحف السورية ومشروع "المكتبة الرقمية السورية للنصوص المسمارية".
محاضرة الكاتب ياسمينة خضرة أو "محمد موليسهول"، وهو الاسم الحقيقي لذلك الضابط الجزائري الذي ترك الجيش كي يتفرغ للكتابة، كانت بعنوان "الشرق والغرب : حوار طرشان أم تلاعبات". تحدث فيها عن سوء الفهم الذي يجعل الغرب يواجه الشرق، عن العبثية التي تنسل بين العلاقات الإنسانية، عن سوء المعرفة التي تخفي الإسهامات الفنية والثقافية والفلسفية، وعن علاقته بالآداب وعن اختياره للغة الفرنسية، وعن الروابط التاريخية والعاطفية التي تربطه بها.
كما تضمنت الفعاليات عرض فيلم "الأرواح الرمادية" من إخراج إيف أنجلو، وهو مقتبس عن رواية بنفس العنوان لفيليب كلوديل، بطولة كل من جان-بيير مارييل، جاك فيلريه، مارينا هاندز، جوزيفين جابي، سيريل توفونان، دوني بوداليدس. كما عُرض فيلم "مارغريت على حقيقتها" إخراج دومينيك أوفراي.
في النهاية
كلمة واحدة يمكنها أن تلخص واقع الحال العربي في هذا الإطار، فأمة (إقرأ) لم تعد تقرأ على الإطلاق، هذا ما تشير إليه الأرقام والإحصاءات، خصوصاً إذا ما تحدثنا عن فئة الشباب الذين راحوا يغرقون في اهتمامات العصر وتقنياته التي لا تحصى، لذلك فإن المتطلبات التي تقع على عاتق المؤسسات الثقافية والتربوية بدأت تقرع ناقوس الخطر في آذان المسؤولين عن هذا الشأن، وأيضاً أمام المثقفين والكتاب وجميع المهتمين بشؤون النشر والكتابة، كي يستحدثوا الخطط ويبتكروا الأساليب من أجل إنقاذ الكتاب أو إعادة الاهتمام بالقراءة بشكل عام.
زيد قطريب
اكتشف سورية